Thursday, March 29, 2012

لو أصبحت رئيسا ليوم واحد


لم تعد صورة مصر التى عبر عنها شوقى وحافظ إبراهيم، والتى شهدت إجماع الإرادة الشعبية على زعيم يخرج من صفوف الشعب ويعبر عن إرادته ويقف فى وجه الحكام يتحدث باسمهم ويطالب برفع الظلم عنهم بل ويخلعهم إذا لم يستجيبوا للإرادة الشعبية .. تمثلت زعماء مصر من أول عمر مكرم  ومحمد كريم وعبد الله النديم إلى جمال عبد الناصر ثم أنور السادات مرورا بعرابى وسعد زغلول، واستحضرت دور الأزهر فى قيادته للحركة الوطنية والتفاف الناس حول علمائه وأنا أرى السيرك الجديد بحجم مصر كلها الذى يحاول أصحابه أن يتفوقوا على "سيرك مبارك القومى" الذى احتكر سوق السياسة فى مصر لثلاثة بحفنة من المهرجين والغجر استطاعوا أن يخدروا باقى الشعب وتحويله إلى متفرجين يجلسون فى مقاعدهم يتسلون بالعرض ومن حين لآخر توزع عليهم إدارة السيرك أكياس التسالى تلهيهم عن اكتشاف ألعاب الحواة والسحرة .. قلت لنفسى: ماذا لو أصبحت رئيسا لمصر ليوم واحد؟ ماهو القرار الوحيد الذى سوف تتخذه فينقذ مصر مما هى فيه الآن؟" والغريب أنى لم أجد صعوبة ولا حيرة فى الإجابة على الإطلاق، ووجدتنى أقول: " تسوير ماتبقى من الصحراء الغربية وجعلها معسكر اعتقال أضع فيه كل بلطجية مصر وأخيرهم بين أمرين: إما تحويل الصحراء إلى مزارع فى عدة سنوات، وإما الإعدام".. وطبعا توقفت عند سؤال بديهى لابد وأن يتبادر إلى الذهن: " كيف يتم حصر البلطجية والقبض عليهم كلهم فى يوم واحد؟ " ومرة أخرى كانت الإجابة جاهزة: "هم موظفون لدى الدولة والوزارات التى تستعين بهم معروفة ولديهم كشوف جاهزة بأسمائهم وعناوينهم وتستطيع فى ظل حاكم مستبد مثلى أن تجمعهم وتضعهم حيث أشاء "

مبررات القرار كثيرة، فالتزامن الذى يتم به اختلاق الأزمات واحدة وراء الأخرى بجعل من الصعب على أى عاقل أن يتصور أن مايحدث محض صدفة أو من توابع ثورة 25 يناير .. بدأت الخطة بحملة منظمة لتشويه ميدان التحرير رمز الثورة الذى تردد اسمه فى كثير من انتفاضات الإحتجاج فى العالم بما فى ذلك أمريكا نفسها وتحويله إلى فرع لسوق العتبة يحتله الباعة الجائلون والبلطجية إلى درجة التجرؤ بتحويل الجزيرة التى كانت ملتقى الثوار فى الأيام الأولى التى شهدت ربيع الثورة ومليونيات تعديل المسار بعد ذلك إلى مطعم مفتوح وكراسى يجلس عليها زبائن عربات الفول وحمص الشام يشربون الشاى ويدخنون ويتحرشون بالمارة وبمارسون الرذيلة لو استطاعوا داخل خيام نصبوها للإندساس بين صفوف الثوار الحقيقيين .. يحدث ذلك تحت سمع وبصر الشرطة التى لاتتدخل إلا بعد أن يسقط القتلى والجرحى إما تقاتلا على احتلال أجزاء من الميدان، وإما نتيجة للمحاولات المستميتة لمن تبقى من المعتصمين بالميدان لإخلائه من البلطجية الذين احتلوه .. تلا ذلك حروب البالون وماسبيرو ومحمد محمود وبورسعيد، ثم أزمات طوابير العيش والبوتاجاز والبنزين والضحايا الذين تساقطوا وهم يحاولون أن يستخلصوا حقهم من بلطجية النظام "المعينين" بأجر مثلهم مثل أى موظف فى الدولة، وهذا هو المستوى الأول للبلطجة التقليدية.

أما المستوى الثانى من خطة البلطجة وإشاعة الفوضى فى مصر والتى جاء ذكرها عرضا فى الخطاب قبل الأخير لمبارك – ربما عن غير قصد – بلهجة تحذيرية فى معرض التهديد للثوار، والتى أحسب أنها كانت معدة سلفا تحسبا لأى انقلاب على نظام مبارك فهى "البلطجة السياسية" ومن أعدوها وينفذونها الآن تدربوا جيدا على هذا النوع من الأعمال القذرة ولايظهرون كثيرا فى الإعلام حتى لايعرفهم الناس وإن ظهروا فبوجوه جامدة وصمت مريب ثم يختفوا ليعملوا من وراء ستار لتنفيذ الخطة التى وضعوها من خلال أجهزة الأمن المختلفة ذات التاريخ الطويل فى القهر والتآمر والمستمرة فى عملها منذ أيام المخلوع والتى تدير بلطجية النظام فى المواقع المختلفة وتحركهم بما يحقق الأهداف التى وضعت مسبقا.. هؤلاء ليس لهم فقط عملاء فى الأحزاب السياسية يأتمرون بأمرهم وينفذون إرادتهم فى إضعاف تلك الأحزاب وجعلها قطعا على رقعة الشطرنج السياسى لتنفيذ مخططاتهم والإبقاء على شكل للمعارضة يخدع الناس ويجمل وجه أى نظام بخلق أحساس كاذب بوجود تلك المعارضة، وإنما بلطجية أطلقهم لكى يسفهوا ويحقروا مقام رئاسة مصر بتقدمهم للترشح وبيهم الأمى الذى لايقرأ ولايكتب والكفيف والمقعد والبائع الجائل والحرفى فيصل عددهم حتى كتابة هذا المقال أكثر من ألف.

من وضعوا خطة الفوضى يضعون أعينهم على كرسى الرئاسة لكى يعاد انتاج نظام مبارك بشكل جديد، وتستمر طبقة النبلاء فى حصد المزايا والمنح والمكاسب التى حصلت عليها فى ظل فساد النظام، وهى على استعداد للتحالف مع الشيطان لكى يحدث ذلك، وهى تمارس نفس الأساليب فى الترهيب والترغيب والإقصاء لرجالات هذه الأمة ونسائها من المبرزين حتى يخضعوا لإرادتهم أو تضع بدلا منهم عرائس ماريونيت يحركونها من وراء ستار يخدعون الرأى العام فى الأحزاب السياسية والإعلام والهيئات والمصالح الحكومية التى لايزال يجلس على قمتها رجال مبارك يديرون دولة الثورة بأساليب نظام الفساد وأدواته ويحافظون على مغارات على بابا التى امتلأت بكل ماطالته أيديهم من ثروات مصر وخيراتها لأنفسهم ولأبنائهم من بعدهم .. قرار اليوم الواحد بترحيل كل هؤلاء إلى معسكرات العمل سوف يمهد الشارع السياسى لأطهار الثورة حتى تضع مصر أقدامها على أول الطريق لتحقيق أهداف الثورة والثأر لدم الشهداء.

Monday, March 19, 2012

رئيس مصر القادم بين المزاد والسيرك

طالما تمنيت أن أكذب عيني وأذني وأنا أسمع وأري ما يحدث في لجنة تلقي طلبات الترشح لرئاسة مصر ووصول عددهم إلي ما يقرب من 350 مرشحاً محتملاً حتي وقت كتابة هذا المقال.. ما يحدث أبلغ دليل علي ما قلته قبلاً إن مصر ظلت لمدة ثلاثين عاماً سيركاً قومياً صاحبه ومديره رئيس الدولة
الذي كان مشروعه علي ما يبدو أن يحطم أسطورة سيركي «عاكف» و«الحلو» اللذين لم تعرف مصر غيرهما لمدة نصف قرن من الزمان وكانا يدخلان البهجة علي ملايين المصريين بتنوع برامجهما التقليدية ومهارات لاعبيهم الذين «يورثون» المهنة أباً عن جد.. ويبدو أن عملية «التوريث» هذه كانت أُس البلاء بالنسبة لـ «سيرك مبارك القومي» الذي ابتدع سيركاً سياسياً خطط لأن يستمر لقرن من الزمان علي الأقل، ولأن نسبة الأمية في مصر تعد الآن أعلي نسبة في العالم ولا فخر، فقد ابتدع مهرجو مبارك السياسيون قانوناً يبدو في ظاهره أنه يضمن المساواة التامة بين المصريين في الترشح للرئاسة التي كان النظام يعلم تماماً أنها محسومة لصالح الوريث جمال مبارك، ولكن لا بأس من جعل كل من تداعبه أحلام الرئاسة من بسطاء الناس يحلم بأنه رئيس مصر القادم، وكلما زاد عدد المرشحين البسطاء ظهر الوريث إلي جانبهم لامعاً مشرقاً يعلو عليهم بمقامه وعلمه ونسبه، فلا يجد الناخب أمامه سوي انتخابه.
أنظر إلي عينات من الذين تقدموا للترشح، فأجد ربات منازل وحرفيين وباعة جائلين، بعضهم لا يفهم الأسئلة التي توجه إليه من أجهزة الإعلام، وبعضهم يفخر بأنه يحمل الشهادة الابتدائية التي هي أحسن من ستين دكتوراه «ولعلهم صادقون في ذلك بعدما حدث للتعليم في مصر» وهي الحد الأدني المطلوب للترشح، وبعضهم يتساند علي آخرين حيث لا تسعفه قدماه علي السير أو الوقوف «ولم لا ورئيس مصر المخلوع يظهر في الإعلام ممدداً علي سرير» ومع كل الاحترام لكل صاحب مهنة شريفة فقدر مصر يستحق أفضل بنيها علماً وأخلاقاً ومعرفة ومظهراً ونقاء وطهارة ونضالاً ليقود مصر المستقبل ويقنع باقي المصريين بالسير وراءه ومساندته ودعمه طالما ظل أميناً علي العهد حريصاً علي الدفاع عن مصالحهم مستميتاً في تحقيق طموحاتهم محافظاً علي شرف منصبه وعلي القسم الذي يلزمه أمام الله والشعب بأن يحافظ علي استقلال الوطن وسلامة أراضيه، واضح أن قوة الدفع الثورية بدأت تضعف من كثرة ما حدث من تشتيت وإنهاك لقوتها، وتبدد تأثيرها علي توحد الناس علي هدف عام قومي إلي مكاسب شخصية ومناورات رخيصة لبعض المرشحين الكبار ومن خلفهم لكي يفتتوا الأصوات حتي ولو علي حساب كرامة مصر، وواضح أن الملايين التي تضخ في حسابات غير منظورة تستخدم الآن في الحصول علي التوكيلات لمرشحين بعينهم أو لمساكين يتلهي بهم الكبار ويدفعونهم دفعاً إلي ترشيح أنفسهم والتقاط الصور وهم يتأبطون الظرف الملون بعلم مصر ويحتوي علي الأوراق المطلوبة لقبول الترشيح بنفس المنطق الذي تعامل فيه مبارك مع القانون لكي يمهد الطريق لابنه لكي يكون حاكم مصر من بعد أبيه وربما ابنه من بعده.
دور الأحزاب في السيرك السياسي الحالي للانتخابات دور خطير ينبغي أن ننتبه له، فالمغريات كثيرة للانضمام إلي طابور المؤيدين لمرشح ترضي عنه الأغلبية أو المجلس العسكري أو الاثنان معاً، والتحالفات السرية علي أشدها انتظاراً لتحقيق وعود بمناصب وزارية أو برئاسة الحكومة، والتلويح بالحساب علي أخطاء فادحة ارتكبت في حق الثورة والثوار بعد انتخاب رئيس للبلاد تجعل الحرص علي أن يكون هذا الرئيس توافقياً يرضي كافة الأطراف ويتواءم مع متطلبات انتقال السلطة بطريقة آمنة سلسة.. واختيار القوي ليس لصالح مجلس الشعب الذي انشغل أعضاؤه بالشو الإعلامي عن ترتيب أولوياتهم وإصدار القوانين اللازمة لكي تتحقق أهداف الثورة أو إعادة النظر أو حتي إلغاء قوانين «إسكافية القوانين» في عهد مبارك الذين كانوا يفصلون علي كل مقاس يطلب منهم علي حساب الضمير والعدالة، ومناورات بعض الأحزاب في الانتقال من مرشح لآخر واللعب علي أكثر من حبل علي قدم وساق إلي الدرجة التي لا يتفق فيها رأي قياداتها علي تأييد مرشح بعد أن فشلوا في ترشيح أحد من قياداتهم لمنصب الرئيس المقبل لمصر.. قلبي وعقلي مع شباب الأحزاب الذين يبحثون عن طريق ويلتمسون وضوح الرؤية والشفافية لدي قياداتهم فلا يجدونها، ويتطلعون إلي دور يؤدونه في تغيير أحوال أحزابهم فلا يمكنون من ذلك ممن جلسوا علي مقاعد القيادة أزماناً ويعز عليهم أن يتنازلوا عنها بحكم مقتضيات الواقع الذي يمنح هؤلاء الشباب كل الحق في الجلوس علي مقاعد القيادة وأمامهم بوصلة الثورة تهديهم إلي دروب وشوارع المستقبل لبلدهم.
أخشي ما أخشاه أن يظل الخلاف بين القوي الوطنية بشكله الحالي تؤجج نيرانه وتغذيها قوي تدربت علي بث الفرقة ودق الأسافين حتي تتفرق القوي ويصيبها الوهن واليأس والإحباط فتسلم في يأس وتحيط بها جحافل الشر التي تتربص بها من كل جانب تجهض كل محاولة للإصلاح وتغذي التمسك بقيم وتقاليد رسخها نظام الفساد وأصبحت مقبولة كمنهج حياة مثل عدم الالتزام والاستخفاف واللامبالاة والأنانية والتهرب من المسئولية وعدم التعلم من الأخطاء.. التحالف بين الأحزاب الممثلة في البرلمان علي مصلحة مصر العليا هو السبيل الوحيد لتوازن القوي داخل المجلس التشريعي، وغير ذلك يصبح صراعاً للديكة تحت قبة البرلمان.



اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - الرئيس القادم.. بين المزاد والسيرك

Saturday, March 10, 2012

هل ننكس الأعلام أم نرفعها مقلوبة؟


أجدنى مضطرا – وقد تلاحقت الأحداث فى تسونامى سياسى جبار يزلزل حاليا أرض مصر_ أن أتوقف عن التفكير إلا فى شيئ واحد هو حال الوطن ومايحيط به من مخاطر .. وفى التقاليد العسكرية تنكس الإعلام تعبيرا عن الحزن، وترفع الإعلام مقلوبة حين تسقط القلاع الحصينة، ولو كان الأمر بيدى لنكست كل أعلام مصر او رفعتها مقلوبة إلى أن يتم محاسبة المسئولين عن إقامة مأتم قومى جديد يشق فيه كل المصريين الجيوب ويهيلون التراب على رؤوسهم حزنا على مالحق بمصر، ويلقى من تسبب فى التخطيط لسقوط آخر قلاع مصر الحصينة فى أيدى قلة من الخونة سلمت مفاتيح القلعة نظير حفنة من الدولارات للمتسللين من أعداء مصر فاستولوا على القلعة دون قتال ورفعوا علم بلادهم عليها ولايزالون يحتفلون بالنصر وقصص البطولات التى أذلوا فيها حامية القلعة وكل ثوارها ممن كانوا على استعداد للموت دفاعا عنها لو لم تقع الخيانة بليل وينفذ الحكم بإعدام كرامة مصرغدرا مع سبق الإصرار والترصد.

يتزامن ذلك مع مانشتات لكبرى الصحف الأمريكية تفخر بتحرير سجنائها نظير "فدية" كما لو كانت حررتهم من أيدى الإرهابيين المصريين، واقتصاد مصر الذى سوف يزدهر بعد أن خضعت وخنعت وانبطحت أمام جبروت القوة الأمريكية وسطوتها، والتلويح بمعونات أذلت إرادة مصر لعقود طويلة بفضل "الدجل السياسى" لنظام حكم كان يردد دائما – ويصفق له الأغبياء والمتخلفين من أتباعه – بأن إرادة مصر حرة وأنها لاتخضع لأى تهديد ولن ترضخ لأى تدخل فى شئونها .. ثم يقف رئيس أمريكا أمام مجلس العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية "إيباك" فى إطار حملته لفترة الرئاسة الثانية فيلقى خطابا خصص أكثر من نصفة للفخر بأنه الرئيس الأمريكى الوحيد الذى لم يسبقه أحد فى مساندته لإسرائيل وحفاظه على أمنها والتزامه بمدها بالسلاح والعتاد والأموال والمعلومات والتكنولوجيا التى تضمن لها تفوقها على من يحيطون بها من الدول التى تتربص بها، وأن الولايات المتحدة "شريكة" لإسرائيل فى كل خططها لضمان أمنها القومىالذى يعنى أمن أمريكا القومى" وفى حقها المشروع فى إجهاض أى محاولات من جيرانها وبالذات إيران لدخول النادى النووى .. ذلك هو خطاب لرئيس يقدم فروض الولاء والطاعة لمن يملكون فرضه على الشعب الأمريكى والذى هللنا له حين بدأ فترة حكمه الأولى بزيارة القاهرة ونطق جملة قصيرة باللغة العربية نفاقا لنا ولباقى العالم العربى، وعلقنا عليه أملا كبيرا فى سياسة أكثر عدلا وتوازنا تحد من توحش إسرائيل وجرائمها وتحقق للفسلطينين حلم إقامة دولتهم على أرض احتلت وتغيرت معالمها وانتهكت مقدساتها، فهل هناك فجر وعهر سياسى أكثر من ذلك؟

الأمريكيون لم يكتفوا بشل إرادة القرار المصرى بشأن رعاياهم ومنع محاكمتهم أو وقوفهم فى قفص الإتهام فوفرت لهم ملاذا آمنا داخل سفارة بلدهم فى مصر، وأرسلت طائرة عسكرية وليست مدنية لكى تقلهم إلى إمريكا هبطت بمطار القاهرة دون أن تنتظر إذنا بالهبوط، ونقلتهم إلى المطار ليستقلوا الطائرة فى عربات مصفحة تحرسها قوات المارينز .. استعراض للقوة وانتهاك لسيادة دولة قبلت على نفسها ذلك بعد أن صدرت ثورتها قيما ومبادئ ومواقف اقتبس منها كل العالم بما فيها أمريكا نفسها التى رفع فيها المضربون فى نيويورك نفس شعارات التحرير للمطالبة بحقوقهم .. رحل الأمريكيون إلى بلدهم ومعهم باقى المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى بينما المصريون من المتهمين فى نفس القضية لايزالون محبوسين على ذمة القضية .. الأمريكيون وباقى الأجانب من المتهمين عدلت تهمتهم إلى جنحة بقرار منفرد ممن قبل على نفسه أن يلوث ثوب قضاء مصر الطاهر دون محاكمة، وشكلت لهم "لجنة" قررت الإفراج عنهم بكفالة..أشياء سوف يستغلها بهلوانات القوانين ممن يتقاضون الملايين من مبارك وأسرته وباقى عصابة الحكم الذين ينتظرون حكم القضاء لكى يطعنوا على الحكم الذى سيصدر ويسعون للحصول لموكليهم على البراءة من إراقة  دم مصر وشعبها وإهدار شرفها وكرامتها لأكثر من ثلاثين عاما.

مايحدث فى مصر الآن يحرض كل القوى الوطنية فى مصر أن تكون أكثر شراسة فى الإصرار على عدم سيطرة فصيل تحت أى زعم من شرعية أو حق مكتسب التأثير فى مسارات دستور مصر الذى سوف يحدد شكل الحكم وسلطات من يحكم ويفصل بين السلطات، ويطلق كل أصوات الإنذار فى مصر للقوى الثورية التى أعطت من يجلسون على كراسى الشعب والشورى شرعيتهم أن يستنفروا طاقاتهم فى رصد مايحدث لسرقة الثورة التى أصبحت ملكا لكل شعب مصر وأن يجهضوا كل محاولات العودة بمصر لعصر الظلام وقتلها معنويا وكسر إرادتها باستغلال عملاء الداخل الذين تركوا الحصن يسقط ولايزالون يخططون لإطلاق ذئاب الفوضى التى تحدث عنها صاحب المزرعة فى خطاب "تنحيه عن السلطة" وهو مانسميه فى علم الإدارة "التفويض" الذى لايعنى تخلى من فوض سلطاته عن مسئوليته عما يحدث، ومن ثم فإن الأصوات التى تقول أن مبارك وصحبه من نزلاء سجون مصر مسئولون عما يحدث وأنهم لايزالون يحكمون مصر من محبسهم على حق فيما يقولون .. الجانب الإيجابى الوحيد فيما حدث هو أن الأحداث المتلاحقة التى تحدثت عنها جعلت الأقنعة تسقط واحدا وراء الآخر، وكشفت النقاب عن الشخصيات الحقيقية فى "الحفل السياسى التنكرى" الذى استمر لأكثر من عام.

Thursday, March 01, 2012

المسئولية الإجتماعية .. مواقف ومعان - 3


أصعب تحدى يواجه أصحاب الرسالات من المصلحين الإجتماعيين هو أحداث التغيير فى المجتمع حيث يواجه أى تغيير فى العادة بمقاومة شديدة لأنه يعنى بالنسبة لمن اعتادوا على رؤية ماحولهم بشكل معين أو فعل الأشياء بطريقة معينة الخروج من "دائرة الأمان" فالتغيير بالنسبة للناس – بنسب مختلفة – مغامرة غير مضمونة العواقب وقد تؤدى إلى الفشل ولاأحد يحب أن يفشل، وقد تتطلب المشاركة بجهد أو رأى أو إلتزام وفى ذلك نوع من الإختبار لقدراتهم وهو شيئ يمثل عبئا نفسيا يفضل الناس تجنبه .. وكلما زاد الضغط لإحداث التغيير كلما زادت حدة المقاومة وكأننا أمام معركة بين طرفين يحاول كل طرف فيها دفع الطرف الآخر إلى الخلف واكتساب أرض يستميت للحفاظ عليها، وتزيد شراسة المقاومة فى المجتمعات ذات التاريخ الطويل والعادات الراسخة والثقافة الثابتة التى تكونت على مدى أجيال وهذا مايحدث فى مصر على الآن بعد أن تخلفت عن ركب المدنية والديموقراطية أجيالا طويلة وتحاول الآن أن تنتقل إلى القرن الثانى والعشرين .. المصلحون الإجتماعيون وقادة الرأى يصبحون فى مثل تلك المجتمعات "وسطاء تغيير" يحاولون طول الوقت أن يبشروا بضرورة وعوائد التغيير ويضموا إلى صفوفهم المزيد من الوسطاء الذين يساعدون فى إقناع غيرهم بالإنتقال من صفوف الأتباع الذين يقنعون بالمشاهدة دون المشاركة ويفضلون الإسترخاء عن المجاهدة للتطوير وإحداث التغيير.. وكلمة مجتمع التى استخدمتها تعنى المجتمع ككل وطنا أو أمة ويعنى كذلك أى مؤسسة أو هيئة أو أسرة أو بيئة عمل او أصحاب حرفة ما أو شركاء فى مصلحة أو نشاط من أى نوع.

أرسل إلى صديق سائقا يقلنى إلى اجتماع عمل فى مكتبه الذى يقع على أطراف   مدينة القاهرة.. لاحظت أن السيارة جديدة وكنا فى فصل الشتاء ولكنى وطلبت من السائق أن يفتح جهاز التكييف لفترة تجنبا للغبار وعادم السيارات على الكبارى وإختناقات المرور خلال الطريق وحين فعل ذلك تحولت السيارة فى لحظات إلى فرن تزداد حرارته كلما زاد السائق من سرعة المروحة وفشلت محاولاتى المتكررة لتبريد الهواء بفتح شبابيك السيارة ظنا منى أن المكيف يحتاج لبعض الوقت لكى يعمل بصورة طبيعية .. وأخيرا أكتشفت أن هناك زرا صغيرا فى لوحة السيارة كان ينبغى الضغط عليه لكى يبرد المكيف الهواء .. سألت السائق منذ متى يعمل لدى صديقى فاكتشفت أنه التحق بالعمل منذ شهور فقط وأنه قام بقيادة تلك السيارة مرة أو مرتين فقط من قبل، وهنا تحرك فى نفسى فضول العلم فاستطردت فى التساؤل عما إذا كان قد أدار جهاز التكييف من قبل فأجاب بالإيجاب ولكنه لم يجرب التبريد لأنه لايحتاج إليه فى الشتاء .. وجدت أن من واجبى أن أمارس هوايتى فى محاولة إحداث التغيير كلما وجدت فرصة فسألته إن كان قد سأل سائقا آخر أو رئيسه المباشر حين استلم السيارة عن بعض الأشياء التى لايعرفها أو قرأ كتيب الإرشادات قبل أن يقود السيارة على اعتبار أن من الطبيعى أن أنظمة السيارات تختلف باختلاف ماركاتها ولاتعمل كلها بطريقة واحدة فأجاب بالنفى .. كثير من الناس مثل هذا السائق يفضلون هذا المنهج السلبى فى التفكير يتجنبون السؤال ولايبادرون بمحاولة المعرفة ويرون فى ذلك مخاطرة بأن يتهمهم الآخرون بالجهل وعدم المعرفة، ولقد حضرت اجتماعات عمل كثيرة فى مجالات شتى وكثير منها يتكرر فيها نفس الوجوه التى يجلس أصحابها كالأصنام يسألون ولايبدون رأيا ويتجنبون بشتى الطرق أن يسألهم أحد ولاتدرى فى آخر المطاف ماإذا كانوا يؤيدون أو يعارضون وجهات النظر التى طرحت، وكثير من أحزاب مصر على هذا الحال.
مررت يوما بالمغسلة التى أتعامل معها والتى أمر عليها  فى ذهابى لمكتبى ومعى جاكت وقميصين للكواء كما اعتدت ، وجدت العاملين ينظفون المكان ولمعرفتهم لى ومعرفتى لهم من طول العشرة أخذ منى كبيرهم كيس المكوة دون الإيصال المعتاد فى مثل تلك الأمور بعد أن ذكرت له مابداخل الكيس بمنتهى الوضوح .. مررت بعد يومين لاستلام ملابسى ففوجئت بهم يسلموننى أشياء ليست لى .. شرحت بهدوء أن هناك خطأ ما وأن ملابسى عبارة عن كذا وكيف ولكن المسئول أصر على أن هذه الملابس هى ملابسى وأنها هى التى استلمها منى، ورغم تأكدى مما سلمته للمغسلة طلبت منزلى لزيادة التأكيد من أنه لم يحدث أى خطأ من أى نوع ولكن مسئول المغسلة يرفض التصديق ويصر فى غباء على موقفه .. غضبت وفقدت أعصابى ولكنى قاومت بشدة أن أتخذ إجراءا رسميا لسابق معرفتى بالعاملين فى المغسلة وأمانتهم فى رد أشياء كنت قد نسيتها فى ملابسى من قبل ولذلك تركت تليفونى وطلبت منه أن يتصل بى حين يجد الأشياء وأعدت وصفها بدقة من حيث الألوان والشكل .. مضى يومان واتصل بى الرجل يزف إلى بشرى العثور على ملابسى وذهبت فى نيتى أن ألقنه وباقى العاملين بالمغسلة درسا فأصررت على أن يخبرونى أين وجدوا ملابسى فاتضح أنهم فى غمرة التنظيف تركوها فى كيسها فى دولاب دون أن ينتبهوا، وسألتهم عما إذا كان صاحب الملابس التى أرادوا تسليمى إياها قد استلمها بأجابوا بالإيجاب فقلت ماذا كان سيحدث لو أنى أخذت تلك الملابس وجاء صاحبها يطلبها فأطرقوا صامتين .. وللحديث بقية.