Wednesday, November 02, 2011

تحريض على التفكير - 2


أواصل تحريضى على التفكير، ولعل حالة الإسترخاء التى تصاحب أجازة العيد ومايصاحبها من الخير والعطاء تغرى على تهيئة الجو للإنخراط فى حالة من التأمل لما أطرحه هنا من موضوعات وآراء :

§       إضراب أمناء الشرطة يعيد إلى الأذهان أحداث الأمن المركزى منذ مايقرب من ثلاثين سنة ، المخيف فى الحالتين أن حراس الأمن تخلوا عن مواقعهم وتركوا الشارع المصرى لبلطحية محترفين مرتزقة يعملون لحساب نظام لازال يصر على إثبات نظرية "إما أنا أو الفوضى" حتى يموت قائلها مزهوا بلمحة الذكاء الوحيدة فى حياته حين قال حكمة تتحول إلى واقع على أيدى مأجورى النظام .. الشارع المصرى خائف ومهتز ومرعوب وتقهقرت أولويات الثورة ليحتل الأمن الموقع رقم واحد وإثنين وثلاثة وبعد ذلك تأتى باقى المطالب، ولكن تحقيق المطلب معلق برضاء من يقدرون على تحقيقه وقد لايرضون فيظل عرض الشارع المصرى مباحا للمغتصبين .. فى أحداث الأمن المركزى واجه الوزير الموقف بشجاعة وتحمل المسئولية واستقال، أما اليوم فالوزير المسئول يجلس على كرسى بغير وزارة وينتظر الإقالة.

§       أجهزة الإنذار بالسيارات أصبحت من معالم الشارع المصرى، وتحظى بنصيب الأسد فى إحداث ضجيج متواصل فى تتابع وتزامن نشاز يمثل خلفية مزعجة تسبب مزيدا من التلوث السمعى وتقف شاهدا على تبديد الثورة على معدات تكنولوجية لافائدة منها وتثبت كم الأنانية الموجود فى مصر هذه الأيام وتبلد الشعور بالمسئولية الإجتماعية تجاه الآخرين فلايهم أن يهنأ الناس بالراحة أو بالتركيز فى عمل يؤدونه أو مريض يرعونه مادامت السيارة فى أمان – أو هكذا يحسب من يركبون تلك الإنذارات ويضبطونها على حساسية عالية تجعل الإنذار يعمل لو وقفت ذبابة على باب السيارة او مر بجوارها أحد دون أن يلمسها.. الذى لابد وأن يعيه أصحاب حزب أجهزة الإنذار أن إنذاراتهم لاتخيف اللصوص المتمرسين على إسكاتها أو حتى سرقة السيارة والإنذار يدوى اعتمادا على أن الناس – بما فيهم صاحب السيارة نفسه – لم يعودوا يعبأون حين تنطلق وينزعجون من كثرة ماتعودوا على الصوت.

§       عصابة اللصوص والنهابين الذين كانوا يحكمون مصر تركوها "مشحتة" كبيرة وخلقوا جيوشا من المتسولين يمللأون شوارع العاصمة والأقاليم بعضهم يستحق المساعدة وتخلت عنهم الدولة وأكثرهم وجد فى التسول حرفة مريحة تدر عليه دخلا يزداد كلما ازدادت حرفيته فى إبتكار الوسائل التى تدر عليه دخلا دون عمل .. المقشة وفوطة التلميع وعلب المناديل الورقية أصبحت أدوات تسول ومعها الأعياد والموالد وصناديق النذور التى نسمع عن تقسيم إيرادها عجبا .. كلنا حين نشجع متسولا لايستحق ونستسهل التصدق فى غير مواضع الصدقة مسئولون عن كل تلك المظاهر التى تنتشر على وجه مصر فتملؤه بالبقع والبثور .. ألم يأن الأوان لكى نكون أكثر إيجابية ونبحث عن الجهات التى تذهب إليها صدقاتنا وزكاتنا فتنشئ بها مشروعات يعمل بها هؤلاء، أو على الأقل مساعدة من يستحق منهم على بدء مشروع صغير بماكينة خياطة أو بقرة أو مشغل يدوى أو نول لعمل الأكلمة أو السجاد؟

§       حرصت على أن أشاهد أطول صارى فى العالم رفع عليه علم مصر.. كنت من فرط سذاجتى أتخيله ساريا بحق وحقيق فإذا بى أجده برجا حديديا نسخة طبق الأصل من أبراج الكهرباء أو محطات المحمول التى تنتشر بين المزارع وأعلى أسطح المنازل ومعلق بقمته قماش العلم الذى يظهر من هذا الإرتفاع الشاهق كما لو كان خرقة بالية المتهالكة لالون لها .. أطالب كل صاحب قلم ورأى أن يطالب بإزالة هذا البرج القمئ الذى شوه جمال المنطقة التى أقيم فيها وأساء إلى رمز مصر وصاحبه إشاعات كثيرة حاولت أن تستغل تربط تاريخ رفع العلم على الصارى بمناسبة شخصية بحتة وأن مصر سوف تدخل موسوعة جنيس بهذا الإنجاز الهزيل.

§       أتساءل: هل نسهم بحكم العادة فى الوصول بكارثة المرور فى مصر إلى ماوصلت إليه لتصبح سببا مباشرا فى تلوث البيئة وحرق الأعصاب وضياع الوقت واستنزاف الثروات التى تصرف على محروقات نستلكها والسيارات واقفة فى مكانها؟ نظرت حولى وأنا فى تاكسى إلى مشوار لايمكن فى الظروف العادية أن يتستغرق أكثر من نصف ساعة فإذا بى أصل بعد ساعة ونصف .. نظرت للسيارات على كلا الجانبين باكتشفت أن أكثر من 90% منها على طول الطريق يقودها شخص واحد .. هل العيب فينا أم فى حكومة لم توفر وسائل انتقال آدمية يستخدمها الناس فى قضاء حوائجهم؟

تحريض على التفكير - 1


من الله علينا بنعمة العقل لكى نفكر .. والتفكير يعنى إجهاد العقل فى محاولة فهم مايدور حولنا وتحليل الظواهر واكتشاف أى نمط يمكن أن يساعدنا فى إيجاد روابط بين مايحدث وأسبابه ومن ثم تحديد حجم المشكلات والتوفيق فى إيجاد الحلول لها.

 والمخ الذى يدير تلك العملية هو الدينامو الذى يصوغ عملية التفكير ويشكل السلوك والحافز الذى يدفع الإنسان إلى السعى لكى يتفاعل مع ماحوله ويصبح جزءا منه، وهو عضو يمثل معجزة أمام علماء الدنيا الحائرون فى كنهه التائهون فى تلافيفه ودهاليزه .. الشيئ المؤكد الذى أجمعوا عليه أنه لا الآن ولا مستقبلا بعد ملايين السنين سوف ينجح الإنسان بكل التقدم العلمى الذى يملكه أن يخترع آلة تحاكى المخ فى وظائفه وتتسع للطاقة الجبارة التى يتمتع بها، ويضربون لذلك مثلا معجزا فيقولون إن الإنسان – أى إنسان – لو عاش حتى سن الثمانين يتعلم كل دقيقة شيئا جديدا فإنه لايحرق أكثر من 2% فقط من خلايا مخه والتى يعاد تعويضها فورا مجانا وبلا مقابل بفضل الله وكرمه.. من هنا كانت محاولتى للتحريض على إعادة التفكير باستقراء بعض مايدور حولنا لمزيد من الفهم القائم على إعمال العقل:

§     حكاية "القلة المندسة" التى لايخلو منها تصريح رسمى يبرر أى رد فعل رسمى خاطئ لمواجهة أى مطلب أو حركة شعبية، وتواجد هذه القلة وسط أى تجمع أو مسيرة وقدرتها على تحويل أى مظاهرة سلمية إلى مجزرة ومواجهة وحرب بين فئات الشعب من ناحية وبين الشعب والجيش والحكومة من جهة أخرى .. أعتبر التسمية إهانة بالغة حيث لايمكن لقلة مندسة أن تفعل ذلك فى شعب واع متحضر ذو تاريخ خاض أكثر من حرب وقام بأكثر من ثورة وربى أكثر من زعيموبطل شعبى يقود .. إذا كان ولابد أن يكون هناك مندسون فلنسمهم "كثرة مندسة" حتى نصدق أن شعب مصر كله قد أصيب بفيروسات نقص الوعى والغفلة والرغبة فى الفرقة والتشرذم وسلبت إرادته بالكامل وصار تابعا لمن يريدون خراب مصر ولازالوا يلعبون بمصيرها ومستقبلها.

§     أتعاطف مع كل المطالب الفئوية وعدالة معظمها ومحاولات استرداد الحقوق وإزالة ظلم استمر لعقود ، ولكنى لاأتعاطف مطلقا مع تعطيل الإنتاج واستعرضات القوة التى تصاحب تلك المطالب من اعتصامات وإضرابات تضر بالإقتصاد القومى ولايمكن أن يتحقق فى ظلها أى مطالب .. التصعيد السريع للوقفات الإحتجاجية وفرض الإرادة بالقوة يصل بنا إلى طريق مسدود فى ظل موارد محدودة وظروف غير عادية وضغوط رهيبة لأطراف الصراع لايمك التعامل معها سوى بالتفاوض والوصول إلى أحسن الحلول المتاحة .. لو كنت مكان الحكومة لنظمت للقيادات العمالية دورات فى فن التفاوض يقوم بها خبير مستقل لايتبع الحكومة فالتعامل مع مفاوض يملك أدوات التفاوض خير ألف مرة من أساليب الحروب التى تتبع فى الوقفات الإحتجاجية التى أراها على الساحة اليوم.. أبسط مثال على ماأقول أن من لهم مطالب يثيرون القضية ويصرون على الحل دون أن يقدموا حلولا مقترحة أو بدائل لصاحب القرار يتم التفاوض بشأنها .. مش كده وإلا ايه؟

§     لو كنت مكان المشير طنطاوة لخرجت على الناس فورا ببيان واضح ومقتضب ينفى نفيا قاطعا ترشحه أو ترشح أى عضو فى المجلس الأعلى للرئاسة .. لايكفى مطلقا أن يصدر بيان من المتحدث الرسمى ينفى – كما قال رئيس التحرير فى مقال سابق – صلته بالحملة التى تؤيد ترشيح المشير أو من وراء الحملة .. مالم يحدث ذلك سوف يظل الناس يضربون أخماسا فى اسداس ويتخيلون سيناريوهات تزيد من هوة تآكل الثقة بالمجلس وتفتح الباب أمام فتن جديدة نحن فى غنى عنها.

§     عقلية المؤامرة لازالت تحكم التعامل بين الجهات الحكومية التى تربت وترعرعت فى حضن النظام السابق وبين المواطنين ، ومعها بعضا من الدس والوقيعة كلما أمكن .. وأى تقصير فى الأداء لابد وأن يكون المسئول عنه طرف ثالث وليس سوء إدارة المرفق .. حدث ذلك فى وحدة مرور سقطت شبكة الكمبيوتر فتعطل العمل بالوحدة وتعطلت مصالح الناس فلم يجد المسئولون إلا أن يلصقوا ماحدث بإضراب العاملين فى المصرية للإتصالات ، مع أنهم هؤلاء نفوا نفيا قاطعا فى أجهزة الإعلام المختلفة أكثر من مرة لجوئهم إلى مثل تلك الأساليب ووعيهم الكامل بمسئوليتهم تجاه انتظام الخدمة .. مثل من أمثلة استغلال مايحدث على الساحة فى إشعال الفتن.