Thursday, September 20, 2012

مساحة المتر المربع.. وبنك استثمار الوقت


الخبرة العملية التى اكتسبتها من الممارسة الفعلية لعلمى الإدارة وتنمية الموارد البشرية تفوق بكثير جدا ماتعلمته بين دفتى آلاف الكتب التى التهمتها حتى التخمة منذ أن كنت طالبا فى مراحل الدراسة الأولى والتى لمن تكن كلها بالطبع عن هذين العلمين ولكنها بالقطع قد ساهمت فى تكوين وجدانى وتثبيت قيمى وصقل شخصيتى وموقفى من الحياة والناس .. لذلك أجدنى فى كل موقف أقف فيه مدرسا أو مدربا أو مشاركا فى مؤتمر أو ندوة مطالبا بأن أحكى عن تجاربى الشخصية فى الموضوع المطروح بأمثلة تقرب المعانى وتعبيرات تتوافق مع ثقافة الحضور. المشكلة أنى لاأقنع دائما بذلك وإنما أجهد نفسى باقتراح أفكارا جديدة تساعد على أن تترجم الحلول المقترحة للمشاكل إلى خطوات واضحة تؤدى إلى نتائج محددة .. لاحظت ولازلت أن أى حلول يترتب عليها تكليف يلزم صاحب المشكلة بعبء الإلتزام بمنهج أو خط أو نشاط يؤدى لحل المشكلة يقابل بكل أشكال المقاومة من أول إطالة المناقشات حول نقاط فرعية إلى الميل إلى التنظير وإطالة المناقشات بغرض تمييع القضية وتشتيت الإنتباه أو إلقاء المسئولية على شخص آخر يتحمل مسئولية النتائج .. إهتديت أخيرا إلى حيلة تضيق الخناق على من يستسهلون طرح المشكلات ولايرغبون فى المشاركة فى حلها، وتحدد أدوارهم ومسئولياتهم بدقة أكبر، وأحب أن أشارك القارئ إثنين من تلك الحيل:

§       المتر X متر  نظرية ابتدعتها وسوقت لها من سنوات طويلة ولازلت فى كل منتدى أو ملتقى حضرته للرد على من يجتهدون فى تعليق الجرس فى رقاب الآخرين باعتبارهم مسئولين عما يحدث لهم من مشاكل وفشل وتقصير، ويتجلى هذا النمط فى الأحزاب السياسية وفرق العمل واللجان التى تميز هذا النوع من العمل العام والذى لايتسم بالضوابط التى تطبق فى مؤسسات الأعمال فيتبارى الناس فى إظهار قدرتهم على الخطابة وإثارة القضايا وطرحها ويكتفون بذلك باعبارهم "مفكرين" .. كنت دائما اركز على من يجيدون الكلام ويكتفون به بديلا لقبول مسئولية عمل ما وتنفيذه فأقول أن البداية فى إنجاز أى عمل أو تحسين أحوال شخص ما هو البدء بنفسه قبل أن يلوم الآخرين أو ينتقد أعمالهم أو يحاكمهم على مايفعلون، وأن هناك مناطق ونشاطات فى حياة كل منا هو وحده دون غيره المسئول عنها وعن نتائجها ولايصح بحال أن يحمل غيره مسئوليتة فشلها أو عدم إنجازها .. أسميت هذا الحيز الذاتى المتر X متر الخاص بكل منا والذى يستطيع أن يتحرك فيه بحرية تامة دون تأثير من أحد أو حاجة إلى قرار من شخص آخر مثل حسن تربية أبنائى واختيارى لأصدقائى واختيارى لهواياتى التى أمارسها أو الرياضة التى ألعبها وإتقانى لعملى والعمل ضمن فريق والإلتزام بالأعراف والعادات والتقاليد الإجتماعية واحترام القانون وحقوق الآخرين وهكذا .. إذا لم أؤمن بقدرتى منفردا على اتخاذ القرارات التى تتعلق بكل النشاطات المطلوبة والسلوك المكمل لها فى مثل تلك الأمور فلابد وأن أكون غير جاد فى إحداث تأثير ما أو تحقيق هدف أو تولى المسئولية ويصببح كل همى فى الحياة أن أثبت للناس ولمن حولى إنى جاد وملتزم وجدير بالتقدير دون أن أقدم أوراق اعتمادى لإثبات مصداقيتى وقدرتى ورغبتى فى المشاركة فى العمل وتحمل المسئولية.

§       أما قصة "بنك استثمار الوقت" فقد خطرت لى أثناء ورشة عمل عن إدارة الوقت كنت أديرها لمجموعة من التنفيذيين وخطر لى أن أسألهم عن الوقت الذى يقضونه فى الحديث فى التليفون أو حضور الإجتماعات أو مشاهدة التليفزيون وفى كل مرة كانوا يتبارون فى عدد الساعات التى يقضونها فى كل نوع من أنواع تلك الأنشطة، ولكنى حين سألتهم عن الوقت الذى يقضونه مع أسرهم ساد القاعة صمت رهيب تخلله بعض الإجابات بصوت خفيض على استحياء أو ابتسامات خجوله أو تعليقات ضاحكة .. دارت المناقشات بعد ذلك عن الوقت المحتمل ضياعه دون عائد فى كل تلك الأنشطة والذى كان يمكن اختصاره والحصول على نفس النتائج، واكتشف المشاركون أنهم يستطيعون ببساطة شديدة – إذا أرادوا – أن يختصروا نصف الوقت تقريبا .. كان طبيعيا بعد ذلك أن نفكر كيف نستغل هذا الوقت الضائع فى عمل مفيد فاخترعت فكرة أن ننشئ بنكا نسميه "بنك استثمار الوقت" أن يفتح كل منهم حسابا بالبنك يودع فيه عدد الساعات التى يستطيع بتنظيم وقته أن يوفرها كل يوم وكل أسبوع وكل شهر وكل عام ثم يفكر فى استغلالها فى نشاطات أخرى مفيده وذات عائد عال يعود على نفسه أولا بالنفع وعلى كل من حوله ومن يتعامل معهم مثل القراءة وزيادة المعرفة وتعلم لغة جديدة أو التطوع فى عمل أهلى لمساعدة الغير مثل محو الأمية أو العناية بالمسنين والأيتام أو نظافة شوارع الحى الذى يسكنه أو ممارسة هواية أو رياضة، والأهمل من كل ذلك تخصيص وقت للأسره والعناية بالأطفال إن وجدوا والتواصل الإجتماعى والترويح عن النفس أو حتى التأمل فى خلق الله والتخطيط للمستقبل فى العمل والحياة الخاصة ولكى يعيد المرء شحن بطارياته وطاقته لمزيد من الجهد والعطاء .. وبديهى أنه كلما نجحنا فى تنظيم أوقاتنا أدى ذلك إلى زيادة رصيدنا من الساعات فى حساباتنا بالبنك وزادت معه فرصنا لزيادة العائد من من تلك الحسابات.

No comments: