استهوانى البحث فى الأسباب التى تجعل من معظمنا موسوعة متحركة يعرف الإجابة على كل سؤال، ويفتى فى كل المسائل ، ويتطوع بمعلومات ليس لها علاقة بالموضوع المثار، ويصر على أن رأيه هو الصواب المطلق ، وينتهز الفرص لكى يستعرض علمه ومعرفته حتى ولو لم يكن هناك علم ولا معرفة .. وكنت أضاحك طلابى ومعارفى فى كثير من الأحيان وأطلب منهم أن يسألوا أى عابر سبيل عن إسم شارع افتراضى لاوجود له حتى لو كان باسم كل منهم ، وأتحدى أن تكون الإجابة أن من سئل لايعرف أو أنه لايوجد شارع بهذا الإسم .. إسأل أى مصرى عن معنى بعض أسماء الشوارع أو القرى القديمة وسوف تحظى بإجابات واجتهادات ليس لها من الواقع ولا التاريخ نصيب .. وسوف تسمع تخريجات تحتاج فى حد ذاتها إلى دراسة مستفيضة فى العلوم السلوكية والنفسية لشعبنا الطيب.. وخلصت إلى أن تأصيل إدعاء المعرفة له جذور عميقة فى الموروث الشعبى فى مصر والطريقة التى تربى عليها الغالبية العظمى من الناس .. كلمة "لاأعرف" ارتبطت فى الأذهان بالعيب والغباء ، لذلك لم يكن يتوقع منا ونحن صغار حين نسأل عن شيئ يرتبط بدراستنا على وجه الخصوص أن نسكت أو ألا نجيب .. إذا لم تكن تعرف فلابد أن تقول شيئا يعطى انطباعا بأنك تعرف أو أنك تحاول أو على الأقل لكى تعرف ولكنك نسيت الإجابة .. أما عدم الرد أو المجاهرة بعدم المعرفة فهو العار بعينه وقد يترتب عليه عقاب بالتقريع واللوم الذى هو أضعف الإيمان ، وفى بعض الحالات ماهو أكثر من ذلك لو تعدى نطاق " الفضيحة " محيط الأسرة وظهر جهلنا بالإجابة أمام الضيوف .. القاعدة أن تعرف وأنك تتباهى بما تعرف ، والاستثناء هو عدم المعرفة التى ترتبط فى أذهان الآباء والأمهات بمعان سلبية تمس قدرتهم أمام الآخرين على التربية السليمة بمقاييس هذا الزمان ، وتقصيرهم فى تزويد الأبناء بالمعارف والمهارات اللازمة التى تبرز تميزهم وشطارتهم وتفوقهم .. أما فى المدرسة فالمصيبة أكبر والعقاب أقسى لمن لايجيب على أسئلة المدرس أو يلتزم الصمت حين يؤمر بالكلام حيث كان مدرس الفصل يتسلح بعصا تلازمه فى كل تحركاته وتضفى عليه مظهر السجان الذى يتولى تأديب العصاة والبلداء من الطلاب الذين يوصمون بالغباء لمجرد أنهم لم يفهموا السؤال أو ليس لديهم إجابة عليه .. " الهترسة " إذن بأى كلام قد تكون طوق النجاة من وصمة الجهل ، أو وسيلة لكسب الوقت حتى تتيسر الإجابة أو جزء منها ، وقد يتطوع السائل بالإجابة أو الإيحاء بالإجابة فيأتى الفرج من حيث لانحتسب .. لابد أن لكل ذلك تأثير على انتشار ظاهرة " الإفتاء " الذى يتصدى له كل من هب ودب فى كل أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة حيث يعرف الداعية كل شيئ ولا يمكن بحال أن يقول أنه لايعرف وأنه سوف يبحث ثم يأتى مرة أخرى بإجابة موثقة يحصل عليها من المراجع المحترمة والدراسات التى قام بها من سبقوه وتلك كارثة أخرى ذات تأثير مدمر على سلوك الناس وتعاملاتهم وحركة الحياة كلها .
أما الظاهرة الأخرى المدمرة من رواسب إدعاء المعرفة فهى ظاهرة "المتسلقون" من هواة "التسطيح" أى ركوب القطار بدون تذكرة .. هؤلاء يجيدون فن التظاهر بالمعرفة والعلم ، وينضمون إلى فرق العمل المختلفة ولكنهم لايسهمون بأى جهد فى العمل ولا حتى بفكرة تفيد أو تسهل الإنجاز ، ولكنهم يظهرون فى الصورة حين تتحقق الأهداف ويستثمرون النجاح فى سرقة مجهود الغير ، وإعطاء انطباع عام بإسهامات زائفة ونجاحات لم يكن لهم أى فضل فيها .. كل مكان عملت فيه أو ذهبت إليه متحدثا كانت الشكوى عامة من تلك الطحالب البشرية التى تتسلق على أكتاف الغير إما بالفهلوة أو تفرض على مجموعات العمل من قبل من يملك سلطة القرار .. نوع من الدجل الإنسانى المدمر الذى يعتمد الغش والخداع أسلوبا للحياة .. يتهربون من أى مسئولية أو عمل محدد حتى لايكون هناك حساب أو تقييم لناتج عملهم .. وحين كنت أسأل عن طريقة التعامل مع هؤلاء كنت أوصى بأن يعرض عليهم زملاؤهم فى فريق العمل عناصر المشروع المكلفين بإنجازه ويطلبوا منهم أن يختاروا بأنفسهم الدور الذى يستطيعون القيام به داخل المجموعة والإلتزام بتوقيتات إنجاز محددة، وأن يكون ذلك بحضور كل أعضاء فريق العمل فى إجماع على ضرورة أن يلتزم كل عضو فى الفريق بأداء دوره أمام الآخرين وأن يكون واضحا تأثير عدم الإلتزام على فشل الفريق كله فى تحقيق الأهداف التى يسعى لتحقيقها ، وأن ذلك لن يكون مقبولا بأى حال من الأحوال .
إنتشار الخرافة واللجوء إلى التفسيرات السهلة لسلوكنا والحلول المفرطة السذاجة لمشاكل حياتنا هى أيضا نتيجة لكل هذا الموروث الشعبى للفهلوة والهترسة والبغبغة إلى آخر تلك الصفات التى تتميز بها حياتنا عن سائر حياة البشر على كوكب الأرض وتجعلنا شعبا متفردا عن باقى الشعوب .. استمعت بالصدفة إلى برنامج لمدة ساعة كاملة استوقفنى وأنا أقلب فى محطات الإذاعة اقود سيارتى إلى اجتماع فى أحد المدن الجديدة .. البرنامج يقدم أغنية هدية لمن يرسل تاريخ ميلاده لضيف أو ضيفة البرنامج الذى يحلل شخصية السائل بل وصفاته الشخصية وسلوكه ومزاجه طبقا "للبرج" الذى ينتمى إليه واليوم الذى ولد فيه وساعة تشريفه للحياة .. ويؤكد الضيف على المتشككين بأننا جميعا نخضع فى مزاجنا لحركة الشمس والقمر والمد والجزر وماإذا كنا ننتمى إلى برج العقرب أو الدلو أو الجدى ومايقابلها من أبراج الفأر والقط والقرد فى الأبراج الصينية .. وجميع زبائن البرنامج من الشباب الضائع الذى لايجد شيئا مفيدا يفعله سوى تبادل الهدايا ورسائل الحب من خلال البرنامج والإهتداء برأى الخبير الفلكى الذى يؤصل إلى أننا جميعا ولدنا هكذا وتحدد قدرنا وسلوكنا وتفكيرنا وردود أفعالنا سلفا .. أى أننا لانتميز عن الحيوانات فى شيئ .. وأن العقل الذى منحنا الله إياه هدية مجانية نفكر بها فى إعمار الأرض وحركة الحياة والتعاون والسعى لكسب الرزق والتعلم وتبادل المنافع وإصلاح الذات والاستثمار فى معرفة الآخرين بالاحتكاك والتعامل وليس بأفكار سابقة التجهيز .. بالتالى تكون الرسالة المدمرة لمثل تلك البرامج هى مافائدة العلم والمعرفة والتخطيط لحياتنا إذا كان مصيرنا مرتبط بمواقع النجوم التى لانملك فى تسييرها أو حتى معرفة أسرارها شيئا ، وأن شخصياتنا وردود أفعالنا مقررة سلفا ومن ثم لاأمل فى التغيير إلى الأحسن أو نبذ بعض العادات السيئة أو المدمرة .. بمعنى آخر يولد المجرم مجرما ، والسوى سويا ، وتسيرنا قوى خفية توجهنا فى دروب الحياة فينتهى بعضنا إلى الإدمان ، وبعضنا إلى السجن ، وبعضنا إلى كراسى الحكم .. أى إجرام هذا فى حق العلم والعلماء ، وفى حق أجيال يعلقون نجاحهم وفشلهم فى الحياة على حركة كواكب بينهم وبينها ملايين السنوات الضوئية ولايعرفون عنها سوى أضواءها التى تلمع فى السماء؟
ويجرنى ذلك إلى نمط التربية الذى نعتمده فى حياتنا تلك الأيام ، وهو نفس النمط الذى نتبعه مع طلابنا لكى نجنبهم ماعانينا منه فى جيلنا .. يسأل الصغار عن شيئ فنتطوع بالإجابة فورا بدلا من تشجيعهم على البحث عن الإجابة أولا قبل أن يسألوا ، ويسأل الطالب الكسول أستاذه فيتطوع الأستاذ بالإجابة كما لو كان المفروض أن يتولى عن الطالب مهمة البحث عن المعلومات وهى الآن متاحة عن سعة ووفرة وسهولة باستخدام التكنولوجيا المتطورة للمعلومات لم يكن أى منها متاحا لجيلنا الذى كان يعتمد على الكتاب كمصدر رئيسى للمعلومات ، وقد كانت الكتب متاحة للجميع بأثمان زهيدة أو مجانا من دور الكتب التى كانت منتشرة فى كل محافظة وإقليم .. نتولى الإجابة فيتعود الأبناء والطلاب على الكسل والإعتمادية على الغير ، ويشغلهم الإيقاع السريع من حولهم عن الإلتفات لأهمية المعرفة والبحث الذى أصبح " وجباب سريعة " أو معلبات تختزل فى أقراص مدمجة أو ملخصات تحوى عناوينا يسهل حفظها واسترجاعها دون أن ترتبط فى الذهن بمعان وشروحات وتفاصيل تؤصل المعنى وتساعد على استيعابه وفهمه لكى يصبح مخزونا ثقافيا وأساسا لخبرة تراكمية يستفيدون منها ويفيدون بها.. وللأسف فإن النظام التعليمى عندنا قد انجرف إلى تلك الهوة العميقة من تسطيح المعلومات فاتسعت الفجوة المعرفية بين المعلومات التى يتلقاها الأبناء فى البيوت والمدارس والجامعات وبين مقتضيات العصر ومتطلباته فزاد تخلفنا وألقى بنا فى بحر تحصيل المعرفة المتلاطم الأمواج ونحن لانجيد السباحة نطفو حينا حبا للبقاء بضربات عشوائية ونغطس أحيانا كثيرة نشرف فيها على الغرق .. الطريقة التى نتبعها فى تربيتنا لأولادنا والتى يقوم عليها النظام التعليمى فى مصر لاتشجع على التفكير ولا الإبتكار ولا المشاركة بالرأى .. وطبيعى أن تنتقل العدوى إلى مؤسساتنا وموظفيها الذين يتحولون إلى متفرجين يتلقون التعليمات وينفذونها دون مناقشة.. وحتى لو كان لديهم فكرة جديدة أو اقتراح لايعرفون مع من يناقشونه أو كيف يطورونه إلى مشروع يفيد مؤسساتهم . وحين كنت أسأل طلابى عما إذا كان لدى مؤسساتهم "نظاما" للإقتراحات ، أكتشف أن مفهومهم يقتصر على وجود صناديق تضعها مؤسساتهم فى أماكن متفرقة لكى يضع فيها من لديه اقتراحا اقتراحه ثم لايعرف بعد ذلك ماذا حدث له .. وطبيعى بعد ذلك أن تمتلئ تلك الصناديق التى لايعرف أحد من المسئول عنها ولا متى يتم فتحها وتفريغ مافيها ولا ماذا يتخذ بشأن محتوياتها بالشكاوى فتفقد بالتدريج الغرض الذى وضعت من أجله . . لابد أن نجعل الكتاب وحب القراءة جزءا من حياتنا اليومية .. ويوم نرى أن ركاب الأتوبيس او القطار أو المترو يتركون كتابا قرأوه أو مجلة محترمة تصفحوها على مقاعدهم حين يغادرون فى محطات الوصول كما يحدث فى الخارج سوف نوقن أن مصر قد تقدمت بالفعل ثقافيا .
أما الظاهرة الأخرى المدمرة من رواسب إدعاء المعرفة فهى ظاهرة "المتسلقون" من هواة "التسطيح" أى ركوب القطار بدون تذكرة .. هؤلاء يجيدون فن التظاهر بالمعرفة والعلم ، وينضمون إلى فرق العمل المختلفة ولكنهم لايسهمون بأى جهد فى العمل ولا حتى بفكرة تفيد أو تسهل الإنجاز ، ولكنهم يظهرون فى الصورة حين تتحقق الأهداف ويستثمرون النجاح فى سرقة مجهود الغير ، وإعطاء انطباع عام بإسهامات زائفة ونجاحات لم يكن لهم أى فضل فيها .. كل مكان عملت فيه أو ذهبت إليه متحدثا كانت الشكوى عامة من تلك الطحالب البشرية التى تتسلق على أكتاف الغير إما بالفهلوة أو تفرض على مجموعات العمل من قبل من يملك سلطة القرار .. نوع من الدجل الإنسانى المدمر الذى يعتمد الغش والخداع أسلوبا للحياة .. يتهربون من أى مسئولية أو عمل محدد حتى لايكون هناك حساب أو تقييم لناتج عملهم .. وحين كنت أسأل عن طريقة التعامل مع هؤلاء كنت أوصى بأن يعرض عليهم زملاؤهم فى فريق العمل عناصر المشروع المكلفين بإنجازه ويطلبوا منهم أن يختاروا بأنفسهم الدور الذى يستطيعون القيام به داخل المجموعة والإلتزام بتوقيتات إنجاز محددة، وأن يكون ذلك بحضور كل أعضاء فريق العمل فى إجماع على ضرورة أن يلتزم كل عضو فى الفريق بأداء دوره أمام الآخرين وأن يكون واضحا تأثير عدم الإلتزام على فشل الفريق كله فى تحقيق الأهداف التى يسعى لتحقيقها ، وأن ذلك لن يكون مقبولا بأى حال من الأحوال .
إنتشار الخرافة واللجوء إلى التفسيرات السهلة لسلوكنا والحلول المفرطة السذاجة لمشاكل حياتنا هى أيضا نتيجة لكل هذا الموروث الشعبى للفهلوة والهترسة والبغبغة إلى آخر تلك الصفات التى تتميز بها حياتنا عن سائر حياة البشر على كوكب الأرض وتجعلنا شعبا متفردا عن باقى الشعوب .. استمعت بالصدفة إلى برنامج لمدة ساعة كاملة استوقفنى وأنا أقلب فى محطات الإذاعة اقود سيارتى إلى اجتماع فى أحد المدن الجديدة .. البرنامج يقدم أغنية هدية لمن يرسل تاريخ ميلاده لضيف أو ضيفة البرنامج الذى يحلل شخصية السائل بل وصفاته الشخصية وسلوكه ومزاجه طبقا "للبرج" الذى ينتمى إليه واليوم الذى ولد فيه وساعة تشريفه للحياة .. ويؤكد الضيف على المتشككين بأننا جميعا نخضع فى مزاجنا لحركة الشمس والقمر والمد والجزر وماإذا كنا ننتمى إلى برج العقرب أو الدلو أو الجدى ومايقابلها من أبراج الفأر والقط والقرد فى الأبراج الصينية .. وجميع زبائن البرنامج من الشباب الضائع الذى لايجد شيئا مفيدا يفعله سوى تبادل الهدايا ورسائل الحب من خلال البرنامج والإهتداء برأى الخبير الفلكى الذى يؤصل إلى أننا جميعا ولدنا هكذا وتحدد قدرنا وسلوكنا وتفكيرنا وردود أفعالنا سلفا .. أى أننا لانتميز عن الحيوانات فى شيئ .. وأن العقل الذى منحنا الله إياه هدية مجانية نفكر بها فى إعمار الأرض وحركة الحياة والتعاون والسعى لكسب الرزق والتعلم وتبادل المنافع وإصلاح الذات والاستثمار فى معرفة الآخرين بالاحتكاك والتعامل وليس بأفكار سابقة التجهيز .. بالتالى تكون الرسالة المدمرة لمثل تلك البرامج هى مافائدة العلم والمعرفة والتخطيط لحياتنا إذا كان مصيرنا مرتبط بمواقع النجوم التى لانملك فى تسييرها أو حتى معرفة أسرارها شيئا ، وأن شخصياتنا وردود أفعالنا مقررة سلفا ومن ثم لاأمل فى التغيير إلى الأحسن أو نبذ بعض العادات السيئة أو المدمرة .. بمعنى آخر يولد المجرم مجرما ، والسوى سويا ، وتسيرنا قوى خفية توجهنا فى دروب الحياة فينتهى بعضنا إلى الإدمان ، وبعضنا إلى السجن ، وبعضنا إلى كراسى الحكم .. أى إجرام هذا فى حق العلم والعلماء ، وفى حق أجيال يعلقون نجاحهم وفشلهم فى الحياة على حركة كواكب بينهم وبينها ملايين السنوات الضوئية ولايعرفون عنها سوى أضواءها التى تلمع فى السماء؟
ويجرنى ذلك إلى نمط التربية الذى نعتمده فى حياتنا تلك الأيام ، وهو نفس النمط الذى نتبعه مع طلابنا لكى نجنبهم ماعانينا منه فى جيلنا .. يسأل الصغار عن شيئ فنتطوع بالإجابة فورا بدلا من تشجيعهم على البحث عن الإجابة أولا قبل أن يسألوا ، ويسأل الطالب الكسول أستاذه فيتطوع الأستاذ بالإجابة كما لو كان المفروض أن يتولى عن الطالب مهمة البحث عن المعلومات وهى الآن متاحة عن سعة ووفرة وسهولة باستخدام التكنولوجيا المتطورة للمعلومات لم يكن أى منها متاحا لجيلنا الذى كان يعتمد على الكتاب كمصدر رئيسى للمعلومات ، وقد كانت الكتب متاحة للجميع بأثمان زهيدة أو مجانا من دور الكتب التى كانت منتشرة فى كل محافظة وإقليم .. نتولى الإجابة فيتعود الأبناء والطلاب على الكسل والإعتمادية على الغير ، ويشغلهم الإيقاع السريع من حولهم عن الإلتفات لأهمية المعرفة والبحث الذى أصبح " وجباب سريعة " أو معلبات تختزل فى أقراص مدمجة أو ملخصات تحوى عناوينا يسهل حفظها واسترجاعها دون أن ترتبط فى الذهن بمعان وشروحات وتفاصيل تؤصل المعنى وتساعد على استيعابه وفهمه لكى يصبح مخزونا ثقافيا وأساسا لخبرة تراكمية يستفيدون منها ويفيدون بها.. وللأسف فإن النظام التعليمى عندنا قد انجرف إلى تلك الهوة العميقة من تسطيح المعلومات فاتسعت الفجوة المعرفية بين المعلومات التى يتلقاها الأبناء فى البيوت والمدارس والجامعات وبين مقتضيات العصر ومتطلباته فزاد تخلفنا وألقى بنا فى بحر تحصيل المعرفة المتلاطم الأمواج ونحن لانجيد السباحة نطفو حينا حبا للبقاء بضربات عشوائية ونغطس أحيانا كثيرة نشرف فيها على الغرق .. الطريقة التى نتبعها فى تربيتنا لأولادنا والتى يقوم عليها النظام التعليمى فى مصر لاتشجع على التفكير ولا الإبتكار ولا المشاركة بالرأى .. وطبيعى أن تنتقل العدوى إلى مؤسساتنا وموظفيها الذين يتحولون إلى متفرجين يتلقون التعليمات وينفذونها دون مناقشة.. وحتى لو كان لديهم فكرة جديدة أو اقتراح لايعرفون مع من يناقشونه أو كيف يطورونه إلى مشروع يفيد مؤسساتهم . وحين كنت أسأل طلابى عما إذا كان لدى مؤسساتهم "نظاما" للإقتراحات ، أكتشف أن مفهومهم يقتصر على وجود صناديق تضعها مؤسساتهم فى أماكن متفرقة لكى يضع فيها من لديه اقتراحا اقتراحه ثم لايعرف بعد ذلك ماذا حدث له .. وطبيعى بعد ذلك أن تمتلئ تلك الصناديق التى لايعرف أحد من المسئول عنها ولا متى يتم فتحها وتفريغ مافيها ولا ماذا يتخذ بشأن محتوياتها بالشكاوى فتفقد بالتدريج الغرض الذى وضعت من أجله . . لابد أن نجعل الكتاب وحب القراءة جزءا من حياتنا اليومية .. ويوم نرى أن ركاب الأتوبيس او القطار أو المترو يتركون كتابا قرأوه أو مجلة محترمة تصفحوها على مقاعدهم حين يغادرون فى محطات الوصول كما يحدث فى الخارج سوف نوقن أن مصر قد تقدمت بالفعل ثقافيا .
No comments:
Post a Comment