Saturday, December 01, 2012

حين يكون المستشارون هواة


أنتمى إلى فصيلة المستشارين بعد أن أفنيت عمرى فى العمل العام أحصل العلم وأدرسه ثم أطبقه عمليا فى ظروف عمل مختلفة وفى ثقافات مؤسسية متباينة فى مشروعات معظمها والحمد لله نجح فى حل المشكلات جذريا وبعضها نجح فى ذلك جزئيا والبعض – وهذا طبيعى جدا – فى كل نشاط يقوم به الإنسان لم يحقق الغرض منه على الإطلاق.. تعلمت فى "ورشة الحياة" أن كلمة استشارى تعنى بالدرجة الأولى شخص علمته الحياة أكثر بكثير مما تعلم فى قاعات الدراسة حتى وإن حصل على أرفع الدرجات العلمية، وأن مايشير به لابد وأن يكون قابلا للتطبيق مراعيا للظروف آخذا فى الحسبان الثقافة العامة التى سوف يصدر بها القرار والإمكانات المتاحة التى تضمن نجاحه والخطط البديلة لردود الأفعال المحتملة للإستعداد لها ومواجهتها.. وحين أطبق كل ذلك على ماحدث ويحدث فى مصر الآن لابد وأن يصيبنى نوع من زعزة اليقين فيما تعلمت ويجعلنى أتوقف عند مواقف ومشاهد أنوى أن أجعل منها منطلقا استفيد منه ويضيف إلى رصيدى العملى فى مخزون التنمية الذاتية الذى صاحب مشوار حياتى حتى الآن:

§       الرئيس يصدر إعلانا دستوريا يختلف حول مواده فقهاء القانون: بعضهم يرى أن من حقه أن يحصن قراراته ويستشهدون بمواد أول دستور للبلاد فى عهد عبد الناصر يحصن قرارات مجلس قيادة الثورة بألفاظ وعبارات تكاد تكون نسخة طبق الأصل مما ورد فى الإعلان الدستورى الذى كاد أن يضع مصر على شفا جرف هار ليس له قرار، والبعض يرفضه جملة وتفصيلا ويرى فيه ردة عن الديموقراطية واعتداء سافر للسلطة القضائية، وتأصيل لدكتاتورية الحكم .. معظم مستشارى الرئيس صرحوا بأنهم لم يعلموا عن الإعلان شيئا ومعهم وزير العدل وهو شيخ من شيوخ القضاء الأجلاء، وبعضهم احترم نفسه واستقال .. إذن الرئيس اتخذ القرار المصيرى الخطير وحده دون أن يستشير أحدا ممن اختارهم بنفسه لكى يشيروا عليه بالرأى – وهو غير ملزم له على أية حال - ثم يتخذ هو القرار الذى يراه صائبا بعد ذلك ويتحمل مسئوليته.. ولكن: هل صحيح أنه لم يستشر أحدا؟ أشك كثيرا فى ذلك، فلايمكن أن تصاغ وثيقة قانونية خطيرة بهذا الشكل دون أن يتولى ذلك خبير ومتخصص ودارس وممارس يعرض على الرئيس أكثر من مسودة ويجرى كثيرا من التعديلات لكى تصبح الوثيقة جاهزة للتوقيع قبل إعلانها والعمل بها!

§       لماذا لم يخرج الرئيس على الناس قبل – وليس بعد – الإعلان لكى يشرح للشعب ماالذى اضطره إلى اتخاذ التدابير الواردة به؟ ولاأقول هنا أن ذلك كان سوف يمنع أو حتى يخفف من المعارضة وإنما أتحدث عن ضرورة احترام الأمة والإستقواء بالشعب وليس فئة أو جماعة مهما كان قربها أو بعدها عن الرئيس .. فى النهاية هناك حدود لسلطات الرئيس لايمكن له أن يتجاوزها حتى فى غياب السلطة التشريعية والدستور. إذن لم يحدث تمهيد للإعلان يشرح مقاصده وارتباطه بتحقيق أهداف الثورة وربما الحفاظ على الأمن القومى للبلاد أو حمايتها من خطر داهم يتهدد أمنها وسلامتها أو وحدتها الوطنية .. الرئيس إذن بحاجة إلى خبراء فى العلاقات العامة والرأى العام يساعدونه كما يحدث بالخارج على الظهور بمظهر الرئيس القوى المسيطر على الأمور الواثق من قرارته ويختارون له التوقيت المناسب والوسيلة الملائمة لكى يتقبل الناس مايقول ويتوقعون ردود الأفعال المختلفة ويجهزون له الردود المناسبة عليها.

§       القوى الوطنية والإئتلافات والأحزاب هى الأخرى لاتؤدى ماأتوقعه منها فى ظرف خطير تمر به البلاد، ولا يتصرفون بمسئولية من استشعر هذا الخطر وحاول بكل مالديه من أدوات أن ينزع الفتيل عن قنبلة هائلة سوف تنفجر فى وجوهنا جميعا .. تباينت المواقف والبيانات والأدوار وتكاثرت منابر الخطابة وتنافس اصحاب الكلمة على الميكروفون فيما بدا أنه تصفية حسابات بدلا من توضيح أبعاد المشكلة وتداعياتها وطرح سبل الحل .. كنت أنتظر أن تكون تلك القوى وفدا منهم يطلب مقابلة الرئيس بصفة عاجلة ويعلنوا ذلك على الناس، ثم يذهبوا لمقابلته وإعلان اعتراضاتهم ومعها البدائل التى يقترحونها لإدارة الأزمة وحلها، بدلا من أن يتركوا انطباعا لدى قطاع كبير من الناس بأنهم لايجمعهم إلا هدف واحد هو إسقاط الرئيس، ولقد فعل ذلك على أية حال مجلس القضاء الأعلى وهم القادة الحقيقيون لحصن العدالة فى مصر.

§       أما ماآلمنى حقيقة أكثر من أى شيئ آخر فهو قطاع كبير من القضاة الذين اشتغلوا بالسياسة ففقدوا – وهم يعلمون ذلك يقينا – صلاحياتهم وظهروا فى اجتماعاتهم يجلس على منصتهم عدد ممن وردت أسماؤهم وقدمت فيهم بلاغات المفروض أنها قيد التحقيق فى تهم خطيرة وجنايات قتل الثوار ويصدرون توصيات تمس محراب العدالة وتغلق أبوابه فى وجوه المتقاضين تسجيلا لاعتراضهم على الإعلان الدستورى.. وفى المقابل كان هناك قطاع آخر من القضاة يعارض مواقف هؤلاء ويرفض أن ينصاع للقرارات التى اتخذوها ويفضلون أن يستمروا فى أداء رسالتهم النبيلة والا يعطلوا مصالح الناس ويقدمون الحجج على تأييدهم للإعلان الدستورى ومبرراته .. وكما قلت فى مناسبة سابقة للإحتفال بعودة النائب العام أكرر أننى كنت أتمنى أن يكون اجتماع القضاة فى ناديهم يتناسب مع صورة الوقار والهيبة فى أذهان الناس للقاضى يرتدى وشاح العدالة ويحكم فيما يعرض عليه ويعلنه بنفس الجلال والهيبة والوقار.

No comments: