فى علم الإدارة نحاول أن نوصف الأنماط المختلفة للمديرين والأساليب التى يتبعونها لاتخاذ القرارات مثل الإدارة بالأهداف والإدارة بالتجوال والإدارة بالمشاركة .. ومنذ سنوات يتملكنى هاجس يسيطر على كلما دعيت إلى ندوة أو أدليت بحديث أو ألقيت محاضرة وأتساءل : هل من وسيلة أستطيع بها أن أخضع علم الإدارة للظروف الخاصة المتفردة فى مؤسساتنا على اختلاف أنواعها ، وأن أقرب مفهومه وأبسطه إلى مستوى عامة المديرين بحيث يرشدوا قراراتهم وأن يبنوها على الواقع مستغلين المتاح من الموارد بدلا من الإنتظار لحين استكمال كل الموارد اللآزمة قبل اتخاذ أى قرار ، وأخيرا أن أختار إسما لنمط الإدارة الذى أدعو له يؤكد على هذا المعنى ؟ إعتبرت ذلك مدخلا لمشروع أكبر أحلم بأن يتم .. مشروع أطور به نظرية جديدة فى الإدارة تناسب واقعنا وتكون تطبيقاتها قادرة على حل مشاكلنا التى ننفرد بها وتتواءم فى الوقت نفسه مع الموروث الثقافى لشعبنا والتى تسهم فى تشكيل المدير المصرى وترسخ النمط العام للإدارة الذى يرتاح إليه معظم المديرين المصريين مثل عدم الرغبة فى تفويض السلطة ، وعدم تشجيع العمل الجماعى ، والإستبداد فى إتخاذ القرارات ، والجمود فى تبنى المواقف ، والإعتماد على التواصل المكتوب والتوثيق ، وعدم الإيمان بخلق صف ثان مدرب على العمل . الذى دفعنى إلى هذا التفكير عدة أسباب أحاول أن أطرحها إيجازا لعلها توضح الأسس التى تقوم عليها النظرية التى أعمل عليها :
· علم الإدارة – الذى اعتبره علم العلوم – هو الإطار الذى يحدد كفاءة وفعالية أى مهارة مهنية وأى قرار يتخذه أى مدير مسئول فى أى جهة .. هذا العلم الذى يمكن أن ينظم حركة الحياة بوجه عام والأداء المؤسسى داخل أى مجتمع بوجه خاص " مغرب " (بتشديد الراء) نتيجة للتدريس النظرى للعلم الذى لايمكن " تعلمه " دون ممارسة للمبادئ النظرية التى يقوم عليها العلم . ويكفى أن أساتذة الإدارة حتى الآن لايكلفون أنفسهم مشقة تصحيح أقوال شائعة خاطئة عن العلم الذى يدرسونه ويقصد بها عكس مايقال مثل " مشكلة مصر هى الإدارة " بينما المقصود هو " سوء الإدارة " .
· لدى إيمان وثيق بأن الناس – كل الناس – لديهم مهما كان مستواهم يمكن أن يتعلموا مبادئ مبسطة عن علم الإدارة لو صيغت بقدر كبير من البساطة وارتبطت بمشاريع صغيرة بسيطة يفكرون فيها لإدارة شئون حياتهم ، ويمكن لهم بعد ذلك أن يمارسوا الإدارة عمليا ويرصدون النتائج ويصححون المسار لكى يحققوا أهداف مشروعاتهم الشخصية . أقول ذلك لأن الناس بالضرورة يطبقون فى تسيير شئون حياتهم المهارات الأساسية للإدارة بالفطرة مثل الحصول على قرض أو شراء سلعة أو القيام بأجازة قصيرة ناهيك عن النشاطات التى يقومون بها لكى يؤدوا أعمالهم فى المصالح التى يعملون بها .
· معروف أن المصالح الحكومية فى مصر تعمل كجزر منعزلة حتى لو كانت تعمل لتحقيق نفس الأهداف ، مع أن الأصل أن يجمعها خطة واحدة توفر الوقت والجهد والمال لصالح المستفيدين من أصحاب الحاجات . فى وزارة التعليم العالى مثلا هناك وحدة للتخطيط الإستراتيجى فى الوزارة ، ثم مشروع لتأهيل الجامعات للحصول على الإعتماد ، ثم أخيرا الهيئة القومية لضمان الجودة والإعتماد .. كل جهة تعمل منفصلة عن الأخرى ولايجمعها كلها خطة استراتيجية واحدة تحدد الأهداف وتوزع الأدوار وتقيس النتائج وعوائدها .. النتيجة لمثل ذلك الموقف أن تجد الجامعات نفسها فى مواقف متضاربة وطلبات متعارضة من كل جهة من الجهات ، وعدم وضوح فى الرؤية والأهداف معا .. ولدى مئات الأمثلة الأخرى من واقع معايشتى للعمل العام على امتداد الأربعين عاما الماضية .
· كلما زرت مصلحة حكومية أو هيئة أو مؤسسة والتقيت فيها بالقيادات يكون التركيز دائما على السلبيات والمعوقات التى تمنع المديرين من أداء أعمالهم ونقص الموارد التى يحتاجونها لإنجاز المطلوب منهم أكثر بكثير من اقتراح الحلول للتغلب على تلك المعوقات أو حتى التخفيف من وقعها وآثارها .. والنتيجة أن تصاب أماكن العمل بالشلل التام حتى تتوافر الإمكانات مع أن فى الإمكان التخطيط لاستخدام المتاح حتى يتوافر الباقى المطلوب .. وهناك قصص نجاح مبهرة استطاع المديرون بها أن يعظموا قيمة المتاح لديهم بينما يحاولون جهدهم أن يحصلوا على المزيد الذى يتيح لهم نجاحا أكبر وإنجازات أكثر.
· أننا جميعا " ندير " حياتنا العامة بمنتهى النجاح حين يتعلق الأمر بشيئ نحبه ونسعى لتحقيقه كالعلاقات الإنسانية بأشكالها المختلفة أو القيام برحلة أو شراء شيئ نتمنى اقتناءه أو بدء مشروع عمل يدر علينا عائدا محترما أو التخطيط لممارسة رياضة نحبها .. كل ذلك يحفزنا على الإبداع ويشحن طاقاتنا لبذل جهد أكبر لتحقيق أقصى نجاح فى أقل وقت وبأقل تكلفة ممكنة .. المعنى هنا أن أجواء لايتوافر فيها هذا النوع من التحفيز لأننا نضع " نقص الإمكانات " عقبة كبيرة لايمكن التغلب عليها أو تخطيها ، ومن ثم يصيبنا الإحباط واليأس من أى إنجاز أو تغيير أو حتى تطوير مهما كان بسيطا وممكنا فى حدود الإمكانات المتاحة.
· ألاحظ أيضا من الخبرة والممارسة والاحتكاك بمستويات عديدة من المديرين أن أضعف حلقة فى المنظومة الإدارية فى مصر كلها هى " الرقابة والمتابعة " والسبب فى ذلك تراكمات اقتصادية واجتماعية وسياسية حولت معظم المصريين إلى متفرجين بدلا من أن يكونوا مشاركين فى وطنهم .. ووضعت القرار بالكامل فى يد الحكومة تنوب عن الناس فى التخطيط لأمور حياتهم والإدعاء بتوفير حاجاتهم بشرط ألا ينخرطوا فى السياسة أو يزعجوا الحكومة بالتدخل فى سير الأمور حسب هوى صاحب القرار .. لم يعد أحدا يحاسب أحدا .. ولم يعد من سلطة المدير أن يحاسب مرءوسيه أو أن يحاسبه رئيسه ، وأصيب الناس " بالأنامالية " والسلبية كما لو كانت مصر بغير صاحب وأمورها لاتعنى أحدا .. نشتعل حماسا حين نبدأ مشروعا ما ثم تخبو نيران الحماس تدريجيا حتى يموت الإهتمام موتا طبيعيا بالنسيان .. وكم من قضية قومية أفلت الجناة فيها من الحساب نتيجة لذلك حتى لو كان الجرم هو تسميم الناس أو تعمد قتلهم أو نهب أموالهم أو إفساد عقولهم .
· الأخطر من كل ذلك أن تتوافر الإمكانات وتزيد عن الحاجة ولكن يساء استغلالها أو تهدر فى غير مكانها فتتحول المشروعات إلى خراب يداهم الناس ويعم عليهم ويدفعون ثمنه من قوتهم وقوت أولادهم .. وكلما كان المشروع عملاقا كلما كانت الخسارة فى القرار الخاطئ أفدح ، وتاريخنا فى مصر يمتلئ بعشرات إن لم يكن مئات من الحالات التى أخفقت الحكومات المختلفة فيها فى تحقيق الحد الأدنى مما التزمت به عند توليها السلطة ولعشرات السنين .. سيناء لم يتم تعميرها ، ومشروع توشكى لم ينجز منه غير أقل من 10% ، والبنوك نهبت ، والتعليم الذى هو عقل الأمة تم تدميره بالتجريب والجهل .. تاريخ لابد وأن تخجل منه أى أمة لم تأخذ بأسباب العلم ولم تنصت لصوت العقل وتناست عمدا أن هناك علما أسمه الإدارة يتعلمه كل من تصدى للعمل العام والوظائف العامة فى أى دولة متقدمة.
من حقى وحق القارئ أن نتساءل والحالة هذه: كيف نشترط منح " ترخيص بمزاولة المهنة " للصحفى والمهندس والطبيب والمحامى والصيدلى ولايكون ذلك شرطا لممارسة مهنة الإدارة مع خطورتها وتأثيرها الكبير على نمو المجتمع وتطوره ؟ وقد يقول قائل إن تلك دعوة لكى نوقف دولاب العمل بالمصالح والهيئات والمؤسسات حتى يتم ماأنادى به ، ولكن ذلك أبعد مايكون عن مقصدى .. المديرون الحالييون يؤهلون للبقاء فى مناصبهم وممارسة اختصاصاتهم ويمنحون الترخيص بعد المرور بالدورات التأهيلية الجادة والمدروسة .. أما الجيل الجديد من المديرين فلا أن يدرسوا الإدارة فى الكليات المتخصصة فى ذلك العلم ( وأنا هنا أنادى بكيانات تختلف تماما عن كليات التجارة بجامعاتنا بصورتها وشكلها الحالى) فيصبحوا مؤهلين ومرخص لهم بمزاولة المهنة .. الإدارة فى مصر امتهنت وأصبحت بالأقدمية تارة وبالواسطة والقفز على أكتاف الأحق من الموظفين تارة أخرى ، والنتيجة أن مصر كلها أصبحت تدار عشوائيا بردود الأفعال والإجتهاد وبأسلوب إطفاء الحرائق التى تشتعل كل يوم فى كل موقع عمل ويتصدى لإطفائها مديرون هواه يحاولون إخماد النيران بالتقاط أقرب الأوعية إلى أيديهم بغض النظر ماإذا كانت مملوءة بالماء أم بالبنزين .. الغالبية العظمى من مديرينا فى مصر من أصغرهم إلى أكبرهم بحاجة إلى إعادة تأهيل لكى يمارسوا الإدارة .. والنظرية التى أدعو إليها هى فى نظرى السبيل إلى بيان كيف نحقق ذلك لعلنا ننقذ البقية الباقية من موارد الدولة التى أصبحت مشاعا لكل من يريد أن يجرب بعد أن ينجح فى اعتلاء كرسى الإدارة العالى فى المصلحة أو الهيئة أو المؤسسة أو حتى الوزارة .. لقد بدأت سلسلة الأحاديث التى ألقيها فى هذا الموضوع بلقاء مع قيادات وزارة التنمية الإدارية باعتبارها الوزارة المعنية بشئون الإصلاح الإدارى فى مصر عندما استفزنى الشعار الذى اختارته الوزارة لكى يعبر عن الإستراتيجية التى تتبعها فى عملية الإصلاح التى تقوم بها .. الشعار هو " الحكومة تبادر..الحكومة تستمع .. الحكومة تستجيب" .. ولكن تلك قصة أخرى .. وبالذات فى حكاية "تستجيب" تلك ..!
· علم الإدارة – الذى اعتبره علم العلوم – هو الإطار الذى يحدد كفاءة وفعالية أى مهارة مهنية وأى قرار يتخذه أى مدير مسئول فى أى جهة .. هذا العلم الذى يمكن أن ينظم حركة الحياة بوجه عام والأداء المؤسسى داخل أى مجتمع بوجه خاص " مغرب " (بتشديد الراء) نتيجة للتدريس النظرى للعلم الذى لايمكن " تعلمه " دون ممارسة للمبادئ النظرية التى يقوم عليها العلم . ويكفى أن أساتذة الإدارة حتى الآن لايكلفون أنفسهم مشقة تصحيح أقوال شائعة خاطئة عن العلم الذى يدرسونه ويقصد بها عكس مايقال مثل " مشكلة مصر هى الإدارة " بينما المقصود هو " سوء الإدارة " .
· لدى إيمان وثيق بأن الناس – كل الناس – لديهم مهما كان مستواهم يمكن أن يتعلموا مبادئ مبسطة عن علم الإدارة لو صيغت بقدر كبير من البساطة وارتبطت بمشاريع صغيرة بسيطة يفكرون فيها لإدارة شئون حياتهم ، ويمكن لهم بعد ذلك أن يمارسوا الإدارة عمليا ويرصدون النتائج ويصححون المسار لكى يحققوا أهداف مشروعاتهم الشخصية . أقول ذلك لأن الناس بالضرورة يطبقون فى تسيير شئون حياتهم المهارات الأساسية للإدارة بالفطرة مثل الحصول على قرض أو شراء سلعة أو القيام بأجازة قصيرة ناهيك عن النشاطات التى يقومون بها لكى يؤدوا أعمالهم فى المصالح التى يعملون بها .
· معروف أن المصالح الحكومية فى مصر تعمل كجزر منعزلة حتى لو كانت تعمل لتحقيق نفس الأهداف ، مع أن الأصل أن يجمعها خطة واحدة توفر الوقت والجهد والمال لصالح المستفيدين من أصحاب الحاجات . فى وزارة التعليم العالى مثلا هناك وحدة للتخطيط الإستراتيجى فى الوزارة ، ثم مشروع لتأهيل الجامعات للحصول على الإعتماد ، ثم أخيرا الهيئة القومية لضمان الجودة والإعتماد .. كل جهة تعمل منفصلة عن الأخرى ولايجمعها كلها خطة استراتيجية واحدة تحدد الأهداف وتوزع الأدوار وتقيس النتائج وعوائدها .. النتيجة لمثل ذلك الموقف أن تجد الجامعات نفسها فى مواقف متضاربة وطلبات متعارضة من كل جهة من الجهات ، وعدم وضوح فى الرؤية والأهداف معا .. ولدى مئات الأمثلة الأخرى من واقع معايشتى للعمل العام على امتداد الأربعين عاما الماضية .
· كلما زرت مصلحة حكومية أو هيئة أو مؤسسة والتقيت فيها بالقيادات يكون التركيز دائما على السلبيات والمعوقات التى تمنع المديرين من أداء أعمالهم ونقص الموارد التى يحتاجونها لإنجاز المطلوب منهم أكثر بكثير من اقتراح الحلول للتغلب على تلك المعوقات أو حتى التخفيف من وقعها وآثارها .. والنتيجة أن تصاب أماكن العمل بالشلل التام حتى تتوافر الإمكانات مع أن فى الإمكان التخطيط لاستخدام المتاح حتى يتوافر الباقى المطلوب .. وهناك قصص نجاح مبهرة استطاع المديرون بها أن يعظموا قيمة المتاح لديهم بينما يحاولون جهدهم أن يحصلوا على المزيد الذى يتيح لهم نجاحا أكبر وإنجازات أكثر.
· أننا جميعا " ندير " حياتنا العامة بمنتهى النجاح حين يتعلق الأمر بشيئ نحبه ونسعى لتحقيقه كالعلاقات الإنسانية بأشكالها المختلفة أو القيام برحلة أو شراء شيئ نتمنى اقتناءه أو بدء مشروع عمل يدر علينا عائدا محترما أو التخطيط لممارسة رياضة نحبها .. كل ذلك يحفزنا على الإبداع ويشحن طاقاتنا لبذل جهد أكبر لتحقيق أقصى نجاح فى أقل وقت وبأقل تكلفة ممكنة .. المعنى هنا أن أجواء لايتوافر فيها هذا النوع من التحفيز لأننا نضع " نقص الإمكانات " عقبة كبيرة لايمكن التغلب عليها أو تخطيها ، ومن ثم يصيبنا الإحباط واليأس من أى إنجاز أو تغيير أو حتى تطوير مهما كان بسيطا وممكنا فى حدود الإمكانات المتاحة.
· ألاحظ أيضا من الخبرة والممارسة والاحتكاك بمستويات عديدة من المديرين أن أضعف حلقة فى المنظومة الإدارية فى مصر كلها هى " الرقابة والمتابعة " والسبب فى ذلك تراكمات اقتصادية واجتماعية وسياسية حولت معظم المصريين إلى متفرجين بدلا من أن يكونوا مشاركين فى وطنهم .. ووضعت القرار بالكامل فى يد الحكومة تنوب عن الناس فى التخطيط لأمور حياتهم والإدعاء بتوفير حاجاتهم بشرط ألا ينخرطوا فى السياسة أو يزعجوا الحكومة بالتدخل فى سير الأمور حسب هوى صاحب القرار .. لم يعد أحدا يحاسب أحدا .. ولم يعد من سلطة المدير أن يحاسب مرءوسيه أو أن يحاسبه رئيسه ، وأصيب الناس " بالأنامالية " والسلبية كما لو كانت مصر بغير صاحب وأمورها لاتعنى أحدا .. نشتعل حماسا حين نبدأ مشروعا ما ثم تخبو نيران الحماس تدريجيا حتى يموت الإهتمام موتا طبيعيا بالنسيان .. وكم من قضية قومية أفلت الجناة فيها من الحساب نتيجة لذلك حتى لو كان الجرم هو تسميم الناس أو تعمد قتلهم أو نهب أموالهم أو إفساد عقولهم .
· الأخطر من كل ذلك أن تتوافر الإمكانات وتزيد عن الحاجة ولكن يساء استغلالها أو تهدر فى غير مكانها فتتحول المشروعات إلى خراب يداهم الناس ويعم عليهم ويدفعون ثمنه من قوتهم وقوت أولادهم .. وكلما كان المشروع عملاقا كلما كانت الخسارة فى القرار الخاطئ أفدح ، وتاريخنا فى مصر يمتلئ بعشرات إن لم يكن مئات من الحالات التى أخفقت الحكومات المختلفة فيها فى تحقيق الحد الأدنى مما التزمت به عند توليها السلطة ولعشرات السنين .. سيناء لم يتم تعميرها ، ومشروع توشكى لم ينجز منه غير أقل من 10% ، والبنوك نهبت ، والتعليم الذى هو عقل الأمة تم تدميره بالتجريب والجهل .. تاريخ لابد وأن تخجل منه أى أمة لم تأخذ بأسباب العلم ولم تنصت لصوت العقل وتناست عمدا أن هناك علما أسمه الإدارة يتعلمه كل من تصدى للعمل العام والوظائف العامة فى أى دولة متقدمة.
من حقى وحق القارئ أن نتساءل والحالة هذه: كيف نشترط منح " ترخيص بمزاولة المهنة " للصحفى والمهندس والطبيب والمحامى والصيدلى ولايكون ذلك شرطا لممارسة مهنة الإدارة مع خطورتها وتأثيرها الكبير على نمو المجتمع وتطوره ؟ وقد يقول قائل إن تلك دعوة لكى نوقف دولاب العمل بالمصالح والهيئات والمؤسسات حتى يتم ماأنادى به ، ولكن ذلك أبعد مايكون عن مقصدى .. المديرون الحالييون يؤهلون للبقاء فى مناصبهم وممارسة اختصاصاتهم ويمنحون الترخيص بعد المرور بالدورات التأهيلية الجادة والمدروسة .. أما الجيل الجديد من المديرين فلا أن يدرسوا الإدارة فى الكليات المتخصصة فى ذلك العلم ( وأنا هنا أنادى بكيانات تختلف تماما عن كليات التجارة بجامعاتنا بصورتها وشكلها الحالى) فيصبحوا مؤهلين ومرخص لهم بمزاولة المهنة .. الإدارة فى مصر امتهنت وأصبحت بالأقدمية تارة وبالواسطة والقفز على أكتاف الأحق من الموظفين تارة أخرى ، والنتيجة أن مصر كلها أصبحت تدار عشوائيا بردود الأفعال والإجتهاد وبأسلوب إطفاء الحرائق التى تشتعل كل يوم فى كل موقع عمل ويتصدى لإطفائها مديرون هواه يحاولون إخماد النيران بالتقاط أقرب الأوعية إلى أيديهم بغض النظر ماإذا كانت مملوءة بالماء أم بالبنزين .. الغالبية العظمى من مديرينا فى مصر من أصغرهم إلى أكبرهم بحاجة إلى إعادة تأهيل لكى يمارسوا الإدارة .. والنظرية التى أدعو إليها هى فى نظرى السبيل إلى بيان كيف نحقق ذلك لعلنا ننقذ البقية الباقية من موارد الدولة التى أصبحت مشاعا لكل من يريد أن يجرب بعد أن ينجح فى اعتلاء كرسى الإدارة العالى فى المصلحة أو الهيئة أو المؤسسة أو حتى الوزارة .. لقد بدأت سلسلة الأحاديث التى ألقيها فى هذا الموضوع بلقاء مع قيادات وزارة التنمية الإدارية باعتبارها الوزارة المعنية بشئون الإصلاح الإدارى فى مصر عندما استفزنى الشعار الذى اختارته الوزارة لكى يعبر عن الإستراتيجية التى تتبعها فى عملية الإصلاح التى تقوم بها .. الشعار هو " الحكومة تبادر..الحكومة تستمع .. الحكومة تستجيب" .. ولكن تلك قصة أخرى .. وبالذات فى حكاية "تستجيب" تلك ..!
No comments:
Post a Comment