Tuesday, July 01, 2008

إدارة التغيير وسد فجوة التخلف

تستفزنى جدا أخبار الإنتصارات العلمية التى أتابعها بصفة دائمة باعتبارها مؤشرا على التقدم الإنسانى لحل مشكلات العالم وتحقيق الرفاهية لسكانه. أفرح لإنى جزء من هذا العالم ولأنى صاحب رسالة أحاول عن طريق أدواتى أن أحدث التغيير فى نطاق مساحة التأثير التى أمتلكها. ولكنى فى المقابل أصاب بمزيج من الإحباط وخيبة الأمل أن العلم لم يتوصل بعد إلى اكتشاف يمكن الدول المتخلفة من أن تعدل جيناتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية لكى تلحق بركب التقدم الإنسانى ولو وقوفا فى عربة السبنسة. آخر تلك الانتصارات عن مكوك الفضاء " فينكس" الذى لم يصل فقط إلى المريخ، ولكنه قام بأخذ عينة من القشرة الأرضية بعمق 5ر2 سم وقام بتحليلها فى الفضاء وإرسال النتائج إلى المحطة الأرضية التى تتابعه لكى تقرر ماإذا كان هناك مياه على ظهر هذا الكوكب والذى يبلغ قطره 6785 كيلومترا ويبعد عن الأرض مابين 100 – 380 مليون كيلومترا (طبقا للاختلافات التى تطرأ على المدار) وعما إذا كانت التربة تصلح للزراعة وهل هناك حياة على ظهره.
أما سر ضيقى فهو أن " فجوة التخلف " تزداد اتساعا بيننا وبين دول العالم المتقدم يوما بعد يوم نتيجة للتسارع المخيف فى إيقاع تقدمهم العلمى وتخلفنا، ففى الوقت الذى يتجول فيه مكوك الفضاء ليحقق تلك لمعجزات دون حادث واحد يعوق تحركه أو يؤثر فى دقة توجيهة، لازلنا فى مصر نحاول أن نحسن من مستوى خدمة القطارات لتجنب الأعطال والحوادث الناتجة عن سوء الصيانة. تلك هى للأسف الشديد مساحة الفجوة بيننا وبينهم والتى يمكن مجازا أن نقيسها بالمسافة بين الأرض والمريخ وبين القاهرة وطنطا فى القطار. ولابد أن أتساءل هنا ويتساءل غيرى: وماالعمل وقد أصبح هذا حالنا؟ ألايزال هناك أمل فى أن نلحق ولو من بعيد بركب التقدم العلمى فينصلح حالنا ولو بعد حين؟ وأبادر فأقول : ممكن بشروط بديهية أولها أن نقبل الاعتراف بأننا تخلفنا كثيرا وأننا نزيد تخلفا كلما انتظرنا واكتفينا بالجلوس فى مقاعد المتفرجين، وثانيها أن شيئا لابد وأن يتم لكى تقل الفجوة حتى لو سلمنا بأنه لايمكن سدها بالكامل فى وقت قصير، وثالثها أنه لابد من توافر الإرادة للعمل الجاد المضنى المتواصل لكى نحقق أقصى مانستطيع، ورابعها الأخذ بأسباب العلم فى التخطيط طويل المدى، وخامسها التوقف عن النظر إلى زيادة السكان باعتبارها عورة وإعاقة تزيدنا تخلفا وإنما طاقة جبارة لو – ولو هذه هامة جدا – أحسن استغلالها وتوجيهها. تلك هى الركائز الخمسة التى ينبغى أن توجه كل جهودنا القومية للإفاقة من غيبوبة النوم فى عسل الأوهام الكاذبة الخادعة، وتخدير المسكنات التى تريحنا بعض الوقت من الألم بينما مرض التخلف ينهش فى عظام الوطن بلا رحمة. تعالوا نأخذ عينة من الثوابت التى نريد أن نخطط لاستعادتها كركائز لتغيير مجتمعى يستعيد ثقافتنا وقيمنا وتقاليدنا العريقة وتمثل فى ذات الوقت خريطة طريق للتغيير الذى نحتاجه فى مصر:
· التغيير إدارة وإرادة لذلك فإن إختيار وإعداد قيادات قادرة على إحداث التغيير والتغلب على المقاومة يعد القاطرة التى تقود التدخل الجراحى الذى نحتاجه للإصلاح.لذا لابد من توافر مواصفات خاصة لهؤلاء القادة فى جميع مواقع العمل ليس بينها بالطبع المحسوبية ولا القرابة ولا أن يكونو من أهل الثقة. لابد من وضع منهج ومعاييرموضوعية لاختيار القيادات، فالقيادات الضعيفة الباهتة أو التى تغلب المصالح الشخصية على المصلحة العامة، والتى لم تعد إعدادا علميا كافيا بالدراسة والتدريب تفتقر إلى الرؤية ولاتؤمن بالتخطيط وتتضارب قراراتها وترتعش أيديها أمام القرارات الصعبة التى تكون أحيانا من ضرورات التغيير. وفى بعض المواقع كالتعليم تعتبر القيادات الجاهلة والضعيفة والغير متخصصة كارثة قومية حيث أن لعب العيال هنا سوف يكون فى " عقل الأمة " وليس شيئا آخر.
· منظومة التعليم بحاجة إلى ثورة. وفى عصر تكنولوجيا المعلومات فإن كل عناصرالعملية التعليمية لدينا غاية فى التخلف، وعلى الرغم من كثرة ماقيل ويقال كل يوم فى المؤتمرات التى أصبحت تنافس فى عددها الحفلات التى تقام بالفنادق الكبرى فإن قرارا واحدا لم يتخذ لكى يتغير مسار التعليم بمراحله المختلفة ليلبى احتياجات المجتمع من خريجين تتوافر فيهم المهارات الفنية والجدارات الشخصية التى تؤهلهم لسوق العمل سواء فى مصر أو خارجها. المدارس والجامعات ينبغى أن تتوقف عن "أصدار الشهادات" التى لاتعنى بالضرورة أن حاملها قد تعلم شيئا. والسوق السوداء للتعليم والتى تتحول بفضله عقول الطلاب إلى ماكينات يتم برمجتها بأسئلة وإجابات نموذجية يحفظونها وتكفى لاجتياز الامتحانات والحصول على شهادات رسمية تقنن جهلهم (هناك أكثر من 56% آخرون من شعب مصر أميون دون شهادات). مالم نؤمن أن التربية والتعليم توأمان متلازمان فسوف تظل المدارس والجامعات على أكثر تقدير مجرد نوادى ومقاه يلتقى فيها الشباب لكى يمارسوا بعض الحرية بعيدا عن أعين الأهل. إن الغش والفساد الذى يحاصرنا ماهو إلا نتيجة طبيعية لغياب دور التربية فى المراحل الأولى من التعليم وافتقاد التعاون بين المدرسة والبيت فى متابعة الطالب مثلما كان يحدث من قبل. التربية وجودة التعليم لايمكن ان يكونا لعبة الهواه ممن يجربون عن غير علم فيخربون العقول ويطمسون معالم الشخصية المصرية. التعليم هو البداية لأى إصلاح مجتمعى له قيمة.
· التخطيط الشامل للموارد البشرية باعتبار أن الناس إذا أحسن الإستثمار فيهم أصبحوا قوة ضاربة منتجة وركيزة للتطور والتنمية. ينبغى لنا أن نتوقف عن التعامل مع الزيادة السكانية على أنها عورة ، وأن نستفيد من تجارب شعوب تفوقنا عددا بكثير مثل الصين والهند اللذان يضمان وحدهما ثلث سكان العالم. لماذا لاندرس بجدية مافعلته الدولتان لكى تتحول الطاقة البشرية لديهما إلى طاقة عمل منتجة تتجاوزالوظائف الرسمية، وكيف تحولت الأسر إلى وحدات منتجة تضيف إلى الدخل القومى وتفتح أسواقا خارجية بسلع يحتاجها الناس وبأسعار يصعب منافستها. ولاية " بنجالور" الهندية تصدر وحدها برامج وأجزاء كمبيوتر لحوالى 80% من قطاع الأعمال فى الولايات المتحدة، والمحاسبين الهنود الذين يعملون من منازلهم أو فى مؤسسات صغيرة يقومون بإعداد الإقرارات الضريبية لمن يريد من الأمريكين نظير أتعاب وإرسالها إليهم بالبريد الإلكترونى. حولوا البطالة إلى فرص عمل حقيقية بتفكير غير نمطى لحل المشكلة.
· ثم يأتى دور القانون فى تنظيم حياة الناس وضبط أيقاع الحياة وضمان الفرص المتساوية فى الحقوق والواجبات. ينبغى أن يكون هناك قانون واحد يطبق على الكل بغير استثناء، فالتفرقة بين أبناء الوطن الواحد تعمق الإحساس بالظلم، وتدمر الثقة بالنفس، وتقضى على الولاء للوطن. حق المواطنة يقتضى أن يكون الناس سواسية أمام القانون، وقبضة الدولة لاينبغى أن تسترخى فى التعامل مع الفساد ، ولا مع الاحتكار الذى يستنزف الموارد لمصلحة أفراد " معدودين " ويحول باقى الناس إلى " مهدودين " لايقوون على المساهمة بجهد ولا التطوع بفكر. هناك أناس نهبوا أموال البنوك وهربوا بها، وأناس سمموا شعب مصر بمبيدات فتكت وتفتك بهم كل يوم ومحتكرين يعيثون فى الأسواق فسادا دون رادع بل ويشتركون فى تشريع القوانين التى تحميهم وتحصنهم من العقاب. كل هؤلاء لابد وأن يخضعوا لسلطان القانون فالدول التى لاتحترم مواطنيها تصبح دولا طاردة للعمالة يصاب الناس فيها باليأس ويهربون من الضغوط التى تحاصرهم بشتى الوسائل من جحيم البطالة والفقر والحاجة والظلم والإحباط وفقدان الأمل حتى لو قضوا نحبهم فى قاع البحار أو مجاهل الصحراء أو فى السجون عند القبض عليهم.
الوصول إلى المريخ من أى مكان فى العالم ، ومحاولة الوصول إلى طنطا من أى مكان فى مصر يمثلان حجم فجوة التخلف التى نعيشها، والقرار الصعب الآن هو: هل نسلم بأن ذلك هو قدرنا ولاأمل فى التغيير، أم نؤمن بأن مصر التى أنجبت زويل وفاروق الباز ومجدى يعقوب لديها المزيد غيرهم لو استفدنا بهم فى التصدى الجاد لحجم التحدى فنضع أرجلنا على أول الطريق فيصبح هناك أمل فى مستقبل أفضل ؟ ا

No comments: