Sunday, September 30, 2012

عروض "التحطيب" السياسى ؟!


أرى فى المبادرات التى لازالت تطرحها الأحزاب السياسية فى مصر للحد من تغول الإخوان المسلمين والوقوف فى وجه المد الإسلامى والسلفى عروضا يمكن أن نطلق عليها "تحطيب سياسى" ولكنها عروض ينقصها حسن الإخراج ومهارة اللآعبين لكى تخرج مقنعة ومتناغمة تعبر عن استخدام العصا وتوظيفها فى التعبير عن الهجوم والدفاع طبقا لخطة موضوعة سلفا .. كثرت مسميات العروض وزاد عدد اللآعبين بالعصا فى مجاميع حركتها نشاز، كل مجموعة تحاول أن تقفز أعلى من الأخرى أو تأتى بحركات خارج السياق وترتجل تشكيلات فوضوية مستهلكة توحى بالتميز والتجديد .. غاب أصحاب أدوار البطولة الذين يضبطون إيقاع الحركة واتجاهاتها على المسرح فاعتلى الخشبة كل من يريد أن يجرب حظه حتى لو كان يعرض دون جمهور لمقاعد خالية وصالة لايسمع فيها غير صدى صوته.
لاتزال "مصر" غائبة عن المشهد فى معظم مايحدث على الرغم من أن اسمها يتردد فى كل مبادرة او حركة أو إئتلاف للإيحاء بنبل المقصد وموضوعية الأهداف وشفافية الحركة وإنكار الذات، وأستطيع أن أجزم أن كثيرا من تلك المبادرات تفشل ولا تستكمل لسبب واحد لاأجد – حين استعرض أسماء وقامات من ينتمون إليها – سوى الإختلاف على شخص من يتولى القيادة ومن يقبل كل الأطراف بتاريخهم وخبراتهم أن يمثلهم ويجمع شملهم ويحقق التوافق بينهم .. أى تجمع لكى ينجح لابد له من رؤية ورسالة وهدف استراتيجى رئيسى وأهداف فرعية واستراتيجية لتحقيق تلك الأهداف ثم خطة عمل تفصيلية توضح الخطوات العملية والأنشطة والتكتيكات التى سوف تتبع لتحقيق الأهداف .. وطبيعى أن كل ذلك يتطلب مناقشة وتصارع فى الآراء ثم اتفاق ورغبة وقدرة وإرادة تجمع كل الآراء وتحشد كل الطاقات بتصميم لاستكمال السباق وبلوغ خط النهاية .. الخبرة والتاريخ السياسى إذن ليس كافيا لإحداث التغيير ولابد من توافر مهارات الإدارة الرشيدة واستخدام أدواتها بكفاءة وفعالية لتطوير نماذج تتوافق فى تطبيقها مع الثقافة المصرية المتفردة فى خصوصياتها وتراكيبها وتغلغلها فى تشكيل وجدان المصريين وسلوكهم والقدرة على التأثير عليهم تجاه تيار معين.
أنا لاأدافع هنا عن تيار بعينه ولا عن رئيس لم أعطه صوتى، ولكنى أحب أن أفكر منطقيا وبوضوح رؤية وقراءة جيدة قدر المستطاع للمشهد السياسى .. فى رأيى أن الرئيس المنتخب أخطأ خطئا فادحا فى إلزام نفسه بمائة يوم يصلح فيها كثيرا من جرائم عهد من سبقه وينجز فيها إصلاحات تحتاج إلى وقت وإلى موارد غير متوافرة لكى تتم .. تحمس الرئيس أكثر مما ينبغى، ولم يخطر بباله كم التربص الذى يحيط به وبالجماعة التى ينتمى إليها من أصحاب المصالح المتباينة والتى تتراوح مابين مقعد فى البرلمان أو منصب وزارى إلى الوصول إلى الحكم حتى لو تطلب الأمر تعطيل عمل اللجنة التأسيسية للدستور أو إجراء انتخابات تشريعية جديدة أو حتى إعادة إنتخابات الرئاسة كما ينادى البعض .. ينسى كل هؤلاء أننا نتحدث عن إقتصاد كارثى لبلد مفلس، وبناء سياسى لم يكتمل بحل مجلس الشعب، وبنية تحيتية مهترئة ومهلهلة، ومطالب فئوية تأخرت كثيرا فى ظل عهد قمع الحريات لكى تظهر مرة واحدة بتركيز شديد وضغط متواصل تحرك بعضه للأسف قوى وأحلاف أصحاب المصالح من أذرع أخطبوط الفساد المنتشرة فى كل أجهزة الدولة الحساسة والتى تعمل من وراء ستار لتخريب مصر وانفجارها من الداخل وتحتاج إلى وقت طويل لكى يتم بترها بالقانون.
أعلم أن الردود جاهزة، ولكن العقل يقول أننا صبرنا عن كره لأكثر من ثلاثين عاما لحكم اتضح بعد فوات الأوان أن همه الأكبر أن يؤصل للتوريث والإقصاء ونهب الموارد والسلب والنهب والإفقار والتجهيل فى أكبر عملية تجريف لوطن بأكمله ربما فى التاريخ كله، وطبيعى أن تصبح مصر خرابة ومشحتة ومزبلة مكتملة الأركان وأن يزداد الغالبية العظمى من الناس فقرا وجهلا وأن تصبح أى رئيس يتولى حكم مصر بحاجة إلى مهارات خرافية فى إدارة الكوارث والأزمات التى صار بعضها مزمنا بحكم الإهمال والزمن .. ذلك يقتضى من كل صاحب خبرة أو علم أن يسهم برأية فى الحلول الممكنة وليس فى توصيف ماهو كائن وتنظير وتحليل وفلسفة الرأى لكى يكون أكثر اقتناعا، كما يقتضى أن نكون واقعيين فى نصب ميزان الحساب لمن تولى المسئولية ومنحه الفرصة لكى يحقق ماوعد به فى إطار زمنى واقعى يرى الصورة كاملة والإمكانات المتاحة كلها ثم يحاسب بعد ذلك .. لن يفيد تجييش الإعلام لاستضافة النخبة التى تجيد الكلام ولاشيئ غير ذلك، والبرامج التى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب بعينه، ولا حملات التشكيك من خلال شبكات التواصل الإجتماعى فكلها تصب فى خانة الهدم لا البناء وتلطيخ الصورة بدلا من محاولة إظهارها على حقيقتها، ولن تفيد كثرة الإئتلافات والتحالفات مالم تكن وليدة رؤى قومية واضحة تضع حلولا للمشكلات وتعلن عن تحمل جزء من مسئولية إدارة البلاد .. مصر ياسادة بحاجة إلى "بعث" يعيد الروح إلى الجسد الذى شاخ وأصابه الوهن والضعف .. نريد وطنا يحمل كل فصيل فيه سلاحه قلما كان أم آلة لنرسم معا الطريق إلى المستقبل ثم نعيد البناء وننحنى معاول الهدم جانبا لفترة ننعم فيها بالإستقرار ثم نبدأ فى حساب من انتخبه الناس على أسس موضوعية بقصد التطوير والتحسين المستمر بلا توقف.

Tuesday, September 25, 2012

حكايات الكبار ومشروع زويل العلمى


نشأت أحب جلسات الكبار والإستمتاع بحديثهم وحكاياتهم وحكمهم وفلسفتهم الخاصة فى تفسير كل مايدور حولهم وسخريتهم العبقرية وتعليقاتهم اللاذعة على مالايعجبهم .. وكبرت تلك الهواية معى فصرت أحسب العمر بالإنجاز وليس بعدد السنين، وصرت أهوى التعرف على العلماء ومجالسة من أستطيع منهم وأقرأ عن الآخرين، وصاحب ذلك شبه إدمان على أقتناء سير العظماء والناجحين وتتبع مسيرات نجاحهم والوقوف على سر تلك النجاحات وكيف تعلموا من الفشل وحولوه إلى قصص نجاح باهر بالعمل والمثابرة وتشخيص المشاكل بدقة والتغلب عليها .. المشكلة أنى حين صرت شيخا اصبحت أتوقع من الأجيال الأصغر أن يكونوا أكثر نهما للمعرفة وحب الإستطلاع واقتناعا بأن مصادر الخبرة العملية المتوفرة حولهم يمكن أن تكون منجما مجانيا يحوى حصاد السنين ويجود بها بلا مقابل سوى متعة المشاركة وقليل من الإعتزاز بالماضى .. أيقنت بعد حين أن ثورة تكنولوجيا المعلومات طبعت الجيل الجديد بالإندفاع وعدم الصبر والتسرع فى الحصول على معلومات كثيره فى لحظات قليلة لاتسمح بالتعمق ولا بالتدبر ولا التفكير المتأنى، وولكنى توقفت كثيرا عند بدايات ثورة 25 يناير التى بدأت على مواقع التواصل الإجتماعى وانتهت بالتحريض على أعظم ثورة فى تاريخ المنطقة وتجميع للطاقات فى قوة هائلة أطاحت بعروش أباطرة الفساد فى مصر وقلت لعل أبناؤنا الثوار لو تدبروا وفكروا وحللوا لما كان للثورة أن تحدث ولا للنظام الذى اقتلعته كالإعصار أن يرحل .. تغير الزمن إذن وأصبحت وغيرى من الشيوخ "أصول" فى مؤسسة الوطن يمتلك من يريد الإستفادة بها واستغلالها واستثمارها لو توافرت له الإرادة والرغبة فى التعلم.
صرت استثمر أى فرصة أتحدث فيها إلى الناس لكى "أعلن" تطوعا عن خبرة متراكمة أكتسبتها عبر رحلة الزمن وعن استعداد مخلص للمشاركة بها فى وطن كنت ولازلت مواطنا فاعلا مهموما بمشاكله ، واسعد كثيرا حين يزيد عدد من يهتمون بما أقول أو أفعل والذين أشترط لكى تستمر علاقة العلم والبحث والتجريب بيننا إلى وجود "رغبة وإرادة" حقيقية لديهم لكى أنقل إليهم ماتعلمته فى مشوار الحياة علما وتطبيقا، وتكتمل سعادتى حين يتواصل هؤلاء معى ليشركونى فى تجربة قاموا بها أو نشاط ساهموا فيه ونتائجه .. ليس مهما على الإطلاق أن ينجحوا فى كل مرة ولكن الأهم أن "يتعلموا" من النجاح والفشل مثلما تعلمنا وأن يوقنوا أنهم كلما حاولوا كلما زادوا علما وأن من لايعمل لايخطئ وأن ألم الفشل هو الثمن الذى لابد لهم أن يدفعوه لكى تستمر مسيرة الحياة بخيرها وشرها .. وأحزن كثيرا كلما استسلم البعض وتغلب عليهم اليأس والإحباط فتوقفوا عن شحن بطارياتهم "وركنوا على جنب" متخلفين عن ركب الحياة تاركين للآخرين أن يهمشوهم ويسيروا حياتهم ويقرروا مستقبلهم دون أن يكون لرأيهم أهمية أولأصواتهم واعتراضاتهم تأثير.
إن من يذق طعم النجاح لابد وأن يتمناه لنفسه وللآخرين، وتقل لديه شهوة التصارع على الإنفراد بسلطة أو منصب أو جاه ، ويحس بالدفء بين ناجحين مثله، ويسعى لزيادة أعدادهم باعتبارهم فصيلا مميزا يجسد الأمل فى مستقبل أفضل لنفسه ولبلده .. لذلك يحزننى كثيرا أن البعض منا لايطيق نجاح الآخرين ويستحضر طاقاته فى محاربتهم وتشويه صورتهم وإظهارهم بمظهر الفاشلين ويتمادى فى ذلك فتتجاوز كراهيته لهم حدود الوطن، تحركهم نظرة ضيقه لمصالح شخصية ومزايا يحصلون عليها فتعميهم عن مصلحة عليا تعود على الوطن كله فى نهضة حقيقية يمكن أن يصبحوا جزءا منها بالمشاركة الجادة وباقتراح الحلول وليس باختلاق المشاكل وتضخيمها مثلما يحدث حاليا لمشروع زويل والذى لو استوعب من يحركون الطلاب المساكين وأهليهم لكى يعطلوا مشروعا تفخر أى دولة فى العالم باستضافته لو قرر صاحب المشروع أن يبدأه فى أى مكان فى العالم .. وحتى لو كانت جامعة النيل بأساتذتها وطلابها أصحاب حق فى المبنى المتنازع عليه فما نوع الضرر الذى يقع عليهم لكى يصبحوا جزءا من مشروع النهضة العلمية التى تنقل مصر من تخلفها وفقرها وجهلها، ولماذا الإصرار على "الإنفصال والإستقلال التام أو الموت الزؤام" والتطاول على قامة علمية عالمية كزويل الذى لايحتاج لمجد جديد يحققه سوى فضل الريادة والسبق والقدوة والمثل فى العطاء لوطن يحمل له كل الولاء والحب ويعترف فى كل مناسبة بفضل أساتذته الأوائل الذين تعلم على يديهم قبل أن تبدأ رحلته للمجد العلمى الذى حققه باكتساح.
الفرق الجوهرى بيننا وبين الدول التى تقدمت بفضل العلم والأخلاق والإلتزام بالسلوك الإجتماعى النبيل الذى يميز الإنسان عن الحيوان أنهم هناك يفرحون بكل نجاح ويكرمون اصحاب المواهب والعلماء  ويحيطونهم بالرعاية ويوفرون لهم سبل الإستمرار فى تحقيق المزيد من النجاح ويستفيدون بخبرتهم وعلمهم ويستثمرونها، أما عندنا فإننا للأسف "نترصد" للناجحين ونخطط لإفشالهم ونضع العراقيل فى طريقهم ونرى فى سطوع مواهبهم إظلام لصورتنا التى رسمناها لأنفسنا ولانستريح حتى يصبحوا طيورا مهاجرة يرحلوا بعيدا عنا إلى أرض ترعى مواهبهم وتحتضن طموحهم ، ولانكتفى بذلك بل  ننشر "خيالات المآته" فى كل مكان لطردهم إذا فكروا فى العودة حتى لايهددوا أمننا واطمئناننا إلى ماوصلنا إليه ولكى يظل الحال على ماهو عليه .. أمراض إجتماعية تحتاج لثورة فى التعليم والثقافة العامة للمجتمع قبل أن نبدأ فى أى مشروع قومى بحجم مشروع زويل العلمى أو مشروع ممر التنمية لفاروق الباز.

Thursday, September 20, 2012

مساحة المتر المربع.. وبنك استثمار الوقت


الخبرة العملية التى اكتسبتها من الممارسة الفعلية لعلمى الإدارة وتنمية الموارد البشرية تفوق بكثير جدا ماتعلمته بين دفتى آلاف الكتب التى التهمتها حتى التخمة منذ أن كنت طالبا فى مراحل الدراسة الأولى والتى لمن تكن كلها بالطبع عن هذين العلمين ولكنها بالقطع قد ساهمت فى تكوين وجدانى وتثبيت قيمى وصقل شخصيتى وموقفى من الحياة والناس .. لذلك أجدنى فى كل موقف أقف فيه مدرسا أو مدربا أو مشاركا فى مؤتمر أو ندوة مطالبا بأن أحكى عن تجاربى الشخصية فى الموضوع المطروح بأمثلة تقرب المعانى وتعبيرات تتوافق مع ثقافة الحضور. المشكلة أنى لاأقنع دائما بذلك وإنما أجهد نفسى باقتراح أفكارا جديدة تساعد على أن تترجم الحلول المقترحة للمشاكل إلى خطوات واضحة تؤدى إلى نتائج محددة .. لاحظت ولازلت أن أى حلول يترتب عليها تكليف يلزم صاحب المشكلة بعبء الإلتزام بمنهج أو خط أو نشاط يؤدى لحل المشكلة يقابل بكل أشكال المقاومة من أول إطالة المناقشات حول نقاط فرعية إلى الميل إلى التنظير وإطالة المناقشات بغرض تمييع القضية وتشتيت الإنتباه أو إلقاء المسئولية على شخص آخر يتحمل مسئولية النتائج .. إهتديت أخيرا إلى حيلة تضيق الخناق على من يستسهلون طرح المشكلات ولايرغبون فى المشاركة فى حلها، وتحدد أدوارهم ومسئولياتهم بدقة أكبر، وأحب أن أشارك القارئ إثنين من تلك الحيل:

§       المتر X متر  نظرية ابتدعتها وسوقت لها من سنوات طويلة ولازلت فى كل منتدى أو ملتقى حضرته للرد على من يجتهدون فى تعليق الجرس فى رقاب الآخرين باعتبارهم مسئولين عما يحدث لهم من مشاكل وفشل وتقصير، ويتجلى هذا النمط فى الأحزاب السياسية وفرق العمل واللجان التى تميز هذا النوع من العمل العام والذى لايتسم بالضوابط التى تطبق فى مؤسسات الأعمال فيتبارى الناس فى إظهار قدرتهم على الخطابة وإثارة القضايا وطرحها ويكتفون بذلك باعبارهم "مفكرين" .. كنت دائما اركز على من يجيدون الكلام ويكتفون به بديلا لقبول مسئولية عمل ما وتنفيذه فأقول أن البداية فى إنجاز أى عمل أو تحسين أحوال شخص ما هو البدء بنفسه قبل أن يلوم الآخرين أو ينتقد أعمالهم أو يحاكمهم على مايفعلون، وأن هناك مناطق ونشاطات فى حياة كل منا هو وحده دون غيره المسئول عنها وعن نتائجها ولايصح بحال أن يحمل غيره مسئوليتة فشلها أو عدم إنجازها .. أسميت هذا الحيز الذاتى المتر X متر الخاص بكل منا والذى يستطيع أن يتحرك فيه بحرية تامة دون تأثير من أحد أو حاجة إلى قرار من شخص آخر مثل حسن تربية أبنائى واختيارى لأصدقائى واختيارى لهواياتى التى أمارسها أو الرياضة التى ألعبها وإتقانى لعملى والعمل ضمن فريق والإلتزام بالأعراف والعادات والتقاليد الإجتماعية واحترام القانون وحقوق الآخرين وهكذا .. إذا لم أؤمن بقدرتى منفردا على اتخاذ القرارات التى تتعلق بكل النشاطات المطلوبة والسلوك المكمل لها فى مثل تلك الأمور فلابد وأن أكون غير جاد فى إحداث تأثير ما أو تحقيق هدف أو تولى المسئولية ويصببح كل همى فى الحياة أن أثبت للناس ولمن حولى إنى جاد وملتزم وجدير بالتقدير دون أن أقدم أوراق اعتمادى لإثبات مصداقيتى وقدرتى ورغبتى فى المشاركة فى العمل وتحمل المسئولية.

§       أما قصة "بنك استثمار الوقت" فقد خطرت لى أثناء ورشة عمل عن إدارة الوقت كنت أديرها لمجموعة من التنفيذيين وخطر لى أن أسألهم عن الوقت الذى يقضونه فى الحديث فى التليفون أو حضور الإجتماعات أو مشاهدة التليفزيون وفى كل مرة كانوا يتبارون فى عدد الساعات التى يقضونها فى كل نوع من أنواع تلك الأنشطة، ولكنى حين سألتهم عن الوقت الذى يقضونه مع أسرهم ساد القاعة صمت رهيب تخلله بعض الإجابات بصوت خفيض على استحياء أو ابتسامات خجوله أو تعليقات ضاحكة .. دارت المناقشات بعد ذلك عن الوقت المحتمل ضياعه دون عائد فى كل تلك الأنشطة والذى كان يمكن اختصاره والحصول على نفس النتائج، واكتشف المشاركون أنهم يستطيعون ببساطة شديدة – إذا أرادوا – أن يختصروا نصف الوقت تقريبا .. كان طبيعيا بعد ذلك أن نفكر كيف نستغل هذا الوقت الضائع فى عمل مفيد فاخترعت فكرة أن ننشئ بنكا نسميه "بنك استثمار الوقت" أن يفتح كل منهم حسابا بالبنك يودع فيه عدد الساعات التى يستطيع بتنظيم وقته أن يوفرها كل يوم وكل أسبوع وكل شهر وكل عام ثم يفكر فى استغلالها فى نشاطات أخرى مفيده وذات عائد عال يعود على نفسه أولا بالنفع وعلى كل من حوله ومن يتعامل معهم مثل القراءة وزيادة المعرفة وتعلم لغة جديدة أو التطوع فى عمل أهلى لمساعدة الغير مثل محو الأمية أو العناية بالمسنين والأيتام أو نظافة شوارع الحى الذى يسكنه أو ممارسة هواية أو رياضة، والأهمل من كل ذلك تخصيص وقت للأسره والعناية بالأطفال إن وجدوا والتواصل الإجتماعى والترويح عن النفس أو حتى التأمل فى خلق الله والتخطيط للمستقبل فى العمل والحياة الخاصة ولكى يعيد المرء شحن بطارياته وطاقته لمزيد من الجهد والعطاء .. وبديهى أنه كلما نجحنا فى تنظيم أوقاتنا أدى ذلك إلى زيادة رصيدنا من الساعات فى حساباتنا بالبنك وزادت معه فرصنا لزيادة العائد من من تلك الحسابات.

حديث مع البواب .. وأشياء أخرى


قصة البوابين فى مصر نموذج لسيطرة العواطف على العقل فى التعامل مع الناس، وحسن النوايا التى كثيرا ماتفسد اكثر مما تصلح وتخلق مشاكل كان يمكن تجنبها أو تزيدها تعقيدا بدلا من أن تجد لها حلولا .. أغرت وظيفة البواب فى مصر الملايين من أبناء الريف والصعيد والنوبة أن يهاجروا إلى عواصم الأقاليم فى مصر وبتركيز شديد على القاهرة والإسكندرية حيث توفر الوظيفة سكنا متواضعا للبواب وأسرته يتوافر بها المرافق الأساسية اللازمة ومرتب معقول وإكراميات من السكان أو الملاك فى المناسبات والأعياد تعينه على العيش .. المشكلة أن ضمان ذلك لايمثل حافزا للبواب أن ينظم حياته ويخطط لها على قدر إمكاناته، وإنما يظل يعيش بنفس نمط الحياة التى يميزها العشوائية والإتكالية، وبدلا من أن يمثل ماحققه من استقرار نسبى فى قيامه بعمله وإخلاصه فيه يركن إلى الكسل والتراخى حتى فيما يتقاضى عليه أجرا إضافيا نظير تنظيف السيارات مثلا .. ولأن الملاك منشغلون بامورهم الخاصة ويركزون – طبقا للثقافة العامة السائدة فى مصر – على مصالحهم فقط فإنهم يتجاوزون فى كثير من الأحيان عن محاسبة البوابين الذين لايؤدون العمل الذي يتقاضون عنه أجرا، وبالتدريج يصبح البواب جزءا هاما من الحياة اليومية لساكنى وملاك أى عقار ويبدأ فى التخطيط لتحقيق أقصى فائدة من وجوده معهم وتزداد مطالبه تدريجيا فى سكن أكبر بعد أن تضاعف عدد أبنائه ويضيق بهم المكان، ويبدأ فى بناء منزل بقريته لايستخدمه ويؤجره ، ويبدأ مشروع تاكسى بشراء سيارة قديمه ثم يغيرها بعد أن تتوافر له الإمكانات، ويشترى موبايل يدير به أعماله الخاصة بعد أن ينخرط فى سلك سمسرة العقارات والسيارات، ويختفى تدريجيا من العقار الذى يعمل به ويترك زوجته أو أحد ابنائه لقضاء حاجات السكان حتى يعتادوا على ذلك النمط الجديد من التعامل ويتقبلوه .. بمعنى آخر يصبح البواب بالتدريج هو "مدير العقار" بدلا من ملاكه أو ساكنيه ولايستطيع أحد أن يتخلص منه أو حتى استبداله بغيره دون مشاكل .. فى نقاش لى مع بواب العقار الذى يقع به مكتبى حول كثرة اختفائه طوال النهاروبالذات بعد أن  قام الملاك ببناء حجرة إضافيه فى جراج العقار لسيادته على نفقتهم الخاصة ففوجئت به يقول : " ستة أطفال وأنا وأمهم، هل يمكن أن يعيشوا فى حجرة واحدة؟ إحسبها سيادتك بقى."  ولم أتمالك نفسى طبعا من الرد قائلا: " واحسبها أنا ليه ؟ هو أنا اللى خلفتهم" .. بهذا المنطق من عشوائية التفكير تفسد النخبة بسطاء الناس والعوام بدلا من ترشيدهم وتوعيتهم واستغلال حاجاتهم لكى ينظموا حياتهم وربط المساعدات التى نقدمها لهم بالتزامهم فى أداء أعمالهم وإخلاصهم واحترامهم لتلك الأعمال.

حادث عابر أطلق العنان لتفكيرى وخاطب فضول الباحث داخلى لعقد مقارنة بين أسلوبنا فى الشرق فى تربية أبنائنا وبين أسلوب الآباء والأمهات فى الغرب، وانعكاس ذلك على تكوين شخصية الأبناء وعلاقتهم بوالديهم .. الوالدين فى الغرب يعودون الأطفال مبكرا على الإعتماد على أنفسهم، ويضعون حدودا واضحة لالتزاماتهم تجاههم من توفير الحاجات الأساسية من مأكل وملبس وتعليم حتى مرحلة معينة طبقا لإمكانات كل أسرة بالتعليم الجامعى مكلف جدا عندهم لمن لايحصلون على منح التفوق ، ويعدون أبناءهم لقبول وظائف بسيطة أثناء عطلاتهم الصيفية للصرف على أنفسهم وتوفير باقى احتياجاتهم او لتغطية نفقات الترفيه عن أنفسهم .. يصارح الأباء أبناءهم بحقيقة أمكاناتهم المادية ويعودون الأبناء على سماع كلمة "لا" لكثير من الطلبات التى يعجز الوالدين عن توفيرها، وبهذا ينشأ الأبناء ممتني شاكرين لوالديهم ماتحملوه من أجلهم ويستتبع ذلك بالضرورة إحساسهم أنه مدينين لهم بالفضل فى تربيتهم وتنشأتهم وتعليمهم فلا يتركون مناسبة تمر لمجاملتهم أو الإحتفال بهم أو شراء هدايا بسيطة تعبر عن هذا العرفان بالجميل.

أما نحن فنحيط أبناءنا بكل الرعاية والحماية فى كل مراحل عمرهم ، نخفى عنهم الأخبار السيئة، ونوفر لهم "كل" مايطمحون فى تنفيذه وأحيانا دون أن يطلبوا أو قبل أن يطلبوا، ونعطيهم إحساسا زائفا بأننا لانعجز عن توفير شيئ يريدونه مما يرفع سقف توقعاتهم باستمرار ويعطيهم إحساسا زائفا بأننا لم نقدم لهم كل ماكان يمكن أن نقدمه .. الآباء فى الشرق يتحولون إلى "مشروع" بالنسبة للأبناء ووسيلة لبلوغ أهدافهم فى الحياة ويعتبرونهم مايقدمه الآباء واجبا وضرورة ومن ثم فإنهم غير مدينين لهم بشيئ .. الأبناء عندنا يتعجلون الإستقلال ولكن على حساب الآباء ولايجدون غضاضة فى تحميلهم مسئولية تربية الأحفاد والعناية بهم ويظلون يلجأون إليهم فى حل مشكلاتهم المالية والإجتماعية حتى بعد أن يتزوجوا ويستقلوا بحياتهم، وحين يتحثون عن نجاحاتهم فنادرا مايأتى ذكر الوالدين كرافد من روافد المعرفة التى أدت إلى هذا النجاح .. ويبدا الأبناء بالتدريج فى نسيان المناسبات السعيدة فى حياة الوالدين أو حتى اختلاقها لتكريمهم وإدخال السعادة على قلوبهم ، وسوف لاأخوض هنا فى أمثلة لجحود الأبناء فذلك مجاله البحث العلمى وليس المقال الصحفى ولكنى أؤكد على الصدمة التى يمنى بها كثير من الآباء فى الشرق من جحود الأبناء ونكرانهم لفضل الآباء والأمهات وتجاهلهم للتعبير عن عرفانهم بالجميل حتى حين تتاح الفرص لذلك وتفاخرهم بأن ماحققوه من نجاحات فى حياتهم إنما مرده إلى مواهبهم وجهدهم الشخصى وحده.

 

Sunday, September 09, 2012

مشروعان يقرران مصير مصر


مصريان عظيمان بكل المقاييس يحمل كل منهما مشروعا يملأ كيانه ويمثل لكل منهما عقيدة ورسالة حياة، يعيش لأجل نشرها ويحارب من أجلها ويعبئ الجهود لإنجاحها.. هذان المشروعان لو توافرت لهما الامكانات لتنفيذها واكتملا جديران



بتغيير وجه الحياة في مصر ووضعها في مصاف الدول العظمي المؤثرة إقليميا وعالميا، وأعني بهما مشروع فاروق الباز لتنمية الصحراء الغربية بطول وادي النيل الذي يمكن أن ينقل مصر من مجتمع الندرة والفقر والحاجة إلي مجتمع الوفرة والرخاء، ومشروع جامعة زويل للعلوم الذي يقرر مصير مصر العلمي والثقافي وينقلها من دولة جاهلة تعيش دون مستوي الأمية بمعناها البدائي إلي دولة مخترعة ومجتمع علماء يطير بمصر بسرعة الصاروخ لتلحق بركب التقدم العلمي للقرن الحادي والعشرين.



< استمعت إلي ابن محافظتي فاروق الباز يتحدث عن مشروعه الذي نادي به منذ أكثر من عشرين عاما ولم يلتفت إليه أحد أو يعره اهتماما لأن النظام في ذلك الوقت لم يكن يعنيه الاستثمار في المستقبل البعيد بعدأن توافرت له سبل نهب كل الموارد الطبيعية لمصر بسهولة ودون تعب.. الرجل يتحدث عن تحويل صحراء مصر إلي جنة عرضها الأرض تكسوها الخضرة وتروي بالمياه الجوفية وتنشأ علي جانبي النيل صناعات تقوم علي الزراعة ويتوافر لمصر التي أصبح تعدادها حالياً أكثر من تسعين مليونا، رغيف العيش الذي تستورده وتستدين من أجله وتنتشر مجتمعات الزراع والمصنعين وتزدهر الخدمات الأساسية من مدارس وجامعات ومستشفيات ويزدهر معها حياة الناس وتختفي الباطلة أو يتضاءل حجمها كلما توسعنا في التنمية.. ولكن الرجل يحتاج إلي 24 مليار دولار لكي يكتمل مشروعه علي مراحل ولا يدري من أين يأتي بها ما لم تبادر الدولة ببدء الإعلان عن المشروع، وتوفير الحد الأدني الذي يضمن انطلاقه لكي تجتذب المستثمرين من العرب والأجانب فتكتمل مراحل المشروع.. ألا يستحق هذا المشروع أن يصبح هو «مشروع النهضة» الذي ينادي به رئيس الدولة الحالي ونعتبره مع مشروع تنمية سيناء صاروخي التنمية للنهوض بمصر؟ إني اقترح علي الحكومة أن تناقش المشروع بجدية وتطلع علي الدراسات التي تمت بشأنه حتي الآن، وأن تنشئ من أجله كيانا رسميا يختص بهذا المشروع دون غيره مثلما حدث في مشروع تنمية سيناء.. وأزيد علي اقتراحي أن ينشأ صندوق باسم المشروع يودع به كل مليم ننجح في استرداده من أموال مصر المنهوبة التي هربها مبارك وأسرته وعصابته من المحيطين به تخصص كلها لهذا المشروع دون غيره.. لو فعلنا ذلك وأعلنا عنه أؤكد أن المستثمرين سوف يتوافدون علي مصر ويتسابقون في ضخ الأموال اللازمة للمساهمة في المشروع، ويأتي بعد ذلك دور المساهمة الشعبية لكي يتملك المصريون أسهما في المشروع بقيمة إسمية جنيه للسهم الواحد حتي نضفي علي المشروع صفة القومية وبأنه مشروع مصري ولد من رحم الثورة المصرية.



< أما مشروع جامعة زويل الذي لن يهدأ بال فلول النظام السابق إلا بعد ان يفشلوه وينجحوا في أن يقول زويل ومجموعة العلماء المصريين الذين يمثلون نواة المشروع «حقي برقبتي»، لأن مصالح الفلول ترتبط ببقاء الشعب متخلفا جاهلا سهل القياد لا يطمح في التغيير ولا يتطلع إلي الأحسن أملا في أن تعود عصاباتهم لحكم مصر أو علي الأقل الحفاظ علي المزايا التي حصلوا عليها بالنهب والتزوير والترويع.



أول مشروع بحثي لجامعة زويل اقترحه عن يقين بأنه يعتبر من صميم التخطيط لمستقبل مصر وتطورها وتقدمها هو دراسة البصمات الوراثية لعينة تمثل كل المصريين وتحليل التغير الذي طرأ علي الشخصية المصرية في الآونة الأخيرة، من مبالغة في التكاسل وعدم الاكتراث والأنانية والانفلات الأخلاقي والانحراف السلوكي.. أعلم أن جزءا من كل ذلك يرتبط بالحالة الاقتصادية والتغيرات البيئية المجتمعية التي تصاحب ذلك، ولكني أعلم أيضا أن علم الجينات والبصمات الوراثية تقدم تقدما مذهلا يضيف إلي مفاهيمنا عن تأثير الجينات علي جسم وصحة الإنسان إلي صحته النفسية وسلوكه وعاداته بل ومواهبه وقدراته العقلية.. هناك تغييرات جذرية طرأت علي الشخصية المصرية وسلوك الناس في مصر وما لم نهتم باكتشاف أسبابها بدقة ومعالجتها فكل ما تتحدث عنه من نهضة ومشروعات تنموية وتطوير وتقدم يصبح من باب التمني وأحلام اليقظة.



البحث القومي الضخم الذي أقترحه لكي يفتتح به مشروع زويل اعتبره حجر الزاوية في تطور مصر وتقدمها، فالناس هم من سينفذون أي مشروع نهضوي لمصر وما لم نقض علي ضعفهم البدني والنفسي تظل المهام التي تسند إليهم أعباء يريدون التخلص منها بأسرع وقت، بدلا من أدائها عن يقين بفائدتها وعائدها والحرص علي بلوغ أقصي درجات الاتقان في أداء أدوارهم لتنفيذ تلك المهام.. وإذا أصاب العقول السأم ونال منها الإحباط واليأس فإنها تصدأ ويصبح من الصعب اكتشاف المواهب والاستفادة بها ومن ثم يتأخر البحث العلمي ومعه أي خطط مستقبلية علي خريطة النهضة بمصر.. كل أجهزة البحث العلمي في مصر سواء أكان مجال عملها البحوث الاجتماعية أم الاقتصادية أم الجنائية أم التعليمية والثقافية تستطيع أن تقوم بدور فاعل وبحوث تتكامل مع بعضها البعض لكي نخرج في النهاية بدراسة محترمة موثقة وعلمية ودقيقة لكل ما طرأ علي الشعب المصري خلال الستين عاما الماضية، وبتركيز علي الثلاثين عاما الأخيرة، كما يمكن أن يكون نموذجا تتهافت عليه مراكز البحوث بالخارج







اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - مشروعان يقرران مستقبل مصر!