من أين أتى إلينا هذا الطوفان الهائل من الفن الهابط الذى نجح إلى حد كبير فى إفساد الذوق العام للناس ، وساعد على انتشار قيم ومبادئ مريضة منحرفة يرددها قطاع كبير من الناس ، والشباب منهم على وجه الخصوص ، ويقلدون سلوكياتها على اعتبار أنها تعبر عن روح جديدة تساعدهم على الهروب من الملل والإحباط والضياع الذى يعيشونه ؟ هل هو إدمان من نوع جديد يغزو عقول بسطاء الناس بالتكرار حتى يعتادوا عليه ، ولا يستطيعون الاستغناء عنه كمخدر يغب الوعى ويسلب الإرادة فيظلوا يرددون كلاما تافها أجوفا مسف يصل بهم أحيانا إلى مرحلة البله والعته فينعكس ذلك على مظهرهم وسلوكهم وتفكيرهم ؟ من هى الجهة التى أزالت كل الحواجز بين من يفتقدون الموهبة والحس وبين خشبات المسرح فتحولت إلى كباريهات مسفة ، أو ميكروفونات الإذاعة والتليفزيون لكى يلوثوا أسماعنا دون استئذان بأصوات نظلم الحمير لو قلنا أنه نهيق ، ونسيئ إلى الكلاب حين نقول أنه نباح ؟ هل يستطيع كل من يملك أو يدبر الإمكانات المادية – ولابد أن يكون الكثير منها غسيلا لأموال قذرة- أن يصنع شريطا ويطرحه للبيع سواء قبل أو بعد أن يسمح له بالصياح " وتسليك " حنجرته المشروخة أمام ميكروفونات أجهزة الأعلام الرسمى فى مصر فيصبح بين يوم وليلة " مقررا " نسمعه مرغمين من مكبرات الصوت وفى المقاهى ووسائل المواصلات ؟ هل ألغيت لجان الاستماع التى كانت مهمتها إجازة الأصوات الجميلة قبل أن يصرح لها بالخروج إلى الناس ، وأين ذهبت الرقابة على المصنفات التى نعلم القانون يلزمها القانون بمنح تراخيص التداول – قبل وليس بعد – تداول المصنف أيا كان نوعه ؟ وإذا صح أن الفضائيات قد ساعدت تلك " السعرة " الغنائية على الانتشار باعتبار أنها تتعامل مع صاحب الأغنية على أنه سلعة إعلانية تتقاضى عنها أجرا مرتفعا يزيد من دخلها ، فهل يصح أن يفعل الإعلام الرسمى للدولة نفس الشيئ ويشترك فى جريمة إفساد الذوق العام للناس نظير أجر يتقاضاه ممن يريد أن " يغنى بفلوسه " ؟ هل صحيح ما يتردد عن أن واحد من هؤلاء المدعين يستطيع أن يذيع أغنياته بأى عدد يريد لو سدد الرسم المقرر لذلك وهو 300 جنيه عن كل مرة نلوث بها أسماع الناس كما جاء فى مقال الأستاذ اسماعيل النقيب فى يومياته بأخبار 24/7 ؟ هل هذا – لو صح – يعد عملا يلتزم بأخلاق المهنة التى تحتم أن يشار إلى المادة الإعلانية على أنها كذلك حتى لاينخدع الناس فى حقيقتها ويظنون أنها مختارة بواسطة الجهاز الذى يروجها وينشرها بين الناس ؟
أعلم أن الرد الجاهز سوف يكون : إن أحدا لا يجبر أحدا على سماع أو مشاهدة مالايحب ، وأن المستمع أو المشاهد يستطيع أن يغير المحطة لو أراد. وهو جدل خائب مسطح يستحق مناقشته فى حلقة من حلقات " على القهوة " الناجحة لجارى فى هذه الصفحة ، خفيف الدم إبراهيم عيسى الذى يفضل أن يناقش مشاكل الشارع المصرى بأسلوب إبن البلد الناقد الذى يستفزك ويجعلك تضحك على نفسك وسلوكياتك ولكنك تظل تحبه وتنتظره لتسمع منه وترى بعينيه المزيد عن أعاجيب الشارع المصرى بكل متناقضاته. إن أصحاب هذا المذهب يكونون كمن يرى فعلا فاضحا على قارعة الطريق فيتظاهر بأنه لم ير شيئا ، وهم أيضا من أنصار أن الغايات تبرر الوسائل : أى أنهم فى سبيل زيادة حصيلة الإذاعة والتليفزيون لايهمهم أن ينشروا عن طريق أجهزتهم تلوثا وسموما سمعية وبصرية تؤذى مشاعر الناس وتفسد أذواقهم كما قلت. وإذا كانت الحجة الثانية البالية المستهلكة هى أن الجمهور عايز كده ، فإننا نقول لهم أنكم إلى جانب كل ماذكرنا فإنكم تتعاطون الكذب وتمارسونه أداة للوى عنق الحقيقة وترويج أفكار ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، وإلا فما قولهم فى أن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة استطاعوا أن يجعلوا بسطاء الناس يغنون أشعار شوقى ونزار قبانى واحمد رامى وعبد الله الفيصل وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وكامل الشناوى وأحمد شفيق كامل ، وأنها على امتداد مايزيد عن نصف قرن الآن قد شكلت وجدان الناس ومواقفهم وعانقت أحاسيسهم فى مناسبات فرحهم وحزنهم ووطنيتهم وثورتهم وشجنهم بألحان عبد الوهاب والسنباطى وسيد مكاوى وزكريا أحمد وكمال الطويل والموجى وبليغ ؟ لايمكن أن يكون هناك تبريرا واضحا لما يدعونه من أن أذواق الناس قد تغيرت من النقيض إلى النقيض ، ومن كلمات راقية مرهفة إلى الكلمات الفجة المنتقاة من قاموس السب العلنى، ومن مطرب " يغنى " فيطرب إلى مدع فتوة يدب برجليه ويشوح بيديه "يأمر" المستمعين أن يصفقوا له حتى يستطيع أن " يجعر " على راحته. وإذا كانت الحجة أن غالبية شعبنا من الطبقات الشعبية وأبناء البلد هم المستهدفون من هذه الموجة الجديدة البشعة ، فما رأيهم فى أن هؤلاء أنفسهم هم من استمتعوا بأصوات محمد قنديل ومحمد عبد المطلب وكارم محمود ومحمد فوزى وعبد الغنى السيد ومحمد العزبى الذي يتمسح بهم أصحاب الأصوات النكراء حاليا فيعيدون افتراس أغانيهم الجميلة لعل وعسى أن تكون واسطة تقربهم من المستمعين أصحاب الحس الراقى ممن يتحسرون مثلى على زمن الفن الجميل الذى سكن " بلابله " وجداننا تغرد فتشجينا ، حتى جاءت " الغربان " غازية فى هجمات تتارية مسلحة بأصوات جهورية وعضلات مفتولة ومكبرات صوت عملاقة وأجهزة إعلام ترتزق من راء بيعهم لبضاعتهم الفاسدة .. هربت البلابل وأصبحت ذكريات جميلة نعيشها كلما أردنا أن نهرب من الواقع المر، وعششت الغربان تطل علينا بوجهها القبيح تنعق فى تحالف ووئام مع البوم فتشيع جوا من الكآبة وترفع من معدلات التلوث البيئى الذى يحاصرنا أينما ذهبنا ...!
أعلم أن الرد الجاهز سوف يكون : إن أحدا لا يجبر أحدا على سماع أو مشاهدة مالايحب ، وأن المستمع أو المشاهد يستطيع أن يغير المحطة لو أراد. وهو جدل خائب مسطح يستحق مناقشته فى حلقة من حلقات " على القهوة " الناجحة لجارى فى هذه الصفحة ، خفيف الدم إبراهيم عيسى الذى يفضل أن يناقش مشاكل الشارع المصرى بأسلوب إبن البلد الناقد الذى يستفزك ويجعلك تضحك على نفسك وسلوكياتك ولكنك تظل تحبه وتنتظره لتسمع منه وترى بعينيه المزيد عن أعاجيب الشارع المصرى بكل متناقضاته. إن أصحاب هذا المذهب يكونون كمن يرى فعلا فاضحا على قارعة الطريق فيتظاهر بأنه لم ير شيئا ، وهم أيضا من أنصار أن الغايات تبرر الوسائل : أى أنهم فى سبيل زيادة حصيلة الإذاعة والتليفزيون لايهمهم أن ينشروا عن طريق أجهزتهم تلوثا وسموما سمعية وبصرية تؤذى مشاعر الناس وتفسد أذواقهم كما قلت. وإذا كانت الحجة الثانية البالية المستهلكة هى أن الجمهور عايز كده ، فإننا نقول لهم أنكم إلى جانب كل ماذكرنا فإنكم تتعاطون الكذب وتمارسونه أداة للوى عنق الحقيقة وترويج أفكار ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب ، وإلا فما قولهم فى أن أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ونجاة استطاعوا أن يجعلوا بسطاء الناس يغنون أشعار شوقى ونزار قبانى واحمد رامى وعبد الله الفيصل وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وكامل الشناوى وأحمد شفيق كامل ، وأنها على امتداد مايزيد عن نصف قرن الآن قد شكلت وجدان الناس ومواقفهم وعانقت أحاسيسهم فى مناسبات فرحهم وحزنهم ووطنيتهم وثورتهم وشجنهم بألحان عبد الوهاب والسنباطى وسيد مكاوى وزكريا أحمد وكمال الطويل والموجى وبليغ ؟ لايمكن أن يكون هناك تبريرا واضحا لما يدعونه من أن أذواق الناس قد تغيرت من النقيض إلى النقيض ، ومن كلمات راقية مرهفة إلى الكلمات الفجة المنتقاة من قاموس السب العلنى، ومن مطرب " يغنى " فيطرب إلى مدع فتوة يدب برجليه ويشوح بيديه "يأمر" المستمعين أن يصفقوا له حتى يستطيع أن " يجعر " على راحته. وإذا كانت الحجة أن غالبية شعبنا من الطبقات الشعبية وأبناء البلد هم المستهدفون من هذه الموجة الجديدة البشعة ، فما رأيهم فى أن هؤلاء أنفسهم هم من استمتعوا بأصوات محمد قنديل ومحمد عبد المطلب وكارم محمود ومحمد فوزى وعبد الغنى السيد ومحمد العزبى الذي يتمسح بهم أصحاب الأصوات النكراء حاليا فيعيدون افتراس أغانيهم الجميلة لعل وعسى أن تكون واسطة تقربهم من المستمعين أصحاب الحس الراقى ممن يتحسرون مثلى على زمن الفن الجميل الذى سكن " بلابله " وجداننا تغرد فتشجينا ، حتى جاءت " الغربان " غازية فى هجمات تتارية مسلحة بأصوات جهورية وعضلات مفتولة ومكبرات صوت عملاقة وأجهزة إعلام ترتزق من راء بيعهم لبضاعتهم الفاسدة .. هربت البلابل وأصبحت ذكريات جميلة نعيشها كلما أردنا أن نهرب من الواقع المر، وعششت الغربان تطل علينا بوجهها القبيح تنعق فى تحالف ووئام مع البوم فتشيع جوا من الكآبة وترفع من معدلات التلوث البيئى الذى يحاصرنا أينما ذهبنا ...!
No comments:
Post a Comment