الطريقة التى تعالج بها الحكومة مشاكل الوطن الملتهبة تشبه من يمشك بيده خرطوما مليئا بالثقوب يحاول أن يطفئ به حريقا هائلا يكتسح كل مايعترضه وينشرالدمار والخراب ، وأحيانا – وهذا هو الأسوأ –تكتفى بالدعاء والتمنى أن تسقط السماء مطرا يطفئ النيران ويخمدها دون حتى أن تحاول استبدال الخرطوم بآخر .. وأحيانا أخرى تستخدم الحكومة التصريحات والبيانات التى ترجع نشوب الحريق إلى جهات خارجية ومؤامرات تتربص بنا لترقيع الثقوب طنا منها أنها تمنع تسرب المياه بينما الحريق يتحول بسرعة مخيفة إلى إعصار مدمر مركزه سجن طره الذى يقطنه إرهابيون متمرسون يعيشون على حساب الشعب المصرى ويلعبون على عنصر الوقت لكى يغيروا إرادته ويعودوا إلى مواقعهم أو يقتصوا من الشعب الذى أطاح بهم وبحكمهم .. الحكومة تفكر بأسلوب "الهرم المقلوب" فتترك فعاليات الشارع للناس يطالبون ويخططون وينفذون، بينما تعقد الحكومة الإجتماعات فى غرف مغلقة تخطط لمستقبل مصر فى النصف قرن القادم بمشاريع عملاقة تحتاج إلى اقتصاد عملاق لانملكه وموارد متجدده جفت ينابيعها واستحوذ عليها أئمه نظام مبارك ودراويشه حتى خامس جيل.. والحكومة بهذا تشبه أى حكومة تكنوقراطية بيروقراطية تضع حلولا للمشكلات بالورقة والقلم وتنفتقد روح الثورة التى أطاحت برؤوس النظام فى ثمانية عشرة يوما وكان لابد وأن يواكب تقدمها حكومة ثورية تسابق الزمن لكى تواجه المشاكل الملحة العاجلة وتستكمل بناء الدولة وتسلم السلطة لنواب ورئيس منتخبين يديرون شئون البلاد ويعبرون بها إلى بر الأمان.
أنا – مثل غيرى من عقلاء الأمة – أرفض تماما أسلوب البلطجة وأدواتها فى التعامل مع المشاكل ، وهو أسلوب اعتمده النظام السابق لتصفية معارضيه وفرض إرادته وإذلال من يتجرأ على رفع صوته أمام أسياده، وطبيعى أن أرفض كذلك بلطجة الدولة فى الرد على أسلوب البلطجة بمثله مستخدمة كل ماتملك من أدوات قمع وترهيب .. أرفض ذلك لأنى مصرى أعيش على أرض هبطت عليها كل الرسالات السماوية التى تدعوا إلى السلام والأمان والمحبة والتواد والتراحم بين من يعيشون على ارضها حكاما ومحكومين، وارفض ذلك لأن لاأحب أن يطلق على أرض كانت منارة العلم وسلة غذاء العالم إلى أن ابتليت بحكام ظلموا شعبها ونهبوا ثرواتها وأفقروا عقولها وإضعفوا إرادتها وأذلوا كبريائها.. أتفهم مطالب الناس وأتعاطف معها وأشاركهم المطالبة بها وأضغط لتحقيقها ولكن دون أن أحرق أو أدمر أو أقتل .. العنف لايولد سوى العنف ، والدم يبدأ بنقطة ثم يصير بركه، والتخريب يستعدى أبناء الوطن بعضهم على بعض ويحصرهم فى دائرة جهنمية من الإنتقام والقصاص وإخضاع الآخر وتركيعه أو "تثبيته" بلغة البلطجة .. ألعن مافى دائرة العنف والتخريب أن الحقيقة تضيع والفاعل يظل مجهولا والإشاعات تصبح سيد الموقف ، تهدر الدماء وتزهق الأرواح وينتشر الدمار ولانجد أحدا نسائله أو ندينه أو نقتص منه بالقانون، وتتداخل دوائر الشر وتتقاطع وتختلط عناصره ويزيد حجم الفتن وتتقطع أوصال الوطن فنصبح لقمة سائغة لموتورين مأجورين يعيشون خارج مصر ويعبثون بأمنها لصالح أعدائها، وتفتح أبواب المعمورة على مصراعيها لأجهزة المخابرات التى يهمها ألا نتوحد وألا نقوى فنهدد مصالح دولها وحلفائها والدول التى ترعاها والأنظمة التى تحميها.
الحلول لوأد الفتنة متاحة فقط لو فكرنا بطرق غير تقليدية لاحتواء الخلافات وحل المشكلات .. أرفض أن أصدق أن يوم "الأحد الحزين" باحداثه الدامية المخيفة وتداعياته التى سنعانى منها طويلا يمكن أن يكون بسبب مخالفة قانونية هنا أو هناك، أو حتى حق اغتصب هنا أو هناك فالعقل والمنطق يرفضان مارأيناه وعشناه .. لايمكن أن يكون هناك دولة يلجأ أى من كان فيها إلى أخذ الحق بالقوة وإلى سد الشوارع وحرق المنشئات والممتلكات وإلى استخدام السلاح .. ولايمكن أن – إدا كان هناك دولة – أن يقتل جيشها أو شرطتها المتظاهرين مهما حدث أو تسويهم بالأرض وإذا كان ذلك قد حدث قلابد أن يحاكم المسئول أيا كان موقعه .. أي القاننف كل ماحدث ؟ هل حاول أحد الخروج عليه ويصر على ذلك أم أن من يقومون على تنفيذ القانون يتعسفون فى تطبيقه فيهيجون الخواطر ويزرعون الفتن ويأججون نيران البغض والكراهية بين أبناء الوطن؟ لماذا نخاف من نشر الحقيقة والإعتراف بالخطأ وإصلاحه بسرعة حتى لاتتفاقم المشاكل وتصل إلى حالة التدهور التى يتعصى معها كل إصلاح؟ أين قيادات أبناء الوطن من المتظاهرين الذين يفضلون البعد عن الشارع على الرغم من أن مكانهم الطبيعى لابد وأن يكون بين تابعيهم؟ أدعو الأزهر والكنيسة معا أن يصدرا بيانا مشتركا عاجلا بمطالبة المجلس العسكرى الذى يحكم البلاد حاليا أن يصدر قرارا بوقف بناء أى منشآت دينية إسلامية أو مسيحية تحت أى مسمى لحين صدور قانون دور العبادة الموحد، وأن يصدر هذا القانون فورا ويفعل تنفيذه ، وفى المقابل أدعو أبناء الوطن أن يحترموا القانون وأن يلتزموا بنصوصه وأن يتحركوا فى إطاره ولايخرجوا عليه .. الحلول موجودة ولكن البطء فى اتخاذ القرار والتلكؤ فى مواجهة المشكلات لابد وأن تشعر الناس بالقلق وعدم الأمان والتوجس ، وحينما يزيد الإحساس بعدم الأمان تضيع الثقة ويصبح العنف هو السبيل للدفاع عن المصالح وفرض الإرادة.
No comments:
Post a Comment