Friday, January 29, 2010

كارثة الخطاب الدينى فى مصر

ماذا نقول فى خريج أزهرى المفروض فيه أن يكون داعية يؤم الناس فى المساجد ويكون أعلم منهم بشئون دينهم ولكنه لايحفظ القرآن ؟ كيف تخرج ، ومن الذى صدق على الدرجة العلمية التى حصل عليها وهو لايستحقها ؟ أسئلة هامة يستحق كل المسئولين عنها محاسبة جادة تتناسب مع حجم المأساة.
أقول ذلك بمناسبة ماأثير أخيرا من أن 16 الف خريجا أزهريا قد رسبوا فى الإختبارات الأولية للأئمة الذى أعلنت عنه مؤخرا وزارة الأوقاف من أصل 19 الف خريج من كليات الشريعة بجامعتى الأزهر ودار العلوم ، ولم تجد الوزارة فى النهاية غير ثلاثة آلاف يصلحون بالكاد لكى يكونوا أئمة أى بنسبة تقل عن 16%.. كيف يمكن أن نتحدث عن تغيير أو تطوير الخطاب الدينى دون أن نعد الداعية الملم بأحداث العصر والمفروض أنه مؤهل ليفتى فى أمور الدين ويربطه بواقع الحياة والمعاملات بين الناس ؟ هل صحيح أن الغالبية ممن يعينون أئمة مساجد نيشغلون بأعمال لاصلة لها بعملهم سعيا وراء الرزق وزيادة الراتب الهزيل الذى يتقاضونه ولكنهم يحتفظون بالوظيفة كنوع من الأمان الوظيفى مثلهم فى ذلك مثل ملايين العاملين بالحكومة ؟
إذا كان هذا هو ناتج عمل أكبر وأقدم جامعة فى المنطقة قوامها 32 ألف عضو هيئة تدريس ومثلهم من الإداريين ناهيك عمن يعملون بدار العلوم يتقاضون مرتبات ومكافآت وحوافز ويبيعون كتبهم التى يقررونها بأنفسهم على الطلاب ، ألا يقتضى ذلك وقفة مسئولة وجادة تستشعر عظم الكارثة ، وتتيقن من الحقائق التى أطرحها هنا بالمقاييس العلمية والبحث الموضوعى الجاد ؟ والموضوع لايعنى جامعة الأزهر وحدها وإنما الجهة التى تتبعها الجامعة والمسئولة عن مراقبة الجامعة واعتماد سياساتها ونظمها وتقييم ناتج عملها .. والمشكلة بهذا بالغة التعقيد حيث لايختلف أحد على أن دور الأزهر قد تضاءل وزاد ضعفا بطريقة ملحوظة خلال العقد الماضى، وازداد بعدا عن مسايرة مشاكل العصر وملاحقة التطور فى الخطاب الدينى لكى يتناول المتغيرات المتلاحقة فى حياة الناس ومطالبها الملحة وماطرأ على المعاملات ،ولاينبغى إطلاقا أن يرهبنا شخص من يتولى مشيخة الأزهر عن أن نقول كلمة حق وأن نبدى رأينا موضوعيا لكى تقوم تلك المؤسسة العريقة بدورها مهما كان نوع التغيير المطلوب.
جامعة الأزهر التى كانت الأمل فى تخريج دعاة يؤمنون بالوسطية وينتشرون فى كل بقاع الأرض برسالة الإسلام السمح الذى يعترف بكل الأديان السماوية ويتعايش معها فى سلام ، وتستقبل مبعوثين من أكثر من مائة دولة أسلامية لكى تعدهم كدعاة مستنيرين يسهمون فى نشر تلك المبادئ السماوية السامية .. هذه الجامعة العريقة يحكمها فكر جامد غير متطور لايلاحق أيقاع العصر ، ولا يسعى لتطوير برامجه ولا مقرراته لكى تتناول دور الدين فى تناول مشاكل المجتمع بمفهوم عصرى لايخل بثوابت الدين ولكنه يتصدى لكل مايستجد من تيارات مدمرة .. خريجو الأزهر ينضمون إلى طابور الدعاة التقليديين الذين يملئون الساحة حاليا موظفين فى وزارة الأوقاف يحفظون نصوصا قديمة لخطب عفا عليها الزمن لاعلاقة بينها وبين التعاملات بين الناس ولا المشاكل العصرية التى يعانون منها.. خريجو الأزهر الذين نبعث بهم للخارج لايجيدون أى لغة أجنبية على الرغم من وجود كلية للغات والترجمة تابعة للجامعة .. الكتب التى يشتريها الطلاب لم يتغير فيها حرف منذ أكثر من ربع قرن .. قلعة حصينة مغلقة الأبواب فى وجه أى تيار إصلاحى يهدد المستفيدين من بقاء الحال على ماهو عليه.
هل نحن بحاجة إلى إعادة النظر فى قرار إنشاء الجامعة والذى خرج بها عن دورها فى أن تكون جامعة متخصصة فى العلوم الشرعية لتخريج دعاة مستنيرين مسلحين بالعلم وأدوات التخاطب باللغات المختلفة لكى ينتشروا فى الأرض ينشرون رسالة دين سمح وسطى يحترم كل الأديان ويتعايش معها فى سلام ؟ أم أننا بحاجة إلى "هز شجرة الجميز" والدفع بدم جديد وفكر متطور ليقود مسيرة التحديث والتطوير فى تلك الجامعة على أسس عصرية سبقتنا إليها جامعات دينية شتى فى السعودية والمغرب العربى سحبت البساط من تحت أقدام جامعة الأزهر بمقررات متطورة وأعضاء هيئة تدريس يجيدون اللغات ويتعاملون مع العلوم الشرعية بروح العصر ومتطلباته ؟ أذكر أن جهات مانحة عرضت على جامعة الأزهر أن تنشئ وتجهز مراكزا لتعليم اللغة الإنجليزية للطلاب لاستكمال إعدادهم للدعوة فثار لوبى أصحاب المصالح والمقاومون للتغير ولووا الحقائق متهمين المبادرة بمحاولة التغلغل واختراق الجامعة لأغراض شتى مستخدمين فى ذلك العديد من الإكليشيهات سابقة التجهيز لإجهاض المبادرة وليبقى الحال على ماهو عليه من جمود وتخلف .

No comments: