ناقشت فى المقال السابق ملامح الواقع الذى نعيشه والذى يحدد الإطار الذى يعمل من خلاله المدير المصرى وحقول الألغام التى لابد له أن يتفاداها وهو يخطط للمستقبل .. وإذا كان ماطرحته فى المقال السابق يمثل الإطار العام فإن التى نستكمل بها اليوم ملامح المحددات التى تحد من حركة المدير المصرى بالتركيز على الموروثات عميقة الجذور التى شكلت وجداننا وبالتالى أصبحت جزءا من الشخصية المصرية وتمثل أشرس عناصر المقاومة للتغيير وبالتالى تعتبر العدو رقم واحد لأى تطوير أو تحديث فى مكان العمل :
· أول تلك الموروثات السلبية الإستهانة بالوقت .. استهانة تصل إلى حد الكراهية لأى تكليف يرتبط بوقت محدد .. قليل جدا من الناس من يحترم ميعادا أو يرتبط بوعد إلى درجة أن هؤلاء – إن وجدوا – يعتبروا ظاهرة تستحق الدراسة .. يؤصل تلك العادة الذميمة العديد من الموروثات فى الفولكلور المصرى فنجد أمثلة يرضعها الطفل منذ نعومة أظفاره مثل "يامستعجل عطلك الله" أو " فى العجلة الندامة وفى التأنى السلامة " أو " السريع والبطى ع المعدية يلتقى " وكلها تحض على أنه لاداعى مطلقا للقلق على ضياع الوقت وأن العمل المراد القيام به سوف يتم فى وقت ما فلاداعى للقلق .. ويصبح ذلك الإعتقاد جزءا من مكونات الشخصية المصرية ، ويمثل تحدى كبير لأى مدير يحاول أن يتفق مع مرءوسيه على أهداف محددة وتواريخ إنجاز يلتزمون بها لتحقيق خطط العمل ، ويشجع على التفنن فى إيجاد حجج تسببت فى عدم إنجاز العمل والتى غالبا ماتبرئ ساحة المكلف بالعمل الذى هو ضحية لمؤامرات تحيط به وتمنعه أو تعطله عن أداء عمله .. كل موظف يجتهد فى نقل "الشامبنزى" الذى يضايقه من على كتفه إلى كتف زميل آخر .. والغريب أن من يقود سيارته فى الشارع المصرى يدهش لماذا يتسابق الناس ويتصارعون على حق المرور إلى حد تعريض أنفسهم وسياراتهم للخطر إذا كانوا غير مرتبطين بعمل عاجل أو مهمة خطيرة تبرر ذلك السلوك الهمجى اللاإنسانى .
· الفردية والأنانية هى ثانى تلك الموروثات التى تحبس كلا منا داخل شرنقة تجعله يعيش عالمه الخاص ولايرغب فى التفاعل الإنسانى مع الغير ، ويعاف العمل ضمن فريق ، ويعتبر أن ذلك ضياع للوقت والمسئولية ، وأنه لو ترك وحده لأنجز أكثر واسرع مما لو كان مشاركا مع آخرين .. ولقد تحدثت قبلا عن " ثقافة الساندويتش " التى أصلت تلك النزعة الفردية فى نفوسنا منذ الصغر حيث كان الساندويتش يكاد يكون هو الهدف الأسمى الذى ينبغى الدفاع عنه منذ الخروج صباحا للمدرسة والعودة مساء لإعطاء تقرير مفصل عن أن أحدا لم يغزو شنطة المدرسة أو يخطف الساندويتش أو يستأثر به .. الطالب الصغير لايسأل عن مستوى تحصيله وإنما عما إذا كان قد أبلى بلاء حسنا فى الدفاع عن الساندويتش الذى يمثل بالنسبة له رمزا للشرف والكرامة ومظهرا مبكرا من مظاهر الرجولة.. أى مدير تدرب على قيادة فريق عمل سوف يصطدم بأن لديه " مجموعة " من المرءوسين ولكنهم لايشكلون "فريقا" يجمع بينهم أهداف مشتركة يسعون لتحقيقها معا ويعتبرون أنفسهم مسئولين تضامنيا عن النتائج .. علميا فإن المحصلة النهائية للفريق الذى يتعاون فى إنجاز العمل ويقسم المهام بين أعضائه لابد وأن تكون أعلى بكثير مما لو أدى كل موظف عمله منفردا.
· ثالثة الأثافى كما يقولون هى عدم الصبر على البحث والتحليل للوصول إلى أصل المشاكل والسرعة فى إصدار القرارات الغير مدروسة والتى تعالج الأعراض وليس المرض .. وربما يكون السبب هنا هو الطريقة التى نربى عليها أولادنا .. الأب والأم فى مصر يخاف على أولاده خوفا مرضيا فيبالغان فى حمايتهم ، ويدفعان عنهم أى أخبار يعتقدان أنها قد تسبب لهما ألما أو ضيقا ، ويوفران لهم كل وسائل الراحة قدر المستطاع ومن ذلك – وهذا هو مربط الفرس – إحساس مرضى بالمسئولية عن إجابة أى سؤال يسأله الطفل دون أن يساعداه على أن يحاول أولا أن يجد الإجابة بنفسه ثم يلجأ إليهما بعد ذلك إذا فشل فى العثور على إجابة .. نعم ، هناك أسئلة حساسة يسألها الطفل فى مرحلة ما من حياته لابد لوالديه أن يبحثا عن إجابة بسيطة تقرب له المعنى الذى دفعه للسؤال .. ولكن معظم الأسئلة التى يبحث فيها الطفل عن إجابة ترتبط بدراسته ويستطيع بشيئ من التوجيه أن يبحث بنفسه عن الإجابة قبل أن يسأل غيره .. إننا إذن نعود الطفل على ألا يبذل مجهودا لكى " يتعلم " ونحوله إلى "متلقى" يعتمد على غيره فى معظم الأحيان .. نحن نعد " مستهلكين " للمعرفة وليسوا منتجين لها .. وطبيعى أن يصبح ذلك جزءا من الشخصية ومن السلوك العام فى مكان العمل فيصبح عدم الحصول على لمعلومات " شماعة " يعلق عليها الموظفون فشلهم فى أداء أعمالهم فيتحول مكان العمل إلى مباراة فى تبادل الإتهامات بالتقصير والمسئولية عن الجزء الناقص أو " المسلوق " فيما تم إنجازه .
· يرتبط بذلك إحساس متضخم بالذات ، وبأن بعضنا مقتنع أنه بالضرورة أفضل من الآخرين ، وأنه الوحيد الذى يملك الحكمة كاملة .. وهذا أيضا نتيجة لأسلوب خاطئ فى التربية يشجع الطفل "عمال على بطال" فى كل مايقول ويفعل حتى لو كان خطئا ينبغى التدخل لتصويبه.. ثقافة " أوعى تقول ماأعرفش " التى ناقشتها فى مقال سابق تشجع الطفل على أن يدعى العلم حين يسأل سؤالا لكى يتجنب عقاب المدرس الذى يقرن عدم الإجابة على الأسئلة فى الفصل بالتقصير فى الإستذكار ، والوالد الذى يعاقب هو الآخر بأن يظهر استياءه من جهل إبنه ببعض المسائل البسيطة التى يعتقد أنه لابد أن يعرفها بالضرورة .. والنتيجة الطبيعية أن يتظاهر الطفل بالمعرفة " ويفتى " فيما يعرف ومالايعرف ، ويصبح ذلك نمطا شخصيا يكبر معه ويلازمه حتى يتعلم أن تحصيل المعرفة أصبح ممكنا وسهلا بتوافر أدوات البحث السريع الغير مرهق لكل من تتوافر له الإرادة .. هذه الثقافة هى التى تجعل أى مصرى تسأله عن عنوان يرفض إلا أن يدلك عليه حتى لو كان لم يسمع باسم الشارع الذى تسأل عنه أو المنطقة التى تقصدها .. المشكلة فى مكان العمل أن من نفترض فيهم المعرفة أحيانا لايعرفون – وهذا أمر طبيعى – ولكنهم يخجلون من التصريح بذلك فيقطعون بآراء يترتب عليها قرارات خاطئة أو نتائج سلبية تضر أكثر مما تنفع .
· ظاهرة أخرى أراها محيرة ، فعلى الرغم من أننا شعب مجامل إلا أنى لا أسمع كثيرا كلمة "شكرا" فى أماكن العمل لتشجيع العاملين على الإستمرار فى الإجادة أو حتى الحرص على ذلك .. المسئولون فى مكان العمل لايجدون صعوبة على الإطلاق فى انتقاد أداء المرءوسين وفى المقابل يصعب عليهم جدا أن يمتدحوا محاولة جادة للتفوق أو الثناء على اقتراح بناء أو الإجتهاد فى تقديم المساعدة .. يعتبرون ذلك "واجبا" لايستحق الشكر بينما الحقيقة العلمية ببساطة هى أن " المكافأة " التى نقدمها نظير عمل متميز تشجع الموظف على التمسك بالسلوك الذى حقق له تلك المكافأة مهما كانت بسيطة مثل رضاء رئيسه عنه أو كلمة شكرا كما قلنا .. وحين سألت مجموعة من المديرين فى برنامج تدريبى عن آخر مرة قال كل منهم لزوجته أو زوجها " شكرا " ضحكوا جميعا وصرح أكثر من 98% منهم أنهم لايذكرون .. وطبيعى أن يكون تعليقى : هل تعتقدون أننا جميعا بحاجة إلى أن نتعلم علم وفن " تحفيز " موظيفينا لأن فاقد الشيئ لايعطيه .
· آخر ماأريد أن أطرحه هنا من موروثات هو الإستئثار بالسلطة والتى تشجع على أن يجمع المدير المصرى كل السلطات فى يده ولايفوض ولو جزء بسيط منها لمرءوسيه مع أن صوتنا قد بح فى تشجيع المديرين أن يخصصوا وقتا أطول للتفكير والتخطيط الإستراتيجيين لأن هذا هو جوهر عملهم وأن يربوا صفا ثانيا من المديرين يرفعون عن كاهلهم عبء الأعمال الروتينية التى يحشرون أنفسهم فيها حشرا فلا يجدون وقتا للنظر إلى الصورة الكلية لفريق العمل عن بعد .. بعض المديرين يرى أن " الإدارة " ليس عملا يستنفذ الوقت كله ، ولذلك يجد وقتا لكى يقوم بأعمال هى من صميم عمل مرؤوسيه ، مع أن الحقيقة أن المدير لو تفرغ طول الوقت للإدارة فى التخطيط لما يريد تحقيقه من أهداف ، والتنظيم للموارد المتاحة لديه لكى يتمكن من ذلك ، والريادة والقيادة بالقدوة لكى يرى الآ خرون فيه نموذجا يحتذى وتحفيز موظفيه ليزيد كفاءتهم وإنتاجهم ومستوى جودة عملهم ، والمتابعة لكى يطمئن على سير العمل فى الإتجاه الذى يؤدى فى النهاية إلى تحقيق الأهداف والتدخل بقرارات تصحيحية إذا لزم الأمر لتصويب المسار كما قلنا قبلا .. لو أدى المدير كل مهام الإدارة تلك بالكفاءة والفعالية المطلوبين فإنه قد لايجد وقتا كافيا لذلك.. نوعية القائد الناجح تقاس بنوعية فى أى موقع عمل أصبحت تقاس بنوعية أفراد الفريق الذى يتبعه ، ومن ثم فإن الاستثمار فى الفريق يعلى من شأن قائد الفريق نفسه فى جهة العمل ولدى رؤسائه .
بعد أن اكتملت لدينا صورة الواقع المجتمعى بتأثيراته المختلفة فى عملية اتخاذ القرار، والمورثات الثقافية التى تشكل وجدان المدير نفسه أصبحنا الآن على استعداد للإنطلاق نحو وضع "عيون القط" على طريق منهج " الإدارة بالواقع " والتى ترشد المدير الراغب فى التجريب أن "يقود" وهو مطمئن إذا اتسم بشجاعة إتخاذ القرار على ضوء ماتوافر له من إمكانات، والإصرار على قطع الرحلة بنجاح دون مفاجآت .. كيف ؟ ذلك هو موضوع المقال التالى بإذن الله .
· أول تلك الموروثات السلبية الإستهانة بالوقت .. استهانة تصل إلى حد الكراهية لأى تكليف يرتبط بوقت محدد .. قليل جدا من الناس من يحترم ميعادا أو يرتبط بوعد إلى درجة أن هؤلاء – إن وجدوا – يعتبروا ظاهرة تستحق الدراسة .. يؤصل تلك العادة الذميمة العديد من الموروثات فى الفولكلور المصرى فنجد أمثلة يرضعها الطفل منذ نعومة أظفاره مثل "يامستعجل عطلك الله" أو " فى العجلة الندامة وفى التأنى السلامة " أو " السريع والبطى ع المعدية يلتقى " وكلها تحض على أنه لاداعى مطلقا للقلق على ضياع الوقت وأن العمل المراد القيام به سوف يتم فى وقت ما فلاداعى للقلق .. ويصبح ذلك الإعتقاد جزءا من مكونات الشخصية المصرية ، ويمثل تحدى كبير لأى مدير يحاول أن يتفق مع مرءوسيه على أهداف محددة وتواريخ إنجاز يلتزمون بها لتحقيق خطط العمل ، ويشجع على التفنن فى إيجاد حجج تسببت فى عدم إنجاز العمل والتى غالبا ماتبرئ ساحة المكلف بالعمل الذى هو ضحية لمؤامرات تحيط به وتمنعه أو تعطله عن أداء عمله .. كل موظف يجتهد فى نقل "الشامبنزى" الذى يضايقه من على كتفه إلى كتف زميل آخر .. والغريب أن من يقود سيارته فى الشارع المصرى يدهش لماذا يتسابق الناس ويتصارعون على حق المرور إلى حد تعريض أنفسهم وسياراتهم للخطر إذا كانوا غير مرتبطين بعمل عاجل أو مهمة خطيرة تبرر ذلك السلوك الهمجى اللاإنسانى .
· الفردية والأنانية هى ثانى تلك الموروثات التى تحبس كلا منا داخل شرنقة تجعله يعيش عالمه الخاص ولايرغب فى التفاعل الإنسانى مع الغير ، ويعاف العمل ضمن فريق ، ويعتبر أن ذلك ضياع للوقت والمسئولية ، وأنه لو ترك وحده لأنجز أكثر واسرع مما لو كان مشاركا مع آخرين .. ولقد تحدثت قبلا عن " ثقافة الساندويتش " التى أصلت تلك النزعة الفردية فى نفوسنا منذ الصغر حيث كان الساندويتش يكاد يكون هو الهدف الأسمى الذى ينبغى الدفاع عنه منذ الخروج صباحا للمدرسة والعودة مساء لإعطاء تقرير مفصل عن أن أحدا لم يغزو شنطة المدرسة أو يخطف الساندويتش أو يستأثر به .. الطالب الصغير لايسأل عن مستوى تحصيله وإنما عما إذا كان قد أبلى بلاء حسنا فى الدفاع عن الساندويتش الذى يمثل بالنسبة له رمزا للشرف والكرامة ومظهرا مبكرا من مظاهر الرجولة.. أى مدير تدرب على قيادة فريق عمل سوف يصطدم بأن لديه " مجموعة " من المرءوسين ولكنهم لايشكلون "فريقا" يجمع بينهم أهداف مشتركة يسعون لتحقيقها معا ويعتبرون أنفسهم مسئولين تضامنيا عن النتائج .. علميا فإن المحصلة النهائية للفريق الذى يتعاون فى إنجاز العمل ويقسم المهام بين أعضائه لابد وأن تكون أعلى بكثير مما لو أدى كل موظف عمله منفردا.
· ثالثة الأثافى كما يقولون هى عدم الصبر على البحث والتحليل للوصول إلى أصل المشاكل والسرعة فى إصدار القرارات الغير مدروسة والتى تعالج الأعراض وليس المرض .. وربما يكون السبب هنا هو الطريقة التى نربى عليها أولادنا .. الأب والأم فى مصر يخاف على أولاده خوفا مرضيا فيبالغان فى حمايتهم ، ويدفعان عنهم أى أخبار يعتقدان أنها قد تسبب لهما ألما أو ضيقا ، ويوفران لهم كل وسائل الراحة قدر المستطاع ومن ذلك – وهذا هو مربط الفرس – إحساس مرضى بالمسئولية عن إجابة أى سؤال يسأله الطفل دون أن يساعداه على أن يحاول أولا أن يجد الإجابة بنفسه ثم يلجأ إليهما بعد ذلك إذا فشل فى العثور على إجابة .. نعم ، هناك أسئلة حساسة يسألها الطفل فى مرحلة ما من حياته لابد لوالديه أن يبحثا عن إجابة بسيطة تقرب له المعنى الذى دفعه للسؤال .. ولكن معظم الأسئلة التى يبحث فيها الطفل عن إجابة ترتبط بدراسته ويستطيع بشيئ من التوجيه أن يبحث بنفسه عن الإجابة قبل أن يسأل غيره .. إننا إذن نعود الطفل على ألا يبذل مجهودا لكى " يتعلم " ونحوله إلى "متلقى" يعتمد على غيره فى معظم الأحيان .. نحن نعد " مستهلكين " للمعرفة وليسوا منتجين لها .. وطبيعى أن يصبح ذلك جزءا من الشخصية ومن السلوك العام فى مكان العمل فيصبح عدم الحصول على لمعلومات " شماعة " يعلق عليها الموظفون فشلهم فى أداء أعمالهم فيتحول مكان العمل إلى مباراة فى تبادل الإتهامات بالتقصير والمسئولية عن الجزء الناقص أو " المسلوق " فيما تم إنجازه .
· يرتبط بذلك إحساس متضخم بالذات ، وبأن بعضنا مقتنع أنه بالضرورة أفضل من الآخرين ، وأنه الوحيد الذى يملك الحكمة كاملة .. وهذا أيضا نتيجة لأسلوب خاطئ فى التربية يشجع الطفل "عمال على بطال" فى كل مايقول ويفعل حتى لو كان خطئا ينبغى التدخل لتصويبه.. ثقافة " أوعى تقول ماأعرفش " التى ناقشتها فى مقال سابق تشجع الطفل على أن يدعى العلم حين يسأل سؤالا لكى يتجنب عقاب المدرس الذى يقرن عدم الإجابة على الأسئلة فى الفصل بالتقصير فى الإستذكار ، والوالد الذى يعاقب هو الآخر بأن يظهر استياءه من جهل إبنه ببعض المسائل البسيطة التى يعتقد أنه لابد أن يعرفها بالضرورة .. والنتيجة الطبيعية أن يتظاهر الطفل بالمعرفة " ويفتى " فيما يعرف ومالايعرف ، ويصبح ذلك نمطا شخصيا يكبر معه ويلازمه حتى يتعلم أن تحصيل المعرفة أصبح ممكنا وسهلا بتوافر أدوات البحث السريع الغير مرهق لكل من تتوافر له الإرادة .. هذه الثقافة هى التى تجعل أى مصرى تسأله عن عنوان يرفض إلا أن يدلك عليه حتى لو كان لم يسمع باسم الشارع الذى تسأل عنه أو المنطقة التى تقصدها .. المشكلة فى مكان العمل أن من نفترض فيهم المعرفة أحيانا لايعرفون – وهذا أمر طبيعى – ولكنهم يخجلون من التصريح بذلك فيقطعون بآراء يترتب عليها قرارات خاطئة أو نتائج سلبية تضر أكثر مما تنفع .
· ظاهرة أخرى أراها محيرة ، فعلى الرغم من أننا شعب مجامل إلا أنى لا أسمع كثيرا كلمة "شكرا" فى أماكن العمل لتشجيع العاملين على الإستمرار فى الإجادة أو حتى الحرص على ذلك .. المسئولون فى مكان العمل لايجدون صعوبة على الإطلاق فى انتقاد أداء المرءوسين وفى المقابل يصعب عليهم جدا أن يمتدحوا محاولة جادة للتفوق أو الثناء على اقتراح بناء أو الإجتهاد فى تقديم المساعدة .. يعتبرون ذلك "واجبا" لايستحق الشكر بينما الحقيقة العلمية ببساطة هى أن " المكافأة " التى نقدمها نظير عمل متميز تشجع الموظف على التمسك بالسلوك الذى حقق له تلك المكافأة مهما كانت بسيطة مثل رضاء رئيسه عنه أو كلمة شكرا كما قلنا .. وحين سألت مجموعة من المديرين فى برنامج تدريبى عن آخر مرة قال كل منهم لزوجته أو زوجها " شكرا " ضحكوا جميعا وصرح أكثر من 98% منهم أنهم لايذكرون .. وطبيعى أن يكون تعليقى : هل تعتقدون أننا جميعا بحاجة إلى أن نتعلم علم وفن " تحفيز " موظيفينا لأن فاقد الشيئ لايعطيه .
· آخر ماأريد أن أطرحه هنا من موروثات هو الإستئثار بالسلطة والتى تشجع على أن يجمع المدير المصرى كل السلطات فى يده ولايفوض ولو جزء بسيط منها لمرءوسيه مع أن صوتنا قد بح فى تشجيع المديرين أن يخصصوا وقتا أطول للتفكير والتخطيط الإستراتيجيين لأن هذا هو جوهر عملهم وأن يربوا صفا ثانيا من المديرين يرفعون عن كاهلهم عبء الأعمال الروتينية التى يحشرون أنفسهم فيها حشرا فلا يجدون وقتا للنظر إلى الصورة الكلية لفريق العمل عن بعد .. بعض المديرين يرى أن " الإدارة " ليس عملا يستنفذ الوقت كله ، ولذلك يجد وقتا لكى يقوم بأعمال هى من صميم عمل مرؤوسيه ، مع أن الحقيقة أن المدير لو تفرغ طول الوقت للإدارة فى التخطيط لما يريد تحقيقه من أهداف ، والتنظيم للموارد المتاحة لديه لكى يتمكن من ذلك ، والريادة والقيادة بالقدوة لكى يرى الآ خرون فيه نموذجا يحتذى وتحفيز موظفيه ليزيد كفاءتهم وإنتاجهم ومستوى جودة عملهم ، والمتابعة لكى يطمئن على سير العمل فى الإتجاه الذى يؤدى فى النهاية إلى تحقيق الأهداف والتدخل بقرارات تصحيحية إذا لزم الأمر لتصويب المسار كما قلنا قبلا .. لو أدى المدير كل مهام الإدارة تلك بالكفاءة والفعالية المطلوبين فإنه قد لايجد وقتا كافيا لذلك.. نوعية القائد الناجح تقاس بنوعية فى أى موقع عمل أصبحت تقاس بنوعية أفراد الفريق الذى يتبعه ، ومن ثم فإن الاستثمار فى الفريق يعلى من شأن قائد الفريق نفسه فى جهة العمل ولدى رؤسائه .
بعد أن اكتملت لدينا صورة الواقع المجتمعى بتأثيراته المختلفة فى عملية اتخاذ القرار، والمورثات الثقافية التى تشكل وجدان المدير نفسه أصبحنا الآن على استعداد للإنطلاق نحو وضع "عيون القط" على طريق منهج " الإدارة بالواقع " والتى ترشد المدير الراغب فى التجريب أن "يقود" وهو مطمئن إذا اتسم بشجاعة إتخاذ القرار على ضوء ماتوافر له من إمكانات، والإصرار على قطع الرحلة بنجاح دون مفاجآت .. كيف ؟ ذلك هو موضوع المقال التالى بإذن الله .
No comments:
Post a Comment