Sunday, February 17, 2008

عائد التعليم وأثره على الدخل القومى


تنشغل الأمم من حولنا الآن بالتركيز على قياس العائد الفعلى من التعليم بمستوياته المختلفة . أصبح الارتفاع بمستوى التعليم هما قوميا يتصاعد الاهتمام به عاما بعد عام بعد أن ثبت يقينا أن عائد النظام التعليمى فى بلد ما يؤثر مباشرة بالسلب أو الإيجاب على رأس المال الفكرى للأمة . وحين يتعلق الأمر بفكر الأمم فنحن نتحدث عن الطريقة التى يفكر بها الناس ، وسلوكهم ، وانتماءاتهم ، وولائهم للوطن ، ومشاركتهم فى شئون حياتهم ، وقدراتهم على البحث والتطوير . الموضوع إذن خطير ويستلزم منا وقفة نحلل فيها فى موضوعية وبتبسيط غير مخل للطرق التى تتبع فى قياس عائد التعليم وارتباط ذلك بتوجه الدولة العام الآن لتحسين جودة التعليم وتفعيل عوائده ، وارتباط كل ذلك بخطط التنمية للنهوض بمصر. ومادمنا نتحدث عن " رأس المال الفكرى " فمن الطبيعى أن يكون هناك استثمار لرأس المال من أجل أن يتحقق العائد الذى يتوقف مقداره على مدى نجاحنا فى إدارة "المحفظة الفكرية" بكفاءة وفعالية .

إن عائد التعليم الجيد أكثر بكثير من مجرد المعلومات التى يتلقاها الطالب على يد أساتذته فى العلوم المختلفة ولايمتد أثرها إلى أكثر من اختزانها لفترة قد تطول أو تقصر طبقا لقدرة كل طالب ، ثم استرجاع بعضها عند الامتحان الذى غالبا مايكون قياسا لكم المعلومات المختزنة أكثر منه قياسا لمقدار استيعاب الطالب للمعلومات وفهمه الصحيح لها ومدى تأثيرها على حياته العملية وسلوكه وإدراكه وتوجهه . عائد التعليم الجيد لابد وأن ينعكس على الطريقة التى يفكر بها الطالب فى تناوله للأمور ، وقدرته على الخلق والابداع ، وحل المشكلات بطرق غير تقليدية ، وقدرته على الكيف مع الأوضاع والتعامل مع الآخرين ، وانضباطه واحترامه للقوانين ولحقوق الآخرين . " المواطن الصالح " هو الهدف الأسمى للتعليم الجيد ، مواطن تصبح القيم والمثل والانتماء للوطن مكونات أساسية فى شخصيته سواء على المستوى الشخصى أو العام فى فى مكان العمل . والتعليم الجيد "يحرض" الطالب على التفكير ، ويستثير ملكاته ومواهبه ، وينمى قدراته على تحويل المعلومات التى اختزنها إلى أفعال إيجابية تحقق أهدافه فى حياتة الخاصة من جهة ، والنجاح فى عمله من جهة أخرى . ومع ذلك فإن التعليم الرسمى وإن كان هو الأساس الذى يبنى عليه مسيرة التعليم المستمرة للطالب بعد تخرجه ، إلا أن التدريب الذى تقوم به المؤسسات المختلفة لموظفيها يمثل مرحلة جديدة من التعليم الموجه الذى يرتبط بتحقيق أهداف المؤسسة وخدمة عملائها . وهذا النوع من التعليم يركز على التحسين المستمر لثلاثة عناصر كلها ترتبط بأداء الموظف . هذه العناصر هى :

· أول هذه العناصر هو "السرعة" فى أداء العمل المطلوب ،والاستجابة لطلبات العملاء وتحقيق شكاواهم . ولابد لكى يحدث هذا أن يتعلم الموظف أساليب التنبؤ والتخطيط المسبق والمبادأة وعدم الاعتماد على رد الفعل لما يحدث حيث يؤدى ذلك إلى إضاعة الفرص وبالتالى تفوق المنافسين .


· العنصر الثانى الذى يمكن قياس عائده هو " التوقيت " ونعنى به توقيت الأداء وماإذا كان قد حدث فى الوقت المناسب من عدمه . ويترجم الوقت هنا إلى قيمة مادية يسهل حسابها على ضوء مايتقاضاه الموظف وحساب الساعات التى يقضيها فى العمل .
· أما العنصر الثالث فهو " الانتاجية " وتقاس بمقدار المخرجات التى تحققت ، وماإذا كانت فى ازدياد مضطرد فى كل فترة عن الفترة التى سبقتها . ويعد ذلك مؤشرا دقيقا لتطور المهارات الفنية للموظف ومدى استيعابه لما يتعلمه أثناء العمل ومن خلال التدريب الفنى المتخصص الذى تقدمه المؤسسات لموظفيها بشكل منهجى منظم .

ويدخل فى حساب عائد التعليم أيضا عناصر ثلاثة أخرى هى : العمالة المباشرة وهم القائمون بالعمل وتكلفة ماتقاضوه وحساب قيمة الإنتاج والربح الذى تحقق ببيعه ، والعمالة غير المباشرة وتمثل الإدارة والعائد هنا لابد أن يكون الانخفاض المستمر فى التكلفة كلما زادت كفاءة الإدارة فى الاستغلال الأمثل للموارد ومستلزمات الإنتاج ، ثم المواد الخام اللازمة لتطوير المنتج النهائى أو أداء الخدمة والتكلفة الفعلية لذلك . بالإضافة إلى كل ذلك تلجأ المؤسسات إلى طرق قياس أخرى تطمئن بها على أن استثمارها فى التعليم المستمر لموظفيها يحقق عائدا عاليا وذلك عن طريق حساب دوران العمالة وماأذا كان هناك استقرار وظيفى وولاء للمؤسسة يجعل الموظفين يرغبون فى البقاء فى أعمالهم وعدم البحث عن عمل آخر ، وتعدد المهارات لدى الموظفين بمرور الزمن ومدى الاستفادة من البرامج التدريبية التى تقدمها لهم ، ومستوى رضاء العميل عن المنتجات والخدمات المقدمة له ، ثم رضاء الموظفين عن المؤسسة وإدارتها ومستوى الأجور وبيئة العمل بوجه عام . وتحصل المؤسسات على البيانات اللازمة المتعلقة بكل ذلك عن طريق استقصاءات الرأى التى يمكن تحليلها إحصائيا والخروج بنتائج وقياسات ومؤشرات دقيقة .

لقد اثبتت بعض البحوث التى أجريت أخيرا أن الموظف الذى لايتلقى تدريبا يستغرق وقتا أطول بمقدار ست مرات عن زميله الذى تلقى تدريبا على العمل . كذلك أثبتت البحوث أن 41% من موظفى عينة البحث قد تركوا العمل بالمؤسسات التى لاتتيح لهم فرص التعليم الرسمى أو التدريب فى مقابل 12% فقط من الموظفين يتركون العمل فى المؤسسات التى تهتم بتدريبهم . أما المفاجأة الكبرى فكانت فى بحث أجرته الجمعية الأمريكية للتدريب والتنمية حيث أثبت البحث أن المؤسسات التى تصرف مايوازى 1500 دولارا على تدريب أى موظف تحقق زيادة فى هامش الربح الذى تحققه يصل إلى 24% بينما تصل الزيادة فى دخل الموظف نفسه من ناتج عمله إلى 218% .

No comments: