Wednesday, February 09, 2011

عروش وكروش من مصر

أنظمة الحكم الديكتاتورية المستبدة تخلق من خدم السلطان أباطرة فى كل أنحاء الأمة، يجلسون على عروش تحميها السلطة ويتمتعون بكروش تتسع لنهب أوطان بأكملها، ولايتنازلون طواعية عن مكاسبهم إلا إذا أطيح بهم بإرادة شعبية تسترد الحقوق الضائعة وترمى بهم فى مزابل التاريخ.
ماأثير أخيرا من ضياع 7ر2 مليار جنيه مساعدات لوزارة التعليم صرفت كلها دون أى عائد إيجابى ولازال التعليم على حاله من التدهور والانحطاط، ينبغى أن يكون مفاجأة لأحد فكل الدراسات الموضوعية الجادة وليست الحكومية بالطبع التى تمت من قبل تؤكد أن أكثر من 80% من تلك الأموال - ومعظمها قروض يسددها الشعب المصرى - تضيع فى أوجه صرف لاعلاقة لها بتحسين جودة التعليم وإنما على شكل مرتبات ومكافآت لفرق من المرتزقة وكثير منهم لاعلاقة له بالتعليم أصلا لامن قريب ولا من بعيد، وتجهيز مكاتب لزوم الوجاهة الإجتماعية وبدلات سفر للإستجمام والتسوق.. والمثار الآن عن تلك المليارات الضائعة لم يتناول باقى منظومة الفساد والإهمال فى التعليم العالى والذى ليس بأحسن حالا مما يدعونا إلى التساؤل : ماذا أفرخت تلك المليارات الضائعة، وعلى ماذا صرفت ؟ إن فساد التعليم فى مصر يطغى على أى عملية فساد أخرى فى مصر حيث لاتستنزف فقط موارد دولة فقيرة أكثر من ثلثى سكانها أميون لايقرأون ولايكتبون ويعيشون على وتحت خط الفقر وإنما تستهدف عقل الأمة ورأسمالها الفكرى والعلمى ممثلا فى أجيال تمثل مستقبل مصر وتتحمل دون ذنب جنته نصيبها من سداد ديون مصر والتى تبلغ 810 مليار جنيه بنسبة 79% من الناتج القومى .
نتائج المرحلة الأولى للمشروعات الستة لتطوير التعليم العالى فى مصر والتى مولها البنك الدولى بقرض للحكومة المصرية قدره 44 مليون دولار تصرف على خمس سنوات (2002 – 2007) وتليها مرحلة ثانية خصص لها مليار جنيه مصرى لخمس سنوات تنتهى فى ديسمبر 2012 نتائج هزيلة فى ظل عشوائية التخطيط؟ بعض تلك المشروعات أنجزت جزءا من الدور المرسوم لها لزوم التلميع الإعلامى ، ولكن المسئولين عنها لابد وأن يحاسبوا ويساءلوا عن ضياع المال العام على نشاطات لاتصب فى خانة تطوير التعليم وفى غير الأغراض المخصصة لها. ونتساءل ماهى المهارات التى اكتسبها أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وماهو العائد الفعلى من برامج تدريبية أرغموا على حضورها ولم يكتسبوا منها أية مهارات إضافية ، ومن الذين قاموا بالتدريب ومن الذى قام بتقييمها وقياس العائد منها ؟ أنا لاأتحدث هنا عن التقارير الورقية بآلاف الساعات من التدريب وأعداد من حضروا الدورات ، ولكن عن "العائد الفعلى" من وراء تلك الأنشطة على المنظومة التعليمية ككل.
أما عدد الجامعات التى لديها خططا استراتيجية ولو للخمس سنوات القادمة فيعد على أصابع اليد الواحدة، والوزير المختص صرح أخيرا – لافض فوه – أن التعليم ليس من أولويات الحكومة، والهيئة القومية للجودة والإعتماد والتى تصرف حاليا المليار الثانية من عمرها المديد لم تحقق على أرض الواقع بعد أربع سنوات من إنشائها سوى اعتماد عدد من مدارس الصفوة وكليات الجامعة يعد على أصابع اليدين.. الخلاصة أن المؤسسات المسئولة عن التعليم فى مصر والمفروض فيها أن تعتمد البحث العلمى منهجا لحل المشكلات التى تواجهها تضع العربة أمام الحصان وتقوم باعتماد بعض الكليات قبل اعتماد الجامعات التى تنتمى إليها تلك الكليات .. وتظل جامعاتنا بلا ترتيب بين جامعات العالم فى أى تصنيف محترم، وخريجونا لاتعتمد شهاداتهم فى الخارج ويطالبون بدراسات تكميلية تؤهلهم للوظائف التى يتقدمون إليها وتحتاج إلى دراسات متخصصة ، والبحث العلمى لاوجود له على خريطة مستقبل مصر.. فهل يجوز بعد ذلك أن نسأل: أين ضاعت المليارات؟

المزورون يعدلون الدستور

هل هناك استخفاف بعقول الناس أكثر من الذى يحدث فى مصر الآن ؟ ثورة شعبية بكل المقاييس ترفض إستمرار الظلم لعقد رابع ، تسقط نظام الحكم وتطالب بالديموقراطية وحكم الشعب وتطهير الفساد فيقال أن تعديل دستور البلاد لابد وأن يتم من خلال مجلس الشعب المزور المطعون فى شرعيته والذى كان المحرك الأول فى قيام الثورة؟
فى مصر قضاة وفقهاء دستوريون قدموا الحلول التى تحفظ لمصر كرامتها وتضمن خروجا آمنا لرئيس ظل يحكم لأكثر من ثلاثة عقود بمجموعة فاسدة أثرت وأسرها على حساب الشعب وتعفنت على يديها الحياة السياسية بأكملها فى مصر .. ويرفض الرئيس أن ينزل على إرادة الأمة ويترك منصبة لكى يختار الناس من يرونه أهلا للعبور بهم إلى المستقبل وينتشلهم من الضياع والخراب والقهر والهوان القومى الذى عانوا منه فى ظل حكم الرئيس الحالى .. ويضع الرئيس بعناده وإصراره على أن يكتب بنفسه سيناريو خروجه ويعهد لمن استعان بهم من معاونيه فى إخراجه لكى يأتى مقنعا ومؤثرا يعطى انطباعا بأن "كل" مطالب الثوار قد تحققت وأن كل القوى السياسية فى مصر شاركت فى الحل وتوافق عليه وتدعمه وتشارك فيه.
الثوار يعرفون أنه لن يتحقق شيئ مما ثاروا لأجله طالما أن من تسبب فى الحالة المتردية لمصر لايزال على رأس النظام محاطا بأكبر رؤوس الفساد ممن هيئوا المسرح لحكم منفرد ديكتاتورى يقصى كل المعارضة ويقصر الحكم على حزب واحد تعامل مع مصر على أنها عزبة خاصة يفعلون بها وفيها مايشاءون باعتبارهم ملاكها ومن يعمل فيها عبيد وخدم لابد أن يسبحوا بحمد سيدهم ليل نهار إذا أرادوا أن يهنأوا بالعيش فى العزبة .. ومن لايزالون يدافعون عن مصالحهم الخاصة ومكاسبهم التى اغتصبوها والثروات التى سرقوها يجتمعون بالرئيس وينظرون ويخططون لخروج يضمن لهم الإحتفاظ بثرواتهم وبما تبقى من ماء وجوههم قدر الإمكان .. يفعلون ذلك بدلا من الإعتذار للشعب وطلب الصفح والغفران وإبداء الندم على فعلوه وخضوعهم لحكم الشعب بعد ذلك إن شاء غفر وإن شاء حاسب وطبق العقاب العادل .
إجتماعات تدور ، ومجموعات تذهب وتجيئ ، ولقاءات مع أطياف مختلفة من القوى السياسية لايمثل أى منها الثوار حتى الآن .. ويحاول كل فصيل أن يتبنى مطالب الثوار ويسجل الكل المواقف دون أن يصلوا إلى حلول جذرية وإلتزامات معلنة للحكومة بتواريخ محددة للتنفيذ .. وفى كل اجتماع أو لقاء يرفع المطلب الأساسى للثوار بنزول مبارك عن الحكم وترك أمر البلاد للمصريين الذين حرموا من المشاركة فى حكم بلادهم طوال فترة حكمه منفردا بمعاونين يجيدون تزيين الباطل ، ويحكمون الحصار حول الشعب ، ويصوغون الدستور ومواده بطريقة تجعل من الحاكم إلها يمسك بيده كل مقاليد الأمور ويدير الدولة منفردا محصنا نفسه ومن حوله من أى رقابة شعبية أو حساب أو عقاب على ثروات البلاد التى أهدرت نهبت لصالح العصابة التى اغتصبت الحكم بالحديد والنار والنصب والفهلوة والقهر والظلم.
كل ماأرجوه الآن والشعب كله ومعه الشرفاء فى الدول الأخرى يقفون وراء الثوار أن يسارع الثوار فيختارون من بين أنفسهم قيادات تمثلهم وتحضر كل إجتماعات يدعو إليها نائب الرئيس أو رئيس الحكومة يدعمهم مجلس ينتخبونه من الحكماء – وهم كثر يشهد لهم تاريخهم الناصع البياض- يمدونهم بخبرتهم وآرائهم لكى يجمعوا بين حماس الثوار والمعرفة التى يتطلبها التعامل مع تدربوا على التفاوض والمناورة وكسب الوقت .. نيرون كان "يتسلى" وروما تحترق بالعزف على القيثارة ، وأخشى ان يتكرر المشهد فى مصر على مصطبة الحكم مصحوبا بالعزف على "الربابة".

فليتخذ آخر قرار شجاع فى حياته

إن كان لجيلى أى فضل في ثورة التغيير التى تحدث الآن فى مصر – وهى فى رأيى أنبل الثورات- فهو أننا كتبنا وقلنا كل مايتكشف الآن من فساد سياسى شامل وتخريب لمقدرات الشعب على يد عصابة يحميها البلطجية تحتل مواقعها حول الرئيس وتحكم مصر محتمية بسلطاته ، وألححنا إلى حد اليأس من كل إصلاح أن يتخلص النظام من هؤلاء ، وتنبأنا بكل مايحدث الآن وأكثر لو استمر الحال على ماهو عليه .. كنا نحسب أن صوت العقل سوف يتغلب فى النهاية وأن التغيير لابد آت وأن مصلحة الوطن سوف تنتصر وتعلو على أى مصالح شخصية وأن المسار سوف يتعدل وأن النظام سوف يقوم بتنظيف نفسه ذاتيا من الطحالب والمتسلقين الذين يخنقونه ويزينون له الباطل .. الآن وقد أرشدنا الشباب إلى الحل وإلى أقصر الطرق فى التغيير لصالح الوطن والأمة لابد لنا من أن نتوقف ونتأمل ونراجع ونقرر مستقبل مصر بقيادة من صنعوا التغيير وجعلوه أمرا واقعا.
صدر حكم الشعب وإرادته ياسيادة الرئيس ، وهو حكم لانقض فيه ولاإبرام ، وبذلك يصبح باتا لازم التنفيذ .. وبديهى أن من صدر ضده الحكم لايملك أن يختار موعد التنفيذ .. القاضى وحده – أى من أصدر الحكم– هو الذى يملك ذلك إن رأى أن هناك مبررات كافية تبرر تنفيذ الحكم .. وحتى لو تم تأجيل التنفيذ فإن ذلك لن يغير بحال من طبيعة الحكم وجوهر الحيثيات .. ويبدو ياسيادة الرئيس أنه فى حالتكم لم يقبل قضاة التاريخ مبررات التأجيل لأنك تحمل بحكم موقعك أوزار كل من حولك من الذين اخترتهم وسمحت لهم أن يستغلوا قربهم منك لكى يشيعوا الفساد ويستهتروا بمطالب الشعب وبتآمروا عليك وعلى مصر ويوصلوننا إلى الخراب الذى يحيط بنا من كل جانب الآن والأخطار التى تستنفذ طاقتنا وتنتظر الفرصىة المناسبة لكى تنقض على مصر فريسة سهلة يبتلعونها كما ابتلعوا غيرها بعد أن هيئوا الظروف لذلك.
أنا هنا – ياسيادة الرئيس – أدعوك وبصفة عاجلة أن تتخذ أشجع قرار يمكن أن تتخذه فى حياتك ، للتعجيل بتنفيذ حكم الشعب تغليبا لمصلحة مصر على على أى اعتبار آخر يكون وراء قرارك التمسك بإكمال فترة رئاستك ، وتنحيك عن السلطة فى الوقت الذى تحدده أنت .. نعلم ياسيادة الرئيس أن الكرامة والكبرياء قد تمنعك من أن تتنحى فورا امتثالا لهذا الحكم ، ونعلم أن المشاعر الإنسانية قد تؤثر على حكمك وقرارك فى تلك الظروف الحالكة التى يمر بها الوطن ، ولكنى وجيلى عشنا عهدين قبلك اتخذ فيها زعماءها قرارات أصعب بكثير من القرار الذى ننتظر منك اتخاذه حقنا لمزيد من الدماء ولمزيد من الخراب الذى يلحق بمصر ويتزايد كل يوم والأخطار التى تحيق بها وتهدد شعبها وأمنه وسلامته بما فى ذلك قرار التنحى الذى اتخذه رئيس البلاد لمسئوليته عن هزيمة 67 بغض النظر عما قيل عن حسابات مسبقة راهنت على عواطف الناس الذين رفضوا قرار التنحى وخرجوا يطالبون زعيم البلاد بالإستمرار ، وهو أمر لن يحدث بالقطع فى حالتكم.
لاأرضى لك ياسيادة الرئيس أن يكتب عنك التاريخ أنك بعنادك تعاقب شعب مصر على ثورتهم للتغيير لكى يستردوا – بأسرع مايمكنهم - حقوقهم الضائعة وثرواتهم المنهوبة وكرامتهم التى امتهنت بعد ثلاثين سنة من الصبر .. ولاأرضى أن يقال عنك أنك لم تهتم بالمليارات التى يفقدها الإقتصاد المصرى كل يوم نتيجة لتمسكك بموقفك ، وتجاهلك للأخطار الخارجية التى تهدد سلامة الوطن .. كل ذلك واضح لرجل الشارع البسيط ، وهو بالقطع لايغيب عنك .. لاتستكثر على الشعب استعجاله فى أن يأخذ مقدراته فى يده يحاول أن يعوض مافات بعد أن أعياه الصبر لثلاثين عاما من المحاولة .. تاريخك النضالى – ياسيادة الرئيس – فى كثير من النقاط المضيئة ، وربما لو كنت قد استجبت لنداءات المخلصين من أبناء هذا الوطن فى الوقت المناسب لكنا معا قد جنبنا البلاد ماتمر به الآن ولحققت مصر ماتستحقه من مجد ومكانة بين الأمم..ولاأرضى لك أن تقرأ وتشاهد وتسمع كل يوم مايقوله الناس ومايبدعه خيالهم فى وصف مايحدث ومسئوليتكم عنه.
لازلت آمل ياسيادة الرئيس أن تغلب كبرياء الشعب على كبريائك الشخصى ، وأن تتيح الفرصة والأجواء لحوار تاريخى مع من يخلفكم مرحليا ينهى حالة الإعتصام الشعبى الكاسح المعلق على قرار شجاع منك يحسبه لك التاريخ ويكسبك إحتراما يفوق بمراحل التمسك بشهور قليلة لن تغير واقعا تعيشه مصر الآن.