أرى فى المبادرات التى لازالت
تطرحها الأحزاب السياسية فى مصر للحد من تغول الإخوان المسلمين والوقوف فى وجه
المد الإسلامى والسلفى عروضا يمكن أن نطلق عليها "تحطيب سياسى" ولكنها
عروض ينقصها حسن الإخراج ومهارة اللآعبين لكى تخرج مقنعة ومتناغمة تعبر عن استخدام
العصا وتوظيفها فى التعبير عن الهجوم والدفاع طبقا لخطة موضوعة سلفا .. كثرت
مسميات العروض وزاد عدد اللآعبين بالعصا فى مجاميع حركتها نشاز، كل مجموعة تحاول
أن تقفز أعلى من الأخرى أو تأتى بحركات خارج السياق وترتجل تشكيلات فوضوية مستهلكة
توحى بالتميز والتجديد .. غاب أصحاب أدوار البطولة الذين يضبطون إيقاع الحركة
واتجاهاتها على المسرح فاعتلى الخشبة كل من يريد أن يجرب حظه حتى لو كان يعرض دون
جمهور لمقاعد خالية وصالة لايسمع فيها غير صدى صوته.
لاتزال "مصر" غائبة عن
المشهد فى معظم مايحدث على الرغم من أن اسمها يتردد فى كل مبادرة او حركة أو
إئتلاف للإيحاء بنبل المقصد وموضوعية الأهداف وشفافية الحركة وإنكار الذات،
وأستطيع أن أجزم أن كثيرا من تلك المبادرات تفشل ولا تستكمل لسبب واحد لاأجد – حين
استعرض أسماء وقامات من ينتمون إليها – سوى الإختلاف على شخص من يتولى القيادة ومن
يقبل كل الأطراف بتاريخهم وخبراتهم أن يمثلهم ويجمع شملهم ويحقق التوافق بينهم ..
أى تجمع لكى ينجح لابد له من رؤية ورسالة وهدف استراتيجى رئيسى وأهداف فرعية
واستراتيجية لتحقيق تلك الأهداف ثم خطة عمل تفصيلية توضح الخطوات العملية والأنشطة
والتكتيكات التى سوف تتبع لتحقيق الأهداف .. وطبيعى أن كل ذلك يتطلب مناقشة وتصارع
فى الآراء ثم اتفاق ورغبة وقدرة وإرادة تجمع كل الآراء وتحشد كل الطاقات بتصميم لاستكمال
السباق وبلوغ خط النهاية .. الخبرة والتاريخ السياسى إذن ليس كافيا لإحداث التغيير
ولابد من توافر مهارات الإدارة الرشيدة واستخدام أدواتها بكفاءة وفعالية لتطوير
نماذج تتوافق فى تطبيقها مع الثقافة المصرية المتفردة فى خصوصياتها وتراكيبها
وتغلغلها فى تشكيل وجدان المصريين وسلوكهم والقدرة على التأثير عليهم تجاه تيار
معين.
أنا لاأدافع هنا عن تيار بعينه ولا
عن رئيس لم أعطه صوتى، ولكنى أحب أن أفكر منطقيا وبوضوح رؤية وقراءة جيدة قدر
المستطاع للمشهد السياسى .. فى رأيى أن الرئيس المنتخب أخطأ خطئا فادحا فى إلزام
نفسه بمائة يوم يصلح فيها كثيرا من جرائم عهد من سبقه وينجز فيها إصلاحات تحتاج
إلى وقت وإلى موارد غير متوافرة لكى تتم .. تحمس الرئيس أكثر مما ينبغى، ولم يخطر
بباله كم التربص الذى يحيط به وبالجماعة التى ينتمى إليها من أصحاب المصالح
المتباينة والتى تتراوح مابين مقعد فى البرلمان أو منصب وزارى إلى الوصول إلى
الحكم حتى لو تطلب الأمر تعطيل عمل اللجنة التأسيسية للدستور أو إجراء انتخابات
تشريعية جديدة أو حتى إعادة إنتخابات الرئاسة كما ينادى البعض .. ينسى كل هؤلاء
أننا نتحدث عن إقتصاد كارثى لبلد مفلس، وبناء سياسى لم يكتمل بحل مجلس الشعب،
وبنية تحيتية مهترئة ومهلهلة، ومطالب فئوية تأخرت كثيرا فى ظل عهد قمع الحريات لكى
تظهر مرة واحدة بتركيز شديد وضغط متواصل تحرك بعضه للأسف قوى وأحلاف أصحاب المصالح
من أذرع أخطبوط الفساد المنتشرة فى كل أجهزة الدولة الحساسة والتى تعمل من وراء
ستار لتخريب مصر وانفجارها من الداخل وتحتاج إلى وقت طويل لكى يتم بترها بالقانون.
أعلم أن الردود جاهزة، ولكن العقل
يقول أننا صبرنا عن كره لأكثر من ثلاثين عاما لحكم اتضح بعد فوات الأوان أن همه
الأكبر أن يؤصل للتوريث والإقصاء ونهب الموارد والسلب والنهب والإفقار والتجهيل فى
أكبر عملية تجريف لوطن بأكمله ربما فى التاريخ كله، وطبيعى أن تصبح مصر خرابة
ومشحتة ومزبلة مكتملة الأركان وأن يزداد الغالبية العظمى من الناس فقرا وجهلا وأن
تصبح أى رئيس يتولى حكم مصر بحاجة إلى مهارات خرافية فى إدارة الكوارث والأزمات
التى صار بعضها مزمنا بحكم الإهمال والزمن .. ذلك يقتضى من كل صاحب خبرة أو علم أن
يسهم برأية فى الحلول الممكنة وليس فى توصيف ماهو كائن وتنظير وتحليل وفلسفة الرأى
لكى يكون أكثر اقتناعا، كما يقتضى أن نكون واقعيين فى نصب ميزان الحساب لمن تولى المسئولية
ومنحه الفرصة لكى يحقق ماوعد به فى إطار زمنى واقعى يرى الصورة كاملة والإمكانات المتاحة
كلها ثم يحاسب بعد ذلك .. لن يفيد تجييش الإعلام لاستضافة النخبة التى تجيد الكلام
ولاشيئ غير ذلك، والبرامج التى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب بعينه، ولا حملات التشكيك
من خلال شبكات التواصل الإجتماعى فكلها تصب فى خانة الهدم لا البناء وتلطيخ الصورة
بدلا من محاولة إظهارها على حقيقتها، ولن تفيد كثرة الإئتلافات والتحالفات مالم تكن
وليدة رؤى قومية واضحة تضع حلولا للمشكلات وتعلن عن تحمل جزء من مسئولية إدارة البلاد
.. مصر ياسادة بحاجة إلى "بعث" يعيد الروح إلى الجسد الذى شاخ وأصابه الوهن
والضعف .. نريد وطنا يحمل كل فصيل فيه سلاحه قلما كان أم آلة لنرسم معا الطريق إلى
المستقبل ثم نعيد البناء وننحنى معاول الهدم جانبا لفترة ننعم فيها بالإستقرار ثم نبدأ
فى حساب من انتخبه الناس على أسس موضوعية بقصد التطوير والتحسين المستمر بلا توقف.
No comments:
Post a Comment