Sunday, October 28, 2012

هل هناك أمل ؟


... وكلاهما يتبع رئيس الوزراء؟!
كثيرا ماتعرضت – مثل غيرى ممن يتصدون للفساد – لسؤال صعب سوف يظل يسأل ربما لسنوات طويلة قادمة: "هل هناك أمل؟" وأجدنى دون تفكير أجيب بنعم حتى دون أن أشغل نفسى باستحضار الظواهر والأسباب التى تدعونى لهذا النوع من التفاؤل فيما عدا سؤال تعودت أن يكون هو الإجابة على كل سؤال من هذا النوع وهو "أليس البديل أن نسلم بالأمر الواقع؟" .. أمثلة كثيرة تلك التى تدعو الناس إلى اليأس والإحباط فى مصر حين يرون ذيول النظام السابق ممن كانوا لايخفون ولاءهم ولا تشيعهم ولاتسبيحهم بحمده ولا يدخرون وسعا لخدمته وتثبيت أركانه واستمراره ولايقف أمامهم حائل من وازع ولاضمير يثنيهم عن تزوير إرادة الأمة وتبديد المال العام وتضليل الرأى العام  وتفشى المحسوبية والفساد فى كل أجهزة الدولة التى كتموا أنفاسها وتقلدوا أرفع مناصبها لايزالون فى مناصبهم .. ويرد على محدثى بأمثلة صارخة تستعصى على الفهم وتقوم دليلا قويا عنيدا على سلامة وجهة نظرهم بأنه لافائدة من جهود الإصلاح حتى لو كانت بتسليط الضوء على الفساد والصراخ فى آذان المسئولين لعلهم يسمعون ويتحركون فيسارعوا بتطهير الجهاز الإدارى للدولة وبعضه يتبع مجلس وزراء مصر مباشرة مثل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار والهيئة القومية لضمان الجودة والإعتماد فى التعليم .. جهازان يبدو أن من يجلس على رأسيهما يتمتع بقوى خارقة تضمن له البقاء فى منصبه الأقوى من أى وزير والأكثر كرما فى مخصصاته عن الوزارة مجتمعة لأى مدة يشاء أو ينتقل إلى منصب أعلى يحقق له مزيدا من الشهرة والإنتشار ويجعله مطمعا تلهث وراءه الفضائيات فيجنى أضعاف ماكان يتقاضاه فى منصبه الحكومى، وتتوه فى زحمة الضجيج والصخب الإعلامى أصوات من ينبهون إلى الفساد ممن شاهدوا وسمعوا ويملكون الدليل على مايقولون، ويضيع ماتكتبه الأقلام الشريفة أملا فى أن يصل مايكتبونه إلى من يملك قرار الإحالة إلى التحقيق لكشف الحقيقة درءا للشبهات التى تلحق به هو نفسه بعد حين لو لم يفعل .. تعالوا نتأمل حالتين صارختين تتحديان أى منطق:
§       تناول الأستاذ جمال فهمى فى مقالين متتاليين الأسبوع الماضى فساد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الذى لايزال تابعا لمجلس الوزراء حتى كتابة هذه السطور واستقصاءات الرأى المفبركة التى صدرت عنه تمجيدا فى حكومة نظيف الذى أتى بماجد عثمان رئيسا للمركز ومدى فجاجة النتائج التى جاءت بها تلك الاستقصاءات التى تمجد الحكومة .. ولقد سبقت "الوفد" باقى الصحف التى نقلت عنها فيما بعد نشر سلسلة تحقيقات ومقالات مؤيدة بالمستندات الدامغة التى لم يجرؤ من وقعوها على تكذيبها حتى الآن عن تفاصيل فساد المركز من إهدار للمال العام فى مقرات أسندت بالأمر المباشر وأجهزة ومعدات استولى عليها الحزب الوطنى ولم يردها للمركز وعشرات الألوف من ساعات العمل لحساب الحملات الإعلانية للحزب بما فى ذلك المطبوعات والمحسوبية فى إسناد المناصب لذوى الحظوة من أقارب المسئولين أو ممن تربطهم بماجد عثمان صداقات وعلاقات عمل والإغداق عليهم بلا حساب فى المرتبات والمكافآت والبدلات والسفر فى بعثات تحت مسميات مختلفة.
ماحدث بعد ذلك كان أمرا عجيبا: انتقل ماجد عثمان من رئاسة المركز إلى منصب وزير الإتصالات فى حكومة عصام شرف، ولكن الضغط الشعبى الرافض له ولعدد آخر من الوزراء ممن كانوا أعضاء بلجنة السياسات أو أعضاء بارزين فى الحزب الموطنى أدى إلى خروجه فى أول تعديل وزارى، ولكنه بدلا من أن يتوارى عن الأنظار فى خجل إفتتح "بوتيكا" لاستقصاءات الرأى أسماه "بصيرة" لابد أنه قد حصل على التمويل اللازم له من الجهات الأجنبية المشبوهة التى كان يتعامل معها أيام رئاسته للمركز أو بتمويل من صحيفة تنشر استطلاعات الرأى التليفونية التى يقوم بها سيادته ومجموعة "التليفونيين" الذين يعاونونه والتى تتلون حسب الظروف وتضمن استمرار "السبوبة".
§       الأعجوبة الثانية هو مجدى قاسم رئيس الهيئة القومية لضمان الجودة فى التعليم والذى بحت أصوات العاملين معه بالهيئة من الشكوى والصراخ للتنبيه إلى نفس أوجه الفساد وآخرها إضرابهم عن العمل وتظاهرهم ضده فى أكثر من مناسبة .. هذه الهيئة التى إنشئت بقرار من نظيف أيضا واعتمد لها مليارا من الجنيهات من ميزانية مصرالمفروض أن تصرف على تطوير التعليم والذى لايحتاج لذكاء لفهم متطلباته من مناهج متطورة وأساتذة كفء مدربين وأجهزة ومعدات حديثة تواكب التقدم العلمى ومبانى يتوافر فيها مقومات المدارس من فصول وملاعب وأنشطة، ولكن الهيئة بدلا من ذلك صرفت الملايين على السفريات والبدلات والمرتبات والمحاسيب من المراجعين وكتاب التقارير، وراحت تمنح مدارس سوزان مبارك شهادات الجودة وتتبعها بحملات إعلانية تشيد بمستواها وبجهود الهيئة، وبقى التعليم على حاله بل ازداد سوءا وانتفخت جيوب رئيس الهيئة ومعاونوه – بعضهم من الشرفاء لم يقبلوا الإستمرار حين اكتشفوا الحقيقة خوفا على إسمهم وتاريخهم - ممن اختارهم لتسديد الخانات وكتابة التقارير والشو الإعلامى لزوم التلميع وذر الرماد فى العيون.
سيادة رئيس الوزراء .. الجهتان اللتان تناولتهما وأحدهما لايفصله عن مكتبك سوى حديقة صغيرة وباب حديدى يتبعانك شخصيا وعدم المساس بهما حتى الآن يثير أكثر من علامة استفهام، فإلى متى يستمر هذا الوضع الذى يلطخ سمعة الحكم ويستحيل معه الدفاع عنه حتى من أكثر الناس تفاؤلا وأنا منهم؟
د/ فتحى النادى

No comments: