النظرية الجديدة التى أدعو إليها تتلخص ببساطة فى "استخدام الموارد المتاحة لتحقيق الأهداف" ويعنى ذلك دوام الحركة والقضاء على الجمود وعدم الإنتظار حتى تكتمل كل الإمكانات لكى ننجز عملا .. ولقد قدمت فى المقال السابق لهاجس ينتابنى منذ حين لمحاولة الخروج من "كارثة سوء الإدارة " فى مصر بكل مسبباتها الثقافية والإجتماعية والإقتصادية والسياسية التى تكبل حرية الحركة لصاحب القرار فى اختيار أصلح العناصر على أسس ومعايير موضوعية للتصدى لإدارة مصر فى المواقع المختلفة .. تراكمت المعايير والتحيزات الشخصية على امتداد عقود طويلة لكى تضع فى مواقع المسئولية والسلطة أفرادا يصلحون بالكاد لكى يكونوا تابعين لاقادة يعيشون الواقع ويتفهمون متطلباته ويسددون ثمن المناصب التى تولوها عملا شاقا مخلصا ويتخذون القرارات وأقدامهم تلامس الأرض .. مايمكن أن نسميه " إدارة الهواة " كلف مصر الكثير ولايزال يستنزف مواردها فى التجريب الغير مدروس والمغامرات التى تجفف على المدى الطويل منابع الثروات وتقطع الطريق على أى تنمية حقيقية أو قيمة مضافة للناتج الإجمالى المحلى .
هناك " إنفصال شبكى " يمنع المديرين من أن يروا الصورة كاملة قبل اتخاذ القرار ومن ثم تأتى قراراتهم ناقصة ، وهناك " إنفصام فى الشخصية " يجعل المديرين أحيانا يصدرون قرارات لايقتنعون بها تحت ضغوط من رئاساتهم أو للرغبة فى التخلص من الموقف بأى شكل معتقدين أن فى الوقت متسعا لترميم القرار أو تعديله إذا لزم الأمر، ثم يتصرفون بعد ذلك بثقة من اتخذ قرارا صائبا وهو يعلم تماما عكس ذلك .. " الإدارة بالواقع " التى أدعو إليها نمط يدعو إلى الإلمام بالصورة الكاملة للواقع الذى يعمل المدير فى إطاره ، ويستند على حصر كامل للموارد المتاحة للمدير لكى يتخذ قراره ، ويستكشف السبل التى تتيح له أن يعظم قيمة المتاح من الموارد وزيادتها واستغلالها فى تحقيق عوائد أكبر بكثير مما يبدو ممكنا بالموارد المحدودة .. وهنا لابد لنا من أن نرسم صورة حقيقية للواقع الذى نعيشه كما هو لكى تتضح الصورة أكثر حين نضرب أمثلة مما يمكن للمدير المصرى أن يفعله فى ظل تلك الظروف الضاغطة والمحبطة .. وحين أتحدث عن الواقع فأنا لاأقصر ذلك على المؤسسة التى يتبعها المدير أو المشروع الذى يديره بل إنى سوف أبدأ من دائرة أوسع وهى مصر كلها لأن أى مؤسسة مهما كان نوع النشاط الذى تمارسه لايمكن ان تعمل فى معزل عن البيئة العامة المحيطة بها والتى تمثل الإطار العام لمتخذ القرار أيا كان موقعه .. الواقع الذى ينبغى أن يعيه أى مدير مصرى يقول :
· أن إختيار القيادات لايخضع لأى معايير موضوعية تقيس القدرة والمعرفة والخبرة ، وإنما الإنتماء السياسى أو درجة القرابة أو الولاء لمن بيده قرار التعيين أو الترقية .. وذلك فى حد ذاته حكم بالجمود والخوف من المسئولية والتردد فى اتخاذ القرار وضياع الفرص المتاحة فضلا عن قتله لكل صاحب موهبة أو رغبة فى أن يسهم برأى أو اقتراح لتطوير العمل أو حل مشكلة .. ويفسر ذلك عدم وجود صف ثان يتحمل المسئولية فى غياب المدير ويركز السلطة فى يد شخص يدعى الإدارة وينبغى أن يحاكم بتهمة " النصب الإدارى" .. وطبيعى أن يحيط هؤلاء أنفسهم بدائرة مغلقة من الجهال والمنتفعين ببقاء الحال على ماهو عليه ويصنعون حول " شيخهم " طوقا وسياجا حديديا يمنع أى مخلص راغب فى الإصلاح من الإقتراب منه .. التدريب وحده لايصلح مع هؤلاء ، لابد وأن يشعروا بالتهديد لفقدان مناصبهم ، ولابد من وجود ميزان دقيق للحساب يقيس ويقيم ويمنح أو يمنع طبقا للنتائج التى تتحقق ، وبالتالى يبقى أمر احتفاظهم بمناصبهم رهنا بما يحققونه من إنجازات . خطورة هؤلاء تكمن فى أنهم يتركون ميراثا ثقيلا لمن يأتى بعدهم فتتعثر جهود التغيير والتطوير وتتراكم المشاكل وتزيد هوة التخلف بيننا وبين العالم من حولنا .
· أن التعليم فى مصر وصل إلى مرحلة الدمار الكامل الشامل الذى لم يعد يصلح معه أى "ترقيع" بعد أن تولاه لأكثر من نصف قرن وزراء من غير المتخصصين حرصوا على تنفيذ سياسات تؤمن بأن مواظبة الطالب على الحضور وليس استيعاب مايدرس له يكفى لأن ينجح ، وأن شعبية الحكومة تتعلق فى جزء كبير منها بفتح أبواب المدارس والجامعات على مصراعيها لأى راغب فى الإلتحاق بها بغض النظر عن إمكاناته الشخصية التى تؤهله للنجاح .. وظل التعليم حقلا للتجارب يفصل على مقاس القدرات وليس الإرتفاع بتلك القدرات لكى تتواءم مع التقدم العلمى فى العالم .. والغريب أن الحكومة الآن تدعو إلى جودة التعليم وتنشئ اللجان القومية من أجل ذلك ، بل وتحمل ميزانية الدولة مليارات تصرف على شكل مرتبات ومكافآت لهذا الغرض وهى تعلم تماما أنها تضحك على نفسها وعلينا لأن منظومة التعليم بكل مراحله لابد وأن يعاد صياغتها من جديد .. " التنكيس " لم يعد يجدى ولابد من خطة إحلال وتبديل طويلة المدى للمدارس والجامعات إذا كنا فعلا جادين فى تخريج دفعات من المديرين قادرين على مواجهة تحديات العصر واستيعاب متطلباته.
· نسبة الأمية فى مصر فاقت كل الحدود فى عصر تقاس الأمية فيه بدرجة التعامل مع تكنولوجيا الإتصالات على الرغم من التقارير الحكومية والتى تدبجها كالمعتاد اللجان القومية المختصة .. وليت ذلك قاصرا على من لايعرفون القراءة والكتابة ونسبتهم تفوق ثلثى عدد سكان مصر ، وإنما يضاف إليهم خريجو جامعات يحصلون على الدرجة العلمية وهم لايجيدون كتابة فقرة واحدة بلغتهم الأم بدون أخطاء ناهيك عن جهلهم فى التعامل مع أداة الإتصال المعتمدة فى هذا العصر وهى الكمبيوتر .. وبهذا المقياس ينضمون إلى طابور الأميين فترتفع النسبة إلى مايقرب من 75% .. هؤلاء هم موظفو الدولة ومديرو المستقبل الذين سوف تعتمد عليهم مصر فى مشروعات التنمية والتطوير والتحديث ، ولنا أن نتخيل بعد ذلك ماسيؤول إليه الأمر لنوقن أن ماوصلنا إليه أقل بكثير مما نستحق.
· غياب الرؤية وثقافة التخطيط الإستراتيجى فلا يوجد خطة استراتيجية قومية للتنمية فى مصر .. سياسة النفس القصير هى الغالبة ، وبهذا يصبح الدخول فى أى مشروع عملاق نوع من المغامرة الغير محسوبة العواقب ، ورهان خاسر على المستقبل ، وتحليق فى آفاق التمنى بأن يتحقق الحلم دون أن نوفر له المقومات اللازمة لكى يتحول إلى حقيقة . تعمير سيناء وتوشكى والألف مصنع والملايين من فرص العمل التى لم تتحقق وشرق التفريعة وبحيرة ناصر ومشروع أجريوم وإبنى بيتك كلها مشروعات قومية عملاقة لم تستكمل وتوقفت أو تعثرت لسوء التخطيط وعدم المتابعة او التداخلات الغير محسوبة .. وإذا كان ذلك توجها عاما للدولة فلابد وأن ينصرف على مؤسساتها لكى يصبح جزءا من الثقافة المؤسسية العامة " وقيمة " يؤمن بها ويطبقها مديروا الدولة على اختلاف مستوياتهم ، وبالتالى يصبح التخطيط قصير المدى هو النمط الغالب على كل مؤسساتنا وكثرة تعديل السياسات والنظم أمرا شائعا يخضع لأهواء وتحيزات صاحب القرار .. وربما يفسر ذلك لماذا يبدأ كل مدير جديد عمله بهدم كل مابناه المدير السابق والبدء من جديد فى وضع النظم التى تتفق مع آرائه ومايعتقد أنه الصواب .. النظم الثابتة مثلما فى الغرب لاوجود لها عندنا ، وبالتالى نفتقد ثبات الأحوال حتى لو تغيرت القيادات ، ويسود تبعا لذلك إحساس عام لدى الموظفين بعدم الأمان وبتوقع المفاجآت كلما سرت إشاعة أى تغيير للقيادات ، وذلك فى حد ذاته يجهض التميز والرغبة فى المشاركة واقتراح الحلول للمشكلات وكيفية تجنبها.
· نمط الإسراف فى الإنفاق العام على الرغم من كوننا دولة تعانى من سوء توزيع الثروة فيتكالب المديرون على الاستحواز على أكبر قدر من الموارد المتاحة قبل أن يتم تقاسمها على أساس الحاجة بغض النظر عن أوجه الصرف .. الحكومة تبدد الموارد على سيارات كبار موظفيها (80 ألف سيارة منها 18 ألف سيارة فارهة) تكلف الدولة مليون جنيه بنزين يوميا وتأثيث المكاتب الفخمة والضيافة وبدلات السفر الذى لايكون فى كثير من الأحيان ضروريا للأعداد الكبيرة التى ترافق المسئول ، وينصرف ذلك بالتالى – باعتباره ثقافة مجتمعية – على سلوك باقى مستويات الإدارة .. عدد الوزارات فى مصر يفوق اليابان وأمريكا وأى من الدول الأوروبية بما يزيد عن 20 – 30% ، ومن ثم فلا بأس من إنشاء إدارات وأقسام بالمصالح الحكومية لايحتاج إليها أحد أو يمكن أن تندمج فى إدارات أكبر ، ومن ثم يوجد مديرون يؤدون نفس العمل وبعضهم بدون عمل على الإطلاق ولكنهم يظلون مقيدين بكشوف المرتبات والمكافآت لحين التقاعد أو الموت ليحل محلهم من يليهم فى الدور وهكذا .... وكذلك الناس فى مصر تصرف على رنات التليفون أكثر مما يصرفون على الأكل وطلب العلم والمعرفة، ويظل ذلك هو نمط الإدارة لديهم فى غياب منهج ترتيب الأولويات التى ينبغى أن تحتل مكان الصدارة فى أوجه الصرف المختلفة لإنجاز الأعمال الهامة وأعطائها الأولوية . هل يصدق أحد أن وزارة التعليم العالى لديها فائض فى ميزانيتها يعود إلى الخزانة العامة آخر كل عام لأنها لاتحتاجه؟ مأساة قومية بكل المقاييس ليست بحاجة إلى أى تعليق .
تلك هى ملامح الواقع الذى نعيشه والذى يحدد الإطار الذى نعمل فيه وحقول الألغام التى لابد لنا أن نتفاداها ونحن نخطط للمستقبل .. ولأن المدير المحترف لابد وأن " يعيش " الواقع مهما كان مريرا ولكنه لايخاف " اقتحام " المستقبل مسلحا بالعلم والمعرفة فلابد وأن يكون السؤال هنا : من أين نبدأ ؟ تلك هى قصة " إدارة الواقع " التى نناقشها تباعا ..!
هناك " إنفصال شبكى " يمنع المديرين من أن يروا الصورة كاملة قبل اتخاذ القرار ومن ثم تأتى قراراتهم ناقصة ، وهناك " إنفصام فى الشخصية " يجعل المديرين أحيانا يصدرون قرارات لايقتنعون بها تحت ضغوط من رئاساتهم أو للرغبة فى التخلص من الموقف بأى شكل معتقدين أن فى الوقت متسعا لترميم القرار أو تعديله إذا لزم الأمر، ثم يتصرفون بعد ذلك بثقة من اتخذ قرارا صائبا وهو يعلم تماما عكس ذلك .. " الإدارة بالواقع " التى أدعو إليها نمط يدعو إلى الإلمام بالصورة الكاملة للواقع الذى يعمل المدير فى إطاره ، ويستند على حصر كامل للموارد المتاحة للمدير لكى يتخذ قراره ، ويستكشف السبل التى تتيح له أن يعظم قيمة المتاح من الموارد وزيادتها واستغلالها فى تحقيق عوائد أكبر بكثير مما يبدو ممكنا بالموارد المحدودة .. وهنا لابد لنا من أن نرسم صورة حقيقية للواقع الذى نعيشه كما هو لكى تتضح الصورة أكثر حين نضرب أمثلة مما يمكن للمدير المصرى أن يفعله فى ظل تلك الظروف الضاغطة والمحبطة .. وحين أتحدث عن الواقع فأنا لاأقصر ذلك على المؤسسة التى يتبعها المدير أو المشروع الذى يديره بل إنى سوف أبدأ من دائرة أوسع وهى مصر كلها لأن أى مؤسسة مهما كان نوع النشاط الذى تمارسه لايمكن ان تعمل فى معزل عن البيئة العامة المحيطة بها والتى تمثل الإطار العام لمتخذ القرار أيا كان موقعه .. الواقع الذى ينبغى أن يعيه أى مدير مصرى يقول :
· أن إختيار القيادات لايخضع لأى معايير موضوعية تقيس القدرة والمعرفة والخبرة ، وإنما الإنتماء السياسى أو درجة القرابة أو الولاء لمن بيده قرار التعيين أو الترقية .. وذلك فى حد ذاته حكم بالجمود والخوف من المسئولية والتردد فى اتخاذ القرار وضياع الفرص المتاحة فضلا عن قتله لكل صاحب موهبة أو رغبة فى أن يسهم برأى أو اقتراح لتطوير العمل أو حل مشكلة .. ويفسر ذلك عدم وجود صف ثان يتحمل المسئولية فى غياب المدير ويركز السلطة فى يد شخص يدعى الإدارة وينبغى أن يحاكم بتهمة " النصب الإدارى" .. وطبيعى أن يحيط هؤلاء أنفسهم بدائرة مغلقة من الجهال والمنتفعين ببقاء الحال على ماهو عليه ويصنعون حول " شيخهم " طوقا وسياجا حديديا يمنع أى مخلص راغب فى الإصلاح من الإقتراب منه .. التدريب وحده لايصلح مع هؤلاء ، لابد وأن يشعروا بالتهديد لفقدان مناصبهم ، ولابد من وجود ميزان دقيق للحساب يقيس ويقيم ويمنح أو يمنع طبقا للنتائج التى تتحقق ، وبالتالى يبقى أمر احتفاظهم بمناصبهم رهنا بما يحققونه من إنجازات . خطورة هؤلاء تكمن فى أنهم يتركون ميراثا ثقيلا لمن يأتى بعدهم فتتعثر جهود التغيير والتطوير وتتراكم المشاكل وتزيد هوة التخلف بيننا وبين العالم من حولنا .
· أن التعليم فى مصر وصل إلى مرحلة الدمار الكامل الشامل الذى لم يعد يصلح معه أى "ترقيع" بعد أن تولاه لأكثر من نصف قرن وزراء من غير المتخصصين حرصوا على تنفيذ سياسات تؤمن بأن مواظبة الطالب على الحضور وليس استيعاب مايدرس له يكفى لأن ينجح ، وأن شعبية الحكومة تتعلق فى جزء كبير منها بفتح أبواب المدارس والجامعات على مصراعيها لأى راغب فى الإلتحاق بها بغض النظر عن إمكاناته الشخصية التى تؤهله للنجاح .. وظل التعليم حقلا للتجارب يفصل على مقاس القدرات وليس الإرتفاع بتلك القدرات لكى تتواءم مع التقدم العلمى فى العالم .. والغريب أن الحكومة الآن تدعو إلى جودة التعليم وتنشئ اللجان القومية من أجل ذلك ، بل وتحمل ميزانية الدولة مليارات تصرف على شكل مرتبات ومكافآت لهذا الغرض وهى تعلم تماما أنها تضحك على نفسها وعلينا لأن منظومة التعليم بكل مراحله لابد وأن يعاد صياغتها من جديد .. " التنكيس " لم يعد يجدى ولابد من خطة إحلال وتبديل طويلة المدى للمدارس والجامعات إذا كنا فعلا جادين فى تخريج دفعات من المديرين قادرين على مواجهة تحديات العصر واستيعاب متطلباته.
· نسبة الأمية فى مصر فاقت كل الحدود فى عصر تقاس الأمية فيه بدرجة التعامل مع تكنولوجيا الإتصالات على الرغم من التقارير الحكومية والتى تدبجها كالمعتاد اللجان القومية المختصة .. وليت ذلك قاصرا على من لايعرفون القراءة والكتابة ونسبتهم تفوق ثلثى عدد سكان مصر ، وإنما يضاف إليهم خريجو جامعات يحصلون على الدرجة العلمية وهم لايجيدون كتابة فقرة واحدة بلغتهم الأم بدون أخطاء ناهيك عن جهلهم فى التعامل مع أداة الإتصال المعتمدة فى هذا العصر وهى الكمبيوتر .. وبهذا المقياس ينضمون إلى طابور الأميين فترتفع النسبة إلى مايقرب من 75% .. هؤلاء هم موظفو الدولة ومديرو المستقبل الذين سوف تعتمد عليهم مصر فى مشروعات التنمية والتطوير والتحديث ، ولنا أن نتخيل بعد ذلك ماسيؤول إليه الأمر لنوقن أن ماوصلنا إليه أقل بكثير مما نستحق.
· غياب الرؤية وثقافة التخطيط الإستراتيجى فلا يوجد خطة استراتيجية قومية للتنمية فى مصر .. سياسة النفس القصير هى الغالبة ، وبهذا يصبح الدخول فى أى مشروع عملاق نوع من المغامرة الغير محسوبة العواقب ، ورهان خاسر على المستقبل ، وتحليق فى آفاق التمنى بأن يتحقق الحلم دون أن نوفر له المقومات اللازمة لكى يتحول إلى حقيقة . تعمير سيناء وتوشكى والألف مصنع والملايين من فرص العمل التى لم تتحقق وشرق التفريعة وبحيرة ناصر ومشروع أجريوم وإبنى بيتك كلها مشروعات قومية عملاقة لم تستكمل وتوقفت أو تعثرت لسوء التخطيط وعدم المتابعة او التداخلات الغير محسوبة .. وإذا كان ذلك توجها عاما للدولة فلابد وأن ينصرف على مؤسساتها لكى يصبح جزءا من الثقافة المؤسسية العامة " وقيمة " يؤمن بها ويطبقها مديروا الدولة على اختلاف مستوياتهم ، وبالتالى يصبح التخطيط قصير المدى هو النمط الغالب على كل مؤسساتنا وكثرة تعديل السياسات والنظم أمرا شائعا يخضع لأهواء وتحيزات صاحب القرار .. وربما يفسر ذلك لماذا يبدأ كل مدير جديد عمله بهدم كل مابناه المدير السابق والبدء من جديد فى وضع النظم التى تتفق مع آرائه ومايعتقد أنه الصواب .. النظم الثابتة مثلما فى الغرب لاوجود لها عندنا ، وبالتالى نفتقد ثبات الأحوال حتى لو تغيرت القيادات ، ويسود تبعا لذلك إحساس عام لدى الموظفين بعدم الأمان وبتوقع المفاجآت كلما سرت إشاعة أى تغيير للقيادات ، وذلك فى حد ذاته يجهض التميز والرغبة فى المشاركة واقتراح الحلول للمشكلات وكيفية تجنبها.
· نمط الإسراف فى الإنفاق العام على الرغم من كوننا دولة تعانى من سوء توزيع الثروة فيتكالب المديرون على الاستحواز على أكبر قدر من الموارد المتاحة قبل أن يتم تقاسمها على أساس الحاجة بغض النظر عن أوجه الصرف .. الحكومة تبدد الموارد على سيارات كبار موظفيها (80 ألف سيارة منها 18 ألف سيارة فارهة) تكلف الدولة مليون جنيه بنزين يوميا وتأثيث المكاتب الفخمة والضيافة وبدلات السفر الذى لايكون فى كثير من الأحيان ضروريا للأعداد الكبيرة التى ترافق المسئول ، وينصرف ذلك بالتالى – باعتباره ثقافة مجتمعية – على سلوك باقى مستويات الإدارة .. عدد الوزارات فى مصر يفوق اليابان وأمريكا وأى من الدول الأوروبية بما يزيد عن 20 – 30% ، ومن ثم فلا بأس من إنشاء إدارات وأقسام بالمصالح الحكومية لايحتاج إليها أحد أو يمكن أن تندمج فى إدارات أكبر ، ومن ثم يوجد مديرون يؤدون نفس العمل وبعضهم بدون عمل على الإطلاق ولكنهم يظلون مقيدين بكشوف المرتبات والمكافآت لحين التقاعد أو الموت ليحل محلهم من يليهم فى الدور وهكذا .... وكذلك الناس فى مصر تصرف على رنات التليفون أكثر مما يصرفون على الأكل وطلب العلم والمعرفة، ويظل ذلك هو نمط الإدارة لديهم فى غياب منهج ترتيب الأولويات التى ينبغى أن تحتل مكان الصدارة فى أوجه الصرف المختلفة لإنجاز الأعمال الهامة وأعطائها الأولوية . هل يصدق أحد أن وزارة التعليم العالى لديها فائض فى ميزانيتها يعود إلى الخزانة العامة آخر كل عام لأنها لاتحتاجه؟ مأساة قومية بكل المقاييس ليست بحاجة إلى أى تعليق .
تلك هى ملامح الواقع الذى نعيشه والذى يحدد الإطار الذى نعمل فيه وحقول الألغام التى لابد لنا أن نتفاداها ونحن نخطط للمستقبل .. ولأن المدير المحترف لابد وأن " يعيش " الواقع مهما كان مريرا ولكنه لايخاف " اقتحام " المستقبل مسلحا بالعلم والمعرفة فلابد وأن يكون السؤال هنا : من أين نبدأ ؟ تلك هى قصة " إدارة الواقع " التى نناقشها تباعا ..!
No comments:
Post a Comment