Sunday, August 04, 2013

عن المتحدثين الرسميين أتحدث


فى زخم الأحداث التى تمر بها مصر الآن، تزايدت ظاهرة تعيين متحدثين رسميين عن الجهات المختلفة مهمتهم أن يحيطوا الرأى العام بما يجرى من مصدر موثوق به، ويتيحوا لكل أجهزة الإعلام جالفرصة لكى يسألوا ويستوضحوا الأمور التى يتحدث عنها الشارع وتشغل اهتمامه .. وهى ظاهرة جديرة بالإحترام والتشجيع وسياسة تنتهجها الدول المتقدمة لنشر المعلومات ومواجهة الإشاعات والوقوف على مايهم الناس .. ولذلك يضعون الضوابط لعمل من يقوم بتلك المهمة ويمدونه بالمعلومات اللازمة التى يمكن الإفصاح عنها ويدربونه على طريقة تفادى الأسئلة الصعبة إذا لم يكن لديه معلومات وضرورة الإعتراف أحيانا بأنه أو أنها لاتعرف أو ليس لديه أو لديها معلومات والوعد بأن يوافى السائل بالإجابة فى أسرع وقت ممكن .. يشمل التدريب أيضا إتقان لغة الحوار وانتقاء الألفاظ الدقيقة والجمل القصيرة فى الإجابات منعا للبس وسوء الفهم، وفوق كل هذا وذاك الحفاظ على هدوء الأعصاب وعدم الوقوع فى فخ الإنفعال ردا على أى استفزاز متعمد من قبل السائلين فى المؤتمرات الصحفية.
وبحكم التخصص والإهتمام الشخصى فإنى أرقب هؤلاء المتحدثين وأقارن بينهم واستكشف فى كل مرة يظهرون فيها مواطن القوة في أدائهم ومواطن الضعف التى تحتاج إلى مزيد من التدريب والتقييم الإيجابى البناء الذى يوضح لهم كيف يؤدوا بصورة أفضل ويمدهم بالأدوات التى تمكنهم من ذلك .. ألاحظ  أن للموضوع شقان يتصارعان أحيانا لدى بعض المتحدثين الرسميين: شق فنى يتعلق بالمهارات التى تحدثت عنها ومستوى امتلاكهم لتلك الأدوات وإجادتهم لها، وشق آخر أهم وهو شخصياتهم ومزاجهم العام وهو الجانب الذى يتحكم أكثر فى ردود أفعالهم وتفاعلهم مع الآخرين بشكل طبيعى جاذب وليس طارد للتقارب والحوار .. الشق الثانى هو الذى يقرر مستوى القبول لشخص المتحدث ويطلق عليه أحيانا "الكاريزما" والتى تمهد لتقبل الناس لما يقول وتسهل عملية بناء الثقة بينه وبين مستمعيه ومن ثم مصداقيته لديهم.
ألاحظ أن البعض لايتحرى الدقة في صياغته لبعض التعبيرات البلاغية التى يعتقد أنها تقرب الصورة التى يريد أن تنطبع فى الأذهان فتخرج تلك التعبيرات بلا معنى تقريبا وقد تثير موجه من التعليقات الساخرة مثلما حدث مع تعبير "الخطف الذهنى" التى لاتزال مواقع التواصل الإجتماعى تتداولها بكثير من التعليقات الفكاهية الضاحكة .. ولعل المتحدث قصد "غسيل المخ" بحيث يصبح من حدث له ذلك أداة طيعة فى يد من يريد استغلاله فى عمل ما أو إقناعه بفكرة أو سلوك ما .. وألاحظ أن بعض المتحدثين لايجيدون اللغة التى يتحدثون بها بما فى ذلك اللغة العربية مع أن فى مقدورهم أن يكتبوا البيان الذى يريدون إلقائه بعد تشكيله مسبقا .. والبعض الآخر ينسى أن الغرض من أى مؤتمر صحفى هو بيان قصير يلقيه المتحدث الرسمى عن أهم حدث ينتظره المجتمعون ثم يترك لهم مساحة لكى يسألوه عما يهمهم هم وليس مايهمه هو .. أما النوع الآخر من المتحدثين فعصبى المزاج لايتحمل المقاطعة أو الإعتراض أو الأسئلة الصعبة ويفترض فيمن حضر ممثلا لمحطة تليفزيونية أو جريدة أو وكالة أنباء أن يصدقه ويقنع بما قيل.

المشكلة الأكبر تحدث دائما حين يتم اختيار متحدث رسمى أو استشارى مشهور يمثل جهات سيادية وسياسية هامة تمثل سياساتها عصب الحياة اليومية للناس .. هنا لابد للمتحدث أن ينسى شهرته وآرائه الشخصية وأن يكون موضوعيا محايدا فيما يطرح ويحصر تعليقاته فى أضيق نطاق ويمنع نفسه قسرا من أن يعبر عن وجهة نظره الشخصية فيما يطرح من موضوعات لأنها بالقطع سوف تؤخذ على أنها تعبر عن الجهة التى يمثلها وقد تورط تلك الجهة وتلزمها بما لاتريد أو تضطر إلى تكذيب المتحدث الرسمى فتنسف مصداقيته.

No comments: