Sunday, February 03, 2008

النمط العسكرى فى الإدارة

يقود الجهاز الإداري المصري علي مر العصور العديد من رجال الشرطة والجيش حيث يتقلدون ارفع المراكز والمناصب القيادية والإدارات المختلفة والمشروعات المتنوعة داخل المؤسسات المدنية الحكومية نظرا لما يتمتعون به من انضباط والتزام واحترام الأوامر بلا نقاش وأيضا قدرة واقتناع تام بأهمية تنفيذ ما يطلب منهم بكل دقة ويعود ذلك لنظم الإدارة العسكرية التي درسوها وطبقوها طيلة حياتهم العملية.

وهنا يطرح سؤال نظرا للتطور الكبير في سبل الإدارة الحديثة ألا وهو:
هل يمكن للقيادات العسكرية تطبيق نظم الإدارة الحديثة للمؤسسات المدنية بما يسمج لنا بالاندماج في النظام العالمي و بما تتضمنه هذه النظم من تطوير لدورات العمل و العمل عن بعد واستخدام وسائل الاتصال الحديثة والاهتمام بالموظف واعتباره رأس المال الحقيقي للمنشأة وتعميق مبدأ اللامركزية في اتخاذ القرار، وتفويض السلطات وتبادل المعلومات في ظل فكر ونظم الإدارة للمؤسسات العسكرية والتي تختلف كلية عن نظم إدارة المؤسسات المدنية؟


أستطيع أن أقرر باطمئنان - من واقع دراساتى والخبرة العملية على امتداد أكثر من أربعين سنة – أن العسكريين بوجه عام بحكم طبيعة المؤسسة العسكرية، والتدريب الموجه الذى يخضعون له بغرض تحقيق أهداف المؤسسات التى ينتمون إليها ، لايستطيعون بسهولة أن يتكيفوا مع متطلبات المناصب المدنية التى يتولونها بعد تركهم لمناصبهم العسكرية. نحن نتحدث هنا عن ثقافتين مختلفتين تماما يقعان على طرفى النقيض: الثقافة العسكرية تعتمد على "الطاعة العمياء" وبالتالى فإن أسلوب القيادة يقوم على "الأمر والتوجيه" وليس المشاركة وتبادل الرأى، وهو بالمناسبة نمط فى القيادة يستهوى نوعا من المديرين المدنيين الذين تحفزهم السلطة تحت وهم كاذب بأنهم بالضرورة أكثر معرفة من مرؤوسيهم وأنه لاوقت لديهم لمناقشة آرائهم أو تشجيعهم على المشاركة فى اتخاذ القرار، أو أنهم بذلك إنما يوفرون " الوقت الضائع " الذى يضيع فى اتخاذ قرار جماعى. ومع ذل فإن المديرين أو القادة من ذوى الخلفية العسكرية يصلحون فى مراحل معينى من عمر المؤسسات التى تعانى من مشاكل فى الإلتزام وعدم الانضباط من قبل العاملين بها، أو فى سرعة الإنجاز فى بعض المشروعات العاجلة أو المواقف الطارئة، وهو أسلوب نطلق عليه فى علم الإدارة "أسلوب إطفاء الحرائق"، فهم بحكم توجههم قادرون على إعادة الانضباط إلى مكان العمل بتطبيق النظم فى صرامة وحزم حتى يتحقق المستوى المطلوب من الإلتزام. ولكننا ينبغى هنا أن نعرف أن ذلك لايصلح أسلوبا للقيادة على المدى الطويل، وإنما لفترة قصيرة بقدر الحاجة ثم يتولى القيادة مديرا مدنيا دارسا لعلوم الإدارة الحديثة قادر على دعم الإلتزام بطرق الإدارة الحديثة التى تعتمد أساسا على التعامل مع القوى البشرية فى المؤسسة على أنها ليست فقط "رأس مال بشرى" وأنما " رأس مال فكرى" ينبغى استثماره بالتحفيز والاحترام والمشاركة والتمكين وتفويض السلطة ، وكلها تصب فى النهاية فى مصلحة المؤسسة حين تتسم مواقف وسلوك العاملين بالولاء والرضى عن أعمالهم والمهام التى تسند إليهم
نظم الإدارة الحديثة تقوم على "التمكين" وعلى "بناء القدرة الذاتية" للعاملين، ولايتم ذلك إلا بتطبيق اللامركزية وتفويض السلطة للمرؤوسين الذين يظهرون تميزا فى تعاملهم اليومى مع زملائهم فى نفس الإدارة أو الإدارات الأخرى ، كما يتميزون بإتقان النواحى الفنية التى ترتبط بعملهم. وبينما يعتمد النمط العسكرى فى القيادة على التعامل مع نوع واحد من المرؤوسين الذين لايملكون حق المعارضة أو إبداء الرأى بحرية، نجد أن الإدارة الحديثة تعتمد أكثر على تشجيع المشاركة والعمل ضمن فريق وسيادة ثقافة المشروعات واقتراح الحلول للمشاكل. وشتان بين النمطين كما قلنا. وربما يفسر ذلك نجاح القيادات العسكرية فى تولى مناصب الأمن الصناعى ، والإدارات التنفيذية والعمليات فى الأحياء التى تعتمد على مواصفات فنية محددة وإلتزامات تعاقدية لامجال لتنفيذها سوى بالالتزام التام كرصف الطرق والتشجير وأمن المواقع وحضور وانصراف العاملين وهكذا
والسؤال هنا: هل يمكن تغيير نمط القيادة عن طريق التدريب ؟ والإجابة هى نعم يمكن بشرط توافر عاملين: أولهما الرغبة الحقيقية من الشخص نفسه أن يغير من نمطه القيادى لكى يستطيع التعامل بنجاح فى موقعه الجديد، وثانيهما الإرادة فى التعلم والمواطبة على تبنى النمط الجديد للإدارة ليصبح سلوكا تلقائيا دون تفكير. المشكلة هنا أن العسكريين يحتاجون إلى وقت أطول بكثير من المدنيين لكى يتأقلموا وتغلب عليهم طبيعتهم فى كثير من الأحيان بما لايدعم جهود "إعادة التأهيل" التى تساعدهم على التعامل مع أنماط مختلفة من فرق العمل على أكثر من مستوى، أى رئاستهم ومرؤوسيهم وزملائهم على نفس المستوى. ولاينطبق ذلك بالطبع على استيعاب الوسائل التكنولوجية الحديثة بما فى ذلك وسائل الاتصال حيث أنها مهارات فنية تقنية يتساوى فى استيعابها واستخدامها العسكرى والمدنى على السواء

No comments: