Monday, September 29, 2008

لقطات بعيون مدير رحالة

أنتمى إلى مدرسة تؤمن وتدعو إلى أن تعلم الإدارة عملية دائمة لاتتوقف عند دراسة علم الإدارة وإنما تتجاوز ذلك بالملاحظة لما يدور حولنا من تعاملات يومية فى المنزل والشارع ومكان العمل. إلإدارة عندى علم لاينفصل عن الواقع من أول " إدارة الذات " حيث يمكن لكل منا أن يكتشف قدراته ويخطط لكى يزيد من تلك القدرات لكى يزيد فرصه فى تحقيق أهدافه فى الحياة، إلى " إدارة الموارد المتاحة " وإعلاء قيمتها لكى تحقق أعلى عائد ممكن لو أحسن استغلالها على المستويين الشخصى والمهنى . لذلك فإنى حين أسير فى الشارع أو أسافر فى مهمة أو أحتك بجهة ما لإنهاء مصلحة أو أشارك فريق عمل فى مشروع من المشروعات أتحول كلى إلى كاميرا لاقطة لكل مايدور حولى ، ويتحول عقلى إلى مصنع يعمل بكامل طاقته لكى "يشغل" ماأرى وماأسمع إلى معان محددة تفسر بوضوح سلوك ومواقف الناس . ولطالما نصحت طلابى بالاستشهاد بأمثلة واقعية نابعة من خبراتهم الشخصية فى التعبير عن وجهة نظرهم باعتبار أن ذلك تثبيت للمعلومات النظرية التى يتلقونها فى قاعات الدرس. وليسمح لى القارئ أن أشاركه بعضا من المواقف ذات الدلالة التى نصادفها فى حياتنا اليومية، والتى لو توقفنا عندها بالتحليل البسيط لانقلبت إلى دروس واقعية فى حسن الإدارة أو سوء الإدارة :

· يطل منزلى على مستشفى القوات المسلحة بالمعادى وبينهما شارع بعرض 30 مترا، وقد اشتهرت لدى مطافى المنطقة وإدارة المستشفى لكثرة إبلاغى عن الحرائق التى كانت تشتعل بين الحين والآخر فى البوص الذى كان يغطى مساحة كبيرة مهملة خلف المستشفى. لم أكتفى بالطبع أن أطالب أو أشكو بل أردت أن أضرب مثلا فى الإيجابية والحفاظ على البيئة فقمت بشراء ستة أشجار كبيرة على نفقتى الخاصة تمت زراعتها فى الشارع خلف سور المستشفى بالإضافة إلى أشجار الشارع المعتادة. ولقد ظللت ألح – بحكم التخصص – على إدارة المستشفى لاستغلال تلك المساحة المهدرة بلا عائد، وكم أسعدنى أنه منذ سنوات تم تخطيط المنطقة وزراعتها بشكل جميل يليق بالمستشفى ومكانته، حتى فوجئت أخيرا بأحد الجنود يصاحبه إثنين من الجناينية يقطعون الأشجار تنفيذا لأوامر تلقوها . ولما سألنا عن السبب قيل لنا حتى لاتستغل الأشجار فى الدخول إلى المستشفى أو الخروج منه بطرق غير مشروعة. والسؤال هو مادخل قطع الأشجار بتأمين سور المستشفى الذى تحيط به الأبراج السكنية من كل جانب ؟ السور يحتاج إلى حراسة إذا كان فعلا يمثل تهديدا للأمن أما قطع الأشجار فلايمكن أن يؤدى إلى تأمين المستشفى بأى حال؟ أليس كذلك.
· وبمناسبة الشجر تعرضت سيارة صديق لحادث سقوط شجرة فوقها ، ولما أيقظه حارس العقار وهرول مسرعا لمكان الحادث وجد مجموعة من المتنطعين يتفرجون دون أن يحرك أحد منهم إصبعا لكى يساعد فى رفع الشجرة عن السيارة التى تحطمت تماما. ووقف صديقى حائرا لايدرى ماذا يفعل ، وإذا بشخص يقترب منه قائلا : " نساعدك بس تراضى الرجالة؟" وطبعا وافق صديقى ، ولما حاول "إرضاء الرجالة" اتضح أنهم لايرضون بسهولة ودخلوا معه فى وصلة ابتزاز نظير مافعلوا. أين اختفت المروءة والشهامة من الشارع المصرى ؟ لايمكن أن يكون ذلك بسبب الحاجة، وإنما لأن القيم تغيرت فى مصر، وأصبح السلوك الإنسانى الفطرى الطبيعى تاريخا نحدث عنه أبناءنا وأحفادنا.
· عاد أبطال "الباراأولمبياد" المصريين باثنتى عشرة ميدالية موزعة بالعدل (4 ذهبية ، 4 فضية ، 4 برونزية) بينما عادت بعثة الأولمبياد الموسعة إلى بكين قبلهم بميدالية برونزية يتيمة. الفرق فى الإنجاز بين البعثتين فى نظرى هو الفرق بين حسن الإدارة وسوء الإدارة. فى الحالة الأولى تحولت الإعاقة إلى عزيمة وإصرار وحسن استعداد بإمكانات محدودة أحسن استغلالها وتعظيم قيمتها، وفى الحالة الثانية بددت الموارد السخية المتاحة وصرف 40 مليونا وذهب اللاعبون إما فى حالة من الاسترخاء، أو عدم الاهتمام ، وبالقطع دون إعداد جيد ، واشتبك الإداريون فى معارك شخصية لم ترعى حرمة علم مصر. بالمناسبة ، أين نتائج التحقيق الذى يتولاه بتوجيه من رئيس الدولة وزير مجلسى الشعب والشورى منذ عودة بعثة الأولمبياد ؟ ترى هل نحتاج إلى حكم مستورد يخبرنا الحقيقة فى أسباب الفشل والنجاح حتى لو تقاضى 10% أتعابا من الملايين التى صرفت على من لايستحق ؟
· مصر أصبحت " مشحتة " كبيرة . أعلم أن أكثر من نصف سكان المحروسة يعيشون إما على خط الفقر أو تحته بكثير، ولكن مايسيؤنى هو أن المطلوب ممن يبدو عليه الستى أن تظل يده فى جيبه وهو يسير فى الشارع أو يقف فى إشارة مرور أو يهم بركوب سيارته بأنماط مختلفة من المتسولين من حاملى المقشات الذين يتظاهرون بتنظيف الشارع إلى بلطجية المواقف من المنادين الذين يبيعون الشارع لحسابهم أو من حملة الأطفال لزوم الاستعطاف والتوسل . فى مصر قوانين تحارب التسول ، وهناك وزارة كاملة يرأسها وزير لم يعد يفعل شيئا هو وموظفى وزارته إلا حل مشكلة رغيف العيش التى تزداد سوءا يوما بعد يوم . الدولة ملزمة بضمان العيش الكريم ممن يستحق من أبنائها الغير قادرين على العمل ، إلى جانب الجمعيات الأهلية الرسمية التى تساعد فى هذا الشأن ، ولكنها أيضا مسئولة عن القبض على محترفى التسول وعقابهم وتأهيلهم وتعليمهم حرفا يتكسبون منها بعد الإفراج عنهم ومتابعتهم حتى لايعودوا للتسول . من حقى كمواطن أن أعيش حياتى بلا مضايقات أو محاولات ابتزاز أو تنطع فى كل خطوة أخطوها. المشكلة الأعقد أن بعض موظفى الوزارات الخدمية بالدولة يفعلون نفس الشيئ لإنهاء مصالح الناس . الإسم الشائع هو " الرشوة " أو الإكرامية والإسم الصحيح هو " التسول تحت ستار الوظيفة " مثل موظفى الخزينة الذين يحتفظون بالباقى لعدم وجود فكه ، أو من يبيعون الطوابع التى ترصع أى طلب لمواطن يطلب قضاء مصلحة.
· تصيبنى الدهشة العارمة صباح كل يوم وأنا أطالع صحف الصباح فى الصحف القومية . نصف ماينشر ليس أخبارا على الإطلاق لابمفهوم علم الصحافة ولابمفهوم البداهة والمنطق. حين تحدث كارثة مثل حادث العبارة أو دفن الدويقة تحت أحجار المقطم تخرج الصحف علينا بمانشيتات تقوم : " الرئيس يأمر بتقديم كافة المساعدات للضحايا " إليس ذلك تحصيل حاصل ؟ يلتقى الرؤساء فيقول الخبر " .... لمناقشة القضايا المشتركة بين البلدين " أو ترتكب جريمة ما فيكون المانشيت : " الوزير يأمر بسرعة ضبط الجناة " . أما المضحك حقيقة أن هناك " كليشية " تستخدمه كل الصحف عند القبض على مجرم أو مهرب ، يؤكد على يقظة الأمن وأن عملية الضبط لم تأتى مصادفة بينما فى متن الخبر أنه لم يكن لهم يد فى عملية الضبط . فمثلا " وكان العقيد فلان يتفقد حالة الأمن فلاحظ راكبا تبدو عليه علامات الإرتباك ، وبتفتيشه أتضح أنه يحمل كذا وكذا " أى أن غباء المجرم وليس يقظة رجل الأمن كانت السبب فى القبض عليه. أكثر من 95% من جرائم الموانئ والمطارات كانت بسبب الارتباك والخوف الواضح الذى لايحتاج إطلاقا إلى شرلوك هولمز للقبض على المجرم "الأهطل". وكليشيه آخر يقفل به ملف أى قضية حين يقبض على أحد الأشخاص "...وبمناقشته أخذ يهذى بكلام غير مفهوم" والباقى معروف.
· الفريق عبد المنعم رياض ، والدكتور يحيى المشد ، وسميره موسى أناس تفخر أى دولة بأن ينتموا إليها . جميعهم وغيرهم كثير ماتوا وهم يؤدون واجبهم لخدمة مصر وكل ماحظوا به سطور قليلة فى صحيفة أو تحقيق مصور فى مجلة ولم يعد أحد يذكرهم أو يحاول تذكير الناس بهم . وتموت مطربة كانت بطلة لعلاقات مشبوهة ولاتزال الصحف والمجلات تجد فى خبر موتها مادة خصبة للإثارة كما لو كانت تمجد هذا النمط من السلوك المشين . توفيق الحكيم كان يقول "نحن نعيش عصر القدم لاعصر القلم" حين كان يتحسر على مايكسبه الكاتب مقارنة بما يكسبه لاعب كرة القدم، أما الآن فسوق النخاسة بسماسرته والمتعاملين فيه تفوق مكاسبه بمراحل أية أنشطة أخرى فى أى عصر.

No comments: