Saturday, December 19, 2015

لاتقدم دون استثمار فى الناس

لاتقدم دون استثمار فى الناس
منذ عام 2003 وتقارير التنمية الإنسانية فى العالم العربى تشدد على ضرورة سد الفجوة المعرفية بيننا وبين الغرب وأوروبا بل ودول جنوب شرق آسيا ومعها القارة الهندية تحتاج الفجوة المعرفية بالعالم العربى إلى الكثير من الوقت لتضيقها. على الرغم من أن العالم العربى يأتى فى مرتبة أعلى من العديد من الدول منها الصين، الهند، فيتنام، ودول أوروبا الشرقية، وبعض دول أمريكا اللاتينية، مازالت هناك الكثير من المشكلات الضخمة التى تلوح فى الأفق. ففى العالم العربى 35% من سكانه تحت 15 سنة، والذى يعنى أنه بحلول 2020 سيحتاج إلى ما يقدر بـ100 مليون فرصة عمل. فإذا لم يحقق العالم العربى التغييرات المطلوبة بصورة سريعة، سوف تكون هناك صعوبات جمة لمواجهة تلك المشكلات، التى تعوق من فرص النهوض ومواكبة الدول الأخرى. وفى الوقت الذى يتسم فيه التقدم العالمى فى المجالات العلمية والتكنولوجية بالثبات، بدأ العالم العربى فى الاستثمار، بشكل بطىء فى تلك المجالات.
وعلى الرغم من أن الإنفاق العربى على البحث العلمى والتطوير قد حقق زيادة فى الإنفاق على مجالى العلوم والتكنولوجيا يتمثل فى بعض المبادرات التى تهدف إلى تحقيق بعض التقدم فى هذين المجالين، منها التعهد الجزائرى بتخصيص 1.5 بليون دولار لزيادة ميزانية البحث العلمى والتقدم التكنولوجى، كما أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم التى تهدف إلى بناء مجتمع يقوم على المعرفة. كذلك هناك مبادرة الملك عبدالله فى السعودية لإنشاء جامعة الثقافة والعلوم ورعاية المتفوقين وتقديم المنح العلمية لهم، ولكن هذه المبادرات سوف تحتاج إلى بعض الوقت لكى تُؤتى ثمارها. ولقد نادى بعض العلماء بإنشاء مؤسسة علمية عربية رفيعة المستوى تعنى بالبحث العلمى مستغلة الإمكانات الهائلة المتوافرة لإنجاح ذلك المشروع الإقليمى العالمى بل إن البعض ينادى منذ عام الثلاثينيات من القرن الماضى بأن يركز العرب فى بحوثهم وإنشاء قواعدهم العلمية على المهارات التى تميزهم تاريخيا عن باقى دول العالم مثل الأنشطة الاقتصادية والتجارية والشئون المالية والأعمال البنكية وأوجه النشاط الإنسانى والخدمة المجتمعية مثل فانيفار بوش أستاذ الهندسة الكهربية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وأحد من شاركوا فى تطوير لغة التعرف الذكى على النصوص الذى أحدث ثورة فى استخدام شبكة المعلومات العنكبوتية (www Professor Vannevar Bush, MIT) ، وكذلك نادى العالم المصرى أحمد زويل بإنشاء جامعة للعلوم والتكنولوجيا فى مصر، وكانت دولة قطر رائدة فى هذا المجال بإنشائها مدينة للعلوم واجتذابها لأشهر وأعرق الجامعات الغربية والأوروبية إلى أرضها لتقديم خدمة تعليمية لطلابها وطلاب العالم العربى كله على نفس المستوى الرفيع التى تقدمه تلك الجامعات فى بلادها
كذلك فإن الحكومات العربية تنفق تقريبا 5% من ناتجها الإجمالى على التعليم (70 مليون طالب فى مراحل التعليم المختلفة، أى نصف عدد السكان تقريبا) بدون نتائج مرضية، فزيادة عدد الأطفال بالمدارس والمصادر التعليمية لم تنعكس فى تدريب المدرسين وسياسات تعليمية. وفى الوقت الذى يُنفق فيه المال الكثير على التعليم العالى يتخرج الطلاب فى الجامعات بقدرات لا تتناسب مع سوق العمل. فالجامعات وأصحاب العمل يخفقون فى التواصل فيما بينهم حول احتياجات سوق العمل، والباحثين عن العمل فى المستقبل سيواجهون مشكلات لإيجاد وظائف بالمنطقة التى تناسب قدراتهم. وهناك اتجاه بالدول الخليجية النفطية الغنية لأن تكون أكثر استثمارا فى مجالات التكنولوجيا والعلوم والتعليم العالى، ولكن هناك تحديات جمة تُواجه تطوير تلك المجالات فى الدول الغير نفطية لتناقص المال اللازم لإنفاقه على تطوير وتحديث تلك المجالات. وعلى الرغم من تلك التحديات فإن الدول النفطية وتلك غير النفطية حققت تقدما، حيث زادت عدد الدوريات العلمية، التى ارتفعت بنسبة 18% من عام 2000 إلى عام 2004.
وتحتاج ثقافة المعرفة هى الأخرى إلى المزيد من الاهتمام. وثقافة المعرفة تعنى توافر ثقافة تُقدر الابتكارات والإبداعات والاستكشافات العلمية، ومن ثم لابد من وجود تعاون بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدنى والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام والمثقفين والمواطنين لتحقيق مثل تلك الثقافة. وعلى الرغم من الجهود العربية فى هذا المجال، مثل مبادرة ترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية، مازالت تلك الخطوات لا تحقق ما هو مرجو منها لارتفاع نسبة الأمية بالعالم العربى. ويظهر ذلك جليا فى المعدل المتدنى لإصدار الكتب والقراءة والترجمة فى العالم العربى مقارنة مع الدول الأخرى طبقا لتقرير اليونسكو وتقرير التنمية البشرية، حيث نجد أن اليابان تترجم ما يوازى 30 مليون صفحة سنويا فى حين أن ما يترجم فى العالم العربى كله لا يزيد على خُمس ما يترجم فى اليونان، بل إن إجمالى ما تم ترجمته بالعالم العربى كله منذ عصر المأمون لا يزيد على عشرة آلاف كتاب وهو ما تترجمه إسبانيا وحدها فى عام. وطبيعى بعد ذلك ألا نقرأ بالقدر الكافى مثلما يقرأ الأوروبيون (متوسط ما يقرأه الأوروبى 35 كتابا فى السنة، بينما يقرأ كل 80 عربيا كتابا واحدا فى السنة). وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضى كان متوسط الكتب المترجمة لكل مليون عربى على مدى خمس سنوات هو 4.4 كتاب، أى أقل من كتاب واحد لكل مليون عربى فى السنة بينما فى هنجاريا كان الرقم 519 وفى إسبانيا 920. ويفسر ذلك التساؤل حول عدم زيادة عدد النسخ المطبوعة لأى كتاب عن ألف نسخة وفى بعض الحالات 5000 نسخة إذا كان المؤلف ذائع الصيت بينما يتجاوز أى إصدار فى الغرب خمسين ألف نسخة (تقارير التنمية الإنسانية فى العالم العربى 3003 – 2008)

لقد ساهمت الحضارة العربية والإسلامية مساهمات فعالة وبالغة القيمة فى تقدم الحضارة الإنسانية وعلوم الحياة فى الرياضيات والفلك والطب، ويجمع المؤرخون على أنه حتى القرن الثانى عشر كان العلماء العرب والمسلمين يقودون نهضة التجريب والبحث العلمى فى العالم. ومن المؤسف أن يتدهور الوضع الآن بحيث لا يزيد عدد البحوث العربية المنشورة فى مطبوعات علمية محكمة ومرموقة على أقل من 1% ولا يزيد عدد براءات الاختراع فى العالم العربى ما بين عام 1980 وعام 2000 على 370 براءة اختراع، بينما يبلغ عدد براءات الاختراع فى نفس المدة فى كوريا التى لا يزيد عدد سكانها على عُشر سكان العالم العربى 16.000. ولابد هنا من أن نذكر أن واحدا من كل عشرين طالبا على مستوى العالم العربى يختارون التخصص العلمى فى الجامعات التى يدرسون بها لأن المستقبل الذى ينتظرهم بعد التخرج يتناقض تماما مع توقعاتهم، ولكننا على الرغم من ذلك نجد أن بعض البلدان العربية مثل لبنان قد بلغ عدد خريجى الكليات العلمية من النساء بها ما يقرب من 48% وهى نفس النسبة بالولايات المتحدة الأمريكية، وتزيد تلك النسبة فى بلدان عربية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر وعمان، وذلك على الرغم من أن فرص المساواة مع الرجل فى تقلد المناصب العلمية لايزال يحكمه قيم وعادات ثقافية تجذرت فى المجتمع وتحتاج إلى المراجعة

الإنفلات الدينى فى مصر

الإنفلات الدينى فى مصر..!
كلما صادف سوء حظى أن أشهد حوارا لشيوخ الفضائيات كلما ازددت يقينا بأن الإسلام الذى انتشر بالقدوة والبساطة والوسطية ونبل التعامل يتعرض لمؤامرة شرسة من الجهال وأنصاف المتعلمين ومدعى المشيخة محترفى الفضائيات لتشويه صورته واستعداء الناس عليه وافتعال الأزمات التى يذبحون فيها كل قيم ومثل خاتم الأديان الذى ملأ الدنيا على مر الزمان منذ أكثر من الف وأربعمائة عام نورا وعلما ورحمة وتسامحا ومودة ورحمة .. كما يزداد يقينى بأن الأزهر الذى كان معملا لتفريخ قادة الفكر والرأى والثورات على مر تاريخه يتضاءل دوره ويتقزم لكى يصبح مجرد متفرج على سيرك القنوات الدينية وبرامج الفتاوى وتفسير الأحلام وممتهنى الرقى الشرعية والنصب باسم الدين.
معظم الفضائيات ذات التوجه العلمانى تستضيف أناسا يطلقون على أنفسهم لقب الشيخ يبدون رأيهم فى قضايا خلافية شائكة أو مواقف سياسية متطرفة ويدفعون لهم نظير سكوتهم عما يقال أمامهم إما جهلا أو إيثارا للمصالح الخاصة، ويستضيفون معهم ضيوفا آخرين يعطونهم فرصا أكبر لكى يصولوا ويجولوا بآرائهم وانتقاداتهم وتخريجاتهم بينما يصمت مدعى المشيخة أو يقاطعون فى غوغائية أو يتكلمون بعد صمت طويل فى موضوعات أخرى لاصلة لها بالموضوع المثار ويرددون كالببغاوات كليشيهات محفوظة.. وبهذا يظهر أمام الناس مدى الفارق بين الضيوف وبين شيخ يهذى فى عصبية أو يحاول التدليل على رأيه فى صراخ هستيري يظهر جهله ولايقنع أحدا .. صورة شبيهة بما كنا نضحك منه عن جهل من صورة المأذون فى الأفلام القديمة أو الشيخ فى الحارة الذى يلجأ إليه الناس لحل مشاكلهم فيجيب بصورة كاريكاتورية ولغة تثير الضحك والسخرية حتى ترسخت فى أذهاننا تلك الصورة وأصبح من تنطبق عليه لايستحق الإحترام.
هناك "انفلات دينى" يصاحب الإنفلات الأمنى الذى نعانيه الآن والذى يهدد مستقبل مصر لنصف قرن قادم على الأقل ويزلزل أركان الحكم وقاعدة البناء والتنمية، والخطورة فى ذلك أن المصريين متدينون بطبعهم بنسب أمية تصل إلى 67% بين الرجال وأكثر من ذلك بين النساء فى صعيد وقرى مصر وبالتالى فإن المصدر الرئيسى لمعلوماتهم عن الصواب والخطأ يستمدونه من أقواه مشايخ الفضائيات ويتأثرون بما يسمعون ويشكلون سلوكهم وعاداتهم وعلاقاتهم تبعا لذلك .. مشايخ الفضائيات كما نقول فى الإقتصاد عملة رديئة تطرد العملة الجيدة من التداول حيث يؤثر المشايخ الحقيقيون من خريجى الأزهر الإنطواء والإنزواء مع أن الله قد حباهم علما واسعا وتفقها فى الدين ويتابعون مايجرى على أرض الواقع ويتعايشون معه ويتفاعلون مع التغيير الحادث فى حياة الناس، وبعضهم هاجر لدول عربية تستفيد من علمهم وخبرتهم ويتتلمذ على أيديهم دعاة عصريون مثقفون يشرفون بلادهم.
الإعلام بطبيعة تكوينه يميل إلى غير المألوف، ومن ثم يسعى للإثارة من خلال استضافة شيوخ – كبار فى السن وليس فى العلم – يفتون فى كل شيئ ويبحثون فى الكتب الصفراء عن كل ماهو شاذ ومثير للجدل ولكنه لايفيد الناس فى أمور حياتهم ومايستجد عليها من أمور، ويركزون على العلاقات الحميمية ويتاجرون بالغرائز ويثيرون النعرات الطائفية ويتناولون "قشور العبادات" ويأصلون للمظهر دون الجوهر ويروجون لأحاديث ضعيفة أو غير صحيحة ويحرفون شرح آيات الله بما يخرج بها عن السياق .. أبواق تزعق وتصرخ وتنادى على بضاعة بطريقة الباعة الجائلين فى سوق الثلاثاء تعلو أصواتهم على بعضهم البعض لاجتذاب الزبائن، وبعضهم يتكسب ويتاجر بالقرآن فيدعى أنه يعالج به كل الأمراض وينتهز معاناة بسطاء الناس – وأحيانا المتعلمون والمثقفون للأسف الشديد – ويوهمونهم بتأثير السحر عليهم وأنهم قادرون على ترويض الشياطين والجن ويبتزونهم ويستحلون أموالهم .. الإعلام المغرض – وليس الشريف الملتزم – يجد فى ذلك فرصة ذهبية لتشويه صورة الإسلام وخلق صورة ذهنية سلبيه له على أنه دين الخرافة والجهل والغيبيات والسلبية والتواكل وهو من كل ذلك براء.
الأزهر هو الملجأ والحصن .. هو "بيت الأسرة المصرية" الذى يجمع شملها ويدافع عن روح ثقافتها ونبع إيمانها وهو مطالب بتبنى تشريع يساند جهوده فى الحفاظ على الدعوة فى إطارها الصحيح وروح وسلوك السماحة والبساطة وقبول الآخر فى الإسلام ,, تشريع يضمن له من خلال وزارة الأوقاف – التى أرى أن تكون تابعة له مع دار الإفتاء – أن يجيز الدعاة وأئمة المساجد ومن له حق الفتوى وعلى التوازى إعادة تأهيل من يعتلون المنابر اليوم ,, وبذلك يعود لأداء دوره الذى أكسبه على مر العصور قيمته وقامته.

وش القفص والمفَعّص

وش القفص .. والمِفعّص ..؟!
التنافس الإعلامى الشرس تلك الأيام والتسابق المحموم على التربيطات والتحالفات بين الأحزاب يطغى بصورة ظاهرة على باقى أخبار مصر ومشكلاتها المستعصية ومانتعرض له من مخاطر بعضها ظاهر ومعظمها غير مرئى ولا محسوس يفاجئنا بأحداث جسام تزلل أساس الإستقرار والإحساس بالأمن والأمان..ومشكلتى إنى درست الإعلام المرئى ومارست الإعلام المكتوب على امتداد العشرين عاما الماضية بانتظام كتابة وتعليقا ونقدا وأحاديثا مذاعة ومناقشات مفتوحة، الأمر الذى يلزمنى بأن أشاهد واقرا وأسمع بعين الناقد دائما .. وأعترف أن ذلك يفقدنى جزءا كبيرا من متعة الإسترخاء والتلقى دون مجهود عقلى كبير، ولكن الثائر بداخلى يأبى الإستسلام لكل مايعتقد أنه يضر ولاينفع أو فى أحسن الأحوال لايضيف جديدا أو يتسم بالسطحية فى المعالجة والتناول.. عناوين براقة لامعة مغرية، أما المحتوى فكله فرز تانى.
الأمر يحتاج إلى قدر كبير من المهنية، وقدر أكبر من الإدراك والفهم والذكاء الإجتماعى الذى يساعد فرق الإعداد ومقدمى البرامج أن يرتبوا الأولويات بحيث تعبر بالفعل عن نبض الشارع وما يتطلع إليه الناس .. هناك حاجات يعبر عنها الناس بالقول والفعل ولابد للإعلام لكى يكون معبرا عن تلك الحاجات أن يتلتقط تلك الحاجات ويعبر عنها بما يعكس آراء أصحابها بأمانة وشفافية .. وهنا يثور سؤال ملح عن تأثير نظم الحكم فى حرية الإعلام أن يفعل ذلك دون خطوط حمراء كثيرة تهدد مصداقيته وتأكل من رصيد الثقة فيما يقول، وكلنا لايزال يذكر تعبير "دا كلام جرايد" الذى رسخ فى أذهان الناس للتعبير عن الشك وعدم تصديق ماتكتبه الصحف، ولو كان تعبير "دا كلام تليفزيونات" سهل النطق والتداول لاستخدمه الناس تلك الأيام للسخرية مما يقال فى المحطات الفضائية التى تبدو منفصلة عن الواقع أو تبث موادها من داخل استديوهات يعزلها عن الشارع ونبضه أسوار عالية معزولة بكواتم صوت عالية الجودة تمنع رؤية وسماع مايدور به.
الحوارات التى أجريت مع المرشحين ولازالت وبكثافة قبل حلول موعد الإنتخابات بأيام تدعم شكوكى بأن الطبخات فى كثير من الأحيان لايعد لها جيدا ولاتمنح الوقت الكافى لكى تنضج والنتيجة وجبات مسلوقة لم يكتمل نضجها غير مقبولة لمعظم المشاهدين أو وجبات سريعة روائحها شهية ولكنها يلتهمها الناس بشراهة ولكنها ضارة بالصحة .. عانى الناس كثيرا من مشاكل صارت مستعصية وبعضها قاتل يصيب الأمة فى مقتل مثل الأمية والبطالة وقلة الدخول وارتفاع الأسعار وعدم توافر العلاج المجانى الكريم وفساد التعليم الذى يخرج جهالا بشهادات والمحليات التى تركت العشوائيات تستشرى فى جسم الأمة وتأكل الأرض الزراعية وتحرم الناس من قوتها .. أسمع كلاما عاما فى كل مرة يستضاف فيها أحد المرشحين وينتهى الحوار الذى يتناوب عليه مذيعون فى محطات مختلفة منفردين أو مجتمعين دون أن نحصل على إجابات محددة عن كيفية حل تلك المشكلات ولا من أين سيتم تدبير الموارد اللازمة لذلك.

المحاورون يتطرقون إلى مسائل فرعية تافهة لاتهم الناخب كثيرا ، ولولا الملامة لسألوا المرشح لماذا سموك بهذا الإسم، والمثير للضحك أنهم يحاولون أن يربطوا بين أسئلتهم السطحية التى لاتضيف معلومة أو توثق حدثا أو تنبه لملمح فى الشخصية يعطى مؤشرا عن سلوك المرشح وردود فعله بعد أن يتعلى كرسى السلطة ويحكم البلاد فى أرفع منصب يكن أن يصل إليه إنسان فى الدنيا .. النتيجة أن المرشحين يتجاهلون معظم الأسئلة أو يجاملون بكلمات تعبر عن ضيقهم وحرجهم وتشتت انتباههم، ويجدون أنفسهم مضطرين إلى مقاطعة المحاورين واستكمال ماجهزوه أو ماأعده لهم فريق المعاونين لهم ويتحول الأمر إلى مونولوج منفرد للمرشح لاعلاقة له مطلقا بما يطرح عليه من أسئلة، وينفض الناس من حول التليفزيون وينصرفون لشئون حياتهم أو لمشاهدة تمثيلية أو مسلسل يسرى عنهم وينسيهم ولو إلى حين أوجاعهم.

التطوير وإرادة الحياة


نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أى مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية .. ألتقى بكم هنا كل أسبوع مرة فى محاولة للتحريض على التفكير فى أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.
التطوير .. وإرادة الحياة
أى عملية تطوير تعنى بالضرورة محاولة تغيير وضع قائم إلى وضع أفضل، وهى بهذا المعنى تمرد على التسليم بالأمر الواقع وقبوله على أنه أحسن مايمكن، وبالتالى رفض التعلل بأسباب الظروف والملابسات والمواءمات التى تتخذ فى كثير من الأحيان حججا تجهض التطوير أو تعرقل انطلاقه .. التطوير الجيد بطبيعته مثل مرآة للواقع يرى فيها الناس أخطاءهم بوضوح ويرون نتائج أعمالهم ومايترتب عليها من نتائج يمكن أن تكون ضارة للغير او للمؤسسات التى يعملون بها ، ومن هنا فهو يمثل تهديدا للمراكز التى كونوها بفعل الزمن، والمزايا التى اكتسبوها، ومعظمها يكون بغير وجه حق لأنهم اقتنصوها بسبب وجودهم فى المكان المناسب فى الوقت المناسب وليس لأنهم يستحقونها عن علم أو خبرة أو بالتحالفات التى تكونت للدفاع عن تلك المراكز .. والتطوير يمثل كذلك عبئا على "تنابلة السلطان" الذين يأكلون ويشربون وتلتقط صورهم بجانبه، ثم يذهبون للنوم وهم يظنون أنهم قد حققوا إنجازات رائعة، وحين يستيقظون يظلوا يسبحون بحمد السلطان فى حلقات ذكر جماعية أو فى عزف منفرد ثم يروحون مرة أخرى فى غيبوبة استعدادا ليوم جديد من النفاق والمداهنة "والبهللة" قانعين بأن يكونوا أصفارا، رافضين لأى تكليف ذا قيمة يتطلب عملا ومجهودا أو حتى تفكير.
عرضت مرة إطارا عاما لخطة تطوير – لاحظ أنى اقول إطارا عاما للخطة وليس الخطة نفسها بتفاصيلها- على أعلى سلطة اتخاذ قرار فى مؤسسة عريقة واستغرق العرض أقل من ساعة .. كان العرض بسيطا واضحا بلغة سهلة لاتحتمل أى تأويل ولا يرصعها تعبيرات علمية معقدة، وطلبت فى آخر العرض رأى من حضروا، وشجعتهم على طرح الأسئلة ولكن أحدا مهم لم ينطق لا بتعليق ولا بسؤال، ولكنى حين تحاورت مع رئيس المؤسسة عن انطباعاته فوجئت به يضحك قائلا أن البعض لم يفهم كلمة مما قلت وأنهم ذهبوا إليه ليعاتبوه على السماح لى بهذا الوقت قائلين "منك لله".. بديهى أن هؤلاء سوف يتربصون بأى خطة تطوير ويتحينون الفرص لإثبات عجز من تجرأ وأزعجهم "بهز" المركب التى يجلسون على حافتها من كل الجوانب يحيطون بالربان ويرصدون بالساعة ماتم إنجازه ويشككون فى النوايا ويتفاخرون بأنهم كانوا على حق حين رفضوا فكرة التطوير من الأساس.
قارن ذلك بمجموعة أخرى متحفزة للتغيير، غير راضية عن الأمر الواقع، ومتمردة على النمط الذى تدار به المؤسسة التى ينتمون إليها، وغيورين على إسم المؤسسة وسمعتها وتاريخها، تزاحموا لكى يحضروا لقاءا مماثلا عرضت فيه نتائج مرحلة من مراحل خطة مكتملة للتطوير فى نفس الوقت الذى قضيته لعرض الإطار العام على للمشروع على المجموعة الأولى من ذوات "المكالم" (جمع مكلمة) وكان المفروض طبقا لأجندة الإجتماع أن تكون الأسئلة والإقتراحات – إن وجدت – فى حدود نفس مدة عرض الخطة أى ساعة فإذا بالإجتماع يمتد لساعتين أخريين طرحت فيها أفكار واقترحت مسارات واتخذت مبادرات كلها تصب فى اتجاه التطوير والتغيير لكى تصبح المؤسسة جاهزة لمواجهة التحديات الهائلة وملاحقة التغيير المتسارع فى الشارع المصرى بعد ثورة 25 يناير.

الفرق بين الحضور فى المناسبتين فى نظرى يتلخص فى أمرين محددين هما مستوى الولاء للمؤسسة، ودرجة الوعى بالمصلحة العامة وتغليبها على المصلحة الشخصية..مجموعة تهرب من مرارة الواقع الذى ساهموا فى صنعه بحقن أنفسهم بمخدر أحلام اليقظة الذى يجمل الواقع، ومجموعة تصر على البقاء متيقظة لمواجهة الخطر بالتفكير الواعى فى وسائل تغيير هذا الواقع .. مجموعة تظن أن الصراخ والعويل سوف يخيف شيطان الفشل ويصرفه، ومجموعة تعلم أن ذلك سوف لايصرف الشيطان بل سيغريه باستدعاء أنصاره لكى يشتركوا فى حفلات "الزار الخطابى" يحمس المشتركين فى حلقة الزار ويجعهلهم يتمايلون فى هستيريا تتصاعد تدريجيا كلما زاد الصراخ ويبقى على حالة الغيبوبه والغياب عن الواقع، يلعبون دور "الملقن" يذكر الممثلين على خشبة المسرح  بما نسوه ويعيدهم إلى النص إذا خرجوا عنه .

Wednesday, December 02, 2015

فى المسألة المرورية


إضطررت للقيادة للزمالك لقضاء مصلحة هامة .. الشوارع فاضية والجراج فاضى ووصلت بسرعة ساعتين وأردت العودة للمعادى لكى أستأنف نشاطى اليومى .. برضه الدنيا ماشية إلا فى تقاطعات الطرق وعلى الكبارى .. سباق بين من يتحرك طبقا لحالة الطريق فلا يطل غيره وبين من فى حالة "توهان" يترنح بالسيارة على الطريق ومن يقود بيد واحدة بينما الأخرى مشغولة بالموبايل.
فين بتوع المرور؟ موجودين .. يتجمعون على النواصى بجوار إشارات المرور حيث لايحتاجهم أحد .. يمازحون بعضهم البعض ويتفرجون على مايبدو على تلك ال...كائنات وهى تحاول أن تتقدم بالسيارة عدة أمتار لكى تفلت من تشابك المرور فى التقاطعات (فى تقاطع المنيل عند قصر محمد على 5 واقفين برتب مختلفة وولا واحد فيهم له دعوة باللى بيحصل).
وصلت المعادى بعد كثير من الحركات البهلوانية .. وحمدت الله على السلامة وعلى أنى رجعت لطبيعتى .. إنسان متحضر نفسه الناس تسوق بذوق، وليس سائق لورى لم ينم بقاله أسبوع ومبلبع مع إزازتين منقوع البراطيش.

Tuesday, December 01, 2015

الحضارة تبدأ من دورات المياه


    تجربة شخصية مريرة كان ممكن احتفظ بيها لنفسى:
    خرجت من بيتى متوجها للمطار لاستقبال إبنتى العائدة من الخارج .. ساعة ونصف من المعادى للمطار .. كتلة واحدة من الحديد على اسفلت الشارع تتحرك ببطء السلحفاة.
    ركنت سيارتى في المكان المخصص وسرت حتى بوابة الخروج:
    أمين الشرطة: على فين ياحاج (اللقب الرسمي لكبار السن لفرض المساواة في الفقر والجهل بين المتسول وأستاذ الجامعة)
    أنا: جاى استقبل بنتى...
    هو: ممنوع .. مفيش دخول المطار (وهو يحدثنى أشار له واحد من داخل المطار فسمح لواحدة ست بالدخول .. طبعا لو كنت في بلد محترم كنت أقمت الدنيا ولم أقعدها ولكن مع بلطجة رسمي حيدعى أنى أهنته وحيلاقى اللى يصدقه)
    سألته إذا كان هناك دورة مياة خارج المطار .. أجاب من طرف مناخيره أنها في آخر المطار .. ذهبت مضطرا (أتجنب دائما فعل ذلك كلما استطعت) .. بعد سؤال واحد واثنين عن دورة المياه السرية التي يعلنون عنها بالخارج بلافتة يراها كل الناس وصلت)
    لم تخيب ظنى .. مستوى الوساخة المصرى لم يتغير وأظنه لن يتغير .. دورة مياه لفرد واحد تغرقها المياه ولم ينظفها أحد ربما منذ إنشاء المطار (الحمد لله دائما أحضر معى مناديل ورق وفوط صغيرة معطرة لتطهير يدى وأنا خارج المنزل)
    التحضر يبدا من دورات المياه في مصر .. ولسه فيه ناس بتتكلم عن الحضارة والتقدم وأن مصر أم وعمة وخالة كل الدنيا.
    لو مسكت البلد وقالولى إيه المشروع العملاق اللى نفسك تعمله قبل ماتموت لقلت بلا تردد "إنشاء دورات مياه على أعلى مستوى تنظف نفسها ذاتيا في كل مكان بدلا من المصالح الحكومية"

فى المسألة العلمية


    * فى عام 57 أطلقت روسيا أول مركبة قضاء وعلى متنها أول رائد فضاء إسمه يورى جاجارين .. وحين عاد إلى الأرض سألوه عما رأى فقال: بحثت عن الله فلم أجده.
    فى عام 68 يموت جاجارين فى حادث طائرة .. فهل يتعظ أحد؟

    * لم تقبل أمريكا أن تكون متخلفة فى علوم الفضاء أو أن تكون نمره 2 فى هذا المجال فماذا فعلت؟ لم تملأ الدنيا تصريحات عنترية وتسفيه لما حدث وإنما عكف علماؤها على العمل فى صمت حتى أعلنت عن نزول أو رائد فضاء على سطح القمر فى 69.
    ...
    (ملحوظة للى يقدر يفهم: فى الحالتين اعتمدت روسيا وأمريكا على مهاجريها من العلماء الألمان فى الوصول إلى تلك النتائج .. يعنى الموهوب اللى بيهاجر حيلاقى 100 دولة محترمة ترحب به)