لا أظن أنى سوف أمل التنبيه إلى خطورة أن نترك شبابنا نهبا لظروف قاسية تحيط به ، وتيارات عنيفة تتقاذفه حيث يريد أعداءنا ، وأن تعمى بصائرنا عن الخطر الداهم الذى يحيق بنا جميعا لو أننا تغافلنا عن أجيال المستقبل التى يتحدد مستقبل وطننا وأمتنا على صلابتها وعزمها وخصالها ووطنيتها وحماسها. لقد أهاجت حرب العراق الظالمة شجونى ، وحركت مواجعى ، وعدت أتساءل : هل أعددنا العدة لمواجهة عدو شرس عديم الأخلاق ، الغاية عنده تبرر الوسيلة ، وأصبحت أطماعه تستوعب المنطقة العربية بأكملها ؟ وإذا كانت الإجابة بنعم – وهى ليست كذلك- فما هو دور الشباب فى معاركنا المقبلة ؟ وعدت أتساءل : هل نعجز حقيقة حكومة وشعبا أن نتفق على " خطة قومية " عملية وقابلة للتنفيذ تستوعب طاقات الشباب ، وتستثمر فى قدراته، وتعده لكى يتحمل المسئوليات التى تنتظره والتى يتعلق بها كما قلت مستقبل مصر ؟ تعالوا نحاول معا أن نضع تصورا محددا قابلا للمناقشة لما يمكن أن نفعله معا حتى لايتهمنا التاريخ بالتقصير فى حق أغلى أصول الوطن ، ونبرأ من ذنب سوف يحاسبنا الله عليه باعتبارنا جميعا مسئولون عن خلق شباب واع محصن بالعلم والمعرفة والانتماء:
· وزارة الشباب بالاشتراك والتنسيق مع وزارة التربية والتعليم مسئولة عن وضع خطة قومية تشمل برامجا للأنشطة خلال العطلات الصيفية للمدارس والجامعات ، يمارس فيها الشباب أنشطة رياضية تبنى أجسامهم وعقولهم ، وأنشطة اجتماعية لخدمة المجتمع والبيئة ، ويشاركون فى مناقشات وطنية وقومية توعيهم بقضايا وطنهم وأمتهم ودينهم، وتدريبا عسكريا ينمى فى الشاب الجدية والانتظام . وأنا هنا أؤكد على أن تكون مشاركة الطالب جزء من النظام الدراسى ، يمنح الطالب عليه درجات بعد امتحان لقياس درجة استيعابه لما تعلمه خلال فترة مشاركته. ولاأظن أن الدولة سوف تعجز عن توفير الميزانية اللازمة لإنشاء معسكرات لهذا الغرض، ويمكن أن تخصم المدة التى يقضيها الشاب فى المعسكر من مدة تجنيده الإجبارى حين يحل دوره لإداء ضريبة الدم للوطن .
· ووزارة التربية والتعليم مسئولة عن تضمين مقررات الطلاب – وبالذات فى المرحلتين الاعدادية والثانوية- موادا وبرامجا تتيح للطلاب المساهمة والمشاركة فى تلك المعسكرات والأنشطة التى تحدثنا عنها ، وكذلك التطوع فى حملات قومية لتحسين البيئة أو تنظيم المرور ، أو العمل فى مشروع زراعى أو صناعى انتاجى تبدأه الدولة ويحتاجه المجتمع يدر عائدا حتى لو حصلوا هم على هذا العائد بالكامل يعينهم ويعين أسرهم على حياة كريمة ، ويعلم الشاب معنى الاعتماد على النفس والجدية والمسئولية .
· ووزارة الشئون الاجتماعية والصندوق الاجتماعى مسئولان عن المزيد من توفير التمويل لتوسيع قاعدة الاستفادة من المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر القائمة حاليا والتى يديرها الشباب ، ومد هؤلاء الشباب بالدراسات المبسطة فى حسن الإدارة والاستثمار والمنافسة الشريفة وتحقيق الربح الحلال .
· ووزارة الأوقاف مسئولة عن التدقيق فى اختيار الدعاة ، والرقابة على المساجد لكى لايعتلى المنابر أنصاف المتعلمين بل والجهلاء بأمور دينهم ودنياهم ، يشيعون بين الشباب الأفكار المسطحة الغريبة ، ويغرقونهم فى خيالات وغيبيات تبعد عن روح دينهم الحنيف السمح البسيط.
· والجمعيات الأهلية غير الحكومية مسئولة عن إفراد مساحة عريضة للشباب لكى ينضموا بسواعدهم وهمتهم فى كافة المشروعات والأنشطة التى تتولاها تلك الجمعيات تطوعا لخدمة المجتمع وحل مشاكله الصحية والبيئية والتعليمية ومحو أمية النسبة الهائلة من مواطنينا وتوعيتهم بكثير من القضايا الإنسانية الأساسية .
· ورجال الأعمال مسئولون عن مساعدة الحكومة فى تدبير الموارد اللازمة لإنجاح خطتها القومية للنهوض بقدرات شباب مصر ، يمكن أن يفتحوا مصانعم وشركاتهم للتدريب الصيفى ، ويمكن أن يتبرعوا بجزء ضئيل من ارباحهم – سوف تخصم من ضرائبهم فى كل الأحوال – للمساهمة فى مشاريع لايعمل بها إلا الشباب ، ويمكن أن يوفروا من بين موظفيهم من يتولى تدريب الشباب على الإدارة والشئون المالية والتسويق بلا مقابل لمساعدتهم على النجاح على تنمية مشروعاتهم وتطبيق نظم الإدارة الحديثة والتطوير .
· وأخيرا ، الأحزاب السياسية مسئولة فى تفعيل دور الشباب ومشاركتهم فى العمل السياسى وإتاحة الفرصة لهم لكى يناقشوا قضايا وطنهم وأمتهم ، ويقترحوا الحلول ويسهموا فى حلها ، وينشغلوا بمشروعات قومية تهدف إلى توسيع قاعدة العضوية بتلك الأحزاب وتقويتها. ويمكن لأى حزب من الأحزاب القائمة ، أو الحزب الوطنى باعتباره أكبر الأحزاب القائمة والمفروض أنه يمثل المصالح الوطنية لكافة فئات الشعب أن يتنبى دعوة باقى الأحزاب للاجتماع للمناقشة والاتفاق على الخطة القومية التى أحلم بها. لقد نجحت الأحزاب بامتياز فى النزول إلى الشارع وحققت التفاف الجماهير حولها فى التحرك الحضارى الذى تبنته لتنظيم مظاهرة ضخمة لما يقرب من مليون مواطن مصرى للتعبير الشعبى عن رفض الحرب ضد العراق ، وهى بهذا قادرة على أن تتبنى وبنفس النجاح حملة أخرى طويلة المدى تتعاون فيها مع الحكومة لكى نحافظ على سلاحنا الاستراتيجى فى معاركنا المقبلة وهو الشباب.
إننى - رغم كراهيتى للتعميم - ألاحظ ويلاحظ معى آباء ومعلمى هذا الجيل أن غالبية شبابنا ضعيف البنية ، ضعيف التركيز ، لايقرأ ولايناقش ، اهتماماته مشتتة وسطحية، لايقبل التحدى ويميل للاستسهال. الشباب فى الخارج يتطوع للحرب وعندنا يتسكعون فى الشوارع بلا هدف ، والشباب فى الخارج يلتف حول قضايا وطنه ويستوعبها ويشارك فيها وعندنا " يشترى دماغه " وينصرف عن تلك القضايا بل ويجهلها. والشباب عندهم له صوت يسمع فى قاعات الدرس والندوات والمؤتمرات ، وعندنا أصواته خافتة متوارية خجولة، يؤثر التلقى على المناقشة، والاقتناع السريع على تحدى الأفكار التى يسمعها. وأخيرا الشباب عندهم له قضية يلتف حولها ، وعندنا نلتف حول أى شيئ جديد مبهر و"موضة" . طاقة هائلة نهدرها بأيدينا رغم قدرتنا على صيانتها واستغلالها ، ولم يعد ذلك ترفا أو خيارا مطروحا وإنما " استراتيجية " أصبحت تفرض نفسها بإلحاح بعد زلزال العراق وتوابعه التى سوف تبلغ كافة دول المنطقة وتصيبها بأضرار متفاوته حسب حجم كل هزة وقوتها. ترى هل فات الأوان لنفعل شيئا معا ؟ اللهم قد بلغت ، اللهم فاشهد.
No comments:
Post a Comment