Tuesday, November 06, 2012

إدارة الكوارث على الهواء


مثلما شاهد العالم كله ولأول مرة فى التاريخ عملية غزو العراق وتحرير الكويت على الهواء ، تعلقت عيون مئات الملايين بشاشات التليفزيون والأجهزة المحمولة بأنواعها تتابع أشرس وأعنف إعصار مدمر اجتاح الساحل الشرقى والشمالى الشرقى من الولايات المتحدة الأمريكية وماألحقه من دمار وارتفعت فيه أمواج المحيط إلى علو خمسة أدوارمما أدى إلى غرق مدن بكاملها تحت الماء وانقطاع الكهرباء وغرق محطات القطارات ومترو الأنفاق وتوقف المواصلات العامة وتحطم السيارات واقتلاع البيوت من أساسها.. أصبحت  اليابسة امتدادا للمحيط وأصبح سمك القرش يسبح فى الشوارع وانجرفت ناقلات البضائع التى تزن عشرات الآلاف من الأطنان إلى الشواطئ لكى يبدو المشهد كله كما لو كان فيلما من أفلام الكوارث تتابع أحداثه المثيرة بصورة لاتسمح لنا بالتقاط الأنفاس او لوحة تجريدية عبثية ابدعتها يد مصور صاحب خيال علمى جامح .. وفى وسط كل هذا مراسلون يرتدون ملابس وسترات  خاصة تميزهم وتوفر لهم بعض الحماية وفرق عمل تساعدهم لكى ينقلوا بالصوت والصورة مايحدث فى أماكن متفرقة لحظة حدوثه بأدق تفاصيله.
نموذج علمى واقعى لحسن التخطيط وإدارة الكوارث تجعل كلامنا عن إدارة الأزمات – وشتان مابين المعنيين – تهريجا ونكات سخيفة لاتستحق حتى الإبتسام .. فرق الإطفاء والدفاع المدنى والبوليس فى الشوارع ينفذون خطط اخلاء السكان لمساكنهم فى المنطق المنكوبة ويواجهون الحرائق التى اندلعت فى كل مكان ويبعدون الناس عن مناطق الخطر التى انقطعت بها الكهرباء وسقطت الكابلات فى المياة أو ينقلونهم فى سيارات أعدت لهذا الغرض، وعربات الإسعاف تسرع بالمصابين والمرضى إلى المستشفيات حيث ينتظرهم أطقم مدربة من الأطباء والممرضين لمواجهة مثل تلك الحالات، وفوق كل هذا وذاك المحافظون أنفسهم وسط الناس ويعقدون المؤتمرات الصحفية لكى يذيعوا بأنفسهم المعلومات التى تردهم من كل مكان على الناس بشفافية كاملة دون تجميل أو وعود زائفة، ومرشحان للرئاسة يوقفان حملتهما الدعائية لكى يشتركا مع الناس فى جهود الإنقاذ والتخفيف عن ضحايا الإعصار فى الولايات المنكوبة ورئيس دولة يزور بعض المواقع ليس فقط للمواساه أو العزاء ولكن لكى يطمئن الناس أن الدولة موجودة وقادرة على المواجهة وتوفير الإمكانات اللازمة لمواجهة الخطر والتغلب عليه.. لايمكن أن يكون ماشاهدناه من حركة ونشاطات منظمة إلا أن يكون وليد خطط وبدائل موضوعة سلفا على أسس علمية سليمة تتنبؤ مقدما بما يمكن أن يحدث وتستعد له وتوزع الأدوار بحيث يستوعب كل جهاز فى الدولة أو منظمات المجتمع المدنى والعمل التطوعى دوره ويتفهمه ويتدرب عليه لكى ينفذه بكفاءة عند الحاجة، ولايمكن أن يتم كل هذا دون تكامل بين كل الأجهزة وتواصل كفء يجعل طلب المساعدة وتلبيتها أمرا مخططا له سلفا حتى لو كان ماحدث قد فاق كل التوقعات وخالف كل التنبؤات والتوقعات فى عنف الهجوم وقوة التدمير.
تذكرت يوما زادت فيه الأمطار بضعة ملليمترات – الأمطار بالمناسبة تقاس بالملليمتر وليس بالسنتيمتر_ فى القاهرة وكنت فى طريقى من المعادى إلى مصر الجديدة، وقارنت بين المشاهد المتحضرة التى شاهدتها فى مواجهة أعصار مدمر وكفاءة الأجهزة فى مواجهته وبين الأنانية المفرطة من الناس فى الشارع وغرق عاصمة مصر فى "شبر ميه" وامتلاء نفق العروبة القريب من قصر الرئاسة بالمياه وفوضى المرور حتى توقف تماما وكيف تعطل المسافرون عن الوصول إلى مطار القاهرة وعدت مع من عادوا لمنازلهم بعد أن قضيت ست ساعات مخيفة محبوسا داخل سيارتى لاأجرؤ على فتح الباب حتى لمساعدة غيرى .. شبر المياه الذى أغرقنا فى عاصمة مصر كشف المستورعن فساد المحليات واوقف الحياة تماما أمام قصر الرئاسة وفرض تعتيما كاملا على مايجرى أو متى يتم إصلاح الكهرباء التى انقطعت ومعها الإنترنت ولامتى سيتم شفط المياه أو التغيير الذى طرأ على مواعيد إقلاع وهبوط الطائرات أو المدارس التى أصبح الوصول إليها مغامرة غير مأمونة العواقب.
أما بالنسبة لى ولأمثالى ممن يتعذبون بعلمهم فلم أكن أملك سوى أن أرصد المشاهد الإنسانية بالغة الدلالة على الرغبة فى الحياة عند الناس وردود فعلهم أمام الخطر الداهم الذى يهدد حياتهم: استجاب الناس لتعليمات الإستعداد للإعصار وتخزين مايكفيهم من طعام حتى يزول الخطر، واستجاب الذين تقع منازلهم فى خط المواجهة مع الإعصار لنداءات الأجهزة المعنية فأخلوا منازلهم يحملون فقط بعض الأطعمة والماء بما يكفيهم لعدة أيام موقنين أن السلطات سوف توفر لهم مايحتاجون فى حالة الضرورة .. أولوية الإخلاء لكبار السن والمرضى، والقطط والكلاب التى يتعلق بها أفراد الأسرة محمولة فى الأيدى أوفى شنط خاصة على الظهور .. حتى من غامروا بالخروج بسياراتهم فى الشوارع التى تخلو من الماره والتى لم تغمرها المياه توقفوا عند إشارات المرور الحمراء التى ظل بعضها يعمل لآخر لحظة .. القادرون من المواطنين خرجوا وبيدهم المعدات ينظفون أمام مساكنهم أو يشتركوا فى جهود الإغاثة لجيرانهم واستخدم بعضهم القوارب الخشبية والمطاطية، وبعضهم ممن لم تنقطع عنهم الكهرباء وضعوا لافتات على مداخل منازلهم أعلى مخارج كهربية يشجعون من نفذت بطاريات هواتفهم المحمولة على شحنها حتى لاينقطع تواصلهم مع ذويهم أو أجهزة الإنقاذ والإغاثة.. والحياه تعود لطبيعتها بالتدريج فيقف الناس فى صفوف ليحصلوا على حصة من الوقود دون تذمر بل ويمارسون حقهم فى الإدلاء بأصواتهم فى انتخابات الرئاسة.

No comments: