" تعالوا نستكشف معا العلاقة بين ثورة المعلومات وعلم الإدارة ، ونتأمل فى تأثير التقدم السريع والكاسح فى تكنولوجيا المعلومات على التغييرات السياسية والاقتصادية التى تحدث على المسرح العالمى ، والنشاط الإنسانى والسلوك البشرى والعلاقات بين الناس"
د / فتحى النادى
التقدم التكنولوجى والتغيير فى عادات الناس
كان الناس فيما مضى وقبل اختراع الكهرباء مثلا يستيقظون مع مطلع الشمس لكى يذهبوا إلى أعمالهم، ويأوون إلى فراشهم حين تغرب الشمس ، يذهبون إلى أعمالهم القريبة من منازلهم ، ويأكلون مما تنتجه الأرض أو يزرعونه فى حدائق صغيرة بمنازلهم. وكان الناس ينعمون بذكريات جميلة لعلاقات إنسانية رقيقة وعاطفية ، ويرددون لأحفادهم حكما بالغة مثل " فى العجلة الندامة وفى التأنى السلامة" ، وكانت القصص الخيالية القديمة تبدأ بعبارات تشحذ العقل والخيال مثل " كان ياما كان " . كان أيام الناس تعتمد فى بدايتها ونهايتها على ضوء النهار أو غيابه أكثر مما كانت تعتمد على عدد الساعات ، وكانت السنون فصلا فصلا بدلا من علامات تشطب الأيام والأسابيع على تقويم معلق على الحائط. كانت الطبيعة هى التى تحدد الوقت وتضبط إيقاعه مدا وجذرا ، وحركة للنجوم والقمر، وبذرا للحب وحصادا للمحاصيل. وقد عثر العلماء على مخطوطة أثرية ترجع عصر الإسكندر الأكبر مدون بها ملاحظة تفيد أن بعض أوراق النباتات تنبسط أثناء النهار وتنطوى فى الليل، وقد استفاد عالم الطبيعيات كارلوس ليناوس بتلك الملاحظة فى القرن الثامن عشر حين اكتشف أن بصيلات بعض الزهور تتفتح وتنغلق فى مواعيد منتظمة فأقام حديقة لتلك الزهور وأصبح يحدد الوقت عن طريق النظر إليها. ضاع ذلك الإحساس اللذيذ بمراقبة إعجاز الله فى خلقه ونظام الكون مجسدا فى الظواهر الطبيعية حين أصبح لدينا ساعات حائط ومنبهات وساعات يد وأجندات للمواعيد وارتباطات تحدد بالساعة والثانية إلتزاماتنا وبرامج تلفزيونية نترقبها وننتظرها فى مواعيد ثابتة. ومنذ اخترعت الساعة التى تملأ يدويا فى عام 1876 ومن بعدها الساعات التى تعمل بالبطارية تحول توجهنا الإنسانى إلى التكنولوجيا بدلا من الطبيعة وأصبحت يومنا مليئا بعبارات تعبر عن السرعة وقلة الوقت المتاح ، وأصبحت مكاتبنا تغص بالمذكرات والأجندات التى تذكرنا بالوقت . وطبيعى أن تصير " ثقافة الإحساس بالوقت " جزءا من حياتنا الحديثة ، وأن يقاس تقدم الدول بما توفره من وقت ، وما تنتجه فى وقت معين، يجعلنى شخصيا أعتقد اعتقادا جازما بأن حسن استغلال الوقت هو العامل الفاصل بين دول العالم بتقسيماتها المعروفة كعالم أول وثان وثالث. ومن ثم لايعود غريبا أن نحصى العبارات التى ترتبط بتنظيم الوقت فى الثقافة الغربية فنجد أنها تتزايد يوما بعد يوم لكى تصبح مؤشرا قويا على احترامهم للوقت وحساسيتهم لقيمته. ولنأخذ عينة قليلة تدلل على وجهة نظرنا: lack of time, real time, deadline, killing time, lost time,
.wasting time, on time, out of time, time frame, filling time .
ظهور الدول الافتراضية
تحدثنا من قبل عن ظهور مايسمى بالدول الافتراضية التى تعتمد على " تكنولوجيا المخ " أو العقل البشرى فى تركيز إبداعاتها على الخلق والابتكار وتطوير المنتجات ، ثم تنتشر خارج حدودها تاركة أمر تصنيع منتجاتها لدول أخرى تملك القوى البشرية والأيدى العاملة اللازمة لذلك بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التى تمثل الخدمات مايزيد على 70% من الناتج المحلى الإجمالى بينما لاتثمل الصناعات التحويلية أكثر من 18% فقط. ويعد عائد الأعمال الذهنية مثل البحوث والتنمية وتصميم المنتجات والتمويل والتسويق والنقل والتأمين والخدمات القانونية التى تتخصص فيها الدول الافتراضية أعلى بكثير من عائد الصناعات التحويلية . ولايعنى ذلك أن دولة مثل تايوان مثلا لاتستطيع أن تقيم وادى سيليكون خاص بها، ولكنه يعنى ببساطة أن كثيرا من انتاج تايوان للسلع المصنعة والصناعات التحويلية سوف يتم فى الصين مثلما أصبحت سنغافورة تنتج فى ماليزيا وجوهور والصين فى الوقت الذى سوف يفتتح فيه قريبا فى ماليزيا سيليكون فالى على غرار الموجود فى الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى كثير من دول العالم الثالث إلى محاكاته فى بلادها.
ومنذ قرن من الزمان كانت الدول المستعمرة تقوم بتصنيع منتجاتها فى الدول التى استعمرتها، ولكن فى عالم اليوم لم يعد الاستعمار العسكرى ضروريا لفتح اسواق صناعية أو تجارية جديدة منخفضة التكاليف وعالية الجودة للدول الكبرى ، وتغيرت العلاقات بين الدول فأصبحت يحكمها المصالح بدلا من فرض القوة ، وحلت اتفاقيات التجارة الحرة محل اتفاقات الهدنة والاستيلاء على أراضى الغير بالقوة العسكرية . أصبحت الأرض فى عالم اليوم أقل أهمية من أناس متعلمين مدربين ، وأصبح المخزون الاحتياطى من السلع ورأس المال والعمل أقل أهمية من وسائل استخدام تلك الموارد وتفعيلها وإدارتها. لم تعد منتجات الأرض هى التى تقرر علاقات السوق وعلاقات القوى ونشأ شكل جديد من أشكال الدول هى الدول الافتراضية التى تستند على عوامل متحركة من العمل ورأس المال والمعلومات. أى أنها وحدتن سياسية قامت بتقليص قدراتها الانتاجية القائمة داخل أراضيها والانخراط بدلا من ذلك فى السوق العالمية مفضلة ذلك عن اكتساب الإرض والتمترس فيها اعتمادا على مواردها الطبيعية الدائمة التذبذب. بمعنى آخر أصبحت قدرة الدول على الوصول إلى عوامل الإنتاج العالمية من رأس مال وتكنولوجيا متطورة ومعلومات وقوى بشرية أهم من سيطرتها على أراض جديدة. ولايعنى ظهور الدول الافتراضية أن الدول ككيانات إقليمية ستختفى من الوجود، أو أن النزاع الإقليميى حول الأرض سوف يتوقف ، ولكن تجربة سنغافورة الناجحة تؤكد أن الجدارة الاقتصادية نادرا ماتتطلب توافر مساحات شاسعة ومفتوحة من الأرض أو وجود مسبق لمنتجات تنافسية حيث أن تلك الدولة لم تكن تنتج سلعة واحدة لديها فيها ميزة نسبية سابقة ، ولم يكن لديها أية منتجات تقليدية كالنفط والمعادن أو حتى الأرز مثلما يوجد لدى جاراتها من الدول الآسيوية ولكنها اليوم تمتلك قدرات اقتصادية هائلة فى مجالات عديدة مثل أشباه الموصلات والمنسوجات والصناعات الخدمية الهامة
تحدثنا من قبل عن ظهور مايسمى بالدول الافتراضية التى تعتمد على " تكنولوجيا المخ " أو العقل البشرى فى تركيز إبداعاتها على الخلق والابتكار وتطوير المنتجات ، ثم تنتشر خارج حدودها تاركة أمر تصنيع منتجاتها لدول أخرى تملك القوى البشرية والأيدى العاملة اللازمة لذلك بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التى تمثل الخدمات مايزيد على 70% من الناتج المحلى الإجمالى بينما لاتثمل الصناعات التحويلية أكثر من 18% فقط. ويعد عائد الأعمال الذهنية مثل البحوث والتنمية وتصميم المنتجات والتمويل والتسويق والنقل والتأمين والخدمات القانونية التى تتخصص فيها الدول الافتراضية أعلى بكثير من عائد الصناعات التحويلية . ولايعنى ذلك أن دولة مثل تايوان مثلا لاتستطيع أن تقيم وادى سيليكون خاص بها، ولكنه يعنى ببساطة أن كثيرا من انتاج تايوان للسلع المصنعة والصناعات التحويلية سوف يتم فى الصين مثلما أصبحت سنغافورة تنتج فى ماليزيا وجوهور والصين فى الوقت الذى سوف يفتتح فيه قريبا فى ماليزيا سيليكون فالى على غرار الموجود فى الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى كثير من دول العالم الثالث إلى محاكاته فى بلادها.
ومنذ قرن من الزمان كانت الدول المستعمرة تقوم بتصنيع منتجاتها فى الدول التى استعمرتها، ولكن فى عالم اليوم لم يعد الاستعمار العسكرى ضروريا لفتح اسواق صناعية أو تجارية جديدة منخفضة التكاليف وعالية الجودة للدول الكبرى ، وتغيرت العلاقات بين الدول فأصبحت يحكمها المصالح بدلا من فرض القوة ، وحلت اتفاقيات التجارة الحرة محل اتفاقات الهدنة والاستيلاء على أراضى الغير بالقوة العسكرية . أصبحت الأرض فى عالم اليوم أقل أهمية من أناس متعلمين مدربين ، وأصبح المخزون الاحتياطى من السلع ورأس المال والعمل أقل أهمية من وسائل استخدام تلك الموارد وتفعيلها وإدارتها. لم تعد منتجات الأرض هى التى تقرر علاقات السوق وعلاقات القوى ونشأ شكل جديد من أشكال الدول هى الدول الافتراضية التى تستند على عوامل متحركة من العمل ورأس المال والمعلومات. أى أنها وحدتن سياسية قامت بتقليص قدراتها الانتاجية القائمة داخل أراضيها والانخراط بدلا من ذلك فى السوق العالمية مفضلة ذلك عن اكتساب الإرض والتمترس فيها اعتمادا على مواردها الطبيعية الدائمة التذبذب. بمعنى آخر أصبحت قدرة الدول على الوصول إلى عوامل الإنتاج العالمية من رأس مال وتكنولوجيا متطورة ومعلومات وقوى بشرية أهم من سيطرتها على أراض جديدة. ولايعنى ظهور الدول الافتراضية أن الدول ككيانات إقليمية ستختفى من الوجود، أو أن النزاع الإقليميى حول الأرض سوف يتوقف ، ولكن تجربة سنغافورة الناجحة تؤكد أن الجدارة الاقتصادية نادرا ماتتطلب توافر مساحات شاسعة ومفتوحة من الأرض أو وجود مسبق لمنتجات تنافسية حيث أن تلك الدولة لم تكن تنتج سلعة واحدة لديها فيها ميزة نسبية سابقة ، ولم يكن لديها أية منتجات تقليدية كالنفط والمعادن أو حتى الأرز مثلما يوجد لدى جاراتها من الدول الآسيوية ولكنها اليوم تمتلك قدرات اقتصادية هائلة فى مجالات عديدة مثل أشباه الموصلات والمنسوجات والصناعات الخدمية الهامة
إعادة تشكيل العلاقات الدولية
تقوم الدول الافتراضية إذن بإعادة تشكيل كل من العلاقات الانتاجية والدولية من خلال نقل الجزء الأكبر من إنتاجها المحلى إلى الخارج وتوجيه معظم اقتصادها إلى الخدمات عالية المستوى ، أى أنها تدشن عالما يعتمد على سيادة تدفقات الانتاج والقوة الشرائية وليس على الأرصدة من السلع. كما تقوم تلك الدول بتحرير العمل من إسار الأعمال الميكانيكية الروتينية وتوفر عمالة جديدة فى مجال الخدمات التقنية والإبداعية. عالم الدول الافتراضية مؤسس على التعليم ورأس المال البشرى أكثر مما هو مؤسس على الآلات ورأس المال المادى البحت. وإذا كانت بريطانيا العظمى هى النموذج المثالى لما يمكن أن يسمى دولة افتراضية فى القرن التاسع عشر ، فأن هونج كونج التى هى حاليا إقليم إدارى خاص تابع للصين) هى النموذج للقرن الحادى والعشرين . ويرجع الفضل فى تغيير خريطة العالم على هذا النحو إلى التطور التكنولوجى الهائل الذى يفرض أساليبا وأشكالا جديدة للعلاقات بين الدول والنظم المختلفة التى تميز تلك الدول وكذلك أولوياتها فى إدارة شئونها وتطوير اقتصادها وتأمينه. ويكفى القول هنا أن الحكومة الكويتية استطاعت أن تحويل كافة حساباتها بالبنوك الوطنية إلى الخارج عقب بدء حرب الخليج واضطرارها لمغادرة البلاد حيث استطاعت أن تدير شئون الدولة من الخارج حتى تم لها استعادة وطنها.
وعلى الرغم من أن دولة مثل كوريا كانت تعتمد فى السابق على الانتاج المحلى ، فإنها حاليا لم تعد تصنع كل شيئ محليا، كما أن اليابان وهى الدولة التى تعتمد فى كل انتاجها على استيراد كافة المواد الخام التى تحتاجها آخذة هى الأخرى فى توطين انتاجها خارج حدودها. وتعتبر سويسرا الدولة الافتراضية الرائدة فى أوروبا حيث يقع 98% من القدرات النتاجية لتلك الشركة فى أماكن خارج سويسرا، وتنتج هولندا معظم سلعها خارج حدودها، بينما زاد حجم الاستثمار فى بريطانيا حتى أصبح فى 1994 مساويا تقريبا لنظيره فى الولايات المتحدة . أما الولايات المتحدة الأمريكية ذات الاقتصاد العملاق فإن 20% من انتاجها يجرى حاليا خارج البلاد (70% من الناتج المحلى الإجمالى انتاج خدمى عالى الربح). على الجانب الآخر نجد أن دولة مثل روسيا عاجزة عن تحصيل قدر كاف من الضرائب يكفى لتقديم الخدمات الأساسية أو الوفاء بمدفوعات الدين الوطنى وذلك بسبب أن القوانين التجارية عندهم لاتفسح المجال للمصنعين أو " دول الجسم " بانتاج السلع ذات الجودة المرتفعة لصالح " الدول الرأس " الأجنبية . ولكن علماء الاقتصاد يتنبؤون لروسيا والصين والهند أن تشكل فى الوقت المناسب مواقع مهمة فى بنية الانتاج العالمى . ومفتاح النجاح هنا هو التطوير الدائم القائم على البحث العلمى وتشجيع الابتكار حيث نجد أن الدول صاحبة الاستثمارات العالية فى رقائق الذاكرة لأجهزة الكمبيوتر سعة 16 كيلو بايت داومت على التطوير حتى استطاعت انتاج رقائق سعة 4ر16 ميجا بايت . وتقوم مراكز البحوث والجامعات والدراسات العليا فى تلك الدول بتقديم المساعدة والعون فى هذا الشأن خدمة للاقتصاد الوطنى لدولها وتربية لجيل من الباحثين يقودون مسيرة التطوير ويحققون التواصل بين الأجيال .
No comments:
Post a Comment