Sunday, May 13, 2012

"بوتيكات" السياسة .. "وسبوبة" الإنتخابات


مثلما كان فى مصر زمان محلات تسمى "ألف صنف" تبيع كل مايمكن عرضه طبقا لمساحة كل محل دون التخصص فى صنف بعينه، أرقب البوتيكات السياسية التى افتتحت لانتهاز فرصة انتخابات الرئاسة فى مصر وتفننها فى تسويق بضاعتها – وكثير منها مضروب – على الناخبين مستخدمة كل أدوات التأثير المتاحة لها للتأثيرعليهم وتشكيل رأيهم، وعينهم طول الوقت على العائد المجزى من وراء المجهودات التى تبدو فى ظاهرها بريئة محايدة وموضوعية .. كثير من الصخب والضجيج الإعلامى الذى يشبه حفلات الزار يظل المشاركون فيها يدورون حول أنفسهم حتى يتساقطوا إعياء واحدا وراء الآخر مستسلمين للدجال الذى يوهمهم بأنه يطرد العفاريت التى تسكن أجسادهم، وحين يفيقون يكون النصاب قد رحل حاملا معه ماخف حمله وغلا ثمنه، وتظل العفاريت تعربد فى جسد مصر حتى يأتى من يخلصها ويعيد إليها توازنها.. البضاعة التى تبيعها تلك البوتيكات السياسية هى المرشحون للرئاسة وبرامجهم، والتى لو أمعنا النظر فيها لوجدنا أن معظمها مجرد أفكار عامة لاتمت للبرامج السياسية بصلة ولاتلزم من يقولها بأهداف واضحة محددة ولا خطط تنفيذية بأولويات وتوقيتات للتنفيذ فضلا عن شخصيات بعض المرشحين أنفسهم الذين يسهمون – ربما عن غير قصد ولا سوء نية – فى خطة الخداع السياسى لموسم الإنتخابات فى مصر والتى تأخذ أشكالا مختلفة ينبغى التنبيه إليها:

§       "استقصاءات الرأى" واستطلاع آراء الناخبين ومحاولة التأثير على اختياراتهم من جهات ليست فوق مستوى الشبهات مثل مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء صاحب التاريخ الملوث بخدمة التوريث وخطط الحزب الوطنى وإهدار المال العام باستقصاءات رأى "مضروبة" صورت مصر كلها سعيدة بحكم مبارك وجاهزة لحكم ولى العهد ومتطلعة للرخاء والرفاهية فى ظل حكمه الرشيد..يعود المركز إلى الساحة بعد أن اختفى فترة حتى تهدأ الأمور وينسى الناس دوره المشبوه لكى يعيد إنتاج دوره فى استطلاع آراء الناس عن المرشحين ويرتبهم تبعا لذلك فى محاولات مكشوفة للتأثير على اختيارات الناخبين دون حياء وعلى الرغم من تبعيته لمجلس الوزراء، وذلك فى حد ذاته يخدش حياده ويجرح النتائج التى يعلنها، ولكنه فى الوقت نفسه ينبه للدور المشبوه الذى يعود هذا المركز ليلعبه فى تأييد مرشح بعينه من وراء ستار باستقصاءات رأى موجهة تحاول تشكيل الرأى العام بما لديه من إمكانات وخبرة متراكمة فى تفصيل النتائج .. والغريب أن رئيس المركز السابق الذى إضطرت الحكومة لتنحيته افتتح هو الآخر "بوتيكا" لاستطلاع الرأى بالتليفون ينافس به المركز وعاد ليظهر فى الفضائيات يسوق للنتائج التى توصل إليها والتى تختلف عن نتائج المركز الذى كان يرأسه مدعيا أنه يمثل "بصيرة" الناخب.

§       شركات المحمول لم تشا أن تضيع الفرصة لضخ المزيد من المليارات فى خزائنها مستغلة عشق ووله الشعب المصرى بالكلام، وأخذت تدعو إلى مسابقات يتكهن فيها المشترك بالنتائج على غرار كرة القدم ويرسل بتكهناته عبر الرسائل القصيرة لكى يتأهل للسحب الذى يجرى ويفوز بغشرات الألوف، وبدلا من "الرنات" التى يحمٌلها المشترك على تليفونه أصبح يستطيع أن يحمل صور المرشحين وربما مستقبلا الرنات الخاصة بهم طبقا للونهم السياسى وانتماءاتهم الحزبية، وقد يقترحوا على المشترك ألا يتعب نفسه ويذهب للإدلاء بصوته حيث يستطيع أن يفعل ذلك بإرسال رسالة قصيرة للجنة التابع لها وسوف يضعونها نيابة عنه فى الصندوق.. ووصل الأمر بإحدى شركات الإعلانات المشهورة أن قامت بنشر لوحاتها الإعلانية العملاقة على كل الكبارى وأعلى أسطح العمارات الشهيرة داخل العاصمة فى انتظار حجزها نظير الملايين التى تتجاوز بكثير أقصى إنفاق مسموح به لأى مرشح مما يدل على أن معظم المرشحين لن يمتثلوا لشروط الإنفاق على حملاتهم الإنتخابية، وأن لديهم الملايين فى حساباتهم التى يغذيها موارد من الداخل والخارج لابد أن يكشف عنها بالقانون مستقبلا لكى يعرف الشعب حقيقة من يقفون وراء كل مرشح فيكشف النقاب عن غموض مايحدث فى مصر الآن.

§       الفضائيات وبرامج التحليلات والمناظرات ومشاركات الجمهور ومقابلات المرشحين والإغداق عليهم (لم ينكروا مانشر) وفرق المحللين والخبراء والإستشاريين ومعظمها موجه للنخب وهم ليسوا أصحاب الكتل الإنتخابية، ولكنهم يسهمون فى تسويق تلك البرامج "الجاهزة التصنيع" بالمداخلات التى يجرونها ظانين أن صوتهم له تأثيره وتقديره بينما عداد المكالمات يعمل بلا انقطاع على تليفونات البرنامج الذى يجنى من وراء ذلك ملايين تصب فى جيوب أصحاب تلك البرامج والمحطات التى يعملون من خلالها مضافا إليها كم الإعلانات الرهيب ومساهمات الرعاة الذين يسهمون فى انتاج تلك البرامج لكى يسوقوا هم كذلك لمنتجاتهم "وأهه كله بيع".. المتأمل فى الأسئلة المعدة سلفا للمرشحين والتى تطرح عليهم من مقدمى البرامج لاتمس جوهر قياس خبرات المرشح وخلفيته العملية وتاريخه السياسى ولاقدراته على ترتيب الأولويات والتخطيط لمواجهة الأزمات وتجنيد الكفاءات وإدارة الموارد المتاحة وتعظيم قيمتها، وإنما كلام عام يحول الحوار إلى "مكلمة" يتبارى فيها المرشحون بلاغيا بأساليب إنشائية مختلفة تقول نفس الشيئ وتتاجر بآلام الناس وأحلامهم وكأننا بصدد مرشح واحد يرتدى قناعا مختلفا فى كل مرة يظهر فيها فى برنامج أو يدلى فيها بحديث.. ولأن العرض لابد وأن يستمر لجأت بعض الفضائيات إلى عقد أكثر من لقاء مع كل مرشح حيث أن ثلاث ساعات فى كل لقاء لن تكون كافية لحجم الإعلانات المستهدف..أما المرشحون أنفسهم وأدائهم وتناقضاتهم فتلك قصة أخرى!

No comments: