عن الإدارة وسنينها الإدارة هى حبى وعذابى فى آن معا ... أصبحت بالنسبة إلى أسلوب حياة، أفسر بقواعدها كل مايدور حولى كما أقيس عليها مستويات الفشل والنجاح... وهذه محاولة لكى أرسخ هذا المفهوم، لعل الله أن يشفى الوطن من "سوء الإدارة" فننقذ البقية الباقية من الموارد التى نهدرها بجهل وسفه.
أدهش كلما شاهدت أو قرأت لمسئول رأيا يفكر فيه بقلبه وعاطفته ويلغى عقله ويعبر عن وجهة نظره بحماس ملتهب متخيلا أنه بهذا يصيب المستمع أو القارئ بعدوى الحماس ويقنعه بتبنى موقفه. أقول ذلك بمناسبة فيض التصريحات التى يطالعنا بها مسئولو هيئة الآثار فى ردهم على افتتاح كازينو فى لاس فيجاس باسم "الأقصر" ديكوره يحاكى مدينة الأقصر المصرية. وليست تلك هى المرة الأولى التى يفكر فيها رجال الأعمال فى استغلال الآثار المصرية فى اجتذاب العملاء فقد سبق محمد الفايد لاس فيجاس بأكثر من ثلاثين عاما حين وضع نماذج لمعابد وتماثيل فرعونية فى “ هارودز " الذى يمتلكه، وهو من أشهر وأعرق المحلات فى بريطانيا وأروبا قاطبة. كذلك سبقت كندا دولا أخرى حين صممت وافتتحت مطعما على شكل هرم خوفو من الزجاح بالقرب من شلالات نياجرا.
ومع تقديرى لغيرة هيئة الآثار على آثارنا المتفردة ، إلا أن غيرتهم أحيانا ماتكون كالغيرة المدمرة بين الأزواج أو ألأحباء تؤدى إلى خراب البيوت .إن مسئولى هيئة الآثار لايكتفون " بتقفى أثر" القطع الأثرية التى تسربت إلى متاحف العالم والتى تعامل بكل الحفاوة والتكريم، بنفس الحماس التى تطارد به لصوص الآثار والمهربين، ومحاولة استعادتها لكى تدفن فى دهاليز المتحف المصرى الذى جار عليه الزمان فلم يعد أكثر من مخزن عاديات كبير مكدس بكنوز لن يجود الزمان بمثلها. وحتى يستكمل إنشاء المتحف الجديد فتعامل آثارنا بالحفاوة التى تستحقها. أفهم أن نلاحق من يدعى أن لديه قطعا أثرية مسروقة يروج لها ويحاول بيعها، أما من يستخدم " ديكورا فرعونيا" لاجتذاب الزبائن فتلك قصة أخرى تحتاج إلى تفكير ابتكارى غير تقليدى للتعامل معها.
والتفكير الابتكارى الذى أدعو إليه هنا هو أن نفكر بعقلانية عن المنافع التى يمكن أن نجنيها لو أننا اقتنصنا الفرص السانحة واستفدنا منها للتسويق لآثارنا مجانا على حساب الغير الذين نجحوا بفضل أفكارهم المبتكرة فى اجتذاب أضعافا مضاعفة من السياح لزيارة المواقع التى أنشأوها مستغلين وله وعشق الناس لآثار مصر. لابد أن نسأل أنفسنا هنا : ماالذى فعلوه لكى يذهب إليهم أعدادا تفوق بأربعة أضعاف عدد السائحين الذين زاروا مصر فى قمة نجاح مواسم السياحة فيها؟ ماالجديد الذى قدموه لكى يذهب الناس لمشاهدة الصورة والتقليد حتى قبل أن يفكروا فى زيارة الأصل؟ ثم أخيرا، لابد أن نسأل أنفسنا: هل يمكن الاستفادة من تجارب الآخرين لكى نروج لآثارنا ونشجع ملايين أخرى من السياح على زيارة مصر، ومن ثم زيادة الدخل القومى والمساهمة فى جبر عجز الميزانية لصالح مستقبل مصر؟
ومدى علمى أن كازينو لاس فيجاس معروف لهيئة الآثار وشارك ملحقنا الثقافى فى افتتاحه منذ أكثر من ربع قرن . لذا فإنى هنا أدعو حارس آثار مصر الدكتور زاهى حواس أن يضيف إلى قبعته الشهيرة قبعة أخرى خاصة "بالتسويق" يرتديها كلما أراد أن يفكر كرجل تسويق مسئول عن ثلث آثار العالم لأقدم حضارة فى التاريخ منذ أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة عام. هل يمكن مثلا أن نستغل ذلك الملهى فى لاس فيجاس والذى يرتاده أغنى أغنياء العالم ممن سوف يجتذبهم الفكرة المبتكرة ، لكى "نحرضهم " على زيارة الأصل، مهد أقدم حضارات العالم، والاستمتاع بالأماكن التى شهدت مولد تلك الآثار، وتنسم الجو الذى أبدع فيه المصرى القديم تلك الآثار المتفردة ؟ من الأفكار البسيطة التى يمكن التفكير فيها مثلا تقديم جائزة للسائح رقم كذا الذى يزور الأقصر الأصل، أو التعاون مع شركات السياحة والطيران لكى تضمن برامجها السياحية نوعا من التحفيز لزوار لاس فيجاس لزيارة مصر؟ إن الملحقين المختصين بسفاراتنا فى الخارج – باعتبارهم أكثر دراية بثقافة البلدان التى يعملون بها يستطيعون أن يقترحوا على وزارة السياحة وهيئة الآثار الكثير من الأفكار فى هذا الشأن، لاسيما وأنه من المحال أن نمنع من يريد تقليد آثارنا وملاحقته فى القارات الخمس، على الرغم من تأييدى الكامل لاستصدار قانون يحمى الملكية الفكرية لآثارنا فى حالة تعمد تقليدها وترويجها تدليسا على أنها الأصل.
وبنفس الطريقة نستطيع أن نعقد اتفاقات ثنائية مع متاحف العالم الشهيرة مثل اللوفر ومتحف لندن وغيرها فى ألمانيا وأسبانيا لربط زيارة آثارنا بتلك المتاحف بنوع من الترويج لزيارة مصر إلى جانب الجهد الحالى الذى تقوم به هيئة الآثار لعرض آثارنا بالخارج من خلال أو بالاستقلال عن تلك المتاحف. علينا أن نفكر بعقلية جديدة: هل الغاية أن تعود كل الآثار المصرية إلى مصر حتى لو لم يتوافر لها جو العرض الذى يليق بها فنظل متخلفين عن بلد مثل أسبانا تجتذب عددا من السياح يساوى ضعف السياح الذين يزورون العالم العربى بأسره ، وأربع مرات عدد السياح الذين يزورون مصر، أم أن الغاية تكون أنبل لو تركنا ماتسرب من آثارنا ترفل فى نعيم الإمكانيات التى تظهرها بما تستحق من إبهار فيصبح كل أثر بؤرة ثقافية تشع حضارة وإبهارا على كل من رآها ونجنى العائد الثقافى والاقتصادى من وراء هذا النوع من التسويق الراقى؟
لو كنت مكان الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لرتبت فورا لمعرض لآثارنا فى لاس فيجاس بالذات حتى يشاهد المفتونون بآثارنا الفرق بين الأصل والصورة. وأطمئن الدكتور حواس بأن آثارنا سوف تكون هناك فى مأمن ولن يصيبها مكروه ولن تتعرض للسرقة حيث أن لاس فيجاس والتى يتقاسم إدارتها واستغلالها عصابات الجريمة المنظمة "المافيا" – على عكس الاعتقاد الشائع - هى من أكثر الأماكن أمنا فى العالم.
No comments:
Post a Comment