Monday, May 26, 2008

سوء الإدارة بين الوطن ككل وأحد مؤسساته

يتوقف نجاح أى مؤسسة على أمرين لاثالث لهما : قيادة مؤهلة مدربة تعى الظروف المؤثرة على عمل المؤسسة والتحديات التى تواجهها وتضع الخطط اللازمة لمواجهة تلك التحديات، وتوافر الموارد الضرورية لتحقيق خطط المؤسسة لأهدافها. وفى كل الأحوال يبقى الهدف الأساسى لأى إدارة هو حسن استغلال الموارد المتاحة وتفعيل قيمتها واستغلالها فى تحقيق الأهداف الواقعية للمؤسسة. وبالمثل فإن الوطن .. أى وطن لايعدو أن يكون مؤسسة عملاقة تحتاج إلى المقومات السابقة على نطاق أوسع وأكبر. لذلك تسمى مؤسسة الرئاسة بكاملها فى أمريكا "الإدارة الأمريكية". أقول ذلك وأنا أحاول جاهدا أن أغالب مزيج الإحباط والقرف الذى يصيبنى كلما اقترب تاريخ 5 يونيه من كل عام .. تاريخ الهزيمة المروعة التى منينا بها نتيجة لسوء إدارة الوطن وتبديد موارده. ماحدث فى يونيه 67 كان نتيجة طبيعية لسوء إدارة الوطن لما يقرب من خمسة عشر عاما، مقارنة بنصر أكتوبر العظيم الذى لايمكن أن يكون إلا نتيجة لحسن إدارة الوطن وموارده لمدة لاتزيد عن ست سنوات .. وهذا بالضبط هو الفرق بين السفه فى تبديد الموارد والحكمة والتدبر فى استغلال تلك الموارد لتحقيق نتائج مبهرة. الذين لم تتح لهم فرصة حقيقية للقتال فى 67 هو أنفسهم القيادات العسكرية الذين حققوا نصر أكتبر المعجز. فى 67 هزمنا فى ستة أيام، وفى 73 انتصرنا فى ست ساعات. هذا هو الفارق والأسباب التى ينبغى أن نلتفت إليها حين نتحدث عن هذين الحدثين الهامين فى تاريخ الأمة العربية كلها. الغريب أننا فى ذكرى الهزيمة كما هو الحال فى ذكرى النصر تكون الدموع عاملا مشتركا بين حزن الأمة وسعادتها. أخاديد الدموع التى حفرتها هزيمة يونيه على وجه الأمة، إزدادت عمقا باغتيال قائد نصر 73 الذى اتخذ أشجع قرار حرب فى التاريخ الحديث للأمة العربية ..قتله تحالف أصحاب المصلحة فى الداخل والخارج فى اختفائه من ساحة النضال الوطنى حين أحسوا أنه يمثل تهديدا لأطماعهم وخططهم فى أعداد المسرح لفوضى ممنهجة – أطلقوا عليها تمويها "الفوضى الخلاقة "- تشيع الاضطراب والقلاقل التى تغطى على قضية فلسطين، وتحرم المنطقة من قيادة تاريخية مؤثرة، وتزلزل الكراسى من تحت حكامها وتسهل لهم – تحت أى زعم – احتلال منابع البترول لتأمين صناعتهم واقتصادهم، وتحكم قبضتهم على المنطقة لصالح الحليف الاستراتيجى الدائم إسرائيل لكى يظل ميزان القوة باستمرار لصالحها.
وسوف أنتهز الفرصة التى يعجز فيها بهاليل الناصرية وحملة مباخرها عن الكلام حيث لايجدون مايقولون فى الهزيمة سوى تسمية مضحكة تثير الرثاء تخفيفا من وقعها والدمار الذى لحق بالأمة كلها من جرائها لكى أعطى بعض الأمثلة للتخريب الذى منى به الوطن ومهد لكارثة الهزيمة من وجهة نظر الإدارة:
· رئيس الدولة غلب عواطفه على مصلحة الوطن والأمة فجاء بصديقه وهو غير مؤهل بكل المقاييس وعينه قائدا أعلى للقوات المسلحة ومنحة أو ترقية فى التاريخ من رائد إلى مشير دفعة واحدة. نفس الفساد الذى يحدث فى بعض المؤسسات فيتم التعيين فى وظائفها الكبيرة بالواسطة . والقياس هنا مع الفارق فى حجم الضرر فى الحالتين. ولابد أن يتبع ذلك بداية تكوين طبقة أرستقراطية جديدة من العسكريين يتمتعون بكل الاستثناءات التى كان يتمتع بها النبلاء فى أوروبا فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر على حساب عامة الناس . وطبيعى أيضا أن تتكون مراكز قوى من أصحاب المصالح يدافعون عن مصالحهم وامتيازاتهم.
· لم يكتفى رئيس الدولة بذلك وإنما تراخى فى مراقبة أداء المؤسسة التى تحمى أمن الوطن، ولم يتخذ أية إجراءات تصحيحية تعيدها إلى وظيفتها الفعلية حين إندمج القيادات فى شئون الكرة وإدارة النقل العام وبدأ تقليد إسناد المناصب المدنية فى مؤسسات الدولة مكافآت نهاية خدمة للمرضى عنهم وسدنة النظام من غير المؤهلين لإدارة المؤسسات الاقتصادية، ومن ثم تتسع رقعة المحسوبية والفساد ويبدأ إنهيار الكيان الاقتصادى للدولة.
· غطت أحلام بناء إمبراطورية عربية بزعامة مصر ورئيسها على المصالح القومية العليا للدولة وسمح لقواتنا المسلحة أن تتورط فى حروب عربية إقليمية لاتمس مصالح مصر العليا ولا أمنها، وتسببت تداعياتها فى فقدان مصر لحلفاء استراتيجيين كانوا أول من وقف معنا وساندنا باستخدام سلاح البترول فى 73 حتى تحقق النصر. وطبيعى بعد أن تنهك القوات المسلحة فى حروب عصابات مضنية ألا تكون مستعدة لخوض حرب مع خصم متربص ومستعد تسانده أكبر دولة فى العالم حين يفاجئنا بالهجوم. وطبيعى أن يتسبب تضارب المصالح هنا فى تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة فتجيئ القرارات لخدمة صاحب المصلحة على حساب مصلحة الوطن.
· الاستقواء على جيران مصر وكلهم أصحاب مصلحة وكان يمكن بشيئ من الحكمة أن يكونوا حلفاء استراتيجيين يكونون جبهة تواجه إسرائيل بدلا من تزكية الخلافات بينهم ، وتصغير شأنهم، والتشفى فيهم، ونعتهم فى الخطب بأوصاف لاتليق. وقد ردوا جميعا الجميل بأحسن منه بعد الهزيمة حين سخرت أجهزة الإعلام لديهم كل إمكاناتها للسخرية من النمور الورقية التى حاولت إخافة إسرائيل فاكتسحتها وهددت باحتلال القاهرة فى أقل من ستة أيام.
· سوء تقدير الموقف العالمى والأقليمى والمحلى، والفشل فى قياس رد الفعل والاستعداد له فى قرار " مظاهر الحرب " التى قصد بها "تهويش" العدو ولم يكن جيش مصر مستعدا بأى حال من الأحوال لحرب حقيقية بعد حالة الترهل التى أصابته ، والإجهاد فى خوض الحروب "قومية" ضد عصابات الجبال وقبائل اليمن، خاصة بعد أن أقصى القادة الجادين عن مواقع اتخاذ القرار أو حتى التأثير فيه (وأؤكد أنهم نفس القادة العظام الذين ثأروا لشرف مصر والأمة العربية فى 73 بقيادة أنور السادات)
· حذف كلمة "ديموقراطية" من قاموس الحياة السياسية المصرى، وانفراد الرئيس باتخاذ كل القرارات، ووأد المعارضة وتشتيتها وكتم أنفاسها فلايسمع إلا صوت واحد لرئيس يفهم فى كل شيئ ، ويصدر توجيهاته التى تفسر دائما على أنها أوامر ويتم ترجمتها إلى قرارات عشوائية غير مدروسة حرصا على رغبات محمومة وسباق هستيرى للمسئولين فى إرضاء الحاكم بغية الحفاظ على مناصبهم التى هى فى الأساس "منحة" من الحاكم.
· تعليق جرس الهزيمة فى رقبة كبش فداء أظهره النظام على أنه المسئول وحده عن الهزيمة وعن اتخاذ القرارات التى أدت إليها ومنها قرار الانسحاب العشوائى للجيش المصرى من سيناء والذى ترتب عليه مذبحة للآلاف الذين لاتزال جرائم الحرب التى اتخذتها إسرائيل بحقهم والمقابر الجماعية لجثثهم تتكشف كل يوم مخالفة لألف باء الإدارة فى أن مسئولية القرار وتوابعة مسئولية تضامنية بين الرئيس ومرؤسيه ممن فوضهم بالسلطة . وحين اعترف رئيس الدولة بمسئوليته عن كل ماحدث – وهو أمر بديهى لم يكن يحتاج لتأكيد – تم ذلك فى إطار تمثيلية تلعب على أوتار عواطف الشعب المسكين الذى كان مغيبا بجاذبية الزعيم وقدراته.. تمثيلية صاغها بعناية شديدة وحرفية عالية قلم الأقلام القريب من الزعيم والحارس الأمين على فكره وعقله، ولو كان جوبلز – وزير دعاية هتلر- على قيد الحياة يوم " خطاب التنحى" لرفع القبعة إجلالا واحتراما لمن صاغ الخطاب، ولمن روج بعد ذلك لكليشيه "النكسه"، ولمن حرك الناس لكى يصروا على أن يبقى الزعيم قائدا أعلى فى موقعه بدلا من أن " يعود إلى صفوف الجماهير جنديا عاديا". قمة الدجل السياسى عل شعب طيب مسالم لم يتوقع الخيانة من الداخل .. شعب كان لايزال فى غيبوبة الصدمة من الهزيمة المفاجئة المرة التى أفقدته توازنه.
فعل السادات عكس كل ذلك. استلم اقتصادا خربا مفلسا بعد أن كانت مصر أغنى دولة عربية حتى عام 1956 فأدار الوطن بكفاءة وحكمة، وحشد كل الطاقات لخدمة الاستعداد للمعركة، " واستغفل " الأعداء بذكاء الفلاح المصرى الفصيح بخطة خداع انطلت على من يتباهون بقدراتهم الاستخباراتية وتكنولوجيتهم المتطورة، وحارب بالإيمان معتمدا على الروح المعنوية لرجاله أكثر من اعتماده على الأسلحة القديمة التى لم يكن يملك غيرها، وعلى التخطيط الجيد للمعركة والقيادة بالقدوة للقادة العظام فى حرب اكتوبر (استشهد البطل عبد المنعم رياض على الجبهة وسط جنوده) فانتصرت الأمة العربية واستردت كرامتها التى أهدرت فى 67 واسترد سيناء كاملة بأوراق اللعب المتاحة له بعد أن تخلى عنه العرب. مات السادات واقفا. رفض أن ينحنى لرصاصات الغدرالتى كانت تهدف إلى تركيع الأمة واغتيال روحها مع روح البطل فى ضربة واحدة. مات السادات بعد أن مسح دموع الأمة وطبع قبلة على جبينها، وترك خلفه رؤى تنبأ بها ورسائل أراد أن تصل لأطراف الصراع فى المنطقة، ولقد صدقت كل الرؤى ووصلت كل الرسائل ولكن أحدا لايريد أن يفهم بعد...!

Wednesday, May 14, 2008

التغيير من القاعدة إلى القمة وكيف يتم؟!

تتجاوز مساحة مصر الكلية المليون وخمسمائة كيلومتر مربع بقليل، ولكن المساحة الآهلة بالسكان لاتزيد عن 6% من تلك المساحة ، بمعنى أننا لو قسمنا تلك المساحة على عدد السكان الحاليين لكان نصيب الفرد يقترب بالكاد من المتر المربع. ولست هنا بصدد مناقشة لماذا لايزال شعب مصر محدد الإقامة فى هذا الشريط الضيق من الأرض على الرغم من الوعود البراقة الكاذبة التى أتحفتنا بها الحكومات المتعاقبة لأكثر من نصف قرن واستطاعت أن " تخدر" أحلام الناس فى وطن تنمو موارده الطبيعية من خلال مشاركة أبنائه وانتشارهم جغرافيا لاستصلاح الأرض، واستخراج مافى باطنها. سوف أركز هنا على الوسيلة التى تضمن فرض التغيير المجتمعى الذى نريده والإصلاح الذى نحلم به لنا ولأبنائنا من بعدنا. أتحدث هنا عن نقطة البداية لهذا الإصلاح الذى ننشده، وكيف يمكن لنا كمواطنين يدافعون عن ملكيتهم فى الوطن بتغيير الواقع الذى أصبح يهدد بسلب تلك الملكية وبيع متر الأرض الذى يملكه كل منا فى مزاد علنى لكل من يطمع فى شراء الوطن بالقطعة.
والمترفى متر الذى أعنيه هنا هو المساحة التى يمتلكها كل منا وتخضع لسيطرته الكاملة، ولاتحتاج قراراته فيما يتعلق بطرق الاستفادة منها والوسائل التى يتبعها فى ذلك لأى قرارات سيادية أو قوانين أو محددات تعوق تحويل المتر فى متر الذى يملكه كل منا إلى خلية تشع خيرا وتجلب المنفعة للمالك والمنتفعين من أهله وذويه ومعارفه على السواء. وطبيعى أن تتفاوت مساحة الملكية الخاصة لك منا طبقا لمركزه، وعمله وحيثيات القرارات التى يتخذها لاستغلال كامل المساحة المتاحة له، ولكن يظل معنى المساواه فى الملكية بيننا دون تفرقة موجودا. هنا يمكن أن تكبر مساحة المتر المربع لكل منا لكى تستوعب مساحة الوطن كله . وقد يبدو الأمر فلسفيا فى شكله، ولكن المضمون بالقطع ليس كذلك لو نظرنا إلى ماأدعو إليه بشيئ من التدبر. بصراحة أنا أدعو هنا إلى أن يستصلح كل منا المتر المربع خاصته دون انتظار لأحد يتولى عنه عملية الإصلاح. فى الحالة الأولى نملك أن نتجنب الخطأ أو نصححه إذا وقع، أما فى الحالة الثانية فلا نملك إلا أن نعترض وأن نرفع أصواتنا بالشكوى، وقد يستجيب لشكوانا أو لايستجيب صاحب الحق فى اتخاذ القرار نيابة عنا بموجب التفويض الذى منحناه له. فى الحالة الأولى نحن ساده أصحاب قرار، وفى الثانية نحن تابعين نستجدى قرارا بمنحة أو عطية أو رفع ظلم. فى الأولى نتأكد من سلامة السفينة ووجهتها، وفى الثانية نكتفى بأن نحجز مكانا على السطح نتلهى بالمناظر المتتابعة عن المخاطر التى قد تعترض سفينة تسير دون بوصلة.
إذا وضع كل منا أساسا متينا على المساحة التى يملكها لاستطاع أن يتوسع أفقيا ورأسيا فى البنيان الذى يترجم رسالته فى الحياه والتى يترجمها إلى مواقف وإنجازات وأفكار . يمكن لكل منا أن يحقق المعجزات فى مساحة الوطن التى يملكها بالكامل ويحولها إلى قاعدة لإطلاق صواريخ حلم التنمية والإصلاح الذى ننشده. خاصية النجاح فيما أدعو إليه هى " الإيجابية والمبادأة " فى التخطيط واتخاذ القرار وتحديد الأهداف واختيار الوسائل التى تحققها باستخدام الموارد المتاحة لكل منا . وكلما نجحنا فى زيادة تلك الموارد كلما كان باستطاعتنا أن نزيد – ليس فقط مساحة المتر المربع الذى نملكه – وإنما أيضا قيمته. حين يفعل كل منا ذلك وعينه على الوطن فلابد أن يتحد الملاك فى كيانات أكبر للدفاع عن مصالحهم من خلال " شبكة اتصالات " تتيح لهم مناقشة أمورهم ، واختيار أنسب الوسائل التى تجعل دفاعهم ومطالبهم مشروعة ومسموعة ومؤثرة. وكلما نجحنا فى توسيع دائرة أصحاب المصلحة فى وطن نسكنه ويسكننا كلما اتسعت رقعى المتر المربع لكل منا حتى تستوعب ملكياتنا الصغيرة فى الوطن مساحة الوطن كله . الأب الذى يحسن تربية أبنائه كمواطنين يعون حقوقهم وواجباتهم ، متحضرى السلوك، حبين للخير، ذوى ضمائر حية، يحسنون عملهم، واعيين لدورهم كمواطنين صالحين يسهمون فى تحسين جودة الحياه فى الوطن الذى يعيشون فيه، لاشك أنه يوسع من مساحة المتر المربع، ويوسع نطاق تأثيره ليشمل خلية متكاملة من المواطنين الواعين الفاعلين. والمدرس الذى يكتشف مواهب طلابه، ويحرص على أن يكون قدوة لهم، وحفزهم على التنافس الشريف والإبداع والابتكار، يفعل نفس الشيئ فيمتد تأثيره إلى وضع اللبنات الأولى للتطور العلمى لبلده. والعامل أو الحرفى الذى يراعى الله فى عمله، ويتقاضى أجره الحلال عن عمل يتسم بالجودة وعدم الاستغلال، ومثله التاجر الذى لاينتهز فرصة حاجات الناس إلى بضاعته فيغالى فى أسعاره أو يتلاعب فى الأصناف التى يبيعها، كلاهما يفشى قيم السلوك النبيل والمحبة والتعاطف بين أبناء الوطن الواحد. والنائب الذى يتعايش مع مشاكل الناخبين، ويسعى بإخلاص لحلها، ويستخدم نفوذه النيابى فى منع أذى الحكومة وقراراتها غير المدروسة على مقدرات الناس يتسع متره المربع ليشمل كل دائرته المؤيدين له والحريصين على استمراره نائبا لهم يعبر عن مطالبهم ويسعى لتحقيق طموحاتهم. وجمعيات المجتمع المدنى غير الحكومى التى تعمل فى مجالات التنمية المجتمعية وبناء القدرات الذاتية للناس للقضاء على الأمية ومساعدة المحتاجين تتسع رقعة ملكيتهم بمقدار اتساع نطاق خدماتهم للمجتمع ويصبح تأثيرهم طاغ على قطاعات عريضة من الناس الذين يثقون بهم وبقدارتهم. والمحامى الذى يتبنى قضايا وطنه ضمن مايتبناه من قضايا، فلايسكت على ظلم أو تجاوز فى حق مواطن ضعيف، ويقف فى وجه الظالم متسلحا بالقانون لايخشى فى الحق لومة لائم لايحتاج هو الآخر إلى توجيه أو أوامر من أحد لكى يفعل ذلك، بينما تتسع ملكيته فى الوطن بقدر القضايا التى خاضها دفاعا عن العدالة. والصحفى الذى يعتبر نفسه ترمومترا لحرارة الشارع ، ومرآة تعكس مشاكل الوطن كله، ويجيد التعبير عنها بقلمه، ويعرض قضايا المجتمع على الرأى العام، لايهاب تهديدا من صاحب نفوذ، ولايخضع لإغراء أو ابتزاز يكسب بدوره ملايين المؤيدين من قرائه تستوعبهم المساحة الضيقة التى يكتب فيها ولكن ملكيته فى الوطن تزيد إلى كيلومترات مربعة.
إذن يستطيع كل منا أن يستغل تأثيره على من حوله – فى حدود المتر المربع الذى يملكه – فى كسب عشرات الألوف من الأمتار المربعة التى يمتلكها من يتأثرون به ويقدمونها عن طيب خاطر أصواتا أو نشاطات أو تأييدا تحت الطلب لتحقيق مصلحة أو فائد مشرو ةعة يستفيدون منها جميعا. وحين يعى كل منا مقدار تأثيره فيما يملك، سوف نعى مقدار تأثيرنا – لو اتحدنا وتعاوننا – وإجماعنا بالأغلبية على مسار الوطن، وتوجهاته، ومقدراته ... التغيير يبدأ من هنا، فهل نعى الدرس ؟

Tuesday, May 06, 2008

المطبخ السياسى وتأثيره على صانع القرار

أسلوب الصدمة الذى اتبع فى إعلان حركة المحافظين وتعديل حدود المحافظات وإضافة محافظتين جديدتين ليس له فى نظرى غير معنى واحد : إن التشدق بأننا دولة مؤسسات ينبغى أن يتوقف حتى لانصبح مادة ثرية للسخرية فى المحافل الدولية ، وحتى لاتزيد فجوة الثقة بين الشعب والحكومة التى تفقد مصداقيتها بسرعة الصاروخ بعد أن كادت تصبح حكومة ظل لحكومة أخرى يبدو أنها تعمل تحت الأرض لكى تسير مصر بقوة الدفع الذاتى التى يعلم الله إلى أين ستأخذنا. لدينا مجلس للشورى المفروض فيه أن يناقش القرارات والقوانين قبل صدورها لكى نتفادى أية أضرار تلحق بالناس من جراء تطبيق القوانين نتيجة للثغرات التى قد توجد، وتجنبا لعدم الدستورية وهو أمر وارد نتيجة لترسانة القوانين التى ترصع رفوف المشرعين عندنا. ولدينا مجلسا للشعب يناقش هو الآخر أية قوانين قبل إقرارها لنفس الأسباب. ولدينا منظمات المجتمع المدنى المفروض أنها صاحبة الحق فى أبداء آرائها فى القوانين التى تمس جموع المواطنين الذى تدافع تلك المنظمات عن حقوقهم المشروعة فى المواطنة والمشاركة باعتبارهم على رأس أصحاب المصلحة فى كل ماينظم شئون حياتهم. ولدينا المثقفون وأهل الفكر والكتاب والصحفيين بفئاتهم المختلفة من أصحاب الرؤي الذين يمكن أن يسهموا بآرائهم فى التغييرات الجذرية التى تنوى الدولة أن تقوم بها. لدينا كل هؤلاء، ولكنهم طالعوا مثل أى عابر سبيل أنباء ماحدث فى الصحف بعد أن أصبح واقعا وقانونا واجب النفاذ.
كلنا لم نكن نملك سوى أن نمصمص الشفاه باعتبار أن ماحدث وجبة فاسدة أخرى تضاف إلى رصيد الوجباب الفاسدة التى يعدها المطبخ السياسى لصانع القرار ويخفى فسادها بالاهتمام بطريقة التقديم وتزيين الأطباق التى تقدم فيها.
وحتى حينما حاول وزير االأسكان والتنمية الإدارية أن يجملا الصورة بنفى أن قرارات تقسيم المحافظات لم تكن فجائية وإنما استغرقت الدراسة سنوات (طبقا لتصريحات وزير الإسكان فى مجلس الشعب)أو بناء على دراسة قامت بها إحدى الشركات العالمية المتخصصة لمدة تسعة شهور كاملة طبقا لتصريحات وزير الشئون الإدارية فإن ذلك يحسب على الحكومة وليس لها طالما توافر الوقت الكافى لمناقشة إعادة تقسيم حدود المحافظات مع كل أصحاب المصلحة كما تقدم. ولعل الأخطاء التى ظهرت بعد ذلك تقنع الحكومة بأن مادفع نظير الدراسة يساوى النتائج التى تحققت. أضطرت الدولة أن تتراجع بالتدريج عن الحدود التى صدر بها قرارات جمهورية لمواجهة بعض الأخطاء الفادحة أو نتيجة لضغوط شعبية اعترضت على التقسيم فى اليوم التالى مباشرة من صدور القرارات الجمهورية. وأضطرت بعد عدة أيام فقط – تجنبا للطعن بعدم دستورية القرارات – بأن تصدر تعديلا آخر يبقى " موقع " – ولا أقول حيا أو منطقة بكاملها – المحكمة الدستورية العليا على كورنيش النيل تابعا لمحافظة القاهرة بدلا من حلوان كما كان مقررا. المحافظات الجديدة ليس لها مقار، ولا وحدات لخدمة الجماهير، ولم يعلن بعد عن الإجراءات التى ستتخذ " لتغيير هوية " الناس الذين يقعون فى زمامها من لوحات سيارات إلى البطاقات الشخصية وحتى التعامل مع وحدات الإدارة المحلية، ولا أظن أن أحدا سوف يحاول فى القريب العاجل أن يوضح تلك المسائل للناس لأنى على يقين من أن المسئولين الذين فوجئوا بقرارات التقسيم سوف يظلون فاقدى التوازن لفترة طويلة لحين صدور توجيهات وتعليمات عليا تحدد لهم المطلوب كما هو الحال فى كل قرارات سيادية تصدر. والتقسيمات الجديدة تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وإلى "إعادة جدولة" لموارد كل محافظة لكى تتمكن المحافظات الجديدة من أداء مهامها، وفى نفس الوقت تعيد المحافظات القديمة التى قطعت أوصالها حساباتها وترتيب أوراقها على ضوء الموارد المتاحة لها بعد التقسيم. وسوف تعلن حروب خفية وظاهرة من قبل أصحاب المصالح السياسية والإقتصادية للدفاع عن مصالحهم، وليس خافيا ماتردد من أن ترشيحات لمحافظين الجدد تعكس تلك الحرب الخفية حتى فى صفوف الحكومة نفسها. بل إن البعض ذهب إلى الجزم بأن التقسيمات الجديدة إنما روعى فيها مصالح فئة من رجال الأعمال على حساب ضرب مصالح البعض الذين يراد تحجيمهم فى مجالات البناء والتشييد وإقامة المدن الجديدة.
وأى محلل منصف لايستطيع أن يتجاهل العدد الكبير من المحافظين الجدد الذين لايعرف الناس عنهم شيئا ولم "يضبط أحدهم متلبسا" بعمل قومى كبير فى محافظته يشهد له بالكفاءة وبعد النظر والقدرة على القيادة والإنجاز. بعضهم لايملك سوى عضويته فى لجنة السياسات، وبعضهم أثبت فشلا فى إدارة المؤسسات التى كانوا على قمة السلطة فيها فكيف يكافئوا بتعيينهم محافظين المفروض أن لهم سلطات رئيس الدولة فى الأقاليم التى سيتولون إدارة شئونها ؟ الدول الديمقراطية فى الخارج تختار مبدئيا المرشحين لمناصب المحافظين وحكام الأقاليم ، ولكنها تطرح أسماءهم على نواب الشعب لكى يقولوا كلمتهم أولا معبرين عن القواعد الشعبية التى يمثلونها قبل أن تصدر القرارات اللازمة بتعيينهم. وتظل مكاتب نواب الشعب بالمجالس التشريعية مفتوحة فى تواصل دائم مع الناس لكى يبدو آراءهم خلال فترات محددة وبطريقة منظمة تسمح بأن يصوت الناس لمن يرون أنه سوف يدافع عن مصالحهم ويحقق طموحاتهم. والدول الديمقراطية تتعامل بشفافية فيما يختص بالمنهج الذى يطبق فى اختيار من يتولى وظيفة عامة حساسة مثل المحافظ : تبحث فى خلفيته العلمية ، وفى ذمته، وفى سمعته، وفى إنجازاته وخبراته العملية التى تتناسب مع مسئوليات لمنصب الذى سوف يتولاه وأولها مهاراته فى الإدارة وقيادة التغيير والحلول الابتكارية للمشاكل والعمل تحت ضغط. أما عندنا فهى " طبخه " سياسية تخضع لعوامل معظمها شخصى يعتمد على الإنتماء والقدرة على تسييس الأمور، والمكافأة بتولى المناصب وتوزيعها لمن يصبه الدور وليس للأكفأ. وسوف يظل الناس فى مصر يتساءلون : "من هؤلاء وعلى أى أساس تم اختيارهم؟" ، وبالطبع لن يجيبهم أحد على تساؤلهم فالقرارات السيادية فى بلادنا لاتناقش ، وقريبا سوف يتبع حركة المحافظين تغييرات وزارية سواء محدودة أو موسعة وبنفس طريقة الصدمة التى اعتدنا عليها فلم يعد المواطن يفرق بين زيد أو عمرو مادامت الأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ، ومادام الحصول على رغيف الخبر سوف يظل هو المؤشر الوحيد الدقيق على نجاح أو فشل أى حكومة حالية أو قادمة فى توفير " العيش الحاف" لمواطنى مصر الصابرين.

تأثير المجتمع المدنى فى إحداث التغيير

جزء كبير من الطاقة المجتمعية تضيع فى جهود متفرقة تدعو للإصلاح، أو تحاول أن تحدث تغييرا فى السلوك الجمعى العام . ولاأدرى لماذا لم أستطع مقاومة إغراء أن أؤصل لهذا السلوك فى محاولة لرسم خريطة طريق لمزيد من التفكير الإيجابى الذى بدت ظواهره فى اجتماع أصحاب المصلحة على اختلاف فئاتهم على إسماع أصواتهم للمسئولين ، والدفاع عن حقوقهم بالطرق المشروعة ، والإصرار على نيل تلك الحقوق وعدم الاستكانة للمسكنات التى تلجأ إليها الحكومة لكى تسوف أو تكسب الوقت لكى تموت المشاكل موتا طبيعيا بفعل الزمن والنسيان . ولعل الوقفة الجادة التى يقفها أبناء دمياط بكافة طوائفهم ، يساندهم محافظ الإقليم وقلة من أعضاء مجلس الشعب من إنشاء مصنع "أجريوم" للكيماويات تعد مدخلا جيدا لما أحاول أن أناقشه. ولن أفيض هنا فى سلامة موقف أهل دمياط وشجاعتهم فى الدفاع عن حقهم وحق المحافظات المتاخمة لهم كالمنصورة فى بيئة نظيفة وصحية لهم ولأولادهم ، ولا وطنيتهم فى الذود عن مصادر الثروة الطبيعية التى حبا الله بها محافظتهم فقد سبقنى الكثيرون الذين أضم صوتى إلى أصوتهم جميعا، ولكنى سوف آخذ مايحدث كمثال يوضح الفرق بين الطريقة التى تنتهجها حكوماتنا فى تناول أخطر المسائل التى تمس حياة الناس وصحتهم، والطريقة التى تتبعها الحكومات الديمقراطية فى الخارج التى تهاب الرأى العام والقوى الشعبية وتحالفها فى تناول نفس المسائل. الحكومات هناك تخشى أن يطاح بها استجابة لرأى الناس فيها، وعندنا يبدو أنهم يزدادون قوة كلما زاد سخط الناس عليهم .
قوة المجتمع المدنى هى كلمة السر فى إحداث أى تغيير مجتمعى يقوده المجتمع وأصحاب المصلحة فيه، وهذا بالضبط مايميز المجتمعات بالخارج عنا هنا. ولنأخذ لذلك مثلا واحدا يوضح قوة المجتمع المدنى. فى أمستردام عاصمة هولندا يوجد حاليا مقر منظمة "السلام الأخضر Green Peace" العالمية والتى تأسست عام 1971 من نشطاء يدافعون عن البيئة فى فانكوفر وكولمبيا البريطانية وكندا لكى تناهض التجارب النووية التى كانت تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية فى ألاسكا. أما الآن بعد أن اتسع نشاطها ليشمل الوقوف فى وجه كل مايضر البيئة برا وبحرا وجوا فإن لها مكاتب وممثلين فى أكثر من 42 دولة حول العالم. هذه الجمعية الأهلية التى بدأت بأفراد معدودين منذ مايقرب من سبعة وعشرين عاما أصبح لها الآن أكثر من 8ر2 مليون جهة وشخص من كل الجنسيات يدعمونها ماليا لإمدادها بالإمكانات والموارد اللازمة لكى تواصل رسالتها النبيلة فى حماية البيئة والدفاع عن الموارد والثروات الطبيعية التى تحفظ للإنسان صحته وتمده بغذاء نظيف ومنتجات زراعية وفواكه غير مهجنة تدمر خلايا جسده وتعجل بموته ودمار كوكب الأرض . هذه المنظمة التى أصبحت كيانا عملاقا مؤثرااستطاعت منفردة وبفضل أعضائها ومؤيديها أن توقف آلاف الانتهاكات من شركات عملاقة تتحصن بقوة النفوذ والمال لكى تقضى على الثروات الطبيعية أو تلوثها لكى تستخرج منها مكونات الإنتاج التى تحتاجها لتكسب من وراءها المليارات. وقفت هذه المنظمة أمام شركات عملاقة عاالمية ومتعددة الجنسيات تعمل مجالات أعمال الحفر والتنفيب فى أعماق البحار، أو فى قطع أخشاب الغابات أو التى تهدد السلالات المنقرضة من الحيوانات، أو شركات الكيماويات والأسمنت التى تلوث البيئة وتنشر أمراض الموت بالتساوى بين الناس. والسلاح الذى تستخدمه تلك المنظمة بسيط ولكنه فعال حيث تطلب من أعضائها الذين يعدون بمئات الملايين كما قلنا ان يقاطعوا الشركات التى لاتستجيب لندائها السلمى بالتوقف عن ممارساتها لتلويث البيئة مما يكبد تلك الشركات خسائر متزايدة لاتستطيع تحملها على المدى الطويل فتخضع للضغط الشعبى وتوائم بين احتياجاتها الطبيعية وبين بدائل أخرى تحظى بتأييد الناس فى الأسواق التى توزع أنتاجها فيها. ويساند جهد هذه المنظمة جهودا أعلامية جبارة تحرض المستهلكين على مقاطعتها مما يضمن الاستجابة الواسعة لأى حملة منظمة ترتبها لهذا الغرض.
أما عندنا فلدينا أكثر من ...ر18 جمعية أهلية مرخصة لانسمع عن نشاط عدد قليل منها شيئا يذكر وكأنها غير موجودة على الإطلاق. وعلى الرغم من أن إجمالى عدد منظمات المجتمع المدنى العاملة فى المجال الدولى لاتزيد عن 40 ألف فإن السمة الغالبة فى الدول النامية هى أن اعداد تلك المنظمات بها يفوق هذا العدد بكثير ( فى الهند مابين مليون إلى 2 مليون، وفى روسيا أكثر من 400 ألف) السؤال الهام الآن – بعد أن حسم أهالى دمياط القضية لصالحهم ولو مؤقتا – هو : أين منظمات المجتمع المدنى غير الحكومية من بين هذا العدد الهائل من الجمعيات الأهلية فى بلدنا ، ولماذا تركوا أهل دمياط يقفون وحدهم فى مواجهة سطوة الحكومة وأجهزتها فى مصر، وسطوة رأس المال والدفاع عن مصالح الشركات العالمية والمتعددة الجنسيات فى الخارج ؟ لابد أنها " ثقافة السندوتش" كما أسميها، تلك الثقافة التى أعتقد أنها وراء " جينات السلبية والأنانية " فى الشخصية المصرية والتى تجعلنا أحيانا لانتحرك إلا إذا كان هناك ضرر محتمل أو خطر مباشر سوف يقع علينا دون النظر إلى الخطر الكلى الذى يمكن أن يستشرى فى جسم الأمة بالتدريج فيضعفه ويهد كيانه. ثقافة السندوتش هذه تربى عليها ولايزال أجيال عديدة من المصريين ، رضعوها مع سنوات الإدراك الأولى وتتمثل فى الوصايا العشر التى يتلقاها الطالب الصغير قبل ذهابه إلى المدرسة كل صباح ويدور معظمها على الحفاظ على السندوتش وأن يأكله منفردا، وأن " يكون فى حاله " لايعبأ بما يدور حوله ولايشارك فيه. يتعلم الطالب أن يعيش فى جزيرة منعزله يهتم فقط بذاته، ويدافع فقط عن أغلى الأصول فى شنطة المدرسة وهو السندوتش. بل إن الطالب حين يعود من المدرسة آخر اليوم يكون عليه أن يقدم تقريرا وافيا عما حدث للسندوتش قبل أن يسأله أحد – بفرض أن أحدا سوف يسأله – عن مستوى أدائه فى المدرسة. طبيعى بعد ذلك أن نهتم بنظافة منازلنا من الداخل ولانهتم بنظافة الشارع، وطبيعى أن يمتد هذا التجاهل أحيانا لما يحدث حولنا ليشمل الوطن كله . ولو تعمقنا أكثر لاكتشفنا أن ثورة يوليو قد سعت – حتى دون أن تدرى – إلى تأصيل تلك الثقافة رغبة منها فى " تحييد" الشعب وتهميش دوره فيما يجرى من سياسات. غسلت أدمغة الناس بأن عليهم فقط أن ينشغلوا بأمور دنياهم الخاصة ، ولايكن لهم بعد ذلك أى دور سياسى أو ثقافى أو اقتصادى خاص مادامت الدولة سوف تقوم عنهم بكل ذلك وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية التى ينبغى أن تكون هى همهم الأول والأخير. ولعل ذلك يفسر الصحوة والحراك الاجتماعى الملحوظ لفئات الشعب على اختلاف طوائفة مطالبة بحقوقهم ودفاعا عن حقهم فى حياة كريمة آمنة. ترى هل يمكن أن تكون الوقفة المتحضرة المنظمة لأهالى دمياط بداية لعمل أهلى منظم يبشر بظهور كيانات أهلية عملاقة تنبع من حاجات الناس إلى أطر تجمعهم وتعبر عن رأيهم وتشكل قوى ضغط على صناع القرار يعملون حسابها قبل اتخاذ القرارات المصيرية التى تمس حياتهم وتجبرهم على التفاوض معها للوصول إلى حلول عملية يرضى عنها أصحاب المصلحة الأولى فى تحقيق السلامة والأمن والأمان على الأرض التى اختاروها وطنا لهم. إن على الناس أن تدرك أن التهاون فى الدفاع عن البيئة ضمن أشياء أخرى بالطبع هو من أهم الأسباب التى تشجع الطامعين فى تحقيق كسب سريع دون التزام بالحفاظ على البيئة فتصبح بلدنا بالتدريج مقلبا رخيصا للنفايات بأنواعها المختلفة. فليذهب الاستثمار الغير ملتزم إلى الجحيم فإن مليارات الدولارات التى نطمع فيها لايمكن أن تعوض المخاطر التى يتعرض لها الأجيال المتعاقبة من الناس لو وقعوا للشيطان على بياض أن يعبث بأرواحهم.