بالعقل كده
نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أى مكان أعمل به أو أزوره
بجناحين: العلم والخبرة العملية .. ألتقى بكم هنا كل أسبوع مرة فى محاولة للتحريض على
التفكير فى أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منه.
التفكير الإبتكارى
وسيلة من وسائل علم الإدارة يهدف إلى استثارة المخ باستخدام مايسمى "بالعصف
الذهنى" من خلال كلمة أو عبارة أو فكرة حتى لو كانت خيالية وغير واقعية بهدف
"توليد" بدائل لحل مشكلة ما أو "رؤية" لموضوع ما من زاوية أو زوايا
مختلفة .. ومن هذا المنطلق فإن تشجيع التفكير الإبتكارى يقضى على الجمود فى
المواقف وطريقة التفكير ويساعد من يحاول التفكير بطريقة مختلفة أن يرى ابعادا
مختلفة للموضوع الذى يبحثه مما يساعده على المفاضلة بين البدائل ومن ثم اتخاذ
القرار الصائب بشأن هذا الموضوع.
لذلك كنت بين الحين
والحين ألجأ لتلك الطريقة مع طلابى ومع المتدربين لتعويدهم على كسر حاجز الخوف من
التفكير خارج الصندوق وإجهاد عقولهم فى اقتراح واستخلاص النتائج ، تماما كمن يعرض
شرائح مصورة لموضوع ما من جوانبه المختلفة ويصل فى النهاية إلى نتيجة سوف يبنى
عليها قرارا يحل به مشكلة أو يبدأ به مشروعا أو يشترك به فى حوار.
وأذكر أنى لتقريب معنى التفكير الإبتكارى في الاقتصاد
قد طرحت على طلابى في الماجستير مرة أن يفكروا في مشروع "ربى معزه" كمشروع
قومى لمصر يشترك فيه كل مصرى ولو بسهم الذى هو عباره عن معزة أو ثمنها، وقلت إن
غاندى قد استطاع بمشرع مماثل محاربة الإمبراطورية التى لاتغيب الشمس عنها وينهى
احتلالها للهند جوهرة التاج وأكبر سوق لاستهلاك المنتجات البريطانية.. وبعد تعيين مجلس
الإدارة من الطلاب وتوزيع الإختصاصات وكتابة التوصيف الوظيفى لرئيس وأعضاء مجلس
إدارة "الشركة القومية للمعيز" صاحبة المشروع ورؤساء القطاعات المختلفة
ومديرى الإدارات وصلنا معا بعد ضحك ومزاح وتعليقات ساخرة والذى منه إلى دراسة جدوى
أولية تبشر بكل الخير وتؤكد أن ربحية المشروع تأسيسا على مايلى:
أولا - سعر السهم
فى متناول كل مصرى حيث أن المطلوب أن يسهم كل عضو بمعزه أو ثمنها
الذى يمكن تدبيره بقرض ميسر من أحد البنوك واخترنا "بنك المعيز الإجتماعى,
ثانيا - بذلك تصبح
شركتنا أكبر مصدر للمعيز ف العالم حيث لايوجد شركة فى العالم حتى الآن عدد
مساهميها يزيد عن الخمسة وثمانين مليونا (تعداد مصر وقتها)
ثالثا - تكلفة تربية المعيز
تكاد تكون صفر لأن المعيز تتغذى على الورق وهو متوفر مجانا فى البيوت وفى شوارع
وأزقة مصر.
رابعا - نقضى على مشكلة
القمامةة نهائيا في مصر بإطلاق المعيز في الشوارع تتغذى على مايلقيه الناس فى الشوارع تجنبا
لدفع خمسة جنيهات شهريا لجامع القمامة.
خامسا - نقضى على الفساد
في المحليات ونخرب بيت شركات النظافة الأجنبية والمستفيدين من وراءهم والمتعاقدين
معهم على "لتوسيخ مصر" لكى يستمر تجديد عقودهم السنوية.
سابعا - نحقق اكتفاء ذاتى
في انتاج اللبن ونبدأ مشروعا جديدا يدر علينا أرباحا هائلة شعاره (كوب لبن لكل مواطن
يغنيك عن سؤال اللئيم)
ثامنا - نوزع مغازل على
المساهمين وكل واحد يقعد جنب معزته يغزل شيئا مفيدا ونبيع انتاجنا (مفارش طواقى أو
شنط قماش) بأسعار فى متاول الناس.
وخلصنا فى النهاية
إلى أنه حتى لو فشل المشروع فلن يخسر أي مساهم ولا مليم من رأس المال
العامل لسبب بسيط هو أن كل مساهم سوف يأخذ معزته ويذهب بها حيث يشاء.
والسؤال الذى يفرض نفسه الآن هو: أيهما أحوج للتفكير الإبتكارى خارج
الصندوق للقضاء على كم المشكلات المتراكمة والتى لاتتوافر الإمكانات لحلها بالطرق
التقليدية الجامدة والتى تعتمد على الطرق المعتادة التى أساسها توفير الموارد أولا
ثم الشروع فى الحل؟ الدول المتخلفة أم الدول المتقدمة .. الإجابة المنطقية هى أن
الدول المتخلفة والنامية هى التى تحتاج بشدة لتغيير نمط تفكيرها، ولكن الغريب أن
الدول المتقدمة هى التى لاتتوقف عن استخدام الطرق المبتكرة بصفة دائمة كنمط تفكير،
ولاتزال الدول المتخلفة تخشى التجريب وتخاف من المغامرات المحسوبة.. وبهذا تزداد
الفجوة اتساعا ويزداد المتقدم تقدما والمتأخر تأخرا.
د/ فتحى النادى
No comments:
Post a Comment