أى متابع لمسيرة المرشح المصرى لمنصب مدير عام اليونسكو كان يعلم تماما أنه مهما كان هناك من تطمينات بأنه سوف يكتسح منافسيه للحصول على المنصب لم تكن أكثر من مجرد طنطنة إعلامية وإغراق فى التمنى وتثبت بالأمل .. وأبادر فأقول أنه ليس هناك مصرى وطنى يمكن أن يفرح أو يشمت فى فقدان مصر للفوز بالمنصب و باعتباره أعلى منصب ثقافى دولى .. ولكن ذلك لايمنعنا ولايرهبنا أن نناقش الأسباب التى أدت إلى ذلك لعلنا نستفيد هذه المرة ونتعلم ونعى الدرس ونتجنب الأخطاء والتصرف بنفس العفوية والسذاجة التى توقعنا فى مزيد من الحرج وتضيف إلى سجل إخفاقاتنا العديد من النقاط السوداء التى تكلفنا مالا وجهدا وفقدانا للمكانة وضياعا للتأثير فى المجتمع الدولى الذى نحن جزء منه .. ولعلى أبادر بسؤال : لماذا خاضت مصر بنجاح معركة الفوز بمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة وهو أرفع منصب دولى رغم شراسة المعركة وحجم ووزن المنافسين على المنصب ، بينما فشلنا فى تحقيق نفس النجاح بفاروق حسنى على منصب أقل مكانة ومع منافسين مجهولين لم يسمع أحد عنهم شيئا من قبل ؟ هل الفارق فى حجم الدعم الذى حظى به المرشح فى الحالتين من القيادة السياسية؟ الإجابة بالقطع لا فكلا المرشحين لقيا كل الدعم والمساندة اللازمين على المستوى الدولى .. السبب إذن كان فى الفارق الكبير فى مستوى الوعى السياسى والجدارات الشخصية والذكاء الإجتماعى للمرشحين ومقدار المصداقية التى يتمتع بها كل منهما لدى أصحاب المصلحة فى منحه أصواتهم من عرب وأفارقه على وجه الخصوص وغربيين وأوربيين شرفاء ممن يتمتعون بقدر عال من التأثير فى عملية اختيار المرشح لهذا المنصب الرفيع.. وسوف اسرد هنا عينة من المقدمات التى كانت توحى بقوة إلى احتمال ألا تفوز مصر بالمنصب ، والتى كان ينبغى علينا تداركها قبل أن تستفحل فتنفجر فى وجوهنا دون أن نتحصن خلف ساتر يحمينا من أضرارها:
• المرشح المصرى بدأ حملته مبكرا ولكن بمنطق وتصرفات الواثق تماما من النصرعلى أساس أن القيادة السياسية بكل ثقلها تدعمه وتقف خلفه ناسيا أن ذلك ليس ضمانا للكسب بقدر ماهو مفيد فى دعم ثقته بنفسه لكى يخوض معركته وظهره غير مكشوف .. مثل ذلك الموقف وتكرار التلويح بالدعم الذى يحظى به يخلق نوعا من الشعور العدائى للمرشح ويلفت الأنظار أكثر إلى شخصيته المستفزة والعدوانية فى معظم الأحيان ويرفع من حدة الهجوم عليه ممن لايؤيدون ترشيحه داخليا ويعارضون توجهات نظام الحكم الحالى من جهة ، وخارجيا ممن يعدون مرشحيهم لانتزاع المنصب بأى وسيلة وبشتى الطرق فالسياسة لغة مصالح ولادخل كبير للعواطف فى توجهاتها.. خاض المرشح المصرى معارك ضارية فى الداخل مع كل من ينتقد أداءه ، ووقع فى أخطاء قاتلة كان يحتاج إلى من يعلمه فضيلة الإعتذار لكى يتجنب كثيرا منها .. يقتل أكثر من 100 مصرى فى حريق بأحد قصو رالثقافة فلانسمع كلمة اعتذار واحدة أو اعتراف بتقصير من الوزير .. يقبض على أقرب معاونيه فى قضايا فساد فلا يعترف بأنه اساء الإختيار .. يتحدث بسخرية عن الحجاب ويصر على رأيه رغم الإساءة التى أحس بها قطاع عريض من المصريين رجالا ونساءا فيأبى إلا أن يؤكد رأيه فى أجهزة الإعلام ناسيا أنه بذلك قد أساء إلى كل دول الخليج والسعودية .. نوع من الغفلة حيث أنه كان يعول على الكتلة العربية فى فوزه .. تثار أقاويل عن وقوفه خلف فائز بجائزة الدولة التقديرية عن أعمال تنال من الإسلام وتتطاول على نبى الله فلا يكلف خاطره بنفى التهمة عن نفسه .. وأخيرا المهانة التى لحقت به وبكل المصريين من جراء اعتذاره المهين ولهاثه وراء استرضاء الصهاينة لكى يكتسب رضاءهم وتأييدهم .. منتهى الغفلة السياسية وحلم إبليس فى الجنة.. ويندهش المرشح بعد كل ذلك من وجود قطاع كبير من مثقفى مصر ضد ترشيحه أصلا للمنصب (استغل الغرب كل تلك الأحداث لكى يبرر عدم اختياره واضاف عليها فقدان الديموقراطية لبقائه فى منصبه مايربو على الربع قرن).
• أدهشنى كثرة الإشارة إلى أنه تم "تسييس" اليونسكو وأن ذلك قد أدى لخسارة المرشح المصرى.. وأدهشنى أكثر أن تصدر تلك التصريحات ليس فقط من الوفد الذى رافق المرشح بالخارج وإنما من مثقفين يساندون الترشيح .. وإن دل ذلك على شيئ فإنما يدل على نقص فى الدراية بآليات عمل المنظمات الدولية والتأثيرات المختلفة ومناهج الإختيار للمرشحين فى مناصب رفيعة بتلك المنظمات .. اللعبة كلها سياسية ولايمكن أن تكون غير ذلك .. وبالتالى فقد تجاهلنا هذا الجانب واعتمدنا أكثر فى حملتنا لدعم المرشح المصرى على العلاقات الشخصية على مستوى رؤساء وملوك الدول دون أن ننتبه إلى صراعات المصالح والتحيزات الشخصية التى تحكم الإختيار فى النهاية حتى لو كان من جانب دولة عربية تربطها بإسرائيل مصالح مشتركة وعلاقات حميمية لاتخفيها.
• المرشح المفروض فيه أنه سياسى مخضرم وأقدم الوزراء فى الوزارة الحالية تنقصه حصافة السياسيين حين يتحدث فيبالغ فى قيمته ولايكف عن أحراج القيادة السياسية لبلاده .. يقول مرارا حين يهاجم بأن استقالته فى جيبه وأنه قدمها أكثر من مرة فرفضت .. ويصرح لحظة عودته من باريس بحديث خاص – لم يكن بالقطع للنشر – بينه وبين الرئيس الذى على مايبدو أراد أن يطيب خاطره ويخفف عنه مرارة الهزيمة فقال له "إرم وراء ظهرك" .. وكأن ذلك لم يكن كافيا فإذا به يزيد " وأنا قاعد فى منصبى بالعند فيهم" أى أنه وحده يملك قرار بقائه فى منصبه .. بالعند ممن ؟ ممن انتقدوه أم من أسقطوه؟.. ثم أخيرا يصدر بيانا لانعلم لمن يوجهه يقبل فيه نتائج اختيار المرشح ويعلن تأييده وكامل استعداده للتعاون بعد أن ملآ الدنيا ضجيجا عن الخيانات والرشاوى والتربيطات التى تسببت فى عدم اختياره .
تلك هى الخيبة .. أما "الخيمة" التى تطفو على الأحداث فى كل مكان يذهب إليه رئيس عربى ، فلم ينتبه أحد إلى أنها ساهمت بقدر كبير ومؤثر فى عدم اختيار المرشح المصرى باعتباره ينتمى إلى فصيل من الناس لايزال يحكمهم سلوك البداوة ولايعنيهم المجتمع من حولهم ولا احترام قوانينه .. ساهمت الخيمة وإصرار الرئيس العربى على تجاوز الوقت المخصص لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذى امتد إلى أكثر من ساعة ونصف بدلا من 15 دقيقة متجاهلا التنبيه المتكرر بأن يلتزم بالوقت .. خيمة الرئيس والحملة الإعلامية التى صاحبت نصبها وتفكيكها والتى – ربما دون قصد –قد وضعت مصر ومرشحها فى سلة واحدة مع رمز التحدى للغرب الذى تجسد فى معركة دولة عربية لكى تنصب خيمة فى بدفورد نيويورك فيأمر بإزالتها رئيس البلدية الذى يرسل عماله ليفككوها ويهدد بتقديم المخالف – الذى هو فى هذه الحالة رئيس عربى – للمحاكمة بتهمة مخالفة القوانين.. رؤساء وملوك 192 دولة يجتمعون بالأمم المتحدة يناقشون مستقبل الأرض والقضايا السياسية التى تؤرق المجتمع الدولى ورئيس دولة عربية ينشغل ينصب خيمته متحديا قوانين البلد المضيف فيرسخ بذلك الصورة الذهنية السلبية عن العرب فى محفل دولى وإعلام متربص.. الخلاصة أننا غلبنا العواطف على العقل فى اختيار المرشح ، وفشلنا فى تقدير الموقف العالمى ، وفشل المرشح فى إدارة حملته فخسرت مصر منصبا رفيعا كان هناك أكثر من مرشح جاهز ليشغله .. فهل نعى الدرس ؟
• المرشح المصرى بدأ حملته مبكرا ولكن بمنطق وتصرفات الواثق تماما من النصرعلى أساس أن القيادة السياسية بكل ثقلها تدعمه وتقف خلفه ناسيا أن ذلك ليس ضمانا للكسب بقدر ماهو مفيد فى دعم ثقته بنفسه لكى يخوض معركته وظهره غير مكشوف .. مثل ذلك الموقف وتكرار التلويح بالدعم الذى يحظى به يخلق نوعا من الشعور العدائى للمرشح ويلفت الأنظار أكثر إلى شخصيته المستفزة والعدوانية فى معظم الأحيان ويرفع من حدة الهجوم عليه ممن لايؤيدون ترشيحه داخليا ويعارضون توجهات نظام الحكم الحالى من جهة ، وخارجيا ممن يعدون مرشحيهم لانتزاع المنصب بأى وسيلة وبشتى الطرق فالسياسة لغة مصالح ولادخل كبير للعواطف فى توجهاتها.. خاض المرشح المصرى معارك ضارية فى الداخل مع كل من ينتقد أداءه ، ووقع فى أخطاء قاتلة كان يحتاج إلى من يعلمه فضيلة الإعتذار لكى يتجنب كثيرا منها .. يقتل أكثر من 100 مصرى فى حريق بأحد قصو رالثقافة فلانسمع كلمة اعتذار واحدة أو اعتراف بتقصير من الوزير .. يقبض على أقرب معاونيه فى قضايا فساد فلا يعترف بأنه اساء الإختيار .. يتحدث بسخرية عن الحجاب ويصر على رأيه رغم الإساءة التى أحس بها قطاع عريض من المصريين رجالا ونساءا فيأبى إلا أن يؤكد رأيه فى أجهزة الإعلام ناسيا أنه بذلك قد أساء إلى كل دول الخليج والسعودية .. نوع من الغفلة حيث أنه كان يعول على الكتلة العربية فى فوزه .. تثار أقاويل عن وقوفه خلف فائز بجائزة الدولة التقديرية عن أعمال تنال من الإسلام وتتطاول على نبى الله فلا يكلف خاطره بنفى التهمة عن نفسه .. وأخيرا المهانة التى لحقت به وبكل المصريين من جراء اعتذاره المهين ولهاثه وراء استرضاء الصهاينة لكى يكتسب رضاءهم وتأييدهم .. منتهى الغفلة السياسية وحلم إبليس فى الجنة.. ويندهش المرشح بعد كل ذلك من وجود قطاع كبير من مثقفى مصر ضد ترشيحه أصلا للمنصب (استغل الغرب كل تلك الأحداث لكى يبرر عدم اختياره واضاف عليها فقدان الديموقراطية لبقائه فى منصبه مايربو على الربع قرن).
• أدهشنى كثرة الإشارة إلى أنه تم "تسييس" اليونسكو وأن ذلك قد أدى لخسارة المرشح المصرى.. وأدهشنى أكثر أن تصدر تلك التصريحات ليس فقط من الوفد الذى رافق المرشح بالخارج وإنما من مثقفين يساندون الترشيح .. وإن دل ذلك على شيئ فإنما يدل على نقص فى الدراية بآليات عمل المنظمات الدولية والتأثيرات المختلفة ومناهج الإختيار للمرشحين فى مناصب رفيعة بتلك المنظمات .. اللعبة كلها سياسية ولايمكن أن تكون غير ذلك .. وبالتالى فقد تجاهلنا هذا الجانب واعتمدنا أكثر فى حملتنا لدعم المرشح المصرى على العلاقات الشخصية على مستوى رؤساء وملوك الدول دون أن ننتبه إلى صراعات المصالح والتحيزات الشخصية التى تحكم الإختيار فى النهاية حتى لو كان من جانب دولة عربية تربطها بإسرائيل مصالح مشتركة وعلاقات حميمية لاتخفيها.
• المرشح المفروض فيه أنه سياسى مخضرم وأقدم الوزراء فى الوزارة الحالية تنقصه حصافة السياسيين حين يتحدث فيبالغ فى قيمته ولايكف عن أحراج القيادة السياسية لبلاده .. يقول مرارا حين يهاجم بأن استقالته فى جيبه وأنه قدمها أكثر من مرة فرفضت .. ويصرح لحظة عودته من باريس بحديث خاص – لم يكن بالقطع للنشر – بينه وبين الرئيس الذى على مايبدو أراد أن يطيب خاطره ويخفف عنه مرارة الهزيمة فقال له "إرم وراء ظهرك" .. وكأن ذلك لم يكن كافيا فإذا به يزيد " وأنا قاعد فى منصبى بالعند فيهم" أى أنه وحده يملك قرار بقائه فى منصبه .. بالعند ممن ؟ ممن انتقدوه أم من أسقطوه؟.. ثم أخيرا يصدر بيانا لانعلم لمن يوجهه يقبل فيه نتائج اختيار المرشح ويعلن تأييده وكامل استعداده للتعاون بعد أن ملآ الدنيا ضجيجا عن الخيانات والرشاوى والتربيطات التى تسببت فى عدم اختياره .
تلك هى الخيبة .. أما "الخيمة" التى تطفو على الأحداث فى كل مكان يذهب إليه رئيس عربى ، فلم ينتبه أحد إلى أنها ساهمت بقدر كبير ومؤثر فى عدم اختيار المرشح المصرى باعتباره ينتمى إلى فصيل من الناس لايزال يحكمهم سلوك البداوة ولايعنيهم المجتمع من حولهم ولا احترام قوانينه .. ساهمت الخيمة وإصرار الرئيس العربى على تجاوز الوقت المخصص لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذى امتد إلى أكثر من ساعة ونصف بدلا من 15 دقيقة متجاهلا التنبيه المتكرر بأن يلتزم بالوقت .. خيمة الرئيس والحملة الإعلامية التى صاحبت نصبها وتفكيكها والتى – ربما دون قصد –قد وضعت مصر ومرشحها فى سلة واحدة مع رمز التحدى للغرب الذى تجسد فى معركة دولة عربية لكى تنصب خيمة فى بدفورد نيويورك فيأمر بإزالتها رئيس البلدية الذى يرسل عماله ليفككوها ويهدد بتقديم المخالف – الذى هو فى هذه الحالة رئيس عربى – للمحاكمة بتهمة مخالفة القوانين.. رؤساء وملوك 192 دولة يجتمعون بالأمم المتحدة يناقشون مستقبل الأرض والقضايا السياسية التى تؤرق المجتمع الدولى ورئيس دولة عربية ينشغل ينصب خيمته متحديا قوانين البلد المضيف فيرسخ بذلك الصورة الذهنية السلبية عن العرب فى محفل دولى وإعلام متربص.. الخلاصة أننا غلبنا العواطف على العقل فى اختيار المرشح ، وفشلنا فى تقدير الموقف العالمى ، وفشل المرشح فى إدارة حملته فخسرت مصر منصبا رفيعا كان هناك أكثر من مرشح جاهز ليشغله .. فهل نعى الدرس ؟
No comments:
Post a Comment