جودة التعليم عندنا بوجه عام ، والتعليم الجامعى بوجه خاص تحتاج إلى نقلة نوعية كبيرة ، ثورة شاملة تتناول جودة التدريس والمقررات والأنشطة الطلابية نفسها والبيئة المحيطة بالعملية التعليمية . لذلك فقد أصبح من الضرورى الإسراع بإنشاء "الهيئة القومية لتوكيد الجودة والاعتماد للتعليم العالى" واللائحة المنظمة لعملها كبداية لثورة التغيير الشامل التى يتبناها وزيرى التعليم والتعليم العالى حاليا. وقد بدأ عدد من الدول العربية فى اتخاذ نفس الإجراءات لتوكيد جودة التعليم ، وبعضها قطع شوطا كبيرا فى هذا السبيل مثل قطر والأردن والمملكة العربية السعودية واليمن ، بالاضافة إلى العديد من الأنشطة الأقليمية الموازية والمؤتمرات التى يتم عقدها حاليا بغرض توحيد الجهود لإنشاء كيان عربى موحد لتوكيد الجودة والاعتماد على المستوى العربى والإقليمى سواء تحت مظلة المؤسسة العربية للثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية ، أو بالتعاون مع الهيئات الدولية المعنية مثل اليونسكو أو مجلس توكيد الجودة والاعتماد للتعليم العالى الأمريكى . وفى عصر الكيانات الكبيرة أصبح من الضرورى أن يتعامل العالم العربى مع العالم الخارجى من خلال كيان كبير موحد ومؤثر لكى تستعيد الجامعات العربية وخريجيها ، ومصر على وجه الخصوص مكانتها القديمة فى مستوى التعليم بها ومستوى الخريجين ، والأهم من هذا وذاك الاعتراف العالمى بالدرجات العلمية التى تمنحها تلك الجامعات مما يفتح الطريق أمام خريجى الجامعات العربية لاستكمال دراستهم بالخارج فى الجامعات التى يختارونها وتناسب رغباتهم وظروفهم دون أن يكون هناك حاجة لإجراء المعادلات وحضور المزيد من البرامج المؤهلة قبل أن ينتظموا بالدراسة كما يحدث حاليا ، فضلا عما فى ذلك من نظرة سلبية لأداء الجامعات العربية ومخرجاتها .
إن إنشاء هيئة عربية إقليمية توكيد الجودة والاعتماد فى التعليم يفتح المجال أمام الطلاب العرب فى الالتحاق بالجامعة التى يريدون فى أى دولة عربية قريبة لهم ، ويتيح الفرصة لتلك الجامعات للاستفادة بالبحوث التى يقوم بها طلابها الذين يمكن أن يشكلوا فرق بحث من دول عربية مختلفة لبحث المشاكل الإقليمية واقتراح الحلول لها . ومع انتشار التعليم الخاص بعد أن أصبح التعليم صناعة تحتد فيها حدة المنافسة مثلها مثل أى صناعة أخرى ، أصبح لزاما على الجامعات الحكومية أن تدخل حلبة السباق لكى تلحق بالتطور التكنولوجى الهائل الذى أصبح يميز التطبيقات المختلفة وأساليب التدريس وإعداد المناهج وتأهيل أعضاء هيئة التدريس . وفى الخارج بوجه عام فإن مستوى الجامعات الحكومية بوجه عام أعلى من مستوى الجامعات الخاصة ، ولا أرى مانعا من يكون هذا هو الحال فى جامعاتنا فى مصر التى كانت حتى أوائل الثمانينات قبلة يحج إليها الوافدون من جميع أنحاء العالم العربى ، ويفخرون بتخرجهم فيها . ولقد سبقت دول عربية مثل قطر فى استشراف المستقبل فخطت خطوة جريئة نحو إنشاء مدينة للعلوم تضم بين جنباتها عددا من أحسن الجامعات الأمريكية فى التخصصات العلمية المختلفة ، وذلك بغرض اجتذاب الطلاب العرب والأجانب الذين يريدون تعليما مميزا عالى المستوى والجودة دون الحاجة للسفر والاقامة بالخارج ، مما سوف يشجع أولياء الأمور لكى يرسلوا أبناءهم إلى تلك الجامعات التى انتقلت إليهم بدلا من انتقالهم هم إليها فيظلوا قريبين منهم ، ويجنبوهم التعرض لتيارات لايريدونها لهم .
إن التقرير الذى أصدرته جامعة جياو تونج الصينية عن أفضل مائة جامعة غربية ، وأفضل مائة جامعة أوروبية ، وكذلك أفضل مائة جامعة فى جنوب شرق آسيا ، ثم أخيرا قائمة بأفضل 500 جامعة على مستوى العالم دون أن يحتوى على جامعة واحدة عربية لابد وأن يثير الكثير من المخاوف على المستوى الذى وصلت إليه جامعاتنا . ومصدر هذا الخوف هو أن المنهج الذى تم على أساسه تصنيف تلك الجامعات يشكل الأساس الذى ينبغى على أى جامعة مميزة أن تحرص عليه . أعطيت كل جامعة وزنا نسبيا لأربعة عناصر رئيسية هى : جودة التعليم 10% ، مستوى الأساتذة وعدد الحاصلين منهم على جوائز أو ميداليات من هيئات محترمة 20%، الأبحاث المنشورة أو التى يستشهد بها فى بحوث أخرى 20%، مخرجات البحوث ونشرها فى مجلات علمية متخصصة ومحترمة 20%، حجم الحرم الجامعى والأنشطة بالنسبة لحجم الجامعة 10%. كلها كما قلت أساسيات يقوم عليها التعليم الجامعى المحترم ، والنزول عنها كلها أو بعضها يعد إخلالا خطيرا بمستوى العملية التعليمية ويهدد بتدنى مستوى الخريجين . لقد تدرجت القائمة فى عدد جامعات القمة من حيث الجودة من 170 جامعة فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى جامعة واحدة فى ثلاث دول فى شرق أوروبا وأمريكا الجنوبية ، ومع ذلك لم تحتوى على جامعة واحدة عربية كما قلت .
إن مصر بحكم حجمها يمكن أن تقوم بدور رائد فى اتخاذ الخطوة الأولى نحو إنشاء هيئة أقليمية لتوكيد الجودة والاعتماد بعد أن يتم تكوين وإعلان هيئة توكيد الجودة والاعتماد المصرية والتى سوف تضم إلى عضويتها عددا كبيرا من المتخصصين " وأصحاب المصلحة " فى تحسين جودة التعليم فى مصر واعتباره قضية أمن قومى . نقطة البداية هى أن تقوم كل جامعة من جامعاتنا بإعداد خطة استراتيجية متكاملة لتحسين جودة العملية التعليمية بعناصرها المختلفة للسنوات الخمس القادمة واعتبار تلك الخطوة مقدمة لإعداد الجامعة للاعتماد من قبل الهيئة التى سيتم تشكيلها كما تقدم لهذا الغرض. وقد يتواكب ذلك مع هيئات أخرى شبيهة تنشئها دول عربية أخرى فتشكل معا اللبنات الأولى لهذا الكيان الأقليمى . وقد يخرج هذا الكيان من تحت مظلة الجامعة العربية ، ويصبح بذلك مثلا لما يمكن أن يتحقق من كيانات أخرى قوية يجتمع بها شمل العالم العربى ككتلة سياسية واقتصادية تستطيع أن تتعامل مع الكيانات الدولية الشبيهة ، وتضطلع بدور مؤثر وفاعل على المسرح الدولى .
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment