Saturday, March 01, 2008

الوزارة التى لايشملها أى تشكيل وزارى


عن الإدارة وسنينها الإدارة هى حبى وعذابى فى آن معا ... أصبحت بالنسبة إلى أسلوب حياة، أفسر بقواعدها كل مايدور حولى كم أقيس عليها مستويات الفشل والنجاح... وهذه محاولة لكى أرسخ هذا المفهوم، لعل الله أن يشفى الوطن من "سوء الإدارة" فننقذ البقية الباقية من الموارد التى نهدرها بجهل وسفه.

كثيرا ماتساءلت عقب كل تشكيل وزارى فى مصر : " أين وزارة التنمية البشرية؟"، وماذا لو سبقت مصر باقى الدول فى استحداث وزارة بهذا الأسم تؤكد بها توجه الدولة نحو التركيز على جودة المصرى وتنمية مهاراته وصقل سلوكياته ؟ وقد يقول قائل أن تلك هى المسئولية المباشرة لوزارات بعينها مثل التخطيط والقوى العاملة والهجرة والتعليم بشقية العام والعالى والتنمية الإدارية ، فإنى أقول أن ماأعنيه أكبر وأشمل من ذلك بكثير. ماأعنيه هو خطة قومية شاملة لتطوير " الإنسان المصرى " لكى يواكب المتغيرات السريعة والمتلاحقة حولنا ومتطلبات القرن الجديد بعد أن أهملنا كثيرا تنمية القدرات والمهارات والجدارات بل وماطرأ على الشخصية المصرية من تغيرات خلال النصف قرن الماضى حتى كدنا أن نفقد هويتنا المميزة . والوزارة التى أطالب بها تختلف فى مفهومها وتوجهها عن "وزارة التنمية الإدارية" التى تعنى بتطوير وتحديث العمل فى الجهاز الإدارى للدولة ورفع المستوى الفنى ومهارات تقديم الخدمات للجمهور.
بلدان العالم المتقدم يطلقون على الناس " رأس المال الفكرى " إعلاء لقيمة الإنسان فى التفكير وطرح الأفكار والمشاركة بدور فاعل وإبداء الرأى فى المشكلات التى تواجهه. لم تعد تسمية "الموارد البشرية" ولا "رأس المال البشرى" تسمية مقبولة تعكس "الاستثمار" المستمر فى البشر التى تنتهجه الدول المتقدمة لكى تجنى من وراء ذلك عائدا عاليا مجزيا لمواطنيها وللدولة على السواء.
إن بلدانا كالصين (مليار و 307 مليون تقريبا) والهند (مليار و 80 مليون تقريبا) وإندونيسيا (242 مليون)- ولاأقول اليابان التى يعتبر مواطنوها نموذجا يقاس عليه انتماء المواطن وولاؤه فى أى دولة أخرى - لاتشكو من كثرة عدد مواطنيها ، ولكنها تستغل تلك الكثرة فى دفع عجلة التنمية وزيادة الإنتاج وتحسين جودة الحياه لمواطنيها عن طريق تحسين جودة المواطن "وضبط سلوكه" لكى ينسجم مع "الصورة" التى تريد الدولة أن تعكسها فى تعاملاتها مع العالم الخارجى على المستويين السياسى والاقتصادى . آمنت تلك الدول ، ومعها الولايات المتحدة الأمريكية أن الصناعات الصغيرة هى البوابة الملكية لحل مشاكل البطالة وكافة مردوداتها السلبية على كيان المجتمع ( 99% من المنظمات فى أمريكا منظمات يعمل بها أقل من 500 موظف وعامل). ويكفى أن نعلم أن أكثر من 80% من المنتجات الجديدة التى تطرحها الصين فى أسواق العالم تنتجها مشروعات صغيرة معظمها داخل المنازل التى تتحول بطريقة منهجية إلى وحدات إنتاجية صغيرة كل أفرادها ينتمون لنفس الأسرة التى قوامها الأب والأم والأبناء على اختلاف أعمارهم والذين لايعطلهم العمل عن الدراسة بمراحلها المختلفة.
وحتى لايكون الكلام عاما ، واتساقا مع واجبى كمواطن الإدارة بالنسبة له ليس مادة يدرسها لطلابه وإنما منهج حياه ، فإنى أضع تصورا لمهام تلك الوزارة التى أدعو إلى إنشائها بقدر مايسمح به المجال والمساحة :
· تحديد التغيرات السلبية التى طرأت على المواطن المصرى بفئاته المختلفة خلال العقود الخمس الماضية وأسبابها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
· تحديد متطلبات "عصر العولمة" نتيجة للتأثيرات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية ، والمهارات والجدارات والمستويات السلوكية "للمواطن الصالح" التى نأمل فى أن يتميز بها المصريون لكى يصبحوا مشاركين لا متفرحين وتتسق مع ثقافتنا وقيمنا وشخصيتنا .
· وضع خطة قومية شاملة بأهداف محددة ومؤقتة توقيتا واقعيا يأخذ فى الحسبان الإمكانات المتاحة وتلك التى ينبغى توافرها على المدى الطويل ، وتحديد الأدوار المختلفة لكل وزارة معنية ومسئوليتها فى تحقيق تلك الأهداف ، وتضمينها أهداف كل وزارة لتصبح "ثقافة قومية عامة" تتبناها الوزارات والمدارس والجامعات والنقابات العمالية والاتحادات النوعية ومنظمات المجتمع المدنى ورجال الأعمال .
· وضع آليات التنفيذ والمتابعة ومراقبة التنفيذ لاتخاذ القرارات التصحيحية المناسبة فى الوقت المناسب لتفعيل التنفيذ .كذلك متابعة التجارب العالمية فى التنمية البشرية والقيم المضافة التى يمكن عن طريقها إعلاء قيمة الفرد المنتج وصقل شخصيته وضمان ولائه وانتمائه وإيمانه بقضايا بلده ومشاركته بفهم ووعى فى نهضتها .
· تنظيم الحملات الإعلامية فى كافة وسائل الإعلام المنشور والمرئى ، وعقد الندوات ، وحلقات المناقشة لنشر الخطة القومية لتطوير الموارد البشرية ومناقشتها ، وخلق "مرجعية" تضم المتخصصين فى كل عنصر من عناصر الخطة يلجأ إليها عند الحاجة.
· وضع خطة قومية للتدريب الفنى والإدارى للمستويات المختلفة للمواطنين وأصحاب الأعمال الصغيرة على وجه الخصوص ، ومداومة الاستثمار فى التدريب لرفع مستوى العاملين بما يعود عليهم وعلى الاقتصاد القومى بالعائد المجزى الذى يعوض ماتم انفاقه على التدريب .
· التفكير الابتكارى فيما يختص بمشاكل التنمية البشرية وأولها الأمية التى تقف عائقا أمام كل جهود التنمية والمشاركة والتمكين واستخدام التكنولوجيا ، وكلها قواعد راسخة للتنمية الحقيقية فى أى مجتمع وحتى لانضع العربة أمام الحصان فنسعى لإنشاء الحكومة الإلكترونية قبل أن نعد الإنسان الذى يستوعبها ويتعامل معها.
· تفعيل دور المجتمع المدنى ، واعتباره قاطرة التنمية الإنسانية لارتباطه بالقواعد الشعبية فى كل مجالاتها ، وقدرته على التأثير فى المجتمعات التى يخدمها ، وتوافر إمكانيات اكتشافه للمواهب القيادية بين المستفيدين من خدماته للقيام بدور فى نشر ثقافة "رفع جودة الإنسان" فى مصر.
· تنمية قدرات الخلق والابتكار عن طريق طرح منهجى لمشاكل المجتمع ، وتشجيع الناس فى كل مؤسسة أو مدرسة أو جامعة أو حى على مناقشة المشاكل وتحليلها ووضع الحلول العملية التى تضمن حلها بمشاركة ايجابية منهم والتزام بمنهج يضمن عدم تكرار المشاكل وتجنب حدوثها .
ولعلى لاأبالغ إذا قلت أن جميع الدول العربية وليس مصر وحدها فى أمس الحاجة إلى مثل تلك الوزارة. وأى قراءة سريعة لتقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة كفيلة بإظهار مدى الفجوة الواسعة بين ماينبغى أن يكون عليه حال الناس وماهو كائن بالفعل فى أوطاننا. وتلك قصة أخرى.

No comments: