Sunday, October 09, 2011

التعليم والجودة : جناحا "عقل مصر" المكسورين


حديثان فى نفس الصحيفة فى نفس اليوم تجسدان مأساة مصر وجرائم نصف قرن مضى تم خلاله "تجريف" عقل مصر وتحويلها إلى أمة غالبيتها جهلاء أميون بمقاييس القرن التاسع عشر قبل ثورة تكنولوجيا المعلومات، أى لايقرأون ولايكتبون .. فارسى الحديثين مستشار وزير التربية والتعليم الذى ظل فى عهد النظام السابق يتولى مسئولية الهيئة القومية لمحو الأمية وتعليم الكبار لأكثر من ربع قرن صرف خلالها مليارات ولاتزال نسبة الأمية فى مصر تتحدى تلال التصريحات الوردية التى توالى صدورها لكى تبشر بمصر التى لايوجد بها أمى واحد قبل أن يتولى منصبه الجديد مستشارا لوزير التعليم ، والثانى رئيس الهيئة القومية لجودة التعليم الغير موجود أصلا لكى نقيس جودته والذى أهدر مايقرب من مليار جنيه مصر فى أقل من سبع سنوات لكى يصدر شهادات جودة "بالأمر المباشر" من سيدة مصر الأولى والأخيرة لعدد من المدارس التى كانت ترعاها أو تضع إسمها عليها تيمنا بأن ينالها نصيب من العطايا والمنح والتميز الذى لاتستحقه، وعدد لايتجاوز أصابع اليد الواحدة من كليات الجامعة ذرا للرماد فى العيون وتبريرا للأموال التى صرفت على المرتبات والمكافآت وسفريات المحظوطين واستيراد الخبراء من كل الدنيا يمنحونا "بالأجر" صكوك الصلاحية ويضفون شرعية على كيان حكومى يدعى أنه مستقل ومسئول عن "عقل" الأمة .. المفروض أن الجهاز المركزى للمحاسبات المسئول عن كل مليم تصرفه وزارة أو هيئة أو مؤسسة حكومية يراقب ميزانيات تلك الجهات ويتابع تنفيذها لخططها وأهدافها التى وعدت بها ويقارن ذلك بما صرف من ميزانية الدولة على حساب توفير فرص العمل للعاطلين ولقمة العيش للجائعين والعلاج لضحايا مبيدات يوسف والى وفقراء وضحايا بطرس غالى .

تعالوا نقرأ العجب فى حديث الرجلين .. مستشار التعليم يقول بالفم المليان أن التعليم فى مصر فى مأزق خطير لأن أدوات الحل ضد الحل ، ويضع الحلول التى جادت بها عبقريته ومنها اللجوء إلى التكنولوجيا وتغيير نظم الإمتحانات لكى تعتمد على الإبداع والتفكير وتشغيل العقل وربط المناهج بعضها ببعض وتخفيض عددها .. الحلول إذن موجودة لدى سيادته، فلماذا لم ينفذها على الأقل لكى يحلل مئات الألوف من الجنيهات التى تقاضاها نظير عمله حتى الآن؟ الإجابة حاضرة وجاهزة ولكنها تشى بحجم المأساة .. سيادته يصرح – لافض فوه – بأن الوزارة تطبع 500 مليون كتاب  بتكلفة 1ر1 مليار جنيه تكفى لسنوات قادمة ولذلك نحتاج من 3 – 5 سنوات لكى نستنفذ المخزون أولا قبل أن نغير المناهج، ويضيف بأن "القطار يسير ولا أحد يستطيع إيقافه" .. ولما سأله المحرر لماذا فشل فى برامج محو الأمية طوال السنوات الماضية أجاب قائلا بجرأة يحسد عليها وتجريم لنفسه يستحق تقديمه للمحاكمة بتهمة إهدار المال العام "كان الأمر مقصودا سياسيا، لأن الأمة الجاهلة أسهل واسلس فى القيادة من الأمة المتعلمة" .. إذن سيادته اشترك عمدا مع سبق الإصرار والترصد فى خداع الشعب المصرى "وتجهيله" وتقاضى على ذلك أجرا من نظام مبارك الفاسد ، والأدهى من ذلك أنه لايزال فى منصبه مستشارا لوزير التعليم الحالى ولايزال يقبض مخصصاته بمئات الألوف من جيب الشعب الذى أسهم فى تضليله وتدمير عقله .. إليست تلك جريمة ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى وتستحق أن تقديمه ومن كان خلفه إلى المحاكمة؟

الفارس الثانى جريمته لاتقل فداحة حيث إنشئت هيئته لكى "تقنن" الخطأ وتضفى الشرعية على مؤسسات تعليمية لايوجد بفصولها كراسى لجلوس الطلاب، ولا مناهج متطورة تواكب العصر، ولا معلمين أكفاء محفزين أصحاب رسالة يؤدون عملهم بإتقان، ولا ملاعب تربى الجسم لكى يصح العقل فتكتمل منظومة التعليم .. الرجل يطالب فى صدر الحديث "بوضع قواعد حازمة ومعايير لضمان جودة المدارس الخاصة" ونسأل – وليعذر لنا عدم الفهم – من الذى سوف يضع تلك المعايير إذا لم يكن ذلك من صميم عمل الهيئة التى يرأسها؟ ويطالب – أى والله العظيم يطالب – بأن يكون هناك معايير عامة للسياسات التعليمية لاتتغير بتغير الوزراء والمسئولين " على أن يرعى تنفيذ هذه المعايير والسياسات مجلس أو جهاز دائم يقوم بمتابعتها ومحاسبتها على المستوى القومى" .. اليس ذلك من صميم عمل الهيئة ياسيادة رئيس الهيئة؟ إذن سيادتك وجيش مستشاريك ورؤساء القطاعات التى تكتظ بها الهيئة تجلسون بلا عمل وتتقاضون مئات الألوف شهريا من ميزانية الدولة لمجرد إصدار تقارير ودراسات لايستفيد بها أحد ولايلتزم بها أحد .. هل هناك تسمية أخرى لذلك سوى "إهدار المال العام" ؟ سيادته لايعترف فى الحديث بأن 300 مدرسة فقط من بين أربعين ألف مدرسة قد حصلت على شهادة الجودة ويصر على أن 1200 مدرسة قد تم اعتمادها كما لو كان ذلك إنجازا يستحق التسجيل ، ويقول – وليته ماقال – أن الهيئة ليست مسئولة عن تقدم المؤسسات التعليمية للحصول على الإعتماد .. بلاغ أتقدم به باعتبارى مواطنا مصريا ومعلما صاحب رسالة , مطالبا بالتحقيق مع هذين المسئولين بتهمة إهدار المال العام ، وأن تفتحوا ملف "تطوير التعليم فى مصر" والذى صرف عليه أكثر من 60 مليون دولار من أموال المعونات الأجنبية حتى الآن وسوف تكتشفون عجبا.

No comments: