نعيش عصر ثورة المعلومات التى ولدت فى نهاية القرن التاسع عشر، وظلت ايقاعاتها تتسارع وتتصاعد بفضل التقدم التكنولوجى الكاسح حتى وصلت إلى مستوى رهيب من سرعة الإنتشار والوصول إلى شرائح من الناس كانوا يكتفون بدور المتفرج لما يدور حولهم فى العالم. ألغيت الحدود، وإزيلت الحواجز، وتحققت لأول مرة فى التاريخ "ديمقراطية المعرفة" دون برلمانات تشرع ولااستفتاءات تقنن، ولا تأشيرات تمنح وتمنع. ثلث سكان العالم الآن يستخدمون أجهزة التليفون المحمول، وربع سكان العالم يستخدمون الإنترنت ( وصلت نسبة المستخدمين فى بعض بلدان العالم مثل كندا إلى 84% من عدد السكان) وعلى الرغم من أن نسبة مستخدمى الإنترنت فى مصر لاتتجاوز النصف فى المائة نظرا للحالة الإقتصادية وانتشار الأمية، فإن عدد مستخدمى أجهزة الهاتف المحمول حتى نهاية 2007 بلغت أكثر من 30 مليونا (يتوقع أن يزيد الرقم نهاية هذا العام إلى 36 مليونا). لم يعد أمرا عجيبا أن ترى عامل نظافة أو حارس عقار أو سائق عربة كارو يتحدث فى المحمول. ولكن التليفزيون فى الدول التى تزداد فيه نسب الأمية مثل مصر يظل هو الأخطر من بين وسائل الإعلام المؤثرة والتى لاتحتاج إلى مهارة فى التعامل معها مثل الإنترنت والتليفون المحمول. ويقدر عدد أجهزة التليفزيون فى مصر طبقا لآخر إحصائية رسمية 177 جهازا لكل ألف أسرة (حتى نهاية 2007). ولقد كانت مصر من أوائل الدول الإفريقية التى تمتلك أقمارا فضائية للبث التليفزيونى والإذاعى يعمل عليها حاليا 195 قناة تليفزيونية مجانية بالإضافة ألى 105 قناة مشفرة. وفى مصر على وجه الخصوص فإن أجيالا كاملة قد تربت على أنماط سلوكية تليفزيونية يحاكونها فى ملبسها وطريقة تفكيرها وكلامها وفى كثير من الأحيان اعتناق نفس المبادئ التى تدين بها الشخصيات التليفزيونية التى يشاهدونها ويتوحدون معها (متوسط وقت المشاهدة بين الأطفال فى مص 4 ساعات يوميا ) أضف إلى ذلك أن بعض الشركات العالمية مثل جوجل سوف تنتهى فى نهاية عام 2009 من تطوير تكنولوجيا تجعل من الممكن لأجهزة التليفزيون أن تلتقط الإنترنت دون الحاجة إلى جهاز كمبيوتر، فى الوقت الذى تسابق فيه شركات الإتصالات والبث التليفزيونى العالمية الزمن لكى تجعل برامجها قابلة للبث عبر المحمول على الهواء مباشرة، لكى يتحول المحمول بذلك إلى تليفون وكاميرا وفيديو وتليفزيون فى جهاز واحد صغير يعمل بالبطارية وتحمله فى جيبك . وبذلك تكتمل منظومة التواصل العالمية صوت وصورة عبر أى جهاز متاح تشاهده فى مكتبك أو منزلك أو تحمله فى جيبك لكى تظل "موصولا" طول الوقت بما يجرى فى العالم بقاراته الخمس، ويصبح ممكنا أن تتخاطب كل الأجهزة مع بعضها البعض عن قرب أو بعد طبقا لحاجة المستخدم.
كان لابد من هذه المقدمة لكى أوكد على "الاجتياح" الكاسح لانتشار المعلومات من أقصى الأرض إلى أقصاها دون أن تحدها حواجز أو تعوق حركتها قوانين أو قرارات تهدف إلى السيطرة عليها وتحجيمها. لم يعد ممكنا إخفاء أى خبر، أو محاولة تجميله، أو حتى تأجيل إذاعته وانتشاره، وأصبح نوعا من العبث أن تحاول الدول السيطرة على مايكتب على المواقع الخاصة للمدونين، ناهيك عما تبثه الفضائيات. وحتى بفرض نجاح ذلك ولو جزئيا – وهو المستحيل بعينه – فكيف نمنع الناس من أن تتناقل الأخبار عبر التليفونات التى أصبحت جزءا مكملا لحركة الحياة بين كل – وأكرر كل طبقات المجتمع فى أى دولة بغض النظر عن فقرها أو غناها، وهو مايطلق عليه "تكعيبة العنب" Grapevine التى تتشابك فروعها بصورة تجعل من المستحيل أحيانا يتتبع بدايتها أو نهايتها ؟ الخطورة فى حالة محاولة حجب الأخبار أو منعها أن تنشط الإشاعات لكى تكمل النقص فى المعلومات وغياب الشفافية فتختلط الحقائق بالخيال . إنتهى عصر تناقل المعلومات عبر وثائق مكتوبة تحمل من مكان إلى مكان، أو "تسريب" الأنباء الهامة والحساسة بنقلها شفاهة بين طرفين أو أكثر لكى يحل محلها طريق سريع للمعلومات لايستغرق قطعه من أقصى الأرض إلى أقصاها غير ثوان معدودات هى المدة اللازمة لضغطة زر على جهاز كمبيوتر.
أذكر أنه أثناء العهد الناصرى الذى كان يعتقد أن الشرعية الثورية تعطيه الحق فى كبت الحريات إلى الدرجة التى يفرض فيها على الناس الاستماع فقط إلى الإعلام الرسمى ، وإلى تجريم الاستماع إلى الإذاعات الأجنبية ( ولاأدرى حتى الآن كيف كان يمكن إثبات ذلك) أيام أن كان الراديو الترانزستور يمثل قمة التطور التكنولوجى والوسيلة الوحيدة لمعرفة ماذا يدور فى العالم، وذلك فى محاولة لإخفاء أخطاء النظام والترويج لصورة براقة واحدة توزع على الإعلام الرسمى المسموع والمرئى والمقروء، ولايسمح بتداول غيرها وبذلك يحاصر الناس طول الوقت بصورة ذهنية تمجد وتأله وترى أن نقدهم خطيئة تستحق التكفير عنها بالسجن أو النفى أو المصادرة أو حتى القتل على يد زبانية النظام المستفيدين من بقائه واستمراره. حتى الهزيمة المهينة التى منينا بها فى 67 – وكان التليفزيون المصرى فى مهده بعد – صورها الإعلام الرسمى على أنها مجرد "نكسة" . وأذكر أيضا أن من كان يريد أن يعرف الحقيقة عما يجرى فى مصر كان يستمع فى الخفاء إلى المحطات الأجنبية بالعربية أو الإنجليزية. كان السفر للخارج مقيدا بموافقات وتعقيدات والحصول على "تأشيرة خروج" وكان أول مايبحث عنه المسافر إلى الخارج فى ذلك الوقت الصحف والمجلات التى تصدر بالخارج – وبعضها بالقطع كان مغرضا وليس موضوعيا – لكى يعرف خلفيات مايحدث فى مصر. وكانت تلك الصحف والمجلات تهرب إلى مصر مع العائدين لكى يقرأها ذويهم وأصدقائهم المقربين . أى أن التهديد بالسجن والتشريد لم يمنع الناس من السعى لمعرفة الحقيقة مهما كان ذلك محفوفا بالمخاطر وينطبق ذلك أكثر ماينطبق على قضايا الرأى العام التى تهم كل الناس وتمس مصالحهم فضلا عن حقهم فى المعرفة وهو حق من حقوق الإنسان وحرمانهم منه يعنى حرمانهم من حق طبيعى تضمنه الدساتير الربانية قبل المواثيق الدولية الوضعية ويصمنا بما نحن فى غنى عنه من اتهامات تنال من سمعتنا الدولية وتقلل من قيمتنا فى عيون المجتمع الدولى.
إن التوسع فى التعلل بالمصالح العليا للدولة، والأمن القومى لحجب المعلومات أو "ترشيدها" أو منع تداولها أدوات تستخدمها النظم الشمولية لكى تكبح جماح شعوبها وتحجم مشاركتهم فى إحداث التغيير السياسى والاجتماعى اللازمين لمواكبة المتغيرات الدولية . وهى كما قدمنا وسائل غير مجدية وغير فاعلة ، وتزيد من إتساع فجوة عدم الإنتماء حين يلجأ الناس إلى وسائط خارجية فى محاولة لمعرفة الحقيقة، وقد يقع كثير منهم فريسة سهلة لإعلام مغرض يؤثر فيهم ويوجههم ويستغل نهمهم للمعرفة فيغذيهم بوجبات خاصة تخدم أغراضه وتسهل مقاصده. لماذا تختفى كثير من القضايا بالغة الأهمية بالنسبة للناس فى الأدراج فلا نعود نسمع عنها شيئا تحت مزاعم مختلفة لايصدقها أحد؟ ولماذا نترك أصحاب المصالح يكرسون للفساد بمحاولة إخفاء الملفات المفتوحة أو التى يحاول المخلصون من أبناء هذا الوطن أن يفتحوها حتى "تموت موتا طبيعيا" فيهال عليها التراب بعد أن ينساها الناس؟ إن إدارة الإعلام علم وفن يأخذ فى الحسبان الثقافة العامة للمجتمع وحاجات الناس ومشاكلهم على خلفية التغير الدائم والمستمر فى وسائل الاتصال، حتى لايؤدى تخلفه عن اتساع فجوة التخلف الإعلامى والمعلوماتى بما يؤدى إلى "هجرة" مجتمعية لوسائل أخرى تلبى احتياجات الناس حتى لو كانت مشوبة بمخاطر عدم الموضوعية وتلونها أغراض عقائدية أو ايديولوجية. ماالذى يضيرنا أن نفتح الأبواب والشبابيك لكى يدخل الهواء ويعم نور المعرفة، فتستنير العقول، ونحصن أنفسنا ضد ميكروبات الجهل والأمية، ونشارك فى قضايا الوطن، ونحتل مكانا على الخريطة المعلوماتية فى العالم، ونصبح جزءا فاعلا من المجتمع الدولى ؟ لاتزال الفرصة سانحة لكى نثبت لأنفسنا أن مانقوله نعنيه، وأن التصريحات الرسمية لزوم الانتخابات وجمع الأصوات قابلة للتنفيذ، وأن أمضى أسلحة القضاء على الفساد والمحسوبية ومحاولة حماية ذوى النفوذ والسلطان هو كشف فسادهم وانحرافهم. قد يصدم الرأى العام فيهم، ولكن ذلك أهون بكثير من استمرار مسرحيات الخداع وارتداء مسوح الفضيلة، أليس كذلك؟
كان لابد من هذه المقدمة لكى أوكد على "الاجتياح" الكاسح لانتشار المعلومات من أقصى الأرض إلى أقصاها دون أن تحدها حواجز أو تعوق حركتها قوانين أو قرارات تهدف إلى السيطرة عليها وتحجيمها. لم يعد ممكنا إخفاء أى خبر، أو محاولة تجميله، أو حتى تأجيل إذاعته وانتشاره، وأصبح نوعا من العبث أن تحاول الدول السيطرة على مايكتب على المواقع الخاصة للمدونين، ناهيك عما تبثه الفضائيات. وحتى بفرض نجاح ذلك ولو جزئيا – وهو المستحيل بعينه – فكيف نمنع الناس من أن تتناقل الأخبار عبر التليفونات التى أصبحت جزءا مكملا لحركة الحياة بين كل – وأكرر كل طبقات المجتمع فى أى دولة بغض النظر عن فقرها أو غناها، وهو مايطلق عليه "تكعيبة العنب" Grapevine التى تتشابك فروعها بصورة تجعل من المستحيل أحيانا يتتبع بدايتها أو نهايتها ؟ الخطورة فى حالة محاولة حجب الأخبار أو منعها أن تنشط الإشاعات لكى تكمل النقص فى المعلومات وغياب الشفافية فتختلط الحقائق بالخيال . إنتهى عصر تناقل المعلومات عبر وثائق مكتوبة تحمل من مكان إلى مكان، أو "تسريب" الأنباء الهامة والحساسة بنقلها شفاهة بين طرفين أو أكثر لكى يحل محلها طريق سريع للمعلومات لايستغرق قطعه من أقصى الأرض إلى أقصاها غير ثوان معدودات هى المدة اللازمة لضغطة زر على جهاز كمبيوتر.
أذكر أنه أثناء العهد الناصرى الذى كان يعتقد أن الشرعية الثورية تعطيه الحق فى كبت الحريات إلى الدرجة التى يفرض فيها على الناس الاستماع فقط إلى الإعلام الرسمى ، وإلى تجريم الاستماع إلى الإذاعات الأجنبية ( ولاأدرى حتى الآن كيف كان يمكن إثبات ذلك) أيام أن كان الراديو الترانزستور يمثل قمة التطور التكنولوجى والوسيلة الوحيدة لمعرفة ماذا يدور فى العالم، وذلك فى محاولة لإخفاء أخطاء النظام والترويج لصورة براقة واحدة توزع على الإعلام الرسمى المسموع والمرئى والمقروء، ولايسمح بتداول غيرها وبذلك يحاصر الناس طول الوقت بصورة ذهنية تمجد وتأله وترى أن نقدهم خطيئة تستحق التكفير عنها بالسجن أو النفى أو المصادرة أو حتى القتل على يد زبانية النظام المستفيدين من بقائه واستمراره. حتى الهزيمة المهينة التى منينا بها فى 67 – وكان التليفزيون المصرى فى مهده بعد – صورها الإعلام الرسمى على أنها مجرد "نكسة" . وأذكر أيضا أن من كان يريد أن يعرف الحقيقة عما يجرى فى مصر كان يستمع فى الخفاء إلى المحطات الأجنبية بالعربية أو الإنجليزية. كان السفر للخارج مقيدا بموافقات وتعقيدات والحصول على "تأشيرة خروج" وكان أول مايبحث عنه المسافر إلى الخارج فى ذلك الوقت الصحف والمجلات التى تصدر بالخارج – وبعضها بالقطع كان مغرضا وليس موضوعيا – لكى يعرف خلفيات مايحدث فى مصر. وكانت تلك الصحف والمجلات تهرب إلى مصر مع العائدين لكى يقرأها ذويهم وأصدقائهم المقربين . أى أن التهديد بالسجن والتشريد لم يمنع الناس من السعى لمعرفة الحقيقة مهما كان ذلك محفوفا بالمخاطر وينطبق ذلك أكثر ماينطبق على قضايا الرأى العام التى تهم كل الناس وتمس مصالحهم فضلا عن حقهم فى المعرفة وهو حق من حقوق الإنسان وحرمانهم منه يعنى حرمانهم من حق طبيعى تضمنه الدساتير الربانية قبل المواثيق الدولية الوضعية ويصمنا بما نحن فى غنى عنه من اتهامات تنال من سمعتنا الدولية وتقلل من قيمتنا فى عيون المجتمع الدولى.
إن التوسع فى التعلل بالمصالح العليا للدولة، والأمن القومى لحجب المعلومات أو "ترشيدها" أو منع تداولها أدوات تستخدمها النظم الشمولية لكى تكبح جماح شعوبها وتحجم مشاركتهم فى إحداث التغيير السياسى والاجتماعى اللازمين لمواكبة المتغيرات الدولية . وهى كما قدمنا وسائل غير مجدية وغير فاعلة ، وتزيد من إتساع فجوة عدم الإنتماء حين يلجأ الناس إلى وسائط خارجية فى محاولة لمعرفة الحقيقة، وقد يقع كثير منهم فريسة سهلة لإعلام مغرض يؤثر فيهم ويوجههم ويستغل نهمهم للمعرفة فيغذيهم بوجبات خاصة تخدم أغراضه وتسهل مقاصده. لماذا تختفى كثير من القضايا بالغة الأهمية بالنسبة للناس فى الأدراج فلا نعود نسمع عنها شيئا تحت مزاعم مختلفة لايصدقها أحد؟ ولماذا نترك أصحاب المصالح يكرسون للفساد بمحاولة إخفاء الملفات المفتوحة أو التى يحاول المخلصون من أبناء هذا الوطن أن يفتحوها حتى "تموت موتا طبيعيا" فيهال عليها التراب بعد أن ينساها الناس؟ إن إدارة الإعلام علم وفن يأخذ فى الحسبان الثقافة العامة للمجتمع وحاجات الناس ومشاكلهم على خلفية التغير الدائم والمستمر فى وسائل الاتصال، حتى لايؤدى تخلفه عن اتساع فجوة التخلف الإعلامى والمعلوماتى بما يؤدى إلى "هجرة" مجتمعية لوسائل أخرى تلبى احتياجات الناس حتى لو كانت مشوبة بمخاطر عدم الموضوعية وتلونها أغراض عقائدية أو ايديولوجية. ماالذى يضيرنا أن نفتح الأبواب والشبابيك لكى يدخل الهواء ويعم نور المعرفة، فتستنير العقول، ونحصن أنفسنا ضد ميكروبات الجهل والأمية، ونشارك فى قضايا الوطن، ونحتل مكانا على الخريطة المعلوماتية فى العالم، ونصبح جزءا فاعلا من المجتمع الدولى ؟ لاتزال الفرصة سانحة لكى نثبت لأنفسنا أن مانقوله نعنيه، وأن التصريحات الرسمية لزوم الانتخابات وجمع الأصوات قابلة للتنفيذ، وأن أمضى أسلحة القضاء على الفساد والمحسوبية ومحاولة حماية ذوى النفوذ والسلطان هو كشف فسادهم وانحرافهم. قد يصدم الرأى العام فيهم، ولكن ذلك أهون بكثير من استمرار مسرحيات الخداع وارتداء مسوح الفضيلة، أليس كذلك؟
No comments:
Post a Comment