أصبحت لاأقوى على النظر فى صور طوابير الخبز، ولا قراءة أخبار الضحايا الذين يتساقطون قتلى وهم يتصارعون على الحصول على بضعة أرغفة تسد الرمق وتخرس صياح الجوع ولو إلى حين، وأحاول أن أهرب من صورة ذهنية لاتفارقنى : كيف يفسر الناس فى مصر وخارجها ماتبثه الفضائيات والصحف بهذا الِشأن. هل هذه هى مصر التى كانت سلة الطعام للإمبراطورية الرومانية؟ هل هذه هى مصر التى كانت أغنى الدول العربية ، تمدها بالمعونات المالية والخبرات الفنية من ميزانيتها حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضى؟ هل أصبحنا على أبواب مجاعة ننضم بها إلى دول إفريقيا التى عصفت بها الحروب الأهلية وقلة الموارد وغاب فيها دور الدولة وأصبحت يحكمها عصابات تفرض سيطرتها ونفوذها لخدمة مصالحها ؟
الذى يعذبنى أكثر أن الحكومة لاهية عن إيجاد الحلول الجذرية للمشكلة، وتحاول أن تلجأ إلى حلول عاجلة تعالج العرض وليس المرض. تحاول الحكومة أن توحى بأن "كارثة" نقص الخبز – وليس أزمة كما يسمونها – سببها سوء سلوك الناس الذين يحتاجون إلى ضبط سلوكهم، وإلى كثرة لصوص الدقيق، ناسين إنه بفرض ذلك أن الدولة مسئولة فى كل الأحوال أن تدير الكارثة باعتبارها أولوية ملحة وقضية أمن قومى بالدرجة الأولى . تلك الكارثة تحتاج إلى تفكير ابتكارى غير نمطى، ويحتاج لقادة تغيير أقوياء ومدربين على إدارة الكوارث حتى لو كانوا من خارج الوزارة. إن الحلول الأمنية والعسكرية مهما كانت كفاءتها فإنها حلول قصيرة المدى وليست حلولا استراتيجية تضع أهدافا مستقبلية تضمن عدم تكرار مايحدث. ولأفكار التى سوف أطرحها هنا قد تبدو غريبة للبعض ، ولكنها محاولة للمساهمة بالرأى الذى يمكن أن يتحول بالمناقشة إلى خطة استراتيجية يجتمع عليها الخبراء ليحولوها إلى خطة تنفيذية تحول الفكرة إلى واقع عملى قابل للتطبيق. وسوف أحاول هنا أن أضرب أكثر من عصفور بحجر واحد قبل أن تختفى الحجارة من الشارع ، وتباع فى السوق السوداء لمن يريد مثلى أن يصطاد بها العصافير يستعيض بها عن الدجاج الذى أصبح ينافس اللحوم فى أسعارها.. وأقصد بها لحوم البقر والجاموس ، أما لحوم الحمير والكلاب فهى لازالت متوافرة والحمد لله الذى يعلم وحده كمية ماتم استهلاكه منها فى بطون الفقراء البسطاء من الناس المعدمين فى بلدى.
تبدأ الأفكار التى أطرحها هنا بتساؤلات بسيطة تصلح لأن تكون قاعدة ومنهجا للعمل فى تطوير خطة أستراتيجية تقضى على كارثتين تواجههما مصر حاليا، وهما كارثة البطالة وكارثة نقص الخبز :
· هل يعقل أن يتحول الفلاح إلى مستهلك للخبر والبيض، يشترى احتياجاته منها بعد أن كان ينتج مايكفيه ويبيع الباقى فى سوق المدينة لكى يضيف إلى دخله مايعينه على مواجهة أعباء الحياه إلى جانب فلاحته للأرض ؟ لماذا لانبحث الوسائل التى تشجع الفلاح على أن يكتفى ذاتيا على الأقل من حاجته وحاجة أسرته من الخبز؟
· يتبع ذلك إعادة النظر فى أعداد بوابى العمارات الذين نزحوا من الريف وصعيد مصر لكى يعملوا فى المدن الكبرى ، وبتركيز شديد على القاهرة والأسكندرية. وغالبا مايبدأ هؤلاء عملهم بأسرة صغيرة من الزوج والزوجة يزيد عددها إلى خمسة فى المتوسط خلال أعوام قليلة ويزيد بهذا عدد المستهلكين فى كل مدينة، ويزداد الضغط على المرافق بما يفوق بكثير قدرتها على الاحتمال. هؤلاء تؤمن لهم دخولهم مع السكن المجانى والمساعدات المجانية التى يتلقونها ممن يخدمونهم إلى التطلع لبناء منازل بقراهم لكى يصبحوا هم أنفسهم ملاكا. أى أن معظمهم لهم مساكن قاموا ببنائها بمجهودهم ، ويمكن لهم أن يعمروها لو عادوا من حيث أتوا.
· هل أدعو هنا إلى إلغاء وظيفة البواب أو حارس العقار؟ طبعا لا، وإنما أدعو إلى أن يحل محلهم شباب الخريجين الذين لايجدون عملا، ولايأنفون من أداء عمل شريف يدر عليهم دخلا يضمن لهم عيشة كريمة (متوسط دخل أى بواب فى مصر يزيد عن 1000 جنيه شهريا لو أخذنا فى الاعتبار أتعابه عن تنظيف السيارات والإكراميات والمنح والمساعدات المالية والعينية من سكان أو ملاك العقارات). إن هذا لو حدث فسوف نحل تدريجيا كارثة البطالة ، ونغير الثقافة المجتمعية فى أداء المهن التى يحتاجها المجتمع وتدر دخلا كريما على الخريج وتضمن له سكنا مجانيا له ولأسرته الصغيرة فى العقارات التى سيقومون بحراستها.
· ثم لماذا لاتكثر الحكومة من المراكز المجانية فى كل الأحياء لتعليم الحرف للخريجين الراغبين فى ممارسة مهن شريفة مثل السباكة والنقاشة والنجارة والصناعات الجلدية، ويقدم الصندوق الاجتماعى لهم قروضا حسنة ميسرة تعينهم على بدء مشروعات فردية أو جماعية مما يرفع من مستوى المهن من جهة، ويسهم فى القضاء على البقية الباقية ممن يبحثون عن وظيفة حكومية لم تعد بالقطع تكفى لشراء العيش المدعم، ناهيك عن العيش المميز الذى اصبح بعيدا حتى عن متناول الطبقة الوسطى التى تآكلت وأصبحت بسبيلها التلاشى إلى الأبد دون رجعة على الرغم من كونها العمود الفقرى لأى مجتمع مستقر، ورمانة الميزان فى السلام الاجتماعى.
· وماذا عن شباب المجندين من الفلاحين واهل الصعيد الذين يزيدون عن حاجة القوات المسلحة فيلحقوا خلال فترة تجنيدهم بإدارت المرور؟ هؤلاء جميعهم فلاحون كانوا يزرعون الأرض فأصبحوا مهاجرين إلى المدينة وبالقطع سوف لايعودون إلى قراهم بعد قضاء فترة تجنيدهم ، بل سوف ينضمون إلى طابور المستهلكين فى المدن الملحقين بها. لماذا لانبحث أن يقضوا فترة تجنيدهم فى قراهم يزرعون الأرض وينتجون مايكفيهم ويكفى أسرهم من الحاجات الضرورية الأساسية؟
أعلم أن ماأطرحه هنا ليس مألوفا، ولكن، هل تحتمل الكوارث التى نعانى منها أن نفكر بالطرق التقليدية المعتادة فى تسكين الأزمات وتجاهل مقدمات الكوارث الواضحة الجلية، والتى أرجو قبل غيرى أن يجنبا شرها ؟ الأزمات والكوارث تحتاج إلى المواجهة وإلى الحلول الثورية الجذرية، ومشاكل مصر أصبحت مزمنة لاتنفع معها المسكنات ولكنها ليست مستعصية على الحل ، وربما لو نجحنا مرة فى معالجة كارثة أن نلتفت إلى كارثة أخرى تهدد حركة الحياة فى مصر بالشلل وأعنى بها كارثة المرور. ولكن تلك قصة أخرى.
الذى يعذبنى أكثر أن الحكومة لاهية عن إيجاد الحلول الجذرية للمشكلة، وتحاول أن تلجأ إلى حلول عاجلة تعالج العرض وليس المرض. تحاول الحكومة أن توحى بأن "كارثة" نقص الخبز – وليس أزمة كما يسمونها – سببها سوء سلوك الناس الذين يحتاجون إلى ضبط سلوكهم، وإلى كثرة لصوص الدقيق، ناسين إنه بفرض ذلك أن الدولة مسئولة فى كل الأحوال أن تدير الكارثة باعتبارها أولوية ملحة وقضية أمن قومى بالدرجة الأولى . تلك الكارثة تحتاج إلى تفكير ابتكارى غير نمطى، ويحتاج لقادة تغيير أقوياء ومدربين على إدارة الكوارث حتى لو كانوا من خارج الوزارة. إن الحلول الأمنية والعسكرية مهما كانت كفاءتها فإنها حلول قصيرة المدى وليست حلولا استراتيجية تضع أهدافا مستقبلية تضمن عدم تكرار مايحدث. ولأفكار التى سوف أطرحها هنا قد تبدو غريبة للبعض ، ولكنها محاولة للمساهمة بالرأى الذى يمكن أن يتحول بالمناقشة إلى خطة استراتيجية يجتمع عليها الخبراء ليحولوها إلى خطة تنفيذية تحول الفكرة إلى واقع عملى قابل للتطبيق. وسوف أحاول هنا أن أضرب أكثر من عصفور بحجر واحد قبل أن تختفى الحجارة من الشارع ، وتباع فى السوق السوداء لمن يريد مثلى أن يصطاد بها العصافير يستعيض بها عن الدجاج الذى أصبح ينافس اللحوم فى أسعارها.. وأقصد بها لحوم البقر والجاموس ، أما لحوم الحمير والكلاب فهى لازالت متوافرة والحمد لله الذى يعلم وحده كمية ماتم استهلاكه منها فى بطون الفقراء البسطاء من الناس المعدمين فى بلدى.
تبدأ الأفكار التى أطرحها هنا بتساؤلات بسيطة تصلح لأن تكون قاعدة ومنهجا للعمل فى تطوير خطة أستراتيجية تقضى على كارثتين تواجههما مصر حاليا، وهما كارثة البطالة وكارثة نقص الخبز :
· هل يعقل أن يتحول الفلاح إلى مستهلك للخبر والبيض، يشترى احتياجاته منها بعد أن كان ينتج مايكفيه ويبيع الباقى فى سوق المدينة لكى يضيف إلى دخله مايعينه على مواجهة أعباء الحياه إلى جانب فلاحته للأرض ؟ لماذا لانبحث الوسائل التى تشجع الفلاح على أن يكتفى ذاتيا على الأقل من حاجته وحاجة أسرته من الخبز؟
· يتبع ذلك إعادة النظر فى أعداد بوابى العمارات الذين نزحوا من الريف وصعيد مصر لكى يعملوا فى المدن الكبرى ، وبتركيز شديد على القاهرة والأسكندرية. وغالبا مايبدأ هؤلاء عملهم بأسرة صغيرة من الزوج والزوجة يزيد عددها إلى خمسة فى المتوسط خلال أعوام قليلة ويزيد بهذا عدد المستهلكين فى كل مدينة، ويزداد الضغط على المرافق بما يفوق بكثير قدرتها على الاحتمال. هؤلاء تؤمن لهم دخولهم مع السكن المجانى والمساعدات المجانية التى يتلقونها ممن يخدمونهم إلى التطلع لبناء منازل بقراهم لكى يصبحوا هم أنفسهم ملاكا. أى أن معظمهم لهم مساكن قاموا ببنائها بمجهودهم ، ويمكن لهم أن يعمروها لو عادوا من حيث أتوا.
· هل أدعو هنا إلى إلغاء وظيفة البواب أو حارس العقار؟ طبعا لا، وإنما أدعو إلى أن يحل محلهم شباب الخريجين الذين لايجدون عملا، ولايأنفون من أداء عمل شريف يدر عليهم دخلا يضمن لهم عيشة كريمة (متوسط دخل أى بواب فى مصر يزيد عن 1000 جنيه شهريا لو أخذنا فى الاعتبار أتعابه عن تنظيف السيارات والإكراميات والمنح والمساعدات المالية والعينية من سكان أو ملاك العقارات). إن هذا لو حدث فسوف نحل تدريجيا كارثة البطالة ، ونغير الثقافة المجتمعية فى أداء المهن التى يحتاجها المجتمع وتدر دخلا كريما على الخريج وتضمن له سكنا مجانيا له ولأسرته الصغيرة فى العقارات التى سيقومون بحراستها.
· ثم لماذا لاتكثر الحكومة من المراكز المجانية فى كل الأحياء لتعليم الحرف للخريجين الراغبين فى ممارسة مهن شريفة مثل السباكة والنقاشة والنجارة والصناعات الجلدية، ويقدم الصندوق الاجتماعى لهم قروضا حسنة ميسرة تعينهم على بدء مشروعات فردية أو جماعية مما يرفع من مستوى المهن من جهة، ويسهم فى القضاء على البقية الباقية ممن يبحثون عن وظيفة حكومية لم تعد بالقطع تكفى لشراء العيش المدعم، ناهيك عن العيش المميز الذى اصبح بعيدا حتى عن متناول الطبقة الوسطى التى تآكلت وأصبحت بسبيلها التلاشى إلى الأبد دون رجعة على الرغم من كونها العمود الفقرى لأى مجتمع مستقر، ورمانة الميزان فى السلام الاجتماعى.
· وماذا عن شباب المجندين من الفلاحين واهل الصعيد الذين يزيدون عن حاجة القوات المسلحة فيلحقوا خلال فترة تجنيدهم بإدارت المرور؟ هؤلاء جميعهم فلاحون كانوا يزرعون الأرض فأصبحوا مهاجرين إلى المدينة وبالقطع سوف لايعودون إلى قراهم بعد قضاء فترة تجنيدهم ، بل سوف ينضمون إلى طابور المستهلكين فى المدن الملحقين بها. لماذا لانبحث أن يقضوا فترة تجنيدهم فى قراهم يزرعون الأرض وينتجون مايكفيهم ويكفى أسرهم من الحاجات الضرورية الأساسية؟
أعلم أن ماأطرحه هنا ليس مألوفا، ولكن، هل تحتمل الكوارث التى نعانى منها أن نفكر بالطرق التقليدية المعتادة فى تسكين الأزمات وتجاهل مقدمات الكوارث الواضحة الجلية، والتى أرجو قبل غيرى أن يجنبا شرها ؟ الأزمات والكوارث تحتاج إلى المواجهة وإلى الحلول الثورية الجذرية، ومشاكل مصر أصبحت مزمنة لاتنفع معها المسكنات ولكنها ليست مستعصية على الحل ، وربما لو نجحنا مرة فى معالجة كارثة أن نلتفت إلى كارثة أخرى تهدد حركة الحياة فى مصر بالشلل وأعنى بها كارثة المرور. ولكن تلك قصة أخرى.
No comments:
Post a Comment