من الله علينا بنعمة العقل لكى نفكر .. والتفكير يعنى إجهاد العقل فى محاولة فهم مايدور حولنا وتحليل الظواهر واكتشاف أى نمط يمكن أن يساعدنا فى إيجاد روابط بين مايحدث وأسبابه ومن ثم تحديد حجم المشكلات والتوفيق فى إيجاد الحلول لها.
والمخ الذى يدير تلك العملية هو الدينامو الذى يصوغ عملية التفكير ويشكل السلوك والحافز الذى يدفع الإنسان إلى السعى لكى يتفاعل مع ماحوله ويصبح جزءا منه، وهو عضو يمثل معجزة أمام علماء الدنيا الحائرون فى كنهه التائهون فى تلافيفه ودهاليزه .. الشيئ المؤكد الذى أجمعوا عليه أنه لا الآن ولا مستقبلا بعد ملايين السنين سوف ينجح الإنسان بكل التقدم العلمى الذى يملكه أن يخترع آلة تحاكى المخ فى وظائفه وتتسع للطاقة الجبارة التى يتمتع بها، ويضربون لذلك مثلا معجزا فيقولون إن الإنسان – أى إنسان – لو عاش حتى سن الثمانين يتعلم كل دقيقة شيئا جديدا فإنه لايحرق أكثر من 2% فقط من خلايا مخه والتى يعاد تعويضها فورا مجانا وبلا مقابل بفضل الله وكرمه.. من هنا كانت محاولتى للتحريض على إعادة التفكير باستقراء بعض مايدور حولنا لمزيد من الفهم القائم على إعمال العقل:
§ حكاية "القلة المندسة" التى لايخلو منها تصريح رسمى يبرر أى رد فعل رسمى خاطئ لمواجهة أى مطلب أو حركة شعبية، وتواجد هذه القلة وسط أى تجمع أو مسيرة وقدرتها على تحويل أى مظاهرة سلمية إلى مجزرة ومواجهة وحرب بين فئات الشعب من ناحية وبين الشعب والجيش والحكومة من جهة أخرى .. أعتبر التسمية إهانة بالغة حيث لايمكن لقلة مندسة أن تفعل ذلك فى شعب واع متحضر ذو تاريخ خاض أكثر من حرب وقام بأكثر من ثورة وربى أكثر من زعيموبطل شعبى يقود .. إذا كان ولابد أن يكون هناك مندسون فلنسمهم "كثرة مندسة" حتى نصدق أن شعب مصر كله قد أصيب بفيروسات نقص الوعى والغفلة والرغبة فى الفرقة والتشرذم وسلبت إرادته بالكامل وصار تابعا لمن يريدون خراب مصر ولازالوا يلعبون بمصيرها ومستقبلها.
§ أتعاطف مع كل المطالب الفئوية وعدالة معظمها ومحاولات استرداد الحقوق وإزالة ظلم استمر لعقود ، ولكنى لاأتعاطف مطلقا مع تعطيل الإنتاج واستعرضات القوة التى تصاحب تلك المطالب من اعتصامات وإضرابات تضر بالإقتصاد القومى ولايمكن أن يتحقق فى ظلها أى مطالب .. التصعيد السريع للوقفات الإحتجاجية وفرض الإرادة بالقوة يصل بنا إلى طريق مسدود فى ظل موارد محدودة وظروف غير عادية وضغوط رهيبة لأطراف الصراع لايمك التعامل معها سوى بالتفاوض والوصول إلى أحسن الحلول المتاحة .. لو كنت مكان الحكومة لنظمت للقيادات العمالية دورات فى فن التفاوض يقوم بها خبير مستقل لايتبع الحكومة فالتعامل مع مفاوض يملك أدوات التفاوض خير ألف مرة من أساليب الحروب التى تتبع فى الوقفات الإحتجاجية التى أراها على الساحة اليوم.. أبسط مثال على ماأقول أن من لهم مطالب يثيرون القضية ويصرون على الحل دون أن يقدموا حلولا مقترحة أو بدائل لصاحب القرار يتم التفاوض بشأنها .. مش كده وإلا ايه؟
§ لو كنت مكان المشير طنطاوة لخرجت على الناس فورا ببيان واضح ومقتضب ينفى نفيا قاطعا ترشحه أو ترشح أى عضو فى المجلس الأعلى للرئاسة .. لايكفى مطلقا أن يصدر بيان من المتحدث الرسمى ينفى – كما قال رئيس التحرير فى مقال سابق – صلته بالحملة التى تؤيد ترشيح المشير أو من وراء الحملة .. مالم يحدث ذلك سوف يظل الناس يضربون أخماسا فى اسداس ويتخيلون سيناريوهات تزيد من هوة تآكل الثقة بالمجلس وتفتح الباب أمام فتن جديدة نحن فى غنى عنها.
§ عقلية المؤامرة لازالت تحكم التعامل بين الجهات الحكومية التى تربت وترعرعت فى حضن النظام السابق وبين المواطنين ، ومعها بعضا من الدس والوقيعة كلما أمكن .. وأى تقصير فى الأداء لابد وأن يكون المسئول عنه طرف ثالث وليس سوء إدارة المرفق .. حدث ذلك فى وحدة مرور سقطت شبكة الكمبيوتر فتعطل العمل بالوحدة وتعطلت مصالح الناس فلم يجد المسئولون إلا أن يلصقوا ماحدث بإضراب العاملين فى المصرية للإتصالات ، مع أنهم هؤلاء نفوا نفيا قاطعا فى أجهزة الإعلام المختلفة أكثر من مرة لجوئهم إلى مثل تلك الأساليب ووعيهم الكامل بمسئوليتهم تجاه انتظام الخدمة .. مثل من أمثلة استغلال مايحدث على الساحة فى إشعال الفتن.
No comments:
Post a Comment