حين يضيق بى الحال
فى تفسير مايدور حولى خاصة إذا كان يخرج عن حيز المألوف، أجدنى أبحث عن حالة
اقتراضية يتناولها عقلى بالرصد والتحليل ويضع لها السيناريوهات المختلفة المحتملة
.. أصبحت افعل ذلك حين أريد أن أمرن عضلات المخ فلا تخمل ولاتترهل فتضيف إلى أعباء
جسدى الذى يشيخ بحكم الزمن ويشككنى أحيانا فى قدرتى على العطاء بنفس القدر الذى
اعتدت عليه.
حين استعيد عجائب
المخ ومعجزات مقدرته فى التدليل على عظمة خلق الله، يسلينى جدا أن أرقب وأسمع من
يتجنبون بشتى الطرق أن يرهقوا تفكيرهم بالتعمق فى المشكلات أو المشاركة فى حركة
الحياة وينادون بمبادئ هدامة ينشرونها بين أصدقائهم ومعارفهم وهم مؤمنون بأنهم
يحسنون صنعا .. هؤلاء يرددون كثيرا نصائح من نوع "كبر مخك" و "كبر
دماغك" أو "إشترى دماغك" يقصدون بها ألا نفكر كثيرا أو لانتعمق فى
التفكير بعمق فى أى مشكلة حتى لو كانت تمس حياتنا وتهدد استقرارها .. السر فى ضحكى
هو أن المعنى الظاهر للنصيحة أن ينمو المخ ويكبر ويصبح أكثر قدرة على التفكير دون
إرهاق بينما المقصود عكس ذلك تماما ودعوة إلى إلغائه إن أمكن حتى لانتعذب بالتفكير
الدائم والمستمر .. أما السبب الثانى الذى يثير كوامن السخرية عندى فهو أن طبيعة
المخ الذى هو مكمن العقل وتكوينه تجعله أكبر بكثير مما يظنون مما يستعصى معه وضع
تصور واقعى أو حتى علمى لطريقة عمله وإمكاناته.
وزن المخ يمثل 2%
فقط من وزن الجسم ويقع فى تجويف الجمجمة تحميه عظامها الصلبة من التعرض للأذى أو
الحوادث العارضة التى قد تؤثر فيه .. هذا العضو الغريب الصغير الحجم جدا بالنسبة
للجسم هو الذى يتحكم فى حركة الجسم كله وينسق بين باقى الأعضاء، وهو مكمن الفكر
والأحاسيس بكل أنواعها ولذلك يستهلك وحده 30% من الطاقة التى يحرقها الجسم فى
للقيام بوظائفه وممارسة الأنشطة المختلفة للحياة اليومية.. وقد لايعرف الكثيرون أن
مخ الإنسان العادى يتكون من مليارات الخلايا التى نحرق منها يوميا مالايقل عن 100
ألف خلية وأن كل تلك الخلايا التى يتكون منها المخ تتصل ببعضها البعض وأننا نعيش
ونموت وقد لانستخدم أكثر من 1.5% من طاقة المخ ويذهب بعض العلماء إلى أن تلك
مبالغة وأن الحقيقة هى أننا نستهلك أقل قليلا من 1% .. إذن لايوجد لا الآن ولا
مستقبلا كمبيوتر يمكن أن يحاكى المخ فى وظائفه أو حتى يقترب مما يمكن أن يفعله
المخ لو استغلت طاقته كاملة.
ويجرفنى شلال
التفكير عند هذه النقطة إلى الإستطراد فى التحليل بسرعة يصبح معها محاولة التوقف
لالتقاط الأنفاس مخاطرة غير محمودة العواقب .. ماالذى جعل غالبية الناس فى مصر
يتحيزون للتقليل من قيمة العقل وإرهاقه وتدريبه على التفكير والتحليل واستخلاص
النتائج، وماالذى يجعلهم يتنازلون بتلك السهولة عن الإستفادة بخدماته المجانية ويميلون
إلى الحلول السهلة التلقائية أو التى تعتمد على التخمين والحدس والرضى بما يحدث
بعد ذلك على أنه أمر واقع؟ لماذا تضاءلت مساحة التخطيط فى حياتنا حتى بين الباحثين
والدارسين ممن لايمكن أن ينجزوا أعمالهم أو يؤدونها بكفاءة دون تخطيط محكم وأهداف
يسعون لتحقيقها ومتابعة تمكنهم من تفادى الأخطاء ثم تحقيق الأهداف والإحتفال بذلك
لتحفيز أنفسهم على مزيد من التخطيط؟ ولماذا ننتظر دائما المجهول على أنه قدرمكتوب
وأنه لابد واقع دون أن نأخذ بالأسباب ثم نترك المقدر يحدث بإرادة الله؟ لماذا
أصبحنا "مخدرين" ولماذا استرخت إرادتنا إلى الحد الذى لانريد حتى أن
نفكر فى تغيير الواقع الذى لانرضى عنه ونملك تغييره بقليل من الإخلاص فى العمل؟
ويجنح بى الخيال
أكثر فأتخيل أنه تم حقننا جميعا بفاكسين يجعلنا منساقين دون أن ندرى لكى نحقق أكبر
عملية انتحار قومية لشعب بأكمله فى التاريخ، وأننا قررنا أن نتفوق بإرادتنا الحرة
على كل من يخطط لكى ينهك عافية مصر وشعبها وأن يعاد رسم خريطة العالم بدون مصر أو
أن يشار إليها بمساحة منزوية على استحياء بلون رمادى عديم الشخصية .. ترى هل
اقتربت من الواقع ، أم أنى قد جنح بى الخيال ليطغى على كل واقع وعلى قدرتى فى
توظيف العقل لكى أفهم؟ إن غدا لناظره قريب.
No comments:
Post a Comment