Tuesday, May 22, 2012

الكباريهات السياسية فى مصر


أنا من الذين يرفضون تماما أن السياسة لاتعترف بقواعد الأخلاق، وأنها "لعبة قذرة" تقوم على انتهاز الفرص لتحقيق المصالح، وتستخدم كل الوسائل المتاحة للوصول للغايات.. فى الوقت الى ينشر فيه هذا المقال تكون نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة على وشك أن تعلن إما بفوز رئيس مصر القادم بثقة أغلبية الناخبين أو بالإعادة بين مرشحين يختار الشعب أحدهما منتصف الشهر القادم، وإن كنت قد ذكرت ثلاثة من مؤسسى "الوفد" فلأنى أتذكرهم دائما كلما أردت أن أدلل على أن السياسة يمكن أن تكون "نظيفة" وأخلاقية بل إن المسلك السياسى إن لم يكن كذلك فلايمكن أن يأتى للبلاد برئيس نثق فيه ونسير وراءه ونساند برامجه وندافع عن مقامه، ونكون قد ولينا علينا أفاقا مخادعا يؤمن بأن الغايات تبرر الوسائل واستبدلنا مبارك وعصابته "بمستر إكس وعصابته" ويجد من يشاء مبررا لثورة شعبية "تكميلية" تعدل المسار وتصحح التلاعب بإرادة الناخبين لو حدث.

لم يسجل التاريخ أن سعدا قد عقد تحالفات أو صفقات أو أن أحدا استطاع أن يغريه بمنصب أو جاه، ولم يثبت أن النحاس قد "قايض" على مطالب الأمة بمنفعة شخصية أو "هادن" لكى يحقق مكسبا ذاتيا، وحتى حين أراد أعداء الوفد أن يدقوا إسفينا بين مكرم والنحاس، وأن يشعلوا فتيل الخلاف بينهما باءت محاولاتهم بالفشل فقد كان الخلاف بين هؤلاء خلافا نبيلا بين الكبار ينطلق من الدفاع عن مصالح الشعب التى كانوا أحرص الناس عليها .. كانوا جميعا "وكلاء" عن الأمة يقفون أمام الملك والإنجليز بمطالبها ومعهم تفويض شعبى يجعل أصواتهم تهز أركان العرش وتزلل جبروته وتخضعه لإرادة الأمة، ولم يكونوا أبدا أداة فى يد أحد ولا طرفا فى النزاع على السلطة أو محركا لإقصاء أو استقطاب.. لم ينحازوا سوى للناس ولم يشغلهم سوى مطالبهم، وكانوا "يثبتون" على المبادئ ويمثلون صوت الحق، يحركهم الواجب ويشكل وجدانهم القيم التى تربوا عليها ومبادئ الأخلاق التى تجعل قاماتهم تعلوا على أى قامة يسندها منصب أو جاه وتلجأ إلى النفاق والكذب وتذبذب المواقف والفساد السياسى منهجا تحكم به ضعاف النفوس والمتسلقين والطامعين فى كرم السلطان وعطاياه مستمتعين بدور العبيد المسخرين لخدمته .. الأمة التى فوضت سعد على بياض للمطالبة بالإستقلال كان فيها طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ ومصطفى مشرفه وشوقى وحافظ إبراهيم والبارودى ولطفى السيد ومحمود مختار ومحمد عبد المقصود النادى وعمداء عائلات مصر العريقة من الإسكندرية إلى أسوان ممن وقعوا على وثيقة نصها "نحن الموقعين على هذا قد أنبنا عنا حضرات: سعد زغلول و... في أن يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حيثما وجدوا للسعي سبيلاً في استقلال مصر تطبيقاً لمبادئ الحرية والعدل ...."

لم يكن فى مصر "كباريهات" سياسة تعمل فى جنح الظلام وتحاك داخلها الصفقات المريبة، ولا هيئات منتفعين من بيع كرامة مصر ومستقبلها واستقلالها وأمنها، ولا "متآمرين" على الثورة يتحالفون ضدها ويخططون لإجهاضها، وكان هناك برلمان يشرع ويحاسب من يجلس على كرسى العرش ويخضعه للحساب باسم الشعب .. وبعد أن تختار مصر رئيسها بإرادة حرة وشفافية ونزاهة سوف تسقط كل الأقنعة التى أختفت خلفها وجوه شائهة دميمة لعصر كانت مغاراته التى تحوى ثروات مصر المنهوبة يحرسها خفافيش الظلام والضباع والغربان بعد أن تحولت مصر فى عهد مبارك إلى "خرابة" .. المفروض أن تسقط كل التحالفات وأن يتوارى كل بلطجية نظام مبارك من أقطاب "التجريف والتصحر السياسى" والذين يحاولون بالتدليس إثبات أنهم يملأون كراسى من ذكرتهم من قادة وزعماء مصر بعمليات تجميل تطيل قاماتهم وترمم الندوب الغائرة فى وجوههم بما فى ذلك البهوات والباشاوات من مدعى البطولات الزائفة وقادة المعارضة فى الغرف المغلقة وحجرات الإجتماعات لزوم التصوير والتلميع الإعلامى والنصب السياسى.

مصر بكل أبنائها تحتاج إلى الإلتفاف حول رئيس المفروض أنهم اختاروه على برنامج معلن بأهداف محددة تلبى مطالب واضحة وتكمل مسيرة أعظم ثورة فى تاريخ مصر الحديثة، وإلى بدء مشوار تطهير مؤسسات مصر وهيئاتها ممن لايزالون يحتلونها من مرتزقة نظام مبارك، وأن يتخلى الشيوخ ممن افنوا حياتهم فى خدمة مصر بإخلاص وتجرد ولم يشاركوا فى فساد عن مناصبهم لكى يفسحوا المجال للشباب لكى يقود مصر إلى حيث أرادت الثورة .. أما الأحزاب الموجودة على الساحة والكبيرة منها على وجه الخصوص فتحتاج إلى ثورة حقيقية تحولها إلى منصات ديموقراطية تعبر عن نبض الشارع المصرى بفئاته المختلفة وتمثل مع المجتمع المدنى عين الأمة على أداء الرئيس المنتخب وسلطات الدولة المختلفة وتراقب أداء الحكومة وترصد أى انحراف وتنبه إليه حتى لايستشرى وحتى يتم الحساب أولا بأول .. الإحزاب المحترمة فى رأيى هى التى تكتشف مواهب كوادرها وتنميها وتستثمرها فى التواصل مع القواعد الشعبية، وهى التى يتولى الشباب فيها معظم المناصب القيادية، والتى يكون لها استراتيجية واضحة معلنة ملزمة، والتى تنتهج الشفافية أسلوبا يحترم رأى الناس، وتعتمد على العمل المؤسسى فى اتخاذ قراراتها.. الإحزاب المحترمة لايحرك قياداتها أحد بالريموت كنترول، ولايغريها أحد بمال أو سلطان أو مناصب لكى تغير ثوابتها التى وضعها الجدود المؤسسون ممن كتبوا بدمائهم تاريخ مصر جيلا بعد جيل، وتعترف بأخطائها وتطور أداءهاباستمرار، وتمكن كوادرها فعلا لاقولا من المشاركة فى بناء مصر الثورة.

No comments: