جزء كبير من الطاقة المجتمعية تضيع فى جهود متفرقة تدعو للإصلاح، أو تحاول أن تحدث تغييرا فى السلوك الجمعى العام . ولاأدرى لماذا لم أستطع مقاومة إغراء أن أؤصل لهذا السلوك فى محاولة لرسم خريطة طريق لمزيد من التفكير الإيجابى الذى بدت ظواهره فى اجتماع أصحاب المصلحة على اختلاف فئاتهم على إسماع أصواتهم للمسئولين ، والدفاع عن حقوقهم بالطرق المشروعة ، والإصرار على نيل تلك الحقوق وعدم الاستكانة للمسكنات التى تلجأ إليها الحكومة لكى تسوف أو تكسب الوقت لكى تموت المشاكل موتا طبيعيا بفعل الزمن والنسيان . ولعل الوقفة الجادة التى يقفها أبناء دمياط بكافة طوائفهم ، يساندهم محافظ الإقليم وقلة من أعضاء مجلس الشعب من إنشاء مصنع "أجريوم" للكيماويات تعد مدخلا جيدا لما أحاول أن أناقشه. ولن أفيض هنا فى سلامة موقف أهل دمياط وشجاعتهم فى الدفاع عن حقهم وحق المحافظات المتاخمة لهم كالمنصورة فى بيئة نظيفة وصحية لهم ولأولادهم ، ولا وطنيتهم فى الذود عن مصادر الثروة الطبيعية التى حبا الله بها محافظتهم فقد سبقنى الكثيرون الذين أضم صوتى إلى أصوتهم جميعا، ولكنى سوف آخذ مايحدث كمثال يوضح الفرق بين الطريقة التى تنتهجها حكوماتنا فى تناول أخطر المسائل التى تمس حياة الناس وصحتهم، والطريقة التى تتبعها الحكومات الديمقراطية فى الخارج التى تهاب الرأى العام والقوى الشعبية وتحالفها فى تناول نفس المسائل. الحكومات هناك تخشى أن يطاح بها استجابة لرأى الناس فيها، وعندنا يبدو أنهم يزدادون قوة كلما زاد سخط الناس عليهم .
قوة المجتمع المدنى هى كلمة السر فى إحداث أى تغيير مجتمعى يقوده المجتمع وأصحاب المصلحة فيه، وهذا بالضبط مايميز المجتمعات بالخارج عنا هنا. ولنأخذ لذلك مثلا واحدا يوضح قوة المجتمع المدنى. فى أمستردام عاصمة هولندا يوجد حاليا مقر منظمة "السلام الأخضر Green Peace" العالمية والتى تأسست عام 1971 من نشطاء يدافعون عن البيئة فى فانكوفر وكولمبيا البريطانية وكندا لكى تناهض التجارب النووية التى كانت تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية فى ألاسكا. أما الآن بعد أن اتسع نشاطها ليشمل الوقوف فى وجه كل مايضر البيئة برا وبحرا وجوا فإن لها مكاتب وممثلين فى أكثر من 42 دولة حول العالم. هذه الجمعية الأهلية التى بدأت بأفراد معدودين منذ مايقرب من سبعة وعشرين عاما أصبح لها الآن أكثر من 8ر2 مليون جهة وشخص من كل الجنسيات يدعمونها ماليا لإمدادها بالإمكانات والموارد اللازمة لكى تواصل رسالتها النبيلة فى حماية البيئة والدفاع عن الموارد والثروات الطبيعية التى تحفظ للإنسان صحته وتمده بغذاء نظيف ومنتجات زراعية وفواكه غير مهجنة تدمر خلايا جسده وتعجل بموته ودمار كوكب الأرض . هذه المنظمة التى أصبحت كيانا عملاقا مؤثرااستطاعت منفردة وبفضل أعضائها ومؤيديها أن توقف آلاف الانتهاكات من شركات عملاقة تتحصن بقوة النفوذ والمال لكى تقضى على الثروات الطبيعية أو تلوثها لكى تستخرج منها مكونات الإنتاج التى تحتاجها لتكسب من وراءها المليارات. وقفت هذه المنظمة أمام شركات عملاقة عاالمية ومتعددة الجنسيات تعمل مجالات أعمال الحفر والتنفيب فى أعماق البحار، أو فى قطع أخشاب الغابات أو التى تهدد السلالات المنقرضة من الحيوانات، أو شركات الكيماويات والأسمنت التى تلوث البيئة وتنشر أمراض الموت بالتساوى بين الناس. والسلاح الذى تستخدمه تلك المنظمة بسيط ولكنه فعال حيث تطلب من أعضائها الذين يعدون بمئات الملايين كما قلنا ان يقاطعوا الشركات التى لاتستجيب لندائها السلمى بالتوقف عن ممارساتها لتلويث البيئة مما يكبد تلك الشركات خسائر متزايدة لاتستطيع تحملها على المدى الطويل فتخضع للضغط الشعبى وتوائم بين احتياجاتها الطبيعية وبين بدائل أخرى تحظى بتأييد الناس فى الأسواق التى توزع أنتاجها فيها. ويساند جهد هذه المنظمة جهودا أعلامية جبارة تحرض المستهلكين على مقاطعتها مما يضمن الاستجابة الواسعة لأى حملة منظمة ترتبها لهذا الغرض.
أما عندنا فلدينا أكثر من ...ر18 جمعية أهلية مرخصة لانسمع عن نشاط عدد قليل منها شيئا يذكر وكأنها غير موجودة على الإطلاق. وعلى الرغم من أن إجمالى عدد منظمات المجتمع المدنى العاملة فى المجال الدولى لاتزيد عن 40 ألف فإن السمة الغالبة فى الدول النامية هى أن اعداد تلك المنظمات بها يفوق هذا العدد بكثير ( فى الهند مابين مليون إلى 2 مليون، وفى روسيا أكثر من 400 ألف) السؤال الهام الآن – بعد أن حسم أهالى دمياط القضية لصالحهم ولو مؤقتا – هو : أين منظمات المجتمع المدنى غير الحكومية من بين هذا العدد الهائل من الجمعيات الأهلية فى بلدنا ، ولماذا تركوا أهل دمياط يقفون وحدهم فى مواجهة سطوة الحكومة وأجهزتها فى مصر، وسطوة رأس المال والدفاع عن مصالح الشركات العالمية والمتعددة الجنسيات فى الخارج ؟ لابد أنها " ثقافة السندوتش" كما أسميها، تلك الثقافة التى أعتقد أنها وراء " جينات السلبية والأنانية " فى الشخصية المصرية والتى تجعلنا أحيانا لانتحرك إلا إذا كان هناك ضرر محتمل أو خطر مباشر سوف يقع علينا دون النظر إلى الخطر الكلى الذى يمكن أن يستشرى فى جسم الأمة بالتدريج فيضعفه ويهد كيانه. ثقافة السندوتش هذه تربى عليها ولايزال أجيال عديدة من المصريين ، رضعوها مع سنوات الإدراك الأولى وتتمثل فى الوصايا العشر التى يتلقاها الطالب الصغير قبل ذهابه إلى المدرسة كل صباح ويدور معظمها على الحفاظ على السندوتش وأن يأكله منفردا، وأن " يكون فى حاله " لايعبأ بما يدور حوله ولايشارك فيه. يتعلم الطالب أن يعيش فى جزيرة منعزله يهتم فقط بذاته، ويدافع فقط عن أغلى الأصول فى شنطة المدرسة وهو السندوتش. بل إن الطالب حين يعود من المدرسة آخر اليوم يكون عليه أن يقدم تقريرا وافيا عما حدث للسندوتش قبل أن يسأله أحد – بفرض أن أحدا سوف يسأله – عن مستوى أدائه فى المدرسة. طبيعى بعد ذلك أن نهتم بنظافة منازلنا من الداخل ولانهتم بنظافة الشارع، وطبيعى أن يمتد هذا التجاهل أحيانا لما يحدث حولنا ليشمل الوطن كله . ولو تعمقنا أكثر لاكتشفنا أن ثورة يوليو قد سعت – حتى دون أن تدرى – إلى تأصيل تلك الثقافة رغبة منها فى " تحييد" الشعب وتهميش دوره فيما يجرى من سياسات. غسلت أدمغة الناس بأن عليهم فقط أن ينشغلوا بأمور دنياهم الخاصة ، ولايكن لهم بعد ذلك أى دور سياسى أو ثقافى أو اقتصادى خاص مادامت الدولة سوف تقوم عنهم بكل ذلك وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية التى ينبغى أن تكون هى همهم الأول والأخير. ولعل ذلك يفسر الصحوة والحراك الاجتماعى الملحوظ لفئات الشعب على اختلاف طوائفة مطالبة بحقوقهم ودفاعا عن حقهم فى حياة كريمة آمنة. ترى هل يمكن أن تكون الوقفة المتحضرة المنظمة لأهالى دمياط بداية لعمل أهلى منظم يبشر بظهور كيانات أهلية عملاقة تنبع من حاجات الناس إلى أطر تجمعهم وتعبر عن رأيهم وتشكل قوى ضغط على صناع القرار يعملون حسابها قبل اتخاذ القرارات المصيرية التى تمس حياتهم وتجبرهم على التفاوض معها للوصول إلى حلول عملية يرضى عنها أصحاب المصلحة الأولى فى تحقيق السلامة والأمن والأمان على الأرض التى اختاروها وطنا لهم. إن على الناس أن تدرك أن التهاون فى الدفاع عن البيئة ضمن أشياء أخرى بالطبع هو من أهم الأسباب التى تشجع الطامعين فى تحقيق كسب سريع دون التزام بالحفاظ على البيئة فتصبح بلدنا بالتدريج مقلبا رخيصا للنفايات بأنواعها المختلفة. فليذهب الاستثمار الغير ملتزم إلى الجحيم فإن مليارات الدولارات التى نطمع فيها لايمكن أن تعوض المخاطر التى يتعرض لها الأجيال المتعاقبة من الناس لو وقعوا للشيطان على بياض أن يعبث بأرواحهم.
قوة المجتمع المدنى هى كلمة السر فى إحداث أى تغيير مجتمعى يقوده المجتمع وأصحاب المصلحة فيه، وهذا بالضبط مايميز المجتمعات بالخارج عنا هنا. ولنأخذ لذلك مثلا واحدا يوضح قوة المجتمع المدنى. فى أمستردام عاصمة هولندا يوجد حاليا مقر منظمة "السلام الأخضر Green Peace" العالمية والتى تأسست عام 1971 من نشطاء يدافعون عن البيئة فى فانكوفر وكولمبيا البريطانية وكندا لكى تناهض التجارب النووية التى كانت تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية فى ألاسكا. أما الآن بعد أن اتسع نشاطها ليشمل الوقوف فى وجه كل مايضر البيئة برا وبحرا وجوا فإن لها مكاتب وممثلين فى أكثر من 42 دولة حول العالم. هذه الجمعية الأهلية التى بدأت بأفراد معدودين منذ مايقرب من سبعة وعشرين عاما أصبح لها الآن أكثر من 8ر2 مليون جهة وشخص من كل الجنسيات يدعمونها ماليا لإمدادها بالإمكانات والموارد اللازمة لكى تواصل رسالتها النبيلة فى حماية البيئة والدفاع عن الموارد والثروات الطبيعية التى تحفظ للإنسان صحته وتمده بغذاء نظيف ومنتجات زراعية وفواكه غير مهجنة تدمر خلايا جسده وتعجل بموته ودمار كوكب الأرض . هذه المنظمة التى أصبحت كيانا عملاقا مؤثرااستطاعت منفردة وبفضل أعضائها ومؤيديها أن توقف آلاف الانتهاكات من شركات عملاقة تتحصن بقوة النفوذ والمال لكى تقضى على الثروات الطبيعية أو تلوثها لكى تستخرج منها مكونات الإنتاج التى تحتاجها لتكسب من وراءها المليارات. وقفت هذه المنظمة أمام شركات عملاقة عاالمية ومتعددة الجنسيات تعمل مجالات أعمال الحفر والتنفيب فى أعماق البحار، أو فى قطع أخشاب الغابات أو التى تهدد السلالات المنقرضة من الحيوانات، أو شركات الكيماويات والأسمنت التى تلوث البيئة وتنشر أمراض الموت بالتساوى بين الناس. والسلاح الذى تستخدمه تلك المنظمة بسيط ولكنه فعال حيث تطلب من أعضائها الذين يعدون بمئات الملايين كما قلنا ان يقاطعوا الشركات التى لاتستجيب لندائها السلمى بالتوقف عن ممارساتها لتلويث البيئة مما يكبد تلك الشركات خسائر متزايدة لاتستطيع تحملها على المدى الطويل فتخضع للضغط الشعبى وتوائم بين احتياجاتها الطبيعية وبين بدائل أخرى تحظى بتأييد الناس فى الأسواق التى توزع أنتاجها فيها. ويساند جهد هذه المنظمة جهودا أعلامية جبارة تحرض المستهلكين على مقاطعتها مما يضمن الاستجابة الواسعة لأى حملة منظمة ترتبها لهذا الغرض.
أما عندنا فلدينا أكثر من ...ر18 جمعية أهلية مرخصة لانسمع عن نشاط عدد قليل منها شيئا يذكر وكأنها غير موجودة على الإطلاق. وعلى الرغم من أن إجمالى عدد منظمات المجتمع المدنى العاملة فى المجال الدولى لاتزيد عن 40 ألف فإن السمة الغالبة فى الدول النامية هى أن اعداد تلك المنظمات بها يفوق هذا العدد بكثير ( فى الهند مابين مليون إلى 2 مليون، وفى روسيا أكثر من 400 ألف) السؤال الهام الآن – بعد أن حسم أهالى دمياط القضية لصالحهم ولو مؤقتا – هو : أين منظمات المجتمع المدنى غير الحكومية من بين هذا العدد الهائل من الجمعيات الأهلية فى بلدنا ، ولماذا تركوا أهل دمياط يقفون وحدهم فى مواجهة سطوة الحكومة وأجهزتها فى مصر، وسطوة رأس المال والدفاع عن مصالح الشركات العالمية والمتعددة الجنسيات فى الخارج ؟ لابد أنها " ثقافة السندوتش" كما أسميها، تلك الثقافة التى أعتقد أنها وراء " جينات السلبية والأنانية " فى الشخصية المصرية والتى تجعلنا أحيانا لانتحرك إلا إذا كان هناك ضرر محتمل أو خطر مباشر سوف يقع علينا دون النظر إلى الخطر الكلى الذى يمكن أن يستشرى فى جسم الأمة بالتدريج فيضعفه ويهد كيانه. ثقافة السندوتش هذه تربى عليها ولايزال أجيال عديدة من المصريين ، رضعوها مع سنوات الإدراك الأولى وتتمثل فى الوصايا العشر التى يتلقاها الطالب الصغير قبل ذهابه إلى المدرسة كل صباح ويدور معظمها على الحفاظ على السندوتش وأن يأكله منفردا، وأن " يكون فى حاله " لايعبأ بما يدور حوله ولايشارك فيه. يتعلم الطالب أن يعيش فى جزيرة منعزله يهتم فقط بذاته، ويدافع فقط عن أغلى الأصول فى شنطة المدرسة وهو السندوتش. بل إن الطالب حين يعود من المدرسة آخر اليوم يكون عليه أن يقدم تقريرا وافيا عما حدث للسندوتش قبل أن يسأله أحد – بفرض أن أحدا سوف يسأله – عن مستوى أدائه فى المدرسة. طبيعى بعد ذلك أن نهتم بنظافة منازلنا من الداخل ولانهتم بنظافة الشارع، وطبيعى أن يمتد هذا التجاهل أحيانا لما يحدث حولنا ليشمل الوطن كله . ولو تعمقنا أكثر لاكتشفنا أن ثورة يوليو قد سعت – حتى دون أن تدرى – إلى تأصيل تلك الثقافة رغبة منها فى " تحييد" الشعب وتهميش دوره فيما يجرى من سياسات. غسلت أدمغة الناس بأن عليهم فقط أن ينشغلوا بأمور دنياهم الخاصة ، ولايكن لهم بعد ذلك أى دور سياسى أو ثقافى أو اقتصادى خاص مادامت الدولة سوف تقوم عنهم بكل ذلك وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية التى ينبغى أن تكون هى همهم الأول والأخير. ولعل ذلك يفسر الصحوة والحراك الاجتماعى الملحوظ لفئات الشعب على اختلاف طوائفة مطالبة بحقوقهم ودفاعا عن حقهم فى حياة كريمة آمنة. ترى هل يمكن أن تكون الوقفة المتحضرة المنظمة لأهالى دمياط بداية لعمل أهلى منظم يبشر بظهور كيانات أهلية عملاقة تنبع من حاجات الناس إلى أطر تجمعهم وتعبر عن رأيهم وتشكل قوى ضغط على صناع القرار يعملون حسابها قبل اتخاذ القرارات المصيرية التى تمس حياتهم وتجبرهم على التفاوض معها للوصول إلى حلول عملية يرضى عنها أصحاب المصلحة الأولى فى تحقيق السلامة والأمن والأمان على الأرض التى اختاروها وطنا لهم. إن على الناس أن تدرك أن التهاون فى الدفاع عن البيئة ضمن أشياء أخرى بالطبع هو من أهم الأسباب التى تشجع الطامعين فى تحقيق كسب سريع دون التزام بالحفاظ على البيئة فتصبح بلدنا بالتدريج مقلبا رخيصا للنفايات بأنواعها المختلفة. فليذهب الاستثمار الغير ملتزم إلى الجحيم فإن مليارات الدولارات التى نطمع فيها لايمكن أن تعوض المخاطر التى يتعرض لها الأجيال المتعاقبة من الناس لو وقعوا للشيطان على بياض أن يعبث بأرواحهم.
No comments:
Post a Comment