كان هتلر نموذجا للدكتاتور الإرهابى صاحب المطامع التى لاتتوقف عند حد والمؤمن بأن " الغاية تبرر الوسيلة " فلا يقف شيئ أمام جموحه وغاياته ، وكان عنصريا غايته أن يكسر إرادة الشعوب لكى يخضع دول العالم كله لحكم الشعب الوحيد الجدير من وجهة نظره بتقرير مصير العالم فى دولة واحدة عظمى برئاسته .. الجنس الآرى عنده هو الأحق بالحياة، وكل أجناس الأرض ينبغى أن تقوم على خدمته .. اعتمد هتلر فى خداعه لشعبه وتوريطه فى حرب عالمية ضد كل جيوش أوروبا التى كان ولابد أن تنتصر على أسطورة الجيش الذى لايقهر وترتب على ذلك تدمير كامل لألمانيا وتسويتها بالأرض على عنصرين هامين : آلة عسكرية جبارة كانت قمة فى حسن التدريب والإلتزام والولاء الأعمى لقادتها من رفاق هتلر الذين اختارهم بنفسه وكان الإعدام هو الجزاء الوحيد لمن يخالف أوامره، وآلة إعلامية يتولاها جوبلز لغسل عقول الشعب الألمانى كله وتنويمه وسلب إرادته لكى ينساق إلى كل مايريده هتلر .. جوبلز هذا هو صاحب المقولة المشهورة "حينما أسمع كلمة مثقف أتحسس مسدسى".. والنموذج الجوبلزى فى الإعلام الموجه يعتمد أساسا على ترسيخ صورة ذهنية للزعيم الملهم القوى الموثوق به الذى ينبغى طاعته بلا تردد وتصديق كل مايقول دون سؤال، واستخدام فن التواصل فى التأثير على مشاعر الناس "وسوقهم" إلى الإتجاه الذى يريده القائد، واستغلال الشائعات فى تهويل الأحداث أو التهوين من شأنها حسب الحاجة ، والإلحاح فى بث الرسائل الإعلامية وتكرارها حتى ترسخ فى أذهان الناس وتتحول إلى "حقائق" لاتقبل حتى الشك فيترتب عليها سلوك يبلغ درجة اليقين بأن مايفعلونه هو الصواب.
أكتب ذلك وأنا أتابع مايجرى على ساحة الإعلام المصرى من قبل بعض حملة الأقلام سواء من المحترفين الذين يمتهنون الكتابة، أو ممن يسمح لهم بالكتابة فى صفحات الرأى فيبثون سمومهم لخدمة تيارات أو تحالفات ليست بالضرورة تخدم أهداف أنبل وأنقى ثورة فى التاريخ يحاولون ركوبها وتوجيهها لتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية أو خدمة عقائد يؤمن بها أصحابها ويستغلون الكتابة فى الترويج لها والتمهيد للإنقضاض على الثورة حين تجيئ الفرصة.. يستغلون حالة الإحباط التى يعانى منها الناس نتيجة لعدم وضوح الرؤية ويشعلون نيران الفرقة والبغض والتناحر بين التحالفات والحركات والإئتلافات التى اتخذت من ميدان التحرير منصة لطرح أفكارهم باعتبارها الحقيقة المطلقة التى ينبغى للكل أن يتبناها ومستغلين للسياسة التى لاأفهمها وينتهجها الثوار بعدم الإتفاق على قيادات تمثلهم وتتحدث باسمهم لتفويت الفرصة على من يركبون الموج فى إنحراف الثورة عن مسارها .. لم يعد خافيا أن أكثر من جهاز مخابرات يعمل فى ميدان التحرير، ولم يعد خافيا أن بعض القيادات التى تدعى البطولة وتختفى وراء شباب ثائر يسهل التأثير عليه واستقطابه من أجل تنفيذ أجندات خاصة تخدم من يدفعون لهم ، وطبعا لاأفهم لماذا لايواجهون بما لدى المجلس العسكرى من قرائن وأدلة يقدمون بها إلى المحاكمة ليقول فيهم قضاء مصر كلمته وتتضح الأمور وتعود الثورة لأصحابها ولمصر استقرارها وأمنها.. هؤلاء يتحسرون علنا وبلا خجل على عهد مبارك ويعددون "أفضاله" هو والعصابة التى كانت تحكمنا على شعب مصر، ويروجون "للإستقرار والأمن" المفتقدين بحماس العبيد الذين يدينون بالولاء للسيد الذى يطعمهم كما لو كانوا يتلذذون بالذلة والمهانة التى التى افتقدوها بزوال عصر مبارك.
أقارن بين مايبث فى بعض أجهزة إعلامنا التى تصول وتجول وتمرح فى مثل تلك البيئة المضطربة وتجد فيها مادة غنية وسبقا إعلاميا دون قياس العواقب الوخيمة على الوفاق الوطنى ومستقبل مصر ماداموا يحققون ذاتهم أو يسددون فاتورة ماقبضوه مقدما من أموال أو انتظارا لوعود تترتب على هدم كل ماحققته الثورة حتى الأن وهو كثير .. أقارن إعلامنا على مسطرة الأخلاق بما يحدث الآن فى انجلترا بسبب فضيحة التنصت على هواتف الناس وتسببت فى إغلاق إحدى صحف مملكة إمبراطور الصحافة روبرت ميردوخ وجلسات الإستماع لكل شهود الواقعة واستقالة رئيس اسكوتلاند يارد بسبب تورط بعض ضباطه فى الفضيحة، وأتابع مناقشات مجلس العموم والإنتقادات الحادة التى توجه لرئيس الوزراء نفسه واتهامه بالتستر على الفساد بتعيينه لآندى كولسون رئيس تحرير "نيوز أف ذى ورلد" مسئولا عن الإتصالات بما يهدد بإسقاط الحكومة كلها فى نهاية الأمر.. لذلك أشجع ثوار التحرير على أن يتفقوا على "لجنة إعلام" تكون مهمتها متابعة كل ماينشر فى الصحف أو يذاع مسموعا أو يعرض مرئيا ليس بغرض تخوين أو إقصاء أحد ولكن للرد على كل مايتناول مبادئ الثورة أو مطالبها أو أهدافها ويحاول أن يشوه صورتها أو يخدم أهدافا تضر بمصالح الشعب .. بعض مايكتب ويذاع يخلط السم بالعسل ويتخفى فى مسوح الرهبان ليخفى وجه الشيطان والطامعون فى الحكم معروفون ولكنهم يجيدون التنكر فى زى الثوار ويصرفون ببذخ من مصادر غير معلنة ويدافعون بضراوة عن مكاسب غير شرعية حصلوا عليها فى عهد مبارك ويخافون على مستقبل قد يهدد مصالحهم لو أصبحت مصر ديموقراطية يحكمها برلمان يختاره الشعب ورئيس منتخب يجمع عليه الشارع المصرى .. خفافيش الظلام يجيدون العمل تحت الأرض، يحيكون المؤامرات ويحترفون "التهييج" والدعايات السوداء التى تشوه سمعه الشرفاء، وبورتو طره هو معقل قادة هؤلاء ومخططى مؤامراتهم لأن الموجودين فى طره لم يفعلوا غير ذلك على امتداد ستين عاما من خدمة الأنظمة الثلاثة التى حكمت مصر وظهرت عبقريتهم واضحة فى آخر تلك الأنظمة لثلاثين عاما كاملة وآن الأوان لتنفيذ أول مطالب الثورة فى محاكمتهم ورئيسهم عما ارتكبوه فى حق مصر من تخريب لكل مواردها وانتهاك لكل قواعد الأخلاق ولكل شيئ جميل فيها.
No comments:
Post a Comment