Tuesday, July 17, 2012

التطوير وسنينه: قيادة التغيير (3)


أمر التطوير عجيب .. قد يتوافر له كل عناصر النجاح من توافر إرادة التغيير لدى أصحاب المصلحة فى التطوير تشخيص دقيق للعناصر التى تحتاج إلى تطوير، والخطة التنفيذية التفصيلية لآليات التطوير، والعناصر البشرية والمادية اللازم توافرها لكى يحدث التغيير المستهدف، ولكن لو لم يتوافر القيادة المناسبة بمستوى الإصرار والمساندة الكافيين فإن التغيير لن يحدث مهما بلغ جهد من يريدون التغيير ويحلمون بحدوثه .. القيادة بالنسبة للتطوير مثل الرأس بالنسبة للجسد .. لو أخذنا بالوزن فإن الرأس تبلغ بالكاد واحد على سبعة أو ثمانية فى الشخص البالغ، ولاتمثل سوى 8% فقط من وزن الجسم، ولكنها تتحكم فى كل الجسم وحركته وردود أفعاله وطريقة تفكير صاحبه من خلال المخ الذى لايزيد وزنه عن كيلو وربع من وزن الجسم (مخ إينشتين أقل من ذلك بنصف كيلو) .. إذا بغض النظر عن عدد المشاركين فى خطة التطوير ومستوى حماسهم وعزمهم على إحداثه، فإن شخص واحد فى موقع اتخاذ القرار يستطيع إذا أراد أن يمنع أى تطوير أو يعطله ويعرقل تقدمه أو يتركه يموت موتا طبيعيا بعدم توفير الموارد اللآزمة لعملية التطوير والتى تمثل تدفق الدم الذى يحافظ على الحياة وعلى الصحة العامة ومستوى النشاط الذى يميز شخصا عن الآخر.

قيادة التغيير إذن تحتاج إلى شخص يتمتع بمواصفات خاصة يحتاجها التغيير لكى يحدث .. أول تلك المواصفات وعى وإحساس يمثلان ترمومتر يقيس درجة حرارة المؤسسة التى يرأسها أيا كان نوعها ويحدد مناطق الفوران والغليان وارتفاع حدة عدم الرضى والتذمر مما يجرى والمؤشرات على ذلك لاتخفى على العين المدربة منها الصوت العالى ومجموعات صغيرة تناقش فى همس وتسكت حين يمر بها المسئول واستقالات وغياب عن حضور الإجتماعات الهامة والشكاوى المكتوبة والمناقشات التى تدور على مواقع التواصل الإجتماعى وسوء الأداء للأجهزة المعاونة لمتخذ القرار وهكذا .. والشيئ الثانى والذى لايقل أهمية عن الأول بوصلة تحدد الإتجاه والأهداف ومدى انحراف المسار وتنبؤ بما يصير إليه الحال لو استمر الوضع على ماهو عليه وتأثير ذلك على الصورة الذهنية للمؤسسة والتى يكونها من يتعاملون معها وتظهر فى سلوكهم تجاهها وحديثهم عنها وترشيحهم لغيرهم للإنضمام إليها ومدى تردد أسمها فى المحافل الإجتماعية كمثال إيجابى أو سلبى واهتمام أجهزة الإعلام المحايدة بتتبع أخبارها واستضافة قياداتها واشتراكهم وتمثيلهم فى فى اللجان والهيئات المحترمة ذات الرسالة والمؤثرة على توجه المجتمع وتكوين ثقافته وعقيدته ونظام الحكم الذى يرتضيه.

هل يكفى ماتقدم لصنع "قائد تغيير" ؟  الإجابة للأسف لا فهناك مهارات وسمات شخصية أخرى لابد من تمتعه بها لكى يحدث التأثير المطلوب فيمن حوله ويحركهم فى الإتجاه الذى يتطلبه التغيير .. قائد التغيير لابد وأن يكون صاحب رؤية أو حلم يسعى لتحقيقه ويستشرف المستقبل ويراقب ديناميكية المسرح الذى يتولى فيه دور البطولة ويتمتع بالمرونة الكافية التى تجعله يغير اتجاهه حين تصادفه عقبات تحول بينه وبين تحقيق التغيير بالشكل الذى يريد، وتفكير استراتيجى وملكة الإبتكار لكى يكون جاهزا بالبدائل التى يستخدمها لحل المشكلات التى حتما سيلاقيها أثناء مشوار التغيير .. وقائد التغيير كذلك لايحيط نفسه بمجموعة واحدة لاتتغير مهما تغيرت الظروف حوله، ولا يسلم نفسه لهم فيرى بأعينهم ويسمع بآذانهم ويتردد فى اتخاذ أى قرار دون استشارتهم ويتراجع عن قراراته لمجرد أن يشيروا عليه بذلك وإنما هو "كشاف للمواهب" خبير بالنفس البشرية ومكونات الشخصية يعرف حدود طاقات الناس ومايحفزهم على العمل والإبداع ، ويعرف كيف يتحدى قدراتهم ويستفزهم ويحرضهم على التفكير الغير نمطى لحل المشكلات، ويحفزهم ويشحن طاقاتهم للعمل معا فى مجموعات عمل منسجمة تقل فيها الصراعات او تنعدم، وفرق يكمل بعضها بعضا ولاتتنازع الإختصاصات يحدد الأدوار ويساند الجهود ويدعمها بتوفير الموارد اللآزمة لفرق العمل لكى تنجح فى تحقيق أهداف التغيير.

من يقود التغيير لابد وأن يلعب دور "وسيط التغيير" بمعنى أن يختزل كل الآراء والإتجاهات المتعارضة ويعيد صياغتها عن اقتناع ويعيدها إلى مسار التغيير كلما تنافرت وتصارعت وانحرفت حتى لاتتشتت الجهود وتهدر الطاقات .. وهو بهذا يجيد تقسيم العمل وتحديد الأدوار، ولايوزع المناصب بل المهام، ولايعتمد الرشاوى الشخصية من مناصب أو مزايا عينية او مادية سبيلا إلى كسب التأييد من أتباعه وإنما يفاضل بينهم على أساس مدى الإلتزام ومستوى العطاء والإخلاص فى العمل والصراحة والشفافية فى إبداء الرأى وإسداء النصح بدلا من أن يسلم إذنيه لمستشارى السوء وأصحاب المصالح الذين يحرصون على مصالحهم قبل أى شيئ آخر .. ترى هل نتحدث هنا عن شخصية أسطورية نادرة الوجود؟ الإجابة مرة أخرى هى لا فمعظم تلك الصفات والسمات والخبرات يتعلمها من يريد لو توافرت له الإرادة والرغبة فى التعلم وتزخر بها كتب الإدارة والموارد البشرية المتاحة لمن يريد أن يقرأ ويفهم ثم يجرب ويتعلم من التجربة .. تلك الخبرات هى التى تميز مستشارا عن مستشار فنرى مستشارا ينظر ويعرض آراءه ووجهات نظره ويكتفى بذلك بينما المستشار الحقيقى هو الذى كون اسمه وسمعته على خبرة ميدانية عملية أتاحت له أن يرى ويسمع ويشاهد فلا يفاجئه كل حدث ويكون دائما مستعدا لمواجهة المشاكل بحلول عملية تعتمد على العلم فى الأساس ولكنها قابلة للتطبيق فى الظروف المتغيرة والإطار العام والبيئة التى تنشأ بها مشكلة.

No comments: