Tuesday, July 10, 2012

التطوير وسنينه: حالة عملية


أى عملية تطوير تعنى بالضرورة محاولة تغيير وضع قائم إلى وضع أفضل، وهى بهذا المعنى تمرد على التسليم بالأمر الواقع وقبوله على أنه أحسن مايمكن، وبالتالى رفض التعلل بأسباب الظروف والملابسات والمواءمات التى تتخذ فى كثير من الأحيان حججا تجهض التطوير أو تعرقل انطلاقه .. التطوير الجيد بطبيعته مثل مرآة للواقع يرى فيها الناس أخطاءهم بوضوح ويرون نتائج أعمالهم ومايترتب عليها من نتائج يمكن أن تكون ضارة للغير او للمؤسسات التى يعملون بها ، ومن هنا فهو يمثل تهديدا للمراكز التى كونوها بفعل الزمن، والمزايا التى اكتسبوها، ومعظمها يكون بغير وجه حق لأنهم اقتنصوها بسبب وجودهم فى المكان المناسب فى الوقت المناسب وليس لأنهم يستحقونها عن علم أو خبرة أو بالتحالفات التى تكونت للدفاع عن تلك المراكز .. والتطوير يمثل كذلك عبئا على "تنابلة السلطان" الذين يأكلون ويشربون وتلتقط صورهم بجانبه، ثم يذهبون للنوم وهم يظنون أنهم قد حققوا إنجازات رائعة، وحين يستيقظون يظلوا يسبحون بحمد السلطان فى حلقات ذكر جماعية أو فى عزف منفرد ثم يروحون مرة أخرى فى غيبوبة استعدادا ليوم جديد من النفاق والمداهنة "والبهللة" قانعين بأن يكونوا أصفارا، رافضين لأى تكليف ذا قيمة يتطلب عملا ومجهودا أو حتى تفكيرا.

عرضت مرة إطارا عاما لخطة تطوير – لاحظ أنى اقول إطارا عاما للخطة وليس الخطة نفسها بتفاصيلها- على أعلى سلطة اتخاذ قرار فى مؤسسة عريقة "ذات تاريخ" واستغرق العرض أقل من ساعة .. كان العرض بسيطا واضحا بلغة سهلة لاتحتمل أى تأويل ولا يرصعها تعبيرات علمية معقدة، وطلبت فى آخر العرض رأى من حضروا، وشجعتهم على طرح الأسئلة ولكن أحدا مهم لم ينطق لا بتعليق ولا بسؤال، ولكنى حين تحاورت مع رئيس المؤسسة عن انطباعاته فوجئت به يضحك قائلا أن البعض لم يفهم كلمة مما قلت وأنهم ذهبوا إليه ليعاتبوه على السماح لى بهذا الوقت قائلين "منك لله".. بديهى أن هؤلاء سوف يتربصون بأى خطة تطوير ويتحينون الفرص لإثبات عجز من تجرأ وأزعجهم "بهز" المركب التى يجلسون على حافتها من كل الجوانب يحيطون بالربان ويرصدون بالساعة ماتم إنجازه ويشككون فى النوايا ويتفاخرون بأنهم كانوا على حق حين رفضوا فكرة التطوير من الأساس، بل إن بعضهم يعتقد بطول مدة بقائه فى موقعه أن من حقه أن يعرض عليه خطوة بخطوة مايتم عمله لمنحه البركة قبل الإنتقال إلى أى خطوة لاحقة.

قارن ذلك بمجموعة أخرى متحفزة للتغيير، غير راضية عن الأمر الواقع، ومتمردة على النمط الذى تدار به المؤسسة التى ينتمون إليها، وغيورين على إسم المؤسسة وسمعتها وتاريخها، تزاحموا لكى يحضروا لقاءا مماثلا عرضت فيه نتائج مرحلة من مراحل خطة مكتملة للتطوير فى نفس الوقت الذى قضيته لعرض الإطار العام على للمشروع على المجموعة الأولى من ذوات "المكالم" (جمع مكلمة) وكان المفروض طبقا لأجندة الإجتماع أن تكون الأسئلة والإقتراحات – إن وجدت – فى حدود نفس مدة عرض الخطة أى ساعة فإذا بالإجتماع يمتد لساعتين أخريين طرحت فيها أفكار واقترحت مسارات واتخذت مبادرات كلها تصب فى اتجاه التطوير والتغيير لكى تصبح المؤسسة جاهزة لمواجهة التحديات الهائلة وملاحقة التغيير المتسارع فى الشارع المصرى بعد ثورة 25 يناير..وباستثناء قلة قليلة آثرت الصمت أو طرحت أسئلة لاعلاقة لها بما تناوله العرض بقصد التشكيك فى أهدافه وتخويف صانع القرار ألا يدعمه لم يكتف الحضور بالمناقشة والمساهمة بالرأى وإنما أعلنوا بوضوح وقوفهم خلف الخطة واستعدادهم للمشاركة الفعلية فى ترجمتها إلى واقع وقبول أى تكليفات تجعل ذلك ممكنا.

الفرق بين الحضور فى المناسبتين فى نظرى يتلخص فى أمرين محددين هما مستوى الولاء للمؤسسة، ودرجة الوعى بالمصلحة العامة وتغليبها على المصلحة الشخصية..مجموعة رافضة للتغيير أصلا لأنها لاتستشعر ضرورة له ، ومجموعة ترى فى التغيير طوق نجاة لما آل إليه حال المؤسسة..مجموعة ترفض الفكرة من أساسها وتعتبرها مؤامرة ومقامرة، ومجموعة لاتخشى التجريب ومستعدة لسداد الفاتورة بشجاعة التصدى والمواجهة..مجموعة تهرب من مرارة الواقع الذى ساهموا فى صنعه بحقن أنفسهم بمخدر أحلام اليقظة الذى يجمل الواقع، ومجموعة تصر على البقاء متيقظة لمواجهة الخطر بالتفكير الواعى فى وسائل تغيير هذا الواقع..مجموعة تظن أن الصراخ والعويل سوف يخيف شيطان الفشل ويصرفه، ومجموعة تعلم أن ذلك سوف لايصرف الشيطان بل سيغريه باستدعاء أنصاره لكى يشتركوا فى حفلات "الزار الخطابى" يحمس المشتركين فى حلقة الزار ويجعهلهم يتمايلون فى هستيريا تتصاعد تدريجيا كلما زاد الصراخ ويبقى على حالة الغيبوبه والغياب عن الواقع، يلعبون دور "الملقن" يذكر الممثلين على خشبة المسرح  بما نسوه ويعيدهم إلى النص إذا خرجوا عنه .. مجموعة تهرب من المعرفة فلا يعنيها أن تسأل لكى تفهم ، ومجموعة لاتريد للإجتماع أن ينتهى وتريد أن يستمر النقاش وتبادر بالأسئلة والرأى وعرض المشاركة..وقد يقول قائل: المستوى العلمى أيضا يحدد مستوى استيعاب مايقال، ولكنى لاأقبل هذا التفسير على علاته لأنى أوضحت بأن اللغة التى استخدمت مع المجموعة الأولى كانت دارجة وبسيطة ولكنها صادمة يتخللها أمثلة من أفلام معروفة ولقطات كوميدية تلطف الجو وتخفف من لغة العلم وتقرب المعانى للأذهان .. أما الفارق الجوهرى الذى يحسم كل خلاف فهو أن المجموعة الأولى سعداء بتبعيتهم، والمجموعة الثانية تصر على القيادة وتحمل تبعاتها وهؤلاء هم "وسطاء التغيير".

No comments: