Saturday, March 10, 2012

هل ننكس الأعلام أم نرفعها مقلوبة؟


أجدنى مضطرا – وقد تلاحقت الأحداث فى تسونامى سياسى جبار يزلزل حاليا أرض مصر_ أن أتوقف عن التفكير إلا فى شيئ واحد هو حال الوطن ومايحيط به من مخاطر .. وفى التقاليد العسكرية تنكس الإعلام تعبيرا عن الحزن، وترفع الإعلام مقلوبة حين تسقط القلاع الحصينة، ولو كان الأمر بيدى لنكست كل أعلام مصر او رفعتها مقلوبة إلى أن يتم محاسبة المسئولين عن إقامة مأتم قومى جديد يشق فيه كل المصريين الجيوب ويهيلون التراب على رؤوسهم حزنا على مالحق بمصر، ويلقى من تسبب فى التخطيط لسقوط آخر قلاع مصر الحصينة فى أيدى قلة من الخونة سلمت مفاتيح القلعة نظير حفنة من الدولارات للمتسللين من أعداء مصر فاستولوا على القلعة دون قتال ورفعوا علم بلادهم عليها ولايزالون يحتفلون بالنصر وقصص البطولات التى أذلوا فيها حامية القلعة وكل ثوارها ممن كانوا على استعداد للموت دفاعا عنها لو لم تقع الخيانة بليل وينفذ الحكم بإعدام كرامة مصرغدرا مع سبق الإصرار والترصد.

يتزامن ذلك مع مانشتات لكبرى الصحف الأمريكية تفخر بتحرير سجنائها نظير "فدية" كما لو كانت حررتهم من أيدى الإرهابيين المصريين، واقتصاد مصر الذى سوف يزدهر بعد أن خضعت وخنعت وانبطحت أمام جبروت القوة الأمريكية وسطوتها، والتلويح بمعونات أذلت إرادة مصر لعقود طويلة بفضل "الدجل السياسى" لنظام حكم كان يردد دائما – ويصفق له الأغبياء والمتخلفين من أتباعه – بأن إرادة مصر حرة وأنها لاتخضع لأى تهديد ولن ترضخ لأى تدخل فى شئونها .. ثم يقف رئيس أمريكا أمام مجلس العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" فى إطار حملته لفترة الرئاسة الثانية فيلقى خطابا خصص أكثر من نصفة للفخر بأنه الرئيس الأمريكى الوحيد الذى لم يسبقه أحد فى مساندته لإسرائيل وحفاظه على أمنها والتزامه بمدها بالسلاح والعتاد والأموال والمعلومات والتكنولوجيا التى تضمن لها تفوقها على من يحيطون بها من الدول التى تتربص بها، وأن الولايات المتحدة "شريكة" لإسرائيل فى كل خططها لضمان أمنها القومىالذى يعنى أمن أمريكا القومى" وفى حقها المشروع فى إجهاض أى محاولات من جيرانها وبالذات إيران لدخول النادى النووى .. ذلك هو خطاب لرئيس يقدم فروض الولاء والطاعة لمن يملكون فرضه على الشعب الأمريكى والذى هللنا له حين بدأ فترة حكمه الأولى بزيارة القاهرة ونطق جملة قصيرة باللغة العربية نفاقا لنا ولباقى العالم العربى، وعلقنا عليه أملا كبيرا فى سياسة أكثر عدلا وتوازنا تحد من توحش إسرائيل وجرائمها وتحقق للفسلطينين حلم إقامة دولتهم على أرض احتلت وتغيرت معالمها وانتهكت مقدساتها، فهل هناك فجر وعهر سياسى أكثر من ذلك؟

الأمريكيون لم يكتفوا بشل إرادة القرار المصرى بشأن رعاياهم ومنع محاكمتهم أو وقوفهم فى قفص الإتهام فوفرت لهم ملاذا آمنا داخل سفارة بلدهم فى مصر، وأرسلت طائرة عسكرية وليست مدنية لكى تقلهم إلى إمريكا هبطت بمطار القاهرة دون أن تنتظر إذنا بالهبوط، ونقلتهم إلى المطار ليستقلوا الطائرة فى عربات مصفحة تحرسها قوات المارينز .. استعراض للقوة وانتهاك لسيادة دولة قبلت على نفسها ذلك بعد أن صدرت ثورتها قيما ومبادئ ومواقف اقتبس منها كل العالم بما فيها أمريكا نفسها التى رفع فيها المضربون فى نيويورك نفس شعارات التحرير للمطالبة بحقوقهم .. رحل الأمريكيون إلى بلدهم ومعهم باقى المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى بينما المصريون من المتهمين فى نفس القضية لايزالون محبوسين على ذمة القضية .. الأمريكيون وباقى الأجانب من المتهمين عدلت تهمتهم إلى جنحة بقرار منفرد ممن قبل على نفسه أن يلوث ثوب قضاء مصر الطاهر دون محاكمة، وشكلت لهم "لجنة" قررت الإفراج عنهم بكفالة..أشياء سوف يستغلها بهلوانات القوانين ممن يتقاضون الملايين من مبارك وأسرته وباقى عصابة الحكم الذين ينتظرون حكم القضاء لكى يطعنوا على الحكم الذى سيصدر ويسعون للحصول لموكليهم على البراءة من إراقة  دم مصر وشعبها وإهدار شرفها وكرامتها لأكثر من ثلاثين عاما.

مايحدث فى مصر الآن يحرض كل القوى الوطنية فى مصر أن تكون أكثر شراسة فى الإصرار على عدم سيطرة فصيل تحت أى زعم من شرعية أو حق مكتسب التأثير فى مسارات دستور مصر الذى سوف يحدد شكل الحكم وسلطات من يحكم ويفصل بين السلطات، ويطلق كل أصوات الإنذار فى مصر للقوى الثورية التى أعطت من يجلسون على كراسى الشعب والشورى شرعيتهم أن يستنفروا طاقاتهم فى رصد مايحدث لسرقة الثورة التى أصبحت ملكا لكل شعب مصر وأن يجهضوا كل محاولات العودة بمصر لعصر الظلام وقتلها معنويا وكسر إرادتها باستغلال عملاء الداخل الذين تركوا الحصن يسقط ولايزالون يخططون لإطلاق ذئاب الفوضى التى تحدث عنها صاحب المزرعة فى خطاب "تنحيه عن السلطة" وهو مانسميه فى علم الإدارة "التفويض" الذى لايعنى تخلى من فوض سلطاته عن مسئوليته عما يحدث، ومن ثم فإن الأصوات التى تقول أن مبارك وصحبه من نزلاء سجون مصر مسئولون عما يحدث وأنهم لايزالون يحكمون مصر من محبسهم على حق فيما يقولون .. الجانب الإيجابى الوحيد فيما حدث هو أن الأحداث المتلاحقة التى تحدثت عنها جعلت الأقنعة تسقط واحدا وراء الآخر، وكشفت النقاب عن الشخصيات الحقيقية فى "الحفل السياسى التنكرى" الذى استمر لأكثر من عام.

No comments: