حاولت - وأنا أشاهد فعاليات الاحتفال بذكري نصر أكتوبر - أن أتخيل مشاعر أشهر سجين في مصر كان من المفروض أن يكون علي رأس المكرمين لو كان قد صان النعمة التي منّ الله عليه بها ليخوض أشرف وأشرس حرب خاضتها مصر في تاريخها كله ثم ليصبح رئيساً لمصر خلفا لزعيم أسطوري زلزل كيان إسرائيل مرتين: مرة بالانتصار عليها في الحرب،
ومرة في الانتصار عليها بالسلام.. لابد وأن المحيطين بمبارك من أفراد أسرته المسجونين معه حاولوا أن يحجبوا عنه فعاليات الاحتفال ظنا منهم أن ذلك يكفي لكي ينسي دون أن يعوا حكمة أن يعيش حتي يري هذا اليوم الذي بذل كل ما يستطيع ونجح في أن يلغي الاحتفال به طوال فترة حكمه التي امتدت لثلاثة عقود حتي لا تطغي قصص البطولة الخرافية للأبطال الحقيقيين من ضباط وجنود مصر علي الوهج واللمعان المزيف الذي أحاط به نفسه تضليلا لشعب أطاح به و«بالشماشرجية» ممن كانت مهمتهم أن يحافظوا علي هذا اللمعان.
يمكن لي أن أكتب كتابا كاملا عن الحالة التي لابد وأن مبارك عاشها في هذا اليوم والهوان والذلة والمسكنة التي قاساها وهو يستعيد شريط الذكريات ويسترجع الأحداث ويقاسي الندم علي الفرص التي أضاعها لكي يحافظ علي مكانته ويحجز لنفسه صفحة في سجل التاريخ مع من تم تكريمهم من الأحياء والشهداء في ذلك اليوم العظيم.
السادات الذي كان يعرف حجم الإنجاز الذي تم كان يحلم قبل أن تناله يد الغدر أن ملحمة أكتوبر تصلح موضوعا لفيلم عالمي يخلد البطولات التي قضت علي أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي وأفقدت إسرائيل وأمريكا معا توازنهما.. ظن السادات يومها أن عمر الشريف يمكن أن يساعد في ذلك ولكنه نسي أن اليهود يسيطرون علي صناعة السينما والإعلام في هوليوود وأنهم لن يسمحوا مطلقا بتخليد انتصار ينال من سمعة إسرائيل ويحط من شأن جيشها، ولم يطل العمر بصاحب قرار الحرب لكي ينجز مشروعه وخلت الساحة بموته للمغامرين والهواة والمستثمرين في صناعة السينما دون أن يعنيهم تطويرها فأمطرونا بوابل من الأفلام السطحية التافهة التي لم يرتق أي منها إلي عظمة الحدث ويصوره بحرفية وتقنية عالية كما نشاهد في أفلام الحروب الأجنبية.. أفلام تركز علي مدافع تطلق نيرانا وطائرات تنسف أهدافا في الصحراء وجنود يجرون أو يصعدون خط بارليف بلا نظام ولقطات منفصلة لمعديات، ودبابات تجري، وعلم يرفع ثم ضباط يحيون بعضهم البعض ويتخلل كل هذا عبارات بلهاء عن المهمة وتنفيذها.
أنا أعتبر أن تلك الأفلام التي تجد لها موسما في احتفالات أكتوبر مثلما تجد المسلسلات التي أسهمت في تخلف الشعب المصري موسما لها في شهر رمضان إهانة للبطولات الأسطورية وخطة الحرب والخداع الاستراتيجي اللتين يدرسان في أشهر الأكاديميات العسكرية العالمية للضباط والجنود أصحاب تلك البطولات والتي تجعلك حين تسمعهم في برامج الكلام تريد أن تقف احتراما تكاد لا تصدق حجم البطولات التي يحكون عنها بتواضع شديد.. منع مبارك - بشهادة من عايشوا الحدث - عمل أي فيلم لا يركز علي الضربة الجوية، ومنع أي كتاب يتحدث عن حقيقة ما حدث، ومنع الأبطال الحقيقيين من التحدث إلي أجهزة الإعلام، وأقصي كل من كان يحظي بشعبية.
لعل مبارك قد أيقن بعد انتهاء فعاليات يوم الاحتفال واستعداده للنوم - إن استطاع ذلك - أن مسمار جزمة أي جندي مصري حارب في 73 أغلي من كل الأموال التي هربها والثروات التي جمعها وأسرته وخدامه.. هؤلاء الجنود ذهبوا إلي الجبهة لتحقيق النصر أو الشهادة، ألغوا كلمة المستحيل من قاموس اللغة، بعضهم حملوا زميلهم الجريح أكثر من 36 كيلو علي أكتافهم لكي يسعفوه، وكانوا يتلقون الرصاص في صدورهم لكي يحموا قادتهم ويقفوا في العراء بأسلحتهم أكثر مما يختفون في المخابئ لكي يصطادوا دبابات العدو وأفراده وطياراته.. عبروا قناة السويس ولم يكونوا يعلمون أن سلاح المهندسين المصري قد سد فتحات النابالم في خط بارليف وبعضه رفض أن يرتدي سترات النجاة المعالجة لكي توفر لهم بعض الحماية من الحريق، وأحدهم عبدالجواد سويلم فقد قدميه وذراعه وعينا من عينيه وعندما التقاه عبدالناصر طلب أن يعود للجبهة لكي يشترك بعد ذلك في حرب أكتوبر.
أما القادة فقد آثروا الجنود علي أنفسهم وكانوا دائما أمامهم يتسابقون معهم علي القيام بالمهام لكي يقدموا لهم المثل والقدوة، أحدهم فك أربطة جروحه لكي يربط بها جروح أحد جنوده وحين لم تكف مزق ملابسه الداخلية لكي يفعل ذلك، وهم الذين أسروا عساف ياجوري وأهدوا مسدسه لكي يوضع في متحف الجيش، وأحدهم تمزق كبده وجنوده ينقذونه من تحت شكائر الرمال في موقع القيادة.. المجموعة 39 بقيادة الشهيد الرفاعي، ودور الملك فيصل يرحمه الله في الحرب حين قال للسادات «اشتروا ما تحتاجون إليه من أسلحة وأرسلوا إلينا الفواتير» واستخدم سلاح البترول رغم الخسارة التي منيت بها بلده، وهواري بوميدين الذي فتح البنك المركزي في الجزائر وحمل سعر السلاح المطلوب وسافر إلي روسيا بنفسه لكي يتأكد من شحنه إلي مصر.. فلم أدعو رجال الأعمال الوطنيين المصريين أن يمولوه بالكامل ويسوقوه حتي ولو لم يجنوا من ورائه أرباحا كي تتعلم الأجيال التي لم تعش روعة انتصار مصر معني العمل الجماعي والإيمان برسالة وهدف.
يمكن لي أن أكتب كتابا كاملا عن الحالة التي لابد وأن مبارك عاشها في هذا اليوم والهوان والذلة والمسكنة التي قاساها وهو يستعيد شريط الذكريات ويسترجع الأحداث ويقاسي الندم علي الفرص التي أضاعها لكي يحافظ علي مكانته ويحجز لنفسه صفحة في سجل التاريخ مع من تم تكريمهم من الأحياء والشهداء في ذلك اليوم العظيم.
السادات الذي كان يعرف حجم الإنجاز الذي تم كان يحلم قبل أن تناله يد الغدر أن ملحمة أكتوبر تصلح موضوعا لفيلم عالمي يخلد البطولات التي قضت علي أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي وأفقدت إسرائيل وأمريكا معا توازنهما.. ظن السادات يومها أن عمر الشريف يمكن أن يساعد في ذلك ولكنه نسي أن اليهود يسيطرون علي صناعة السينما والإعلام في هوليوود وأنهم لن يسمحوا مطلقا بتخليد انتصار ينال من سمعة إسرائيل ويحط من شأن جيشها، ولم يطل العمر بصاحب قرار الحرب لكي ينجز مشروعه وخلت الساحة بموته للمغامرين والهواة والمستثمرين في صناعة السينما دون أن يعنيهم تطويرها فأمطرونا بوابل من الأفلام السطحية التافهة التي لم يرتق أي منها إلي عظمة الحدث ويصوره بحرفية وتقنية عالية كما نشاهد في أفلام الحروب الأجنبية.. أفلام تركز علي مدافع تطلق نيرانا وطائرات تنسف أهدافا في الصحراء وجنود يجرون أو يصعدون خط بارليف بلا نظام ولقطات منفصلة لمعديات، ودبابات تجري، وعلم يرفع ثم ضباط يحيون بعضهم البعض ويتخلل كل هذا عبارات بلهاء عن المهمة وتنفيذها.
أنا أعتبر أن تلك الأفلام التي تجد لها موسما في احتفالات أكتوبر مثلما تجد المسلسلات التي أسهمت في تخلف الشعب المصري موسما لها في شهر رمضان إهانة للبطولات الأسطورية وخطة الحرب والخداع الاستراتيجي اللتين يدرسان في أشهر الأكاديميات العسكرية العالمية للضباط والجنود أصحاب تلك البطولات والتي تجعلك حين تسمعهم في برامج الكلام تريد أن تقف احتراما تكاد لا تصدق حجم البطولات التي يحكون عنها بتواضع شديد.. منع مبارك - بشهادة من عايشوا الحدث - عمل أي فيلم لا يركز علي الضربة الجوية، ومنع أي كتاب يتحدث عن حقيقة ما حدث، ومنع الأبطال الحقيقيين من التحدث إلي أجهزة الإعلام، وأقصي كل من كان يحظي بشعبية.
لعل مبارك قد أيقن بعد انتهاء فعاليات يوم الاحتفال واستعداده للنوم - إن استطاع ذلك - أن مسمار جزمة أي جندي مصري حارب في 73 أغلي من كل الأموال التي هربها والثروات التي جمعها وأسرته وخدامه.. هؤلاء الجنود ذهبوا إلي الجبهة لتحقيق النصر أو الشهادة، ألغوا كلمة المستحيل من قاموس اللغة، بعضهم حملوا زميلهم الجريح أكثر من 36 كيلو علي أكتافهم لكي يسعفوه، وكانوا يتلقون الرصاص في صدورهم لكي يحموا قادتهم ويقفوا في العراء بأسلحتهم أكثر مما يختفون في المخابئ لكي يصطادوا دبابات العدو وأفراده وطياراته.. عبروا قناة السويس ولم يكونوا يعلمون أن سلاح المهندسين المصري قد سد فتحات النابالم في خط بارليف وبعضه رفض أن يرتدي سترات النجاة المعالجة لكي توفر لهم بعض الحماية من الحريق، وأحدهم عبدالجواد سويلم فقد قدميه وذراعه وعينا من عينيه وعندما التقاه عبدالناصر طلب أن يعود للجبهة لكي يشترك بعد ذلك في حرب أكتوبر.
أما القادة فقد آثروا الجنود علي أنفسهم وكانوا دائما أمامهم يتسابقون معهم علي القيام بالمهام لكي يقدموا لهم المثل والقدوة، أحدهم فك أربطة جروحه لكي يربط بها جروح أحد جنوده وحين لم تكف مزق ملابسه الداخلية لكي يفعل ذلك، وهم الذين أسروا عساف ياجوري وأهدوا مسدسه لكي يوضع في متحف الجيش، وأحدهم تمزق كبده وجنوده ينقذونه من تحت شكائر الرمال في موقع القيادة.. المجموعة 39 بقيادة الشهيد الرفاعي، ودور الملك فيصل يرحمه الله في الحرب حين قال للسادات «اشتروا ما تحتاجون إليه من أسلحة وأرسلوا إلينا الفواتير» واستخدم سلاح البترول رغم الخسارة التي منيت بها بلده، وهواري بوميدين الذي فتح البنك المركزي في الجزائر وحمل سعر السلاح المطلوب وسافر إلي روسيا بنفسه لكي يتأكد من شحنه إلي مصر.. فلم أدعو رجال الأعمال الوطنيين المصريين أن يمولوه بالكامل ويسوقوه حتي ولو لم يجنوا من ورائه أرباحا كي تتعلم الأجيال التي لم تعش روعة انتصار مصر معني العمل الجماعي والإيمان برسالة وهدف.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - السادات ومبارك.. حكاية شعب؟!
No comments:
Post a Comment