أصعب تحدى يواجه أصحاب الرسالات من المصلحين الإجتماعيين هو أحداث التغيير فى المجتمع حيث يواجه أى تغيير فى العادة بمقاومة شديدة لأنه يعنى بالنسبة لمن اعتادوا على رؤية ماحولهم بشكل معين أو فعل الأشياء بطريقة معينة الخروج من "دائرة الأمان" فالتغيير بالنسبة للناس – بنسب مختلفة – مغامرة غير مضمونة العواقب وقد تؤدى إلى الفشل ولاأحد يحب أن يفشل، وقد تتطلب المشاركة بجهد أو رأى أو إلتزام وفى ذلك نوع من الإختبار لقدراتهم وهو شيئ يمثل عبئا نفسيا يفضل الناس تجنبه .. وكلما زاد الضغط لإحداث التغيير كلما زادت حدة المقاومة وكأننا أمام معركة بين طرفين يحاول كل طرف فيها دفع الطرف الآخر إلى الخلف واكتساب أرض يستميت للحفاظ عليها، وتزيد شراسة المقاومة فى المجتمعات ذات التاريخ الطويل والعادات الراسخة والثقافة الثابتة التى تكونت على مدى أجيال وهذا مايحدث فى مصر على الآن بعد أن تخلفت عن ركب المدنية والديموقراطية أجيالا طويلة وتحاول الآن أن تنتقل إلى القرن الثانى والعشرين .. المصلحون الإجتماعيون وقادة الرأى يصبحون فى مثل تلك المجتمعات "وسطاء تغيير" يحاولون طول الوقت أن يبشروا بضرورة وعوائد التغيير ويضموا إلى صفوفهم المزيد من الوسطاء الذين يساعدون فى إقناع غيرهم بالإنتقال من صفوف الأتباع الذين يقنعون بالمشاهدة دون المشاركة ويفضلون الإسترخاء عن المجاهدة للتطوير وإحداث التغيير.. وكلمة مجتمع التى استخدمتها تعنى المجتمع ككل وطنا أو أمة ويعنى كذلك أى مؤسسة أو هيئة أو أسرة أو بيئة عمل او أصحاب حرفة ما أو شركاء فى مصلحة أو نشاط من أى نوع.
أرسل إلى صديق سائقا يقلنى إلى اجتماع عمل فى مكتبه الذى يقع على أطراف مدينة القاهرة.. لاحظت أن السيارة جديدة وكنا فى فصل الشتاء ولكنى وطلبت من السائق أن يفتح جهاز التكييف لفترة تجنبا للغبار وعادم السيارات على الكبارى وإختناقات المرور خلال الطريق وحين فعل ذلك تحولت السيارة فى لحظات إلى فرن تزداد حرارته كلما زاد السائق من سرعة المروحة وفشلت محاولاتى المتكررة لتبريد الهواء بفتح شبابيك السيارة ظنا منى أن المكيف يحتاج لبعض الوقت لكى يعمل بصورة طبيعية .. وأخيرا أكتشفت أن هناك زرا صغيرا فى لوحة السيارة كان ينبغى الضغط عليه لكى يبرد المكيف الهواء .. سألت السائق منذ متى يعمل لدى صديقى فاكتشفت أنه التحق بالعمل منذ شهور فقط وأنه قام بقيادة تلك السيارة مرة أو مرتين فقط من قبل، وهنا تحرك فى نفسى فضول العلم فاستطردت فى التساؤل عما إذا كان قد أدار جهاز التكييف من قبل فأجاب بالإيجاب ولكنه لم يجرب التبريد لأنه لايحتاج إليه فى الشتاء .. وجدت أن من واجبى أن أمارس هوايتى فى محاولة إحداث التغيير كلما وجدت فرصة فسألته إن كان قد سأل سائقا آخر أو رئيسه المباشر حين استلم السيارة عن بعض الأشياء التى لايعرفها أو قرأ كتيب الإرشادات قبل أن يقود السيارة على اعتبار أن من الطبيعى أن أنظمة السيارات تختلف باختلاف ماركاتها ولاتعمل كلها بطريقة واحدة فأجاب بالنفى .. كثير من الناس مثل هذا السائق يفضلون هذا المنهج السلبى فى التفكير يتجنبون السؤال ولايبادرون بمحاولة المعرفة ويرون فى ذلك مخاطرة بأن يتهمهم الآخرون بالجهل وعدم المعرفة، ولقد حضرت اجتماعات عمل كثيرة فى مجالات شتى وكثير منها يتكرر فيها نفس الوجوه التى يجلس أصحابها كالأصنام يسألون ولايبدون رأيا ويتجنبون بشتى الطرق أن يسألهم أحد ولاتدرى فى آخر المطاف ماإذا كانوا يؤيدون أو يعارضون وجهات النظر التى طرحت، وكثير من أحزاب مصر على هذا الحال.
مررت يوما بالمغسلة التى أتعامل معها والتى أمر عليها فى ذهابى لمكتبى ومعى جاكت وقميصين للكواء كما اعتدت ، وجدت العاملين ينظفون المكان ولمعرفتهم لى ومعرفتى لهم من طول العشرة أخذ منى كبيرهم كيس المكوة دون الإيصال المعتاد فى مثل تلك الأمور بعد أن ذكرت له مابداخل الكيس بمنتهى الوضوح .. مررت بعد يومين لاستلام ملابسى ففوجئت بهم يسلموننى أشياء ليست لى .. شرحت بهدوء أن هناك خطأ ما وأن ملابسى عبارة عن كذا وكيف ولكن المسئول أصر على أن هذه الملابس هى ملابسى وأنها هى التى استلمها منى، ورغم تأكدى مما سلمته للمغسلة طلبت منزلى لزيادة التأكيد من أنه لم يحدث أى خطأ من أى نوع ولكن مسئول المغسلة يرفض التصديق ويصر فى غباء على موقفه .. غضبت وفقدت أعصابى ولكنى قاومت بشدة أن أتخذ إجراءا رسميا لسابق معرفتى بالعاملين فى المغسلة وأمانتهم فى رد أشياء كنت قد نسيتها فى ملابسى من قبل ولذلك تركت تليفونى وطلبت منه أن يتصل بى حين يجد الأشياء وأعدت وصفها بدقة من حيث الألوان والشكل .. مضى يومان واتصل بى الرجل يزف إلى بشرى العثور على ملابسى وذهبت فى نيتى أن ألقنه وباقى العاملين بالمغسلة درسا فأصررت على أن يخبرونى أين وجدوا ملابسى فاتضح أنهم فى غمرة التنظيف تركوها فى كيسها فى دولاب دون أن ينتبهوا، وسألتهم عما إذا كان صاحب الملابس التى أرادوا تسليمى إياها قد استلمها بأجابوا بالإيجاب فقلت ماذا كان سيحدث لو أنى أخذت تلك الملابس وجاء صاحبها يطلبها فأطرقوا صامتين .. وللحديث بقية.
No comments:
Post a Comment