عن الإدارة وسنينها
الإدارة هى حبى وعذابى فى آن معا ... أصبحت بالنسبة إلى أسلوب حياة، أفسر بقواعدها كل مايدور حولى كما أقيس عليها مستويات الفشل والنجاح... وهذه محاولة لكى أرسخ هذا المفهوم، لعل الله أن يشفى الوطن من "سوء الإدارة" فننقذ البقية الباقية من الموارد التى نهدرها بجهل وسفه
لابـــد أنهـــم أكثـــر منـــا تخلفـــا...!
لو أن أحد طلابى قال أن مدير أى مؤسسة ليس مسئولا عن أعمال موظفيه أيا كان موقعهم ومستواهم الوظيفى لأن عمله "إشرافى" وليس تنفيذى لحاز بجدارة على صفر كبير جدا أضخم بكثير من صفر المونديال الذى حصلنا عليه بجدارة بفضل نفس المنطق المعوج. وقد لايكفى الصفر فى هذه الحالة فأعلق – إن استطعت – لافتة على ظهره تجرسه باعتباره طالبا بليدا فاشلا، وتحذيرا من أن يسمح له أحد بتولى أى منصب من مناصب الإدارة فى أى مصلحة حكومية أو خاصة. أقول ذلك بمناسبة التصريحات الذى أدلى به مسئولو الحى الذى تقع عمارة الموت فى الإسكندرية فى دائرته تنصلا من المسئولية وإلقاءا لتبعة ماحدث على المرؤوسين وحدهم.
بهذا المنطق يكون قبطان عبارة الموت برئ من دم أكثر من 1300 شهيد راحوا ضحية قراراته المتخبطة وإلقاء مسئولية مواجهة الكارثة على العاملين بالسفينة ، مفضلا أن يكون أول الناجين على أول قارب بعيدا عن مكان الكارثة. وبنفس المنطق يكون كل المسئولين على رأس أجهزة المحليات غير مسئولين عن تنفيذ أكثر من 207 ألف مخالفة هى التى تم حصرها حتى الآن من المبانى لم يتخذ بشأنها أى إجراءات احترازية منذ عشرات السنين وباتت قنابل موقوتة تهدد سكان العقارات المخالفة وجيرانهم من الملتزمين الذين سوف يضارون لو تكرر ماحدث بالأسكندرية حيث تم إخلاء ثلاثة منازل تجاور المنزل سبب النكبة لحين التأكد من عدم تأثرها بما يهدد سلامة قاطنيها.
لقد طالبت مرارا بضرورة خضوع المسئولين الذين يتم ترشيحهم لمناصب قيادية فى أماكن حساسة مثل رئاسة الأحياء ومؤسسات وهيئات الدولة التى يناط بها خدمة الجماهير لاختبارات نفسية تحدد نمط شخصياتهم وأساليب اتخاذهم القرار، ثم مرورهم بعدد من ورش العمل على المهارات والخبرات التى ينبغى لهم أن يستوعبوها ويتقنوها قبل توليهم المناصب المرشحون لها مثل العمل تحت ضغط ، والأساليب المبتكرة لحل المشكلات ، وإدارة الأزمات ، وقيادة فرق العمل، وأهم من كل ذلك مسئولية قائد العمل عن القرارات التى يتخذها مرؤوسيه حتى لو كان قد فوض إليهم جزءا من سلطاته. إن ألف باء الإدارة التى نعلمها لطلابنا هو أن " التفويض يعنى تفويض سلطة اتخاذ القرار، ولايعنى تفويض المسئولية" أى أن رئيس العمل يستطيع – بل ينبغى – أن يفوض مرؤوسيه الأكفاء سلطة اتخاذ القرارات فى الموضوعات التى يجيدونها، ولكنه يظل مسئولا عن النتائج المترتبة على تلك القرارات بزعم أنه ليس هو متخذ القرار وإنما أحد مرؤوسيه.
وأريد من القارئ الكريم أن يتصور معى أن الوزراء فى مصر مثلا حين يفوضون وكلاء الوزارات ومعاونيهم وهيئة مكاتبهم فى اتخاذ القرارات اليومية لتسيير شئون وزاراتهم ، ولكنهم يتنصلون من مسئولية أى قرار خاطئ يتخذه أحدهم. إننا نكون بذلك قد أرسينا قاعدة خطيرة بأن الوزراء أو الإدارة العليا فى أجهزة الدولة مسئولون فقط عن القرارات السليمة (وهى نادرة على أية حال) بينما يتحمل مرؤوسوهم وزر "العك" الذى يحدث بصفة يومية. وقد يكون ذلك المبدأ المدمر قد نشأ من الخلط بين المسئولية الشخصية فى الجرائم بأنواعها والتى يكون مرتكبها مسئولا أمام القضاء عنها بصفته وبين مسئولية دوام متابعة عمل المرؤوسين والتأكد من أدائهم لمهام وظائفهم والتدخل بالتصحيح فى الوقت المناسب فى حالة أى انحراف أو تباطؤ فى التنفيذ أو تدليس فى التقارير أو البيانات التى ترفع للرئيس المباشر.
هل يمكن إعفاء رئيس مصلحة حكومية أو شركة من مسئولية أن يشب حريق يدمر المال العام لنقص فى أجهزة الإطفاء فى مصلحته ، أو لنقص تدريب العاملين لديه على أعمال الإطفاء حتى تصل عربات الإطفاء ؟ أو أستاذ سمح لأحد مساعديه أن يحاضر الطلاب أو يضع امتحانا أو يقوم بالتصحيح دون أن يكون قد اكتمل تأهيله لذلك ؟ أو مدير بنك لايطنطن بصفة يومية على إجراءات الأمن بالبنك الذى يديره تحت زعم أن مهمة الحراسة منوطة بأفراد الحراسة والمسئولين عنها سواء داخل البنك أو خارجه؟ أو قائد طائرة ترك لمساعده تحت التدريب مهمة القيادة واستغرق فى النوم دون أن يطمئن على سلامة أجهزة الطائرة وعلى استعداد مساعده على التعامل مع أى أزمة قد تطرأ؟
من ذلك يتضح أن تفويض السلطة له شروط، أولها حسن اختيار من يريد رئيس العمل تفويض حزء من اختصاصاته إليه، وثانيها أنه ليس هناك تفويض كامل ولاتفويض للمسئولية.
المسئولون على قمة أى جهاز أو مؤسسة فى الدول المتقدمة بدءا من الوزير يستقيلون إذا ماحدث تقصير جسيم فى مواقع مسئوليتهم، ولم نسمع أن أحدا منهم قد ألقى باللوم على موظف تابع له عن الخطأ الذى يقع. إنهم بذلك إما أن يكونوا قد فهموا الإدارة فهما صحيحا بأن مسئولية الإدارة مسئولية تضامنية لاينفرد بها رئيس أو مرؤوس ، وإما أنهم سذج معتوهون وأكثر منا تخلفا حين يتركون مواقعهم طواعية استشعارا منهم بمسئوليتهم عن أى قرار يتخذونه بأنفسهم أو يتخذه إى من مرؤوسيهم.
من هنا فمسئولية "حسن اختيار" المرؤوسين الجديرين بتفويض بعض سلطة اتخاذ القرارات إليهم مسألة بالغة الأهمية مادام رئيس العمل سوف يظل مسئولا فى كل الأحوال عن نتائج أعمالهم. وإذا كانت الإدارة هى "علم وفن حسن استغلال الموارد المتاحة" أفلا يكفنا دمارا ماوصلنا إليه نتيجة "لسوء الإدارة" فى مصر؟ أما آن الأوان أن نحسن اختيار القيادات لعلنا ننقذ البقية الباقية من الموارد الضيئلة المتاحة لمصر؟ وللحديث بقية.
لو أن أحد طلابى قال أن مدير أى مؤسسة ليس مسئولا عن أعمال موظفيه أيا كان موقعهم ومستواهم الوظيفى لأن عمله "إشرافى" وليس تنفيذى لحاز بجدارة على صفر كبير جدا أضخم بكثير من صفر المونديال الذى حصلنا عليه بجدارة بفضل نفس المنطق المعوج. وقد لايكفى الصفر فى هذه الحالة فأعلق – إن استطعت – لافتة على ظهره تجرسه باعتباره طالبا بليدا فاشلا، وتحذيرا من أن يسمح له أحد بتولى أى منصب من مناصب الإدارة فى أى مصلحة حكومية أو خاصة. أقول ذلك بمناسبة التصريحات الذى أدلى به مسئولو الحى الذى تقع عمارة الموت فى الإسكندرية فى دائرته تنصلا من المسئولية وإلقاءا لتبعة ماحدث على المرؤوسين وحدهم.
بهذا المنطق يكون قبطان عبارة الموت برئ من دم أكثر من 1300 شهيد راحوا ضحية قراراته المتخبطة وإلقاء مسئولية مواجهة الكارثة على العاملين بالسفينة ، مفضلا أن يكون أول الناجين على أول قارب بعيدا عن مكان الكارثة. وبنفس المنطق يكون كل المسئولين على رأس أجهزة المحليات غير مسئولين عن تنفيذ أكثر من 207 ألف مخالفة هى التى تم حصرها حتى الآن من المبانى لم يتخذ بشأنها أى إجراءات احترازية منذ عشرات السنين وباتت قنابل موقوتة تهدد سكان العقارات المخالفة وجيرانهم من الملتزمين الذين سوف يضارون لو تكرر ماحدث بالأسكندرية حيث تم إخلاء ثلاثة منازل تجاور المنزل سبب النكبة لحين التأكد من عدم تأثرها بما يهدد سلامة قاطنيها.
لقد طالبت مرارا بضرورة خضوع المسئولين الذين يتم ترشيحهم لمناصب قيادية فى أماكن حساسة مثل رئاسة الأحياء ومؤسسات وهيئات الدولة التى يناط بها خدمة الجماهير لاختبارات نفسية تحدد نمط شخصياتهم وأساليب اتخاذهم القرار، ثم مرورهم بعدد من ورش العمل على المهارات والخبرات التى ينبغى لهم أن يستوعبوها ويتقنوها قبل توليهم المناصب المرشحون لها مثل العمل تحت ضغط ، والأساليب المبتكرة لحل المشكلات ، وإدارة الأزمات ، وقيادة فرق العمل، وأهم من كل ذلك مسئولية قائد العمل عن القرارات التى يتخذها مرؤوسيه حتى لو كان قد فوض إليهم جزءا من سلطاته. إن ألف باء الإدارة التى نعلمها لطلابنا هو أن " التفويض يعنى تفويض سلطة اتخاذ القرار، ولايعنى تفويض المسئولية" أى أن رئيس العمل يستطيع – بل ينبغى – أن يفوض مرؤوسيه الأكفاء سلطة اتخاذ القرارات فى الموضوعات التى يجيدونها، ولكنه يظل مسئولا عن النتائج المترتبة على تلك القرارات بزعم أنه ليس هو متخذ القرار وإنما أحد مرؤوسيه.
وأريد من القارئ الكريم أن يتصور معى أن الوزراء فى مصر مثلا حين يفوضون وكلاء الوزارات ومعاونيهم وهيئة مكاتبهم فى اتخاذ القرارات اليومية لتسيير شئون وزاراتهم ، ولكنهم يتنصلون من مسئولية أى قرار خاطئ يتخذه أحدهم. إننا نكون بذلك قد أرسينا قاعدة خطيرة بأن الوزراء أو الإدارة العليا فى أجهزة الدولة مسئولون فقط عن القرارات السليمة (وهى نادرة على أية حال) بينما يتحمل مرؤوسوهم وزر "العك" الذى يحدث بصفة يومية. وقد يكون ذلك المبدأ المدمر قد نشأ من الخلط بين المسئولية الشخصية فى الجرائم بأنواعها والتى يكون مرتكبها مسئولا أمام القضاء عنها بصفته وبين مسئولية دوام متابعة عمل المرؤوسين والتأكد من أدائهم لمهام وظائفهم والتدخل بالتصحيح فى الوقت المناسب فى حالة أى انحراف أو تباطؤ فى التنفيذ أو تدليس فى التقارير أو البيانات التى ترفع للرئيس المباشر.
هل يمكن إعفاء رئيس مصلحة حكومية أو شركة من مسئولية أن يشب حريق يدمر المال العام لنقص فى أجهزة الإطفاء فى مصلحته ، أو لنقص تدريب العاملين لديه على أعمال الإطفاء حتى تصل عربات الإطفاء ؟ أو أستاذ سمح لأحد مساعديه أن يحاضر الطلاب أو يضع امتحانا أو يقوم بالتصحيح دون أن يكون قد اكتمل تأهيله لذلك ؟ أو مدير بنك لايطنطن بصفة يومية على إجراءات الأمن بالبنك الذى يديره تحت زعم أن مهمة الحراسة منوطة بأفراد الحراسة والمسئولين عنها سواء داخل البنك أو خارجه؟ أو قائد طائرة ترك لمساعده تحت التدريب مهمة القيادة واستغرق فى النوم دون أن يطمئن على سلامة أجهزة الطائرة وعلى استعداد مساعده على التعامل مع أى أزمة قد تطرأ؟
من ذلك يتضح أن تفويض السلطة له شروط، أولها حسن اختيار من يريد رئيس العمل تفويض حزء من اختصاصاته إليه، وثانيها أنه ليس هناك تفويض كامل ولاتفويض للمسئولية.
المسئولون على قمة أى جهاز أو مؤسسة فى الدول المتقدمة بدءا من الوزير يستقيلون إذا ماحدث تقصير جسيم فى مواقع مسئوليتهم، ولم نسمع أن أحدا منهم قد ألقى باللوم على موظف تابع له عن الخطأ الذى يقع. إنهم بذلك إما أن يكونوا قد فهموا الإدارة فهما صحيحا بأن مسئولية الإدارة مسئولية تضامنية لاينفرد بها رئيس أو مرؤوس ، وإما أنهم سذج معتوهون وأكثر منا تخلفا حين يتركون مواقعهم طواعية استشعارا منهم بمسئوليتهم عن أى قرار يتخذونه بأنفسهم أو يتخذه إى من مرؤوسيهم.
من هنا فمسئولية "حسن اختيار" المرؤوسين الجديرين بتفويض بعض سلطة اتخاذ القرارات إليهم مسألة بالغة الأهمية مادام رئيس العمل سوف يظل مسئولا فى كل الأحوال عن نتائج أعمالهم. وإذا كانت الإدارة هى "علم وفن حسن استغلال الموارد المتاحة" أفلا يكفنا دمارا ماوصلنا إليه نتيجة "لسوء الإدارة" فى مصر؟ أما آن الأوان أن نحسن اختيار القيادات لعلنا ننقذ البقية الباقية من الموارد الضيئلة المتاحة لمصر؟ وللحديث بقية.
No comments:
Post a Comment