Tuesday, September 08, 2009

حين يتهاوى حاجز المستحيل أمام قوة الإرادة

حين يتهاوى حاجز المستحيل أمام قوة الإرادة
أعيش هموم بلدى وأعلم يقينا أن هناك سلبيات تفوق الوصف وأنها تمكنت من "روح" المقاومة لدينا وتكاد تسحقها حتى نستسلم تماما ويصبح شعار " مفيش فايده " هو المحرك والبوصلة التى توجه مسار تفكيرنا ونشاطنا وسلوكنا .. ألتمس العذر للناس ، وأتعاطف مع همومهم وإحباطاتهم، ولكنى أبدا لاأوافق على أننا قد وصلنا إلى نهاية الشوط فى رحلة الإرادة وأننا نؤمن طواعية أننا أصبحنا فى حالة عجز تام ، مسلوبى الإرادة ، نقبل أن نكون ريشة فى مهب الريح أو صفر على الشمال لاقيمة مضافة لأى مجهود نبذله لتغيير الواقع .. بين الحين والحين أنتهز فرصة وقوع حدث كبير هام يدل على معدن هذا الشعب فلاأستطيع أن أقاوم إغراء إبرازه وتحليله والخروج بدروس مستفادة يحدونى دائما الأمل فى أن دائرة الإقتناع بأنه " لسه فيه فايده " سوف تتسع وأن الأمل المفقود الثقة الضائعه بالنفس يمكن أن تسترد عافيتها وقوتها .. تعالوا نأخذ أمثلة من إرادة جبارة تستيقظ فجأة فتصبح جنيا يعود بنا إلى أجواء " ألف ليلة وليل’ ".. جنى خارق القدرات يحمل مصباح علاء الدين الذى يحقق المعجزات تلبية لرغبة سيده :
· قرية "الغرباوى" بمحافظة البحيرة يسكنها ستة آلاف نسمة قرر أهالينا بالقرية أن يتولوا أمرهم بأنفسهم ويعتمدوا على الإمكانات المتاحة لديهم ليجعلوا من قريتهم قرية نموذجية فى كل شيئ .. لم نسمع عن تلك القرية شيئا ، ولم يحظ بنصيب من الإعلام يسلط الضوء على الإنجازات الرائعة التى تحققت .. ولم نعرف أن وفودا من دول أوروبية كثيرة ومن امريكا اللآتينية واليابان قد زارت القرية .. قصة نجاح بدأها مهندس يحمل إسم القرية انبهر بجمال الطبيعة فى كينيا التى عمل بها بعض الوقت وعاد لينقل لأهالى القرية خبرته ويحمسهم لكى تصبح قريتهم نموذجا للنظافة والنظام والريادة فى التنمية .. مشروعات عديدة قام بها الأهالى لكى يتحقق ذلك .. نظافة لشوارع القرية طبقا لجداول التزم بها أهالى القرية وتشجيرللشوارع وتركيب سلال للمهملات على مسافات قريبة ، ومباراة فى إنشاء الحدائق الصغيرة البسيطة أمام كل بيت والنباتات المتسلقة بالشرفات ، وأكياس قمامة يجمع بها المخلفات بطريقة منظمة .. ليس هذا فقط وإنما يستفاد من بيع القمامة لتوليد دخل يستفيد به أبناء القرية فى خطط التطوير والتجميل .. هل يصدق أحد أن أهل القرية يضعون " حفاضات " للحيوانات حتى لاتلوث فضلاتهم شوارع القرية، وأنهم قد ارتضوا لأنفسهم قانونا داخليا يمنع التدخين بالقرية ، وأن تفرض غرامة على من يضبط مدخنا ، أو أن مايعجز الصندوق الإجتماعى عن إدارته بنجاح فيما يختص بالصناعات الصغيرة أصبح أمرا واقعا ملموسا بتلك القرية حيث تتوافر بالجهود الذاتية والمشاركة مشروعات صغيرة تخلق فرص عمل لأبناء القرية مثل زراعة فطر عيش الغراب ، وتربية النحل ، ومشروع إنتاج الأسمدة العضوية.
ولأن النجاح طماع لايقنع بتجربة واحدة فقد امتد تأثير ماحدث بقرية الغرباوية إلى باقى قرى المحافظة فصارت تتنافس فيما بينها لكى تحصل على الجوائز التى رصدت لأحسن قرية صديقة للبيئة ، ونتج عن هذا التنافس مشروعات بيئية تصلح نماذجا يدرس فى جهود التنمية الذاتية.. ألا تستحق تلك القرية وتجربتها فيلما تسجيليا يقوم به تليفزيون الدولة لكى يعرضه فى فترات المشاهدة عالية الكثافة حتى لو ضحى بدخل إعلان واحد من الإعلانات التى لايحمل مضمونها أى قيمة تحض على الإبداع والإبتكاروإحياء قيم التكافل والتضامن التى كانت تميز المجتمع المصرى ؟ أما وقد أصبحت تلك القرية "بيت خبرة " فى التنمية المجتمعية وبناء القدرة الذاتية فلماذا لانستفيد من تجربة قرية أصبحت نموذجا يقاس عليه Benchmark فى تطوير الألف قرية التى تتبناها لجنة السياسات بالحزب الوطنى ، وأن يصدر دليل إرشادى للخطوات التى اتخذت لكى تتغير أحدى قرى مصر من نقطة مهملة على الخريطة يكتفى أهلها بالشكوى من الظلم الواقع عليهم ومن عدم توافر الإمكانات والفقر الذى يطحنهم بأنيابه إلى كيان مضيئ يتحدى الظروف وتتسابق الوفود لكى تتعلم على أيدى ابناءها كيف يكون التخطيط والتنفيذ بإمكانات بسيطة متوافرة وراءها إرادة فولاذية لاتنكسر.
· القصة الثانية لمجموعة من الشباب والشابات ساءهم تداعيات الرسوم الدانماركية وماتلاها من ردود فعل تحولت إلى حرب أساءت للإسلام أكثر مما خدمته .. هؤلاء الشباب فكروا بطريقة مختلفة : لماذا لانستفيد مما حدث فنحادث العالم بلغة يفهمها ونشرح له سماحة الإسلام وأسباب ردود الفعل العنيفة التى تلت الإساءة إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم ، ونؤكد على نقاط التلاقى فى الثقافتين العربية والغربية ، وكيف يمكن أن نعيش معا فى سلام على الرغم من إختلاف الثقافتين ؟ .. لم ينتظر الشباب حتى تتوافر الإمكانات ، أو يصروا على السفر لشرح وجهة نظرهم بل شرعوا فورا فى استغلال التقدم التكنولوجى الذى يتيح لهم سرعة التواصل فأنشأوا موقعا على الإنترنت ساهم كل منهم بشيئ يجيده لكى يخرج على أحسن صورة ويتميز بسهولة الإستخدام والجاذبية وثراء المعلومات المرئية والمسموعة باللغة الإنجليزية ، واختاروا شعارا للموقع هو " علم – بتشديد اللازم – بدلا من أن تكره " .Don't Hate, Educate. نجحت الفكرة نجاحا باهرا ، وحظى الموقع بنسبة مشاهدة عالية ، وبدأت الجماعات الراغبة فى التحاور تتواصل مع هؤلاء الشباب وجاء بعضهم إلى مصر لمقابلاتهم ونقل الصورة بأمانة حين يعودون إلى الدنمارك .. واتصلت أكثر من محطة تليفزيونية ورتبت لقاءات مع صاحبة الفكرة التى ظهرت صورتها على غلاف مجلة شهيرة وخصصت صفحات من المجلة لعمل تحقيق صحفى عنها وعن نشأة الفكرة وكيف تطورت ونجحت بالجهود الذاتية ودون ميزانية .. ومرة أخرى حقق مجموعة من الشباب مالم يحققه الدعاة المحترفون الذين سافروا إلى الدنمارك متبعين الطرق التقليدية فى الدعوة متحدثين إلى أعداد محدودة من المهتمين .
أما ماحدث فى الصومال فقد قارنته فى مقال سابق بما حدث فى 73 .. كلاهما حقق معجزة بسلاح الإرادة وبالذكاء الفطرى الذى حبا الله به المصريين يعوضهم به عن كثير مما يحلمون بتحقيقه .. نماذج مضيئة انتصرت فيها الإرادة على السلاح المتطور لكى تسلط الأضواء على مصر تبعث الأمل فى مستقبل أفضل .. فقط لو استرددنا ثقتنا بأنفسنا وأيقنا أن الله سبحانه وتعالى لايتخلى عمن تخلص نيتهم فى العمل الجاد المخلص.

No comments: