الحارة السد التى
وصلنا إليها فى مصر الآن تضع كل المصريين بلا استثناء ووجوههم للحائط لايرون
ماخلفه ولايستطيعون تسلقه، وهو وضع لايمكن أن يستمر طويلا لو أردنا أعادة بناء مصر
فى سباق مع الزمن لكى تعود إلى مصاف الدول التى تمتلك مقومات الدولة دون أن يعنى
ذلك بالضرورة استعادتها لمكانتها وتأثيرها السابق كلاعب رئيسى على المسرح الدولى
.. الفصائل المتناحرة على حكم مصر للأسف تفتقد لرؤية مستقبلية شجاعة تجعلهم يحسنون
تقييم الموقف والإعتراف بالأخطاء ثم البحث عن الوسائل العملية التى تعترف بما يدور
على أرض الواقع فى إيجاد حل يوافق عليه غالبية الشعب وبدائل يمكن اللجوء إليها لو
لم يفلح هذا الحل.
والذين يتحدثون عن
حرب أهلية فى مصر لايدركون أبعاد مايخافون منه، وأن مثل تلك الحرب لو حدثت لاقدر
الله فلابد وأنها سوف تستمر لعدة سنوات من المؤكد أن يتحقق فيها كامل خراب مصر
وتركها نهبا لكل طامع وحاقد ومستعمر إذا لزم الأمر .. فى انجلترا استمرت أول حرب
أهلية بها فى القرن السابع عشر تسع سنوات "1642 – 1651" وفى روسيا أكثر
من خمس سنوات أطول "1917-1922" حتى وإن اختلفت الظروف والأهداف واختلف اللاعبون على المسرح، وعقب كل حرب من تلك
الحروب تستنفذ الدول جزءا كبيرا من مواردها وطاقاتها لكى تصلح ماتم إتلافه وتعيد
بناء ماتهدم..مصر لاتحتمل شيئ من هذا القبيل، وتجاهل إمكانية حدوثة نوع من الغفلة
والمبالغة فى التفاؤل سوف يضر بنا مالم نتدارك الأمر بسرعة بحل لايعتمد على القوة
أو القهر أوالإصرار على تحقيق المطالب كاملة وإستسلام أى طرف آخر يختلف معنا فى
مطالبه وعقيدته وأهدافه .. ذلك يحدث فقط فى الحروب بين الدول، وليس فى حروب بين
جيش مصر والمصريين أيا كانت توجهاتهم وعقائدهم ومطالبهم.
ماالذى يمكن عمله إذن؟ نجلس مستندين إلى الحائط لكى نجد حلا توافقيا
لايغتال قانونا ولايؤسس لهيمنة ولا يلوح بعقاب .. نجلس وقد اقتنع كل منا أننا
ارتكبنا أخطاء فادحة فى حق أنفسنا وفى حق الوطن، وأننا بحاجة ماسة وسريعة للخروج
من النفق المظلم الذى حشرنا أنفسنا فيه دون مزيد من الضحايا ومزيد من روح الثأر
التى تسيطر على الشارع المصرى الآن .. مسميات رومانسية مثل "الوفاق
الوطنى" لن تصلح لكى تخفف من وقع ماجرى ويجرى، وإنما تسمية الأمور بأسمائها
وإيجاد مخرج دستورى لايفصل على مقاس فصيل أو فصائل من المصريين ولكن يتعامل معهم
جميعا كشركاء فى وطن واحد يضمهم يكافة أطيافهم .. الحل الذى نبحث عنه هو حل يضمن
خروج الجيش من المعادلة وابتعاده عن السياسة وتفرغه لمهمته النبيلة لحماية حدود
مصر وأمنها القومى، ويضمن لمصر تجربة ديموقراطية حقيقية تأتى بمن يختاره الناس دون
أن يعطى أى طرف لنفسه الحق فى أن يقصيه مادام لايرضى عنه .. بدون مثل هذا الحل سوف
يظل الحال على ماهو عليه، ولن يرضى المجتمع الدولى بالتعامل معنا على أننا دولة
مستقرة حتى وأن فعلت بعض الدول إلى حين حفاظا على مصالحها، وسوف نظل نعانى ونقاسى
من الإنقسام والتشرذم لأجيال كثيرة قادمة.
دم مصر فى رقابنا جميعا بلا استثناء، وأكثرنا قوة ومقدرة يتحمل قدرا أكبر
من المسئولية عما يحدث وهو بذلك مطالب بأن يتصدى بشجاعة الرجال للكارثة التى أحلت
بنا ويجمع حوله عقلاء الأمة من المتخصصين تخصصا رفيعا والممارسين الذين يعايشون
الواقع ويحسون مرارته ويعطيهم مهلة معقولة للإتفاق على حل وحلول بديلة تطرح على
الناس ربما فى استفتاء عام لكى يحدث عليها توافق من معظم المصريين وتشكل بداية
لطريق الحل الذى يحفظ للوطن وحدته وتماسكه. ماأدعو إليه هنا هو حل جذرى وليس مسكنا
يهدئ الأمور إلى حين ويجعل النار تختفى تحت الرماد الذى سرعان ماتبدده رياح
التغيير فتحرق نيران التربص كل ماحولها بما يستحيل معه أن نتمكن من إطفائها أو حتى
محاصرتها .. الأطماع الشخصية كالمعاصى لذيذة ومغرية ولكنها فى النهاية تثقل
كواهلنا بالذنوب وتأنيب الضمير وقد نفلت من العقاب فى الدنيا ولكن عين الله
الساهرة لاتنام وحسابه يوم العرض عليه عسير وملائكته سبحانه الذين يسجلون علينا
أنفاسنا لايتركون شاردة ولا واردة إلا أحصوها.