كتب الإدارة وتنمية الموارد
البشرية تخصصان فصولا كثيرة عن العمل الجماعى وروح الفريق ومايمكن أن تحققه أى
مؤسسة تسود فيها تلك الثقافة ومدى تميزها وتفوقها على منافسيها بدليل أن آلاف العناوين
التى تصدر كل يوم فى هذين التخصصين أصبحتا من أكثر الكتب مبيعا فى العالم متفوقة
فى ذلك على الروايات والقصص والكتب الدينية .. والإدارة وتنمية الموارد البشرية
علمان مختلفان لكل منهما أصوله وقواعده ومهاراته التى يشدد عليها، ولكنى شخصيا أحب
أن أفكر فيهما معا على أنهما علم واحد متكامل يمثل الإسثثمار فى تحسين جودة الناس
والإهتمام بتنمية قدراتهم حجر الزاوية فى قيامهما وتطورهما حتى أصبحا أساس
المفاضلة والإختيار للمناصب القيادية الرفيعة فى أى مؤسسة محلية أو إقليمية أو
عالمية.. ولو اعتبرناهما معيارا نقيس عليه تقدم الدول وجاهزيتها لمواجهة تحديات العالم
الواحد الذى نتقاسم موارده كل على قدر حجمه لوجدنا أنهما عاملان فاصلان بين التطور والجمود
والتقدم والتأخر والإنفتاح والإنغلاق والرفاهية والفقر والصحة والمرض
.. وعلى الرغم من توافر كل الإحصاءات التى تؤيد وجهة نظرى إلا ان
المقال الصحفى ليس مكانا لذلك ولكنى أستطيع أن أورد أمثلة سريعة تدلل على ماأقول:
ماحدث لمصر خلال ستين عاما من سوء الإدارة وانتهى بثورة أطاحت برأس النظام وكبار
رموزه بعد أن أصبحت مصر رمزا للتخلف فى المنطقة وماحدث ويحدث فى الهند والصين
والكوريتان من طفرات وإنجازات وراءها شعوب تدير كل شئونها ومواردها بأساليب
الإدارة الحديثة وتعتمد فى خططها على فرق عمل من البشر لديهم يقين بأنهم الأساس
لتحقيق أى نهضة ويعلون من قيمة العمل باعتباره السبيل الوحيد إلى ذلك، والنتائج
التى تحققت فى آخر أولمبياد شاهدناه خير دليل على مدى الجدية والإلتزام والإصرار
على التفوق وحصد الميداليات فى تلك الدول.
مصر الآن أحوج ماتكون إلى حل سريع
يضع أقدامنا على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف الثورة واستكمال مسيرة الإصلاح
اعتمادا على قواعد علم الإدارة وإحداث طفرة فى إعداد الناس لقبول مسئولية التغيير
والمشاركة فى صنعه تحفيزهم على العمل معا رغم الإختلاف فى الرؤى والتوجه طبقا لخطط
مدروسة وأهداف واضحة معلنة وقبول الآخر وليس محاولة تغييره ليصبح نسخة منا كشرط
لقبوله والتعايش معه .. لو انتظرنا حتى ينصلح حال التعليم ويصبح لدينا تعليما
حقيقيا يستهدف المعرفة ويؤصل القيم ويحفز على التفكير ويكتشف المواهب ويوظفها ويعد
الخريج لمواجهة متطلبات أسواق العمل بمصر والخارج، فإننا سوف ننتظر كثيرا وربما
لأجيال قادمة وذلك ترف لانقدر عليه ولانملك أن نورثه للجيل الذى قام بالثورة ..
ولو تركنا مصر تسير بقوة دفع الثورة التى قارب عمرها على السنتين فإن قوى كثيرة
تتنازع المناصب وتتكالب على المكاسب الشخصية وتستميت لفرض الإرادة وإثبات الوجود
وخلف كل هؤلاء جيوش ممن حرمتهم الثورة من الجاه والسلطان وهزت عروشهم واصبحت تهدد صميم
مصالحهم ومستقبلهم وإحساسهم بعدم الأمان .. هؤلاء لاهم لهم سوى إشعال فتائل الفتن
والكراهية والبغض والحقد وروح الإنتقام بين المصريين وكلها فيروسات تهاجم جسم
الأمة توهن عزيمتها وتسلبها إرادتها وتضعف من قوة الدفع الهائلة التى تولدت بعد
الثورة للتغيير، فما العمل إذن؟
هناك انفلات فى الشارع المصرى فيما
يختص بسلوك الناس وأصبح الإستهتار بحقوق الآخرين سمة غالبة تميز سلوك المصرين بوجه
عام وتعذب القلة التى لاتزال تؤمن بالإلتزام والتمسك بالقيم والأخلاق فى التعامل
مع الآخرين واحترام حقوقهم ، وتدهورت الخدمات بعد أن ركن الناس إلى الكسل
واللامبالاة والميل إلى الكسب السريع دون عمل والتفنن فى "قتل" الوقت فى
نشاطات غير منتجة .. أصبحت الشوارع "مزابل" وتكرر انقطاع الكهرباء
والمياه وزاد الضجيج والصخب بالشارع ويكاد التحرش يصبح ظاهرة تهدد استقرار وأمن
المجتمع كله، وأصبحت الخيام والبطاطين ونصب الأكشاك العشوائية والإعتصامات وقطع
الطرق وسائل لفرض الرأى بالقوة والبلطجة بدلا من الحوار واللجوء للقانون للحصول
على الحق أو تغيير قانون أو الإعتراض على قرار إلى الدرجة التى أصبح فيها أشهر
ميدان فى مصر والذى انطلقت منه الثورة ملجأ لأسر بأكمها تعيش فى خيام عشوائية
متناثرة ومايستتبع ذلك من خلق عشوائيات جديدة فى قلب ميادين عاصمة مصر وعواصم
محافظاتها المختلفة استغلالا لضعف قبضة الأمن والحساسية من التهم التى توجه
للأجهزة المختصة لو حاولت أن تواجه تلك السلوكيات.
لابد إذن أن نفكر خارج الصندوق
ونلجأ للحلول غير التقليدية لإيجاد مخرج سريع يعيد بعض مافقدناه ونفقده كل يوم ..
ماذا لو قننا اللجان الشعبية من مجموعات عمل من الشباب المعروفين فى كل حى ومعهم
عدد من الشخصيات العامة المحترمة وتكون مهمة تلك اللجان ممارسة نوع من الحكم
الذاتى للحى بالتنسيق مع الأجهزة المختصة لحل المشاكل التى يتعرض لها الناس مع تلك
الأجهزة وضبط إيقاع الشارع ومواجهة صور التسيب والسلوك غير المسئول أو أى خروج على
القيم والآداب العامة ورفع درجة وعى الناس بشركائهم فى الوطن واحترام وبحقهم فى أن
ينعموا بالهدوء والسكينة فى بيئة نظيفة وتنمية روح التعاون والعمل الجماعى التطوعى
لرفع مستوى الحياة فى الأحياء والإبلاغ عن أى إهمال رسمى يمس المرافق أو الأعطال
ومتابعة إصلاحها .. تلك فى رأيى هى الوسيلة الوحيدة العاجلة والمتاحة الآن لكى
نواجه مانشكوا منه ويسير بالتوازى مع خطط الدولة ‘ طويلة المدى فى هذا الشأن.
No comments:
Post a Comment