المطبات الصناعية موضوع هام اعتقد أنه يستحق دوام المتابعة لعل وعسى أن ندرك حجم الكارثة التى تسببها تلك المطبات الصناعية على المستوى القومى ، والتى سأحاول هنا أن ألقى الضوء عليها مدعمة بالأرقام التى لاتكذب . وكم كنت أتمنى أن يكون لدى بيان ثقة بعدد المطبات الصناعية فى مصر سواء على الطرق التى تربط بين المدن ، والتى لاينبغى بحال أن نطلق عليها كثيرا من المسميات التى تثير الضحك والبكاء معا لعدم انطباقها على حالة تلك الطرق مثل الأوتوستراد ، والطريق السريع ، والدائرى . أننا نكون بذلك كمن يطلق إسم مسعد على شخص يلازمه سوء الحظ ، أو فارس على شخص رعديد يخاف من خياله ، أمين على لص محتال. كنت أستطيع – لو توافرت لدى البيانات الدقيقة - أن أخرج بإحصائية دقيقة تبين بالأرقام حجم الخسارة المادية التى تسببها تلك المطبات للدخل القومى ، أما الخسارة البشرية فهى متوافرة ولايمكن طبعا تقييمها بالمال مهما كثر . ولكنى أستطيع طبعا أن ألجأ إلى جانب الحذر والحرص فأفترض أرقاما أقل بكثير من الواقع وأبنى عليها حساباتى ، فإذا ماجاءت النتائج مفزعة كما سنرى استطعنا أن نتصور الواقع المرير بأبعاده المختلفة . ولنبدأ معا رحلة البحث عن الحقيقة :
· يباع فى مصر سنويا مايقرب من 266ر85 ألف سيارة مابين محلى ومستورد من جميع الأنواع طبقا لما جاء فى تقرير رابطة مصنعى السيارات فى مصر لعام 2001/2002 . ومعنى ذلك زيادة عدد السيارات الحالية فى مصر ( والتى تبلغ حاليا مليونان وسبعمائة وستون ألفا) بذلك العدد الكبير بالنسبة لطاقة الشوارع وقدرتها على الاستيعاب .
· السيارة حين تباع فهى تمثل رواجا لمنتجها أو مستوردها ، وتنعش باقى المهن المرتبطة بالحفاظ عليها وصيانتها كشركات التأمين ، ومحطات البنزين ، والميكانيكية ، وعمال الدوكو والدهان والكهرباء ، ولكنها من ناحية أخرى تحتاج لما هو أبعد من الخدمة . تحتاج السيارات لقطع غيار بصفة مستمرة لكى تظل السيارة مصدر رزق لكل هؤلاء . ويكمن هنا أهمية مانوجه النظر إليه حيث يتم استيراد كل أو معظم قطع الغيار لجميع أنواع السيارات المستوردة ، بينما لاتزيد نسبة المكون لمحلى لباقى السيارات المصنعة محليا وهى معروفة 37% .
· لو افترضنا بكثير من التفاؤل أن المطبات الصناعية العشوائية التى يبنيها كل من هب ودب بدعاوى مختلفة معظمها غير حقيقى لاتسبب للسيارات فى مصر سوى ضرر ضئيل يقتضى أن نستورد لكل سيارة قطع غيار لايزيد ثمنها عن 200 جنيه فقط كل عام لوجدنا أننا بحاجة إلى استيراد ماقيمته 750 مليون أى مايقرب من المليار جنيه بسبب أضرار المطبات الصناعية وحدها يمكن استغلالها فى توفير 35 ألف فرصة عمل أو إنشاء 3000 وحدة سكنية بسيطة تؤوى أسرة صغيرة.
· هناك أكثر من جهة تضيع بينها المسئولية فى عملية إنشاء المطبات الصناعية . مثلا هناك الهيئة العامة للطرق ، وهناك المرور ، وهناك الأحياء . بل أن الأحياء تجامل فى أحيان كثيرة بإقامة مطبات صناعية داخل الكتل السكنية ، وقد كنت شخصيا شاهدا على أكثر من حالة ليس لها أى مبرر لاإنسانى ولا لضرورة نص عليها فى قانون المرور ، وأحيانا أخرى تتغاضى الأحياء عن مطبات أقامها الناس عشوائيا . ولم نسمع أن هذه المطبات قد تم إزالتها أو تحرير محضر للمخالف كما يقضى بذلك القانون .
· أدى الإهمال فى إزالة المطبات الصناعية إلى تحول الشوارع فى المدن والأحياء السكنية ، إلى ملاعب كرة لأبناء السكان الذين غالبا مايقيمون المطبات لهذا الغرض وحده ، فيبالغون فى عدد المطبات لتصبح أكثر من مطب فى نفس الشارع.
· لو عددنا الأماكن التى تستحق فعلا مطبات صناعية لحماية مرتاديها وقاطنيها كالنوادى ودور المسنين والمدارس ودور الرعاية والمساجد لوجدنا أن معظمها لايوجد أمامه أية مطبات ، وربما لو أقيمت أمامها مطبات لم يعد فى مصر مجال لأن يقود أى منا سيارته ، بينما يصبح المشى مخاطرة فى حد ذاته .
· حالة الشارع المصرى حاليا مأسوية حيث يتعايش كل مستخدميه فى ظروف بالغة السوء من عربات كارو إلى لوارى وشاحنات بمقطورات وتاكسيات وميكروباصات وأتوبيسات وسيارات خاصة وموتوسيكلات ودرجات ، ومراقبة أى شارع ساعات الذرورة ( التى أصبحت معظم اليوم ) تسبب اليأس والإحباط والكآبة وتلك قصة أخرى .
· أن قانون المرور الجديد الذى لم يعد الآن جديدا ركز فقط على الشكل دون الموضوع فشدد على المخالفات وربط حزام الأمان ، ولم يتعرض من قريب أو بعيد لشغل الطريق وغيرها من المخالفات التى تكاد تسد عمليا كافة شوارع مصر وبالذات العاصمة. ترى ، هل نحن بحاجة لقانون جديد ؟
· أننا لو حسبنا الوقت الضائع التى يسببه بطء المرور ، وجزء كبير منه بسبب تلك الفوضى وبالقطع المطبات لبلغت أكثر من 3 مليار ساعة عمل فى العام من أصل 6 مليار ساعة عمل ينبغى أن نعملها إذا أردنا فعلا أن نحقق معدل التنمية التى وعدتنا بها الحكومة فى بيانها الوردى الأخير . ومعنى ذلك خسارة أخرى قدرها ثلاثة مليارات أخرى تضاف لما نتكلفه لشراء قطع الغيار.
· أما السؤال الهام الذى سوف يدحض كل حساب فهو : هل يمكن أصلا التخطيط السليم لوضع مطبات صناعية بمواصفات قياسية فى غياب تخطيط جيد للمدن وعشوائية فى البناء وحالة متدنية للشوارع التى تمتلئ اصلا بالحفر والمطبات من سوء الاستخدام والصيانة ؟ إذن –مالم تحدث معجزة ويتولى المحافظون إزالة القديم من المطبات وإعادة تخطيطها على ضوء الواقع الذى فرض نفسه- سوف تظل الحالة تزداد سوءا وسوف نظل نستنزف مواردنا المادية والبشرية بسبب ترك الحبل على الغارب لكل من يستهويه أن يبنى مطبا صناعيا أمام منزله ، أو لأى جهة ترى أن من حقها هى أيضا أن تفعل نفس الشيئ.
No comments:
Post a Comment