لو تعقل من يدعون إلى المليونيات
تحت مسميات كثيرة استهلكت كل مافى القاموس السياسى ولم يتحقق من ورائها سوى المزيد
من الفرقة والتشرذم والكراهية وزيادة الإحباط لدعوا إلى مليونية يسمونها
"مليونية إعادة تأهيل الشعب" وتكون كل هتافاتها منصبة على ضرورة إعادة
تأهيل الناس فى مصر لكى يعالجوا من الدمار النفسى الممنهج لأكثر من نصف قرن تصاعدت
لتصل لقمتها خلال حكم مبارك .. ماأراه اليوم فى الشارع وفى سلوك الناس وردود
أفعالهم يجعلنى أسائل نفسى فى إلحاح: هل يمكن لشعب تغيرت قيمه ومبادئه وأخلاقه
وأصبحت ثقافته العامة تتسم بالإنفلات والتسيب والتبلد وفحش القول والأنانية أن
يستكمل الثورة ويحصل على حق الشهداء ويعيد بناء مصر؟ ومثلما يظهر معدن الإنسان
الحقيقى وهو غاضب أكتشفت أن ذلك أيضا ينطبق عليه وهو سعيد او يحاول أن يبدو كذلك،
وهاكم ماقمت رغما عنى برصده خلال أيام العيد:
§
مظاهر الفرح التى شاهدتها لم تكن سوى تعبير هستيرى عن
الغضب الذى تمتلئ به النفوس من التدهور الذى لحق بحياتنا واقتصادنا وصعوبة الحياة
ومظاهر التراخى فى أداء نظام الحكم والحكومة وعدم حدوث التغيير الذى بشرت به
الثورة .. الصراخ والصوت العالى وميكروفونات المساجد والزوايا التى انتشرت عشوائيا
يديرها كل من هب ودب فى غياب الوزارة المسئولة
وأبواق السيارات التى تتسابق فى شوارع خالية وإطالة السهر ومحاولات السمر
المصطنعة كلها تعبير عن هستيريا الغضب الدفين فى نفوس الناس والذى لايمكن أن يكون
بحال تعبيرا عن فرح حقيقى بالعيد.
§
كميات البمب والمفرقعات التى انتشرت فى أيدى الناس لكى
تتحول الشوارع إلى ميادين حرب تجرب بها أسلحة جديدة المفروض فيها أنها تنفر الناس
من الضجيج والإنفجارات التى تنبعث منها وتزعجهم وتخيفهم من إمكانية نشوب حريق بمنازلهم
أو فى ممتلكاتهم أو إلحاق الأذى بأطفالهم لو طالتهم شظاياها .. أطفال صغار يقفون
بجوار أولياء أمورهم فى الشرفات والنوافذ يفجرون أنواعا مبتكرة من المفرقعات التى
استهلك منها سفهاء المصريين وعائلاتهم ماقيمته 500 مليون جنيه دفعها من يشكون من صعوبة
المعيشة، ولكن الأخطر من هذا أن أحدا من هؤلاء لم يفكر لحظة فى الآثار النفسية
التى تترسب فى نفوس الصغار من جراء استسهال التعايش مع التفجير والتخريب وترويع
الناس وكلها صفات تميز الإرهابيين .. كيف دخلت تلك الممنوعات إلى مصر وبيعت علنا
فى شوادر إنشئت لهذا الغرض تحت سمع وبصر وزارة الداخلية التى لو جرب مواطن محترم
أن يستعين بهم لضبط الجريمة لاستخفوا به ولسمع أغبى مايمكن أن يقال فى مثل تلك
المناسبات: "عيد بقى كل سنة وانت طيب".
§
حفلات الزار فى المساجد التى لم يهدأ صراخها ولا تشنجات
من يزعقون فى مكبرات الصوت التى صارت من لوازم "سبوبة" الدين الذى أصبح
مهنة واحترافا لبلطجية يحتلون المساجد والزوايا يرهبون أغلبية جاهلة تخلفت بفعل
بفاعل ويسوقونهم إلى تلك المساجد والزوايا لابتزازهم مع من يقع فى حبائلهم من
النخبة والمتعلمين الذين يكتفون بالفرجة والعزوف عن محاولة تغيير الواقع أو حتى
تحسينه نسبيا بالتوعية والنصح .. وزير الأوقاف يشكو من الفساد فى وزارته ومن أن
المساجد والزوايا التى ترعاها الوزارة معين بها أناس على الورق فقط وبعضها لمن
ينشأ بعد وليس له وجود لكى يحصل نصابوا الوزارة على مرتبات لهم ولزويهم وأتباعهم،
ولم نسمع أن سيادته والأجهزة التابعة له قد أغلقت بعض تلك البؤر الإجرامية وقدمت
من فيها للمحاكمة ورفعت مكبرات الصوت التى تملأ مصر كلها "جعيرا" طوال
اليوم.
§
أكوام الزبالة والروائح الكريهة المنفرة تملأ كل الأحياء
كما لو كان هناك إضراب لجامعة القمامة الذين يستخدمون المقشة والزى للتسول
ولايقومون بأى عمل .. رؤساء الأحياء لم يتغيروا منذ عهد مبارك ومعهم 90% من
المحافظين القدامى وليت الحال بقى كما كان عليه وإنما ازداد سوءا وأصبحت مصر مزبلة
ومشحته تعود بنا إلى عصور التخلف التى اقترب الإنسان فيها كثيرا من الحيوان الذى
يأكل ويشرب وينام ويقضى حاجته فى نفس المكان .. لم نسمع أن بلدا فى كل الدنيا
يتعاقد مع شركات أجنبية لجمع القمامة من يعملون بها كلهم مواطنيين محليين فيما عدا
مدير يسوقهم ويرهبهم لكى يؤدوا عملهم حتى لو أكلوا من الزبالة التى بجمعونها .. هل
مصر كلها بجلالة قدرها ليس فيها مديرين يصلحون لإدارة شركات القمامة ام أنها
"سبوبة" أخرى للمحليات تتفوق على سبوبة مقاولات رصف الشوارع وتعلية
الأرصفة؟
§
سؤال أخير: ماالذى حدث فى موضوع إعادة هيكلة وزارة
الداخلية التى لايزال يديرها أطقم ممن قتلوا الثوار وبينهم وبين كل من يطالب
بإقالتهم "تار بايت" يجعلهم فى حالة تربص وانتقام بدلا من التفرغ لاستتاب الأمن ..
الحادث الأخير لعضو لجنة تقصى الحقائق وعجز الرئاسة عن الدفاع عن أبسط حقوقه كمتهم
وانتهاك كرامته موضوع سوف يفصل فيه القضاء ولكن دلالاته لايمكن تجاهلها أو التغاضى
عنها .. تغيير الوزير لايمكن أن يكفى لتغيير ثقافة جهاز وإنما بتغيير القيادات
التى سوف تحدث هذا التغيير وتجعله واقعا يحقق ماقامت الثورة من أجله، ومن الخطورة
أن يظل من يطالب الناس بمحاكمتهم أو إقصائهم يتولون حماية الناس وتحمل مسئولية
أمنهم .. تلك ألف باء الإدارة، ولكن الرئاسة ومعها الوزراء لاتزال فى مرحلة "محو
الأمية السياسية".
No comments:
Post a Comment